**الفصل 35**
بينما كانت صوفيا تتذمّر وحدها، لم تنقطع أحاديث السيّدة سيلفرين وغيرها من السيّدات.
“هل حضرتِ أيضًا ‘حفل زهور الرّقص’؟ هل صحيح أنّ النّساء رقصن معًا دون طلبٍ من الرّجال؟”
عند سؤال السيّدة المليئة بالنّمش بحماس، ابتسمت سيلفرين وكأنّها تستعيد تلك الذّكرى بنظرةٍ حالمة:
“نعم، صحيح. لم أشارك لأنّني كنتُ مراقبة من عمّي، لكن العديد من النّساء انضممن إلى الحفل. لم تكن هناك ولو ‘زهرة حائط’ واحدة، بل كانت كلّ زهرة تزيّن المسرح بجمالٍ رائع.”
قالت سيلفرين بخجلٍ ووجهٍ متورّد:
“إذا أُتيحت لي فرصة العودة إلى صالون كلينا، سأشارك بالتأكيد في ‘حفل زهور الرّقص’.”
عندها، أبدت السيّدات حولها تعابير إعجابٍ ووافقنها:
“وأنا أيضًا! قد يكون هذا محرجًا، لكن… لم أرقص مع رجلٍ منذ حفل تقديمي الأوّل.”
“أنا كذلك. دائمًا ما يتجمّع الرّجال حول السيّدات الشّهيرات فقط.”
“حفل رقصٍ لا يتطلّب هذه الهموم يبدو رائعًا جدًّا.”
عند كلام السيّدات، انحنت سيلفرين كما لو كانت ستشاطرهنّ سرًّا:
“سمعتُ في صالون كلينا أنّ ذلك الحفل كان مجرّد البداية. يقال إنّه ستُقام فعاليّات أخرى لا يمكن تجربتها في الحفلات العادية، ليس فقط حفلات الرّقص.”
“فعاليّات لا تُختبر في الحفلات العادية؟ ما هي؟”
ردّت سيلفرين بابتسامةٍ هادئة:
“لا أعرف بالضّبط.”
ظهرت تعابير القلق على وجوه السيّدات المحيطات بها.
في وسط هؤلاء، سخرت صوفيا داخليًّا:
‘افخرن كما شئتن، سأذهب بنفسي وأستمتع. وعندها، سأكون أنا من تبتسم، وليس سيلفرين.’
مع هذه الأفكار، عزمت صوفيا مجدّدًا:
‘في المرّة القادمة، سأذهب إلى صالون كلينا حتّى لو اضطررتُ لتجنّب أمّي.’
* * *
كان ماتيو جالسًا بجانب نافذةٍ تتدفّق منها أشعّة الشّمس، يحدّق بلا هدفٍ في الزّهور المتفتّحة خارجًا.
‘يقال إنّ الجميع يسمّون ذلك الحفل في الصّالون ‘حفل زهور الرّقص’؟’
حفل زهور الرّقص…
من بين العديد من النّساء اللواتي ارتدين فساتين ملونة كالزّهور، كانت هناك واحدةٌ تتألّق بشكلٍ خاص.
عجيبٌ أنّه، من بين كلّ تلك النّساء، استطاع تمييز كلير بسهولة.
فجأة، تذكّر كلير وهي تبتسم بمرحٍ كزهرةٍ متفتّحة.
لم يرَ كلير تبتسم بهذا السّطوع من قبل.
كلير السابقة، كيف يمكن وصفها؟
‘كأنّها نبتةٌ جافّة تُركت وحيدةً في شتاءٍ قارس.’
كانت كائنًا يتحرّك حسب إرادة الآخرين، تُرفض إذا رُفضت، وتُداس إذا دِيسَت، تقف في مكانها بهدوء.
أمّا كلير الآن…
‘نعم، تبدو حيّة.’
كأنّها زهرة صيفٍ متفتّحة، تعلن وجودها بقوّة.
أيّهما هي كلير الحقيقيّة؟
فجأة، عادت إليه ذكرى كلير في طفولتها.
خطوبةٌ قسريّة فرضها الكبار.
كان عمره 15 عامًا، وكلير 11 عامًا فقط.
* * *
قبل عشر سنوات، في حفل عائلة لورنتينو الدّوقيّة.
هرب ماتيو من الحفل المملّ إلى الحديقة، لكنّه نظر بضيقٍ إلى كلير الّتي تتبعه كجروٍ صغير:
“توقّفي عن متابعتي.”
ارتجفت كتفاها وتمتمت بصوتٍ خافت:
“آسفة.”
أضافت كلير بحذرٍ وبصوتٍ منخفض:
“لكن والدي أمرني أن أبقى بجانب الأمير الصّغير…”
“هل تعتقدين أنّني سأهرب إلى مكانٍ ما؟”
نظر ماتيو بازدراءٍ إلى الفتاة الصّغيرة الّتي بالكاد تصل إلى خصره.
كان ماتيو، بين أقرانه البالغين 15 عامًا، طويل القامة بشكلٍ لافت، يُشبه الرّجال البالغين، حتّى أنّ الفتيات والسيّدات كنّ ينظرن إليه خلسةً.
أمّا كلير، فكانت صغيرةً ونحيفةً لدرجة أنّه يصعب تصديق أنّها تبلغ 11 عامًا.
لو لم يعرف عمرها، لظنّها في الثّامنة.
“فتاةٌ صغيرة مثلكِ إذا تبعتني قد تُختطف من قِبل مختطفٍ يتجوّل في الشّوارع.”
كان ينوي تخويفها، لكن كلير، البالغة 11 عامًا، أصيبت بالفزع حقًّا وبدأت عيناها تدمعان.
تنهّد ماتيو بعمقٍ وقال:
“حسنًا، لا تبكي. يمكنكِ البقاء بجانبي، لكن لا تبكي.”
“آسفة.”
تنهّد ماتيو بضيقٍ من كلير الّتي كانت تعتذر دائمًا:
كانت طفلةً صغيرةً وخجولةً بشكلٍ خاص.
‘ألم يقولوا إنّها فقدت أمّها قبل بضع سنوات؟’
فكّر أنّ وضعهما ليس مختلفًا كثيرًا.
على عكسه، الّذي فقد أمّه في سنٍّ مبكّرة جدًّا لدرجة أنّه لا يتذكّر وجهها، كانت لكلير ذكرياتٌ مع أمّها، وهذا هو الفارق الوحيد.
جلس ماتيو على مقعدٍ قريب ووضع يديه خلف رأسه بملل.
بينما كانت كلير تتردّد على مسافةٍ منه، عبس ماتيو وقال:
“إذا كنتِ ستبقين واقفةً هكذا، عودي إلى قاعة الحفل. لا تزعجيني.”
نظرت كلير إليه بعيونٍ متفاجئة، ثمّ اقتربت بحذرٍ وجلست بجانبه.
نظر إليها ماتيو وتنهّد مرّةً أخرى، محتقرًا نفسه.
‘خطوبةٌ مع طفلةٍ كهذه؟’
بالطّبع، بعد بضع سنوات قد تبدو كسيّدة، لكن في عينيه، كانت مجرّد طفلةٍ تتعلّم المشي.
“هل أعجبكِ؟”
نظرت كلير إليه بتعابير خالية:
“هل يجب أن… أحبّك؟”
‘ما هذا الجواب؟’
“هل يمكنكِ الخطبة والزّواج من شخصٍ لا تحبّينه؟”
“سأحاول جاهدةً أن أحبّك في المستقبل.”
“ماذا؟”
‘أهي تقول إنّها لا تحبّني لكنّها ستتزوّج لذا ستحاول؟’
عبس ماتيو، فأدركت كلير خطأها وعدّلت كلامها بسرعة:
“لا، أقصد، أحبّك. أحبّك حقًّا.”
نظرت إليه بشكٍ، فخفضت كلير رأسها.
تنهّد ماتيو بخفّة واتّكأ على ظهر المقعد، ناظرًا إلى السّماء المرصّعة بالنّجوم:
“اسمعي، لا داعي للزّواج فقط لأنّ الكبار أمروا بذلك. الآن نحن صغار ولا خيار لنا، لكن عندما نكبر، سنتمكّن من قول كلمتنا.”
نصحها كأخٍ أكبر، إذ كان وضعهما متشابهًا، لكن كلير تمتمت بصوتٍ خافت:
“لا يمكنني ذلك.”
“ماذا؟”
“يجب أن أتزوّج الأمير الصّغير.”
أضافت كلير كما لو كانت تتحدّث لنفسها:
“هكذا سيكون والدي سعيدًا.”
لم يسمع ماتيو كلامها الأخير بوضوح، فسأل بعبوس:
“ماذا قلتِ؟”
نظرت كلير إليه وابتسمت ببلاهة:
“في الحقيقة، لطالما أحببتُ الأمير الصّغير جدًّا.”
نظر ماتيو إلى ابتسامتها الضّعيفة بذهول، ثمّ عاد لينظر إلى السّماء بنفور:
“آسف، لكن مهما فعلتِ، لن أعيش حسب رغبة والدي.”
نظرت كلير إليه بهدوء:
“بمجرّد أن أرث لقب الدّوق، سأطرد ذلك الرّجل كما طردت أمّي.”
نظرت كلير بدهشة إلى ماتيو الّذي تحدّث عن العصيان بلا مبالاة.
شعر بنظرتها، فالتفت إليها، ليراها تحدّق به، فكحّ بقوّة:
“لذا، لا تتوقّعي شيئًا منّي. طفلةٌ مثلكِ ليست من ذوقي.”
رغم كلامه القاسي، خفضت كلير رأسها وقالت:
“لا بأس، سأحاول بجهدٍ أكبر.”
“ألم أقل لكِ ألّا تحاولي؟”
“آسفة.”
“وكفّي عن الاعتذار أيضًا.”
“آسفة…”
“…”
استسلم ماتيو للمحادثة ووضع يده على جبينه.
* * *
كان ذلك منذ عشر سنوات.
لكن…
‘ما أنا متأكّدة منه الآن هو أنّني لا أهتمّ بك ولو قليلاً.’
تذكّر كلام كلير الجريء، وكأنّها شخصٌ آخر تمامًا.
كفراشةٍ خرجت من شرنقتها، تألّقت بعد أن تخلّصت منه.
كانت تلفت أنظار الجميع، حتّى أنظاره هو.
تذكّر أنظار الرّجال الّذين تابعوا كلير في حفل الصّالون، فشعر بضيقٍ غريب.
وكذلك وليّ العهد ميخائيل، الّذي أبدى اهتمامًا غير عاديّ بها…
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 35"