**الفصل 36**
بينما كان ماتيو يمرّر يده بنزقٍ على جبهته، استقرّت عيناه على كومة الرّسائل المتراكمة على المكتب.
كان الحفل الّذي ستقيمه عائلة لورنتينو الدّوقيّة على وشك الانعقاد بعد أيّامٍ قليلة.
كان والده، دوق لورنتينو، قد أمره بمراجعة قائمة المدعوّين.
ومن بين تلك الدّعوات، كانت دعوة عائلة ديفونشاير الكونتيّة موجودةً بالطّبع.
دون تفكيرٍ إضافي، بحث ماتيو عن دعوة عائلة ديفونشاير ودسّها في جيبه.
* * *
مرّ اليوم الأوّل لافتتاح صالون كلينا بسلام.
بينما كنتُ أرتبّ الدّفاتر في مكتبي، أطلقتُ تنهيدةً خفيفة.
لم أكن أتوقّع أرباحًا كبيرة من البداية.
صحيح أنّ العديد من النبلاء والشخصيّات البارزة حضروا بما يكفي لاعتباره نجاحًا.
لكن بغضّ النّظر عن ذلك، كانت التّكاليف الّتي تكبّدناها هائلة.
‘أليس من المعروف أنّ الشهر الأوّل لأيّ افتتاحٍ جديد يعتمد على العطاء لتحقيق المكاسب؟’
مجرد التفكير في بطاقات الشخصيّات المهمّة الّتي وزّعتها يؤكّد أنّ اليوم الأوّل كان خسارةً تجاريّة.
مع كلّ هذا العطاء، كان من الطّبيعي أن يتدفّق النّاس في اليوم الأوّل.
المهمّ هو الحفاظ على هؤلاء الزّبائن ليعودوا مرّةً أخرى.
صحيح أنّ ‘حفل زهور الرّقص’، الفعاليّة غير المتوقّعة، أثارت ضجّةً في الأوساط الاجتماعيّة.
لكن لا يمكن الاعتماد على هذا الحدث وحده للاستمرار.
‘نحتاج إلى شيءٍ جديد…’
بالطّبع، لديّ فعاليّات مخطّط لها مسبقًا مثل المزاد أو دعوة مغنّين، لكنّها تبدو تقليديّة.
كنتُ بحاجة إلى فعاليّةٍ مبتكرةٍ تضاهي ضجّة ‘حفل زهور الرّقص’.
لن أقيم فعاليّات يوميّة، بل مرّةً واحدة أسبوعيًّا في عطلات النّهاية، عندما يكون الإقبال الأكبر.
في الأوقات الأخرى، سأترك إدارة الصّالون للمدير، لأنّني لا أستطيع البقاء هناك دائمًا.
حتّى لو كانت الفعاليّات أسبوعيّة، فإنّ تكرار نفس الأحداث سيجعلها مملّة بسرعة، لذا كنتُ قلقة.
بينما كنتُ غارقةً في التّفكير كمخطّطة، سمعتُ فجأة طرقًا على الباب.
رفعتُ رأسي بدهشة، لأجد خادمتي الخاصّة إيما تتحدّث بتعبيرٍ محرج:
“آنسة… لقد جاء زائرٌ يطلب مقابلتكِ…”
‘زائر؟ من قد يكون يبحث عنّي؟’
فجأة، خطرت لي صورة وليّ العهد الّذي زار المنزل سابقًا.
‘هل عاد مجدّدًا؟’
لكن لو كان الأمر كذلك، لما بدت إيما محرجةً هكذا.
بدهشة، نهضتُ مسرعةً نحو مدخل القصر. عند الباب المفتوح، رأيتُ شيئًا ضخمًا.
بل بالأحرى، كانت امرأةً تحمل شيئًا ضخمًا بيديها.
“سابرينا…؟”
كانت سابرينا تقف حاملةً حقيبتين أكبر من جسدها بسهولة.
نظرتُ إلى الحقائب بدهشةٍ وسألت:
“ما هذا كلّه…؟”
ابتسمت سابرينا بإحراج:
“كلير، هل يمكنني المبيت عندكِ؟”
“ماذا؟”
عندما سألتُ بدهشة، ضحكت سابرينا بتوتر:
“لقد هربتُ من المنزل.”
* * *
في مقهى، جلست سابرينا مع ليليان وهي تتذمّر بحنق:
“من يظنّ نفسه ليتدخّل في خروجي؟ هل هو والدي؟”
‘إنّه ربّ عملكِ…’
“يظنّ أنّه إذا حبسني في الغرفة لن أخرج؟ فتح الأقفال، كسر الأبواب، التّسلّق عبر فتحات التّهوية، هذه أمورٌ سهلة بالنسبة لي.”
‘ما نوع الحياة الّتي عشتِها لتصبحي هكذا…؟’
عندها، ابتسمت ليليان بهدوء وسألت:
“إذن، تقولين إنّ الشرير ربّما رآكِ مع عصابة هيكتور؟”
هدأت سابرينا من حماسها وأومأت برأسها عندما أعادت ليليان طرح الموضوع بهدوء:
“نعم، كنتُ ألتقي بهم بشأن أمن الصّالون، وعندها مرّ الشرير بعربته.”
‘هل يمكن أن يكون الشرير قلقًا عليكِ؟’
من وجهة نظر الآخرين، كان من الممكن أن تبدو سابرينا محاطةً بأشخاصٍ ذوي مظهرٍ مخيف خطرةً جدًّا.
لكن في الحقيقة، سابرينا هي الأخطر بينهم…
عصابة هيكتور لم تكن خطرة، بل أصبحوا ينفّذون أوامر سابرينا دون تردّد، حتّى لو طلبتهم دفن رؤوسهم في الأرض.
‘لكن الشّرير لا يعرف هذه التّفاصيل.’
لكن، لحظة…
“ألم تقولي إنّه إذا لم يقبل استقالتكِ، ستهربين؟”
“أنا محبوسةٌ في غرفة الآن، هل هذا أمرٌ بسيط؟ سأختفي تمامًا، وعندها سيستسلم.”
‘صراحةً، أليس الواقع أنّكِ كنتِ تستمتعين بالرّاتب الثّابت وحياة الرّفاهية في الغرفة الفاخرة؟’
كبحتُ أسئلتي وحوّلت الموضوع:
“لكن لمَ منزلي بالذّات؟ أليس قصر عائلة سينكلير الخاص بليليان أكثر راحة؟”
ردّت ليليان، وليس سابرينا، بابتسامةٍ خفيفة:
“عائلتا فاليريان الدّوقيّة وسينكلير الماركيزيّة تتعاونان تجاريًّا. دوق فاليريان يزور قصرنا أحيانًا لأمور العمل.”
أضافت سابرينا وهي تهزّ كتفيها:
“لذا، أرجوكِ، كلير. هل تحتاجين إلى خادمةٍ إضافيّة؟ لا أجيد التّنظيف أو الطّبخ أو الغسيل، لكنّني قويّة جدًّا.”
‘سابرينا، لا يُطلق على هذا خادمة…’
‘ما الّذي رآه الشّرير فيكِ ليبقيكِ خادمةً؟’
“لا بأس، لدينا غرفٌ كثيرة للضّيوف، فابقي براحتكِ.”
بدت سابرينا متأثّرة:
“أن أبقى براحتي؟ أهذا يعني أنّ عليّ الرّحيل يومًا ما؟ لقد هربتُ من ذلك الشّرير، فكيف سأعيش؟”
‘لمَ تصرّين على فكرة الخادمة؟ هل تظنّين أنّ عمل الخادمة في منزلٍ آخر سيكون مريحًا كما في قصر الدّوق؟’
تنهّدتُ وحاولت تهدئتها:
“حسنًا، سأفكّر في الأمر.”
‘ليس كخادمة، بل كحارسة…’
نظرت ليليان إلينا وابتسمت:
“أنا حسودة. أتمنّى لو أعيش في منزل كلير أيضًا.”
‘هل يظنّون أنّنا نختار غرف رحلةٍ مدرسيّة؟’
بالطّبع، سيكون ممتعًا لو عشنا معًا، لكن…
“إذا هربتِ ليليان، ستنقلب عائلة سينكلير رأسًا على عقب.”
إذا اهتزّت عائلة سينكلير، قد يؤثّر ذلك على المجتمع النبيل، فهي عائلةٌ ذات نفوذٍ كبير.
وهذا قد يعطّل أعمال صالوني…
بينما كنتُ أفكّر جديًّا في مصير الصّالون، قالت ليليان بحسرةٍ وهي تمسك خدّها:
“حقًّا، هذا لن ينجح. يا للأسف…”
‘لحسن الحظّ، ليليان ليست متهوّرةً مثل سابرينا.’
* * *
بعد قضاء وقتٍ طويلٍ في النّقاش حول أفكار للصّالون مع ليليان حتّى وقتٍ متأخّر، توجّهنا إلى قصر الكونت.
عندما دخلت العربة مدخل القصر، انبطحت سابرينا فجأةً على أرضيّة العربة كجاسوسٍ في فيلمٍ مثير.
نظرتُ إليها بدهشةٍ وهي ملتصقةٌ بالأرض:
“سابرينا؟”
وضعت سابرينا إصبعها على شفتيها وأشارت: “شش!”
ثمّ همست:
“عربة الشّرير تقف أمام قصر الكونت!”
نظرتُ من النّافذة، وبالفعل، رأيتُ عربةً تحمل شعار عائلة فاليريان الدّوقيّة عند المدخل.
‘كيف لاحظتِ هذا بهذه السّرعة؟’
“صحيح.”
نظرتُ حول العربة، ولاحظتُ رجلاً طويل القامة بشعرٍ أسود يقف أمامها.
‘هل هذا هو الشّرير الّذي قرأتُ عنه في الرّوايات؟’
كان بعيدًا، فلم أرَ وجهه بوضوح، لكنّ جسده كان واضحًا.
“ماذا نفعل؟”
تنفّست سابرينا بعمقٍ وقالت بهدوء:
“سأبقى هنا، فاذهبي أنتِ وتعاملي معه.”
“ماذا؟”
“لا يمكنني الخروج معكِ.”
“لكن، الشّرير ليس كلبًا لأتعامل معه وحدي…”
قبل أن أكمل جملتي، نظرت سابرينا إليّ بتعبيرٍ يائس.
‘حسنًا، هذا خطأي لأنّني اخترتُ صديقةً مثلكِ…’
تنهّدتُ، فتحتُ باب العربة المتوقّفة، ونزلتُ.
عندما لاحظ دوق فاليريان توقّف عربة عائلة ديفونشاير، رفع رأسه ببطء.
حتّى من بعيد، كان طوله وجسده الضّخم وهالته القويّة طاغية.
اقترب الرّجل بخطواتٍ لا هي متعجّلة ولا بطيئة.
بين خصلات شعره الأسود المتسرّبة، لمعت عيناه الزّرقاوان كالفجر.
‘هل هذا حقًّا الشّرير؟’
‘يبدو طبيعيًّا أكثر ممّا توقّعتُ…’
بينما كنتُ أتأمّل مظهره الّذي فاق توقّعاتي، توقّف الشّرير أمامي وقال بصوتٍ بارد:
“أين سابرينا؟”
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 36"