**الفصل 34**
في كلّ مكان، انهالت النظرات الممزوجة بالدّهشة والصّدمة، الحسد والغيرة.
أنا، الّتي أصبحت مركز الأحاديث، حاولت تغيير الموضوع بقلبٍ مرتبك:
“كيف عرفتَ أنّني أنا؟”
عند سؤالي، ابتسم ميخائيل ابتسامةً خفيفة:
“قلبي تفاعل معكِ.”
كحـ! لم يكن في فمي شيء، لكنّني اختنقتُ على أيّ حال.
‘ما الّذي سمعته للتو؟’
في تلك اللحظة، شعرتُ بحرارةٍ في وجهي من الجانب، فتحوّلت عيناي تلقائيًّا إلى الجهة المجاورة.
هناك، كان ماتيو يقف متّكئًا على الحائط، مكتّف الذّراعين، يحدّق بي بنظرةٍ نارية.
‘لماذا يقف ذلك الرّجل هناك بمظهرٍ كئيب ويحدّق بي هكذا؟’
* * *
تجاهلتُ الرّجلين اللذين يتبعانني كالجراء الصّغيرة، وتوجّهتُ إلى القبو حيث كانت الأميرة سيمونا.
عندما رأتني سيمونا، عبستْ وقالت:
“ظننتُ أنّكِ غرقتِ في الحمّام. لكن ما الّذي جئتِ به خلفكِ؟”
نظرت سيمونا بدهشةٍ إلى الرّجلين اللذين تبعاني كأنّهما بطّتان صغيرتان.
كانا ميخائيل وماتيو، لا غيرهما.
تنهّدتُ وألقيتُ نظرةً خاطفةً على ماتيو مرورًا بميخائيل.
‘ميخائيل أمرٌ مفهوم، لكن أنتَ، لمَ تتبعني بحقّ خالق السماء؟’
عندما التقت عيناي بعيني ماتيو، أدار وجهه متظاهرًا بالانشغال بشيءٍ آخر.
‘هل يظنّ أنّ ذلك سيخفي الأمر؟ وهو بجسده الضّخم كالجبل؟’
في تلك اللحظة، قالت سيمونا:
“جئتِ في الوقت المناسب. يبدو أنّ وقت الرّقص قد اقترب. ألا يبدو ممتعًا أن يكون هناك حفل رقص في مكانٍ مظلمٍ كهذا؟”
حينها تذكّرتُ الحدث الّذي أعددتُه لهذا اليوم.
كنتُ قد خطّطتُ لإقامة حفل رقص مألوف للنبلاء في اليوم الأوّل.
كان الحفل سيقام في وسط القاعة السّفليّة، حيث يتدفّق الضّوء السّاطع على المسرح المركزيّ.
بأمرٍ منّي، خُفّفت الإضاءة سابقًا، لكن الآن بدأ الضّوء يتسلّل إلى المسرح المركزيّ، وبدأت الفرقة الموسيقيّة تعزف ألحانًا تناسب الرّقص.
بينما كان الجميع يتردّدون في الانضمام بسبب غرابة المكان، مدّ ميخائيل يده نحوي.
كان في وضعيّة الرّجل النبيل الّذي يطلب من سيّدةٍ الرّقص.
بينما كنتُ متجمّدةً من الارتباك، مدّ ماتيو، الّذي كان يتظاهر باللامبالاة حتّى تلك اللحظة، يده فجأة.
‘ما الّذي يفعله هذا الآن؟’
قالت سيمونا:
“يا إلهي، كلير، يبدو أنّكِ تحظين بشعبيّةٍ كبيرة.”
كانت سيمونا تبتسم بعينيها، مستمتعةً بالموقف.
تنهّدتُ ونظرتُ بحيرةٍ إلى الرّجلين.
‘أحدهما يقع في الحبّ بسرعةٍ كالبرق، والآخر خطيبي السّابق السيّئ. ما هذا الاختبار الصّعب؟’
في تلك اللحظة، اقترب شخصٌ ما من الظّلام ومدّ يده نحوي.
نظرتُ بدهشةٍ لأجد سابرينا، مرتديةً قناع فراشةٍ أسود، واقفةً هناك.
“سيّدتي، هل ترقصين معي رقصةً واحدة؟”
نظرتُ إليها بذهول، فابتسمت سابرينا بمكرٍ ومعنى.
كانت تلك الابتسامة بالنسبة لي بمثابة طوق نجاة.
دون تردّد، ابتسمتُ بمرحٍ وأمسكتُ يدها.
عندها، ظهرت على وجوه ميخائيل وماتيو وسيمونا تعابيرُ ذهولٍ.
امرأتان ترقصان معًا في حفل رقص؟
كان ذلك أمرًا لا يمكن تصوّره في الحفلات العادية.
لكن هنا، في صالون كلينا، كان المكان الّذي يمكن أن تتحقّق فيه كلّ الأحلام.
تقدّمتُ أنا، بفستاني الأحمر، وسابرينا، بفستانها الأسود، إلى المسرح المركزيّ المضاء بضوءٍ ساطع.
عندها، التفتت كلّ الأنظار نحونا.
رقصنا رقصة الأزواج المخصّصة عادةً للرّجال والنّساء، ونحن نضحك معًا.
كان شعورًا منعشًا وممتعًا، خصوصًا ونحن نفكّر في صدمة الجميع، إضافةً إلى متعة الرّقص مع سابرينا.
اقترب وقت تغيير الشركاء.
نظرتُ إلى جانبي لأجد ليليان، مرتديةً فستانًا ذهبيًّا، تنتظر دورها.
“هل سترقصين معي أيضًا؟”
ابتسمتُ بمرحٍ لابتسامة ليليان الأنيقة.
بينما كنتُ أنحني لتحيّة شريكتي الجديدة، بدأت النّساء من بين الحضور، اللواتي كنّ يشاهدن فقط، يتقدّمن واحدةً تلو الأخرى.
نظرتُ أنا وليليان وسابرينا إلى المشهد بدهشة.
في تلك الحقبة، كانت النّساء ينتظرن أن يطلب منهنّ الرّجال الرّقص ليشاركن في الحفل.
لكن النّساء اللواتي كنّ يُعرفن بـ”زهور الحائط” لعدم اختيارهنّ، بدأن يتقدّمن بشجاعة.
تردّدن في البداية، لكنّهنّ اقتربن من صديقاتهنّ المقرّبات، أو من سيّداتٍ أردن التقرّب منهنّ، ومددن أيديهنّ.
بدأ المسرح، الّذي كان فارغًا، يمتلئ بالنّساء واحدةً تلو الأخرى.
قالت سابرينا باهتمام:
“يبدو أنّ الأمور أصبحت ممتعة.”
أجابت ليليان وهي تكاد تبكي:
“لماذا أشعر أنّ الدّموع ستنهمر؟”
بدت سابرينا وكأنّها لا تفهم، لكنّني كنتُ أشارك ليليان شعورها إلى حدٍّ ما.
كان منظر النّساء، اللواتي كنّ مضطرات للعيش بشكلٍ سلبيّ تحت سيطرة الرّجال، وهنّ يتقدّمن بشجاعة، يثير مشاعر مؤثّرة.
انحنت النّساء على المسرح لتحيّة شريكاتهنّ.
سرعان ما بدأت العديد من النّساء، بفساتينهنّ الملوّنة، ترقص على إيقاع الموسيقى.
كان المسرح، المليء بالنّساء فقط دون رجال، يشبه بتلات الزّهور المتفتّحة المتطايرة.
بينما كنتُ أرقص مع ليليان، كنتُ أستوعب هذه المشاهد بعينيّ.
زهورٌ صفراء، حمراء، زرقاء، تتفتّح بألوانٍ متلألئة على المسرح المضاء.
لم أكن وحدي من شعر بهذا، فقد بدأ الحضور الّذين كانوا مبهورين يصفقون على إيقاع الأغنية.
حتّى النّساء اللواتي لم يصعدن إلى المسرح، والرّجال الّذين كانوا في البداية مصدومين من هذا المشهد الغريب، بدأوا يشجّعون ويبدون إعجابهم بالمشهد الجميل.
نظرتُ أنا وليليان إلى الحضور المحيطين بالمسرح بابتسامةٍ عريضة.
رأيتُ سيمونا ترفع إبهامها نحوي.
رأيتُ سابرينا، بتعابير فخورة، مكتّفة الذّراعين.
حتّى ميخائيل، الّذي كان مصدومًا في البداية، كان ينظر إلينا ويبتسم.
و… ماتيو أيضًا كان ينظر إليّ ويبتسم.
لم تكن ابتسامته السّاخرة المعتادة، بل نوعٌ جديد من الابتسامات لم أره من قبل.
‘كأنّه ينظر إلى أختٍ صغيرةٍ شقيّة؟’
بينما كنتُ مبهورةً بتعبير ماتيو الجديد، قالت ليليان:
“شكرًا لأنّكِ جعلتِ هذه الذّكرى رائعة، كلير.”
نظرتُ إليها، وهي تبتسم بعيونٍ دامعة، وأجبتُ بابتسامة:
“عن أيّ شيء تتحدّثين؟ لم أصنعها وحدي، بل صنعناها معًا.”
ضحكت ليليان بمرحٍ على كلامي.
فيما بعد، أصبحت تلك الليلة تُعرف في الأوساط الاجتماعيّة باسم “حفل زهور الرّقص”.
* * *
في إحدى جلسات الشّاي الّتي اعتدتُ حضورها، لم تستطع صوفيا إخفاء تعبيرها المتجهّم.
كان الجميع يتحدّثون بحماسٍ عن “صالون كلينا”.
سألت إحدى السيّدات بحماس:
“هل حقًّا حضر وليّ العهد إلى صالون كلينا؟”
ردّت السيّدة سيلفرين، الّتي أصبحت نجمة الجلسة، بفخر:
“نعم، وصل في عربةٍ ملكيّة. حتّى مع قناعه، كان وسيمًا جدًّا.”
“يا إلهي! هل كانت الأميرة سيمونا والسيّدة ماركيز سينكلير هناك حقًّا؟”
“كان الجميع يرتدون أقنعة، فلم أتعرّف عليهم، لكنّني متأكّدة أنّهم كانوا هناك. شعرتُ أنّ كلّ الشخصيّات البارزة في الأوساط الاجتماعيّة كانت موجودة.”
قالت سيّدةٌ أخرى بحسد:
“يا للحسد! سمعتُ أنّ هناك منطقة خاصّة للشخصيّات المهمّة، أليس كذلك؟”
أجابت سيلفرين:
“صحيح. كان عمّي يملك بطاقة الشخصيّات المهمّة، فحالفني الحظّ بالذّهاب معه. كان مذهلاً حقًّا.”
انتصبت آذان الحاضرات من السيّدات، ومال أغلبهنّ بأجسادهنّ نحو سيلفرين.
نظرت صوفيا إليهنّ بنظرةٍ جانبيّة وشفتيها مشدودتان.
‘لو لم تكن أمّي، لكنتُ ذهبتُ أيضًا.’
تذكّرت تلك الليلة الّتي قضتها في غرفتها دون فعل شيء، رغم امتلاكها دعوة.
‘كلّ هذا بسبب أمّي.’
‘صوفيا، استمعي إلى أمّكِ. لا نعرف ما الّذي تفكّر فيه تلك الثّعلبة كلير عندما أعطتكِ الدّعوة. لذا، لا تفكّري في الذّهاب إلى ذلك الصّالون أو أيّ شيء، ابقي في القصر.’
بسبب توسّلات أوفيليا وهي تمسك يدها بقوّة، اضطرّت صوفيا للتخلّي عن الفكرة.
لكن الآن، بدا قرارها غبيًّا.
كلير، الّتي لا تهتمّ إلّا بالمكاسب، لم تكن لتحبّ مثل هذه التّجمّعات.
ربّما أعطتها الدّعوة لأنّها لم تستطع الحضور، لكن أمّها جعلتها تقلق عبثًا، فأضاعت فرصةً عظيمة.
—
المترجمة:«Яєяє✨»
التعليقات لهذا الفصل " 34"