تحذير: الفصل يحتوي على مشاهد قد لا تعجب بعض القراء.
قراءة ممتعة~~~
منذ ذلك الحين، وجد نفسه كثيرًا ما يفكر في تلك المرأة. في الواقع، خلال الشهر الماضي، كان قد فكر فيها مرارًا وتكرارًا. فور استيقاظه صباحًا، أثناء محاضراته، وحتى وهو يتناول طعامه.
لم يكن يفهم لماذا كانت تحتل أفكاره إلى هذا الحد. فهما، في نهاية الأمر، لم يلتقيا سوى مرتين. ذكريات عينيها الزرقاوين المائلتين إلى الخضرة وهما تحدقان فيه من خلف فوهة مسدس، وملامح ارتباكها حين أمسك بها لتمنع نفسها من السقوط، وتلك السعادة الطفولية على وجهها أثناء الألعاب النارية، كانت تعاود الظهور في ذهنه بلا توقف.
لماذا ظل يفكر فيها؟ أكان السبب أنه سمع عنها الكثير من فلوريان فبدت له مألوفة؟ أم أن هناك شيئًا آخر؟ وإن كان هناك شيء آخر، فما هو؟
غارقًا في هذه الأفكار، أخرج لوسيوس الطرد الصغير الذي أعطاه إياه فلوريان. فك الورق ليظهر المنديل المطوي بعناية.
“قلت لك، بري طيبة أكثر من اللازم لتحتفظ بأغراض الآخرين.”
أغراض الآخرين.
لو كان المنديل لفلوريان، هل كانت ستحتفظ به بدلًا من إعادته؟ حدق لوسيوس فيه طويلًا قبل أن يرفعه بحذر إلى أنفه. كان المنديل قد غُسل وجُفف تحت الشمس، لكنه ما زال يستطيع تمييز رائحتها الخفيفة. عبير لطيف ودقيق امتزج بحلاوة رائحة بشرتها حين أمسك بها لفترة وجيزة.
آه…
تردد قبل أن يضغط المنديل على أنفه ويستنشق بعمق. ظلت رائحة معدنية خفيفة للدم من ركبتها المصابة عالقة فيه.
بدأ الدم يتدفق في عروقه، متجمعًا في موضع واحد.
أرخى لوسيوس رباط عنقه، متنهّدًا بتكاسل. لكن مجرد إرخاء الرباط لم يكن كافيًا لتهدئة موجة الرغبة المفاجئة.
انزلقت يده إلى أسفل، يفك حزامه ببطء، بينما قبض على المنديل بإحكام، كأنما يحاول السيطرة على الاضطراب الذي اجتاحه.
“آه!”
خرجت منه أنّة خافتة. ملأت العربة همهمات منخفضة وصوت احتكاك القماش بجلده، بينما أغمض لوسيوس عينيه وتخيلها.
في رؤيته الضبابية، رآها جالسة قبالته، ترفع تنورتها. في السابق، كان قد ارتبك وأدار رأسه على الفور، عاضًا شفته كي لا يُظهر أي رد فعل حتى توقف حفيف القماش.
لكن الأمر الآن كان مختلفًا. لم تكن هذه حقيقة، بل خيالًا مطلق الحرية.
عندما حاولت إنزال تنورتها، مد لوسيوس يده ليمنعها. شهقت بخفة، والتقت عيناهما بنظرة واسعة مليئة بالمفاجأة. ترك يده تنزلق إلى أسفل لتداعب كاحلها النحيل، الرقيق إلى حد أنه بدا وكأنه قد ينكسر بأدنى ضغط.
“آه…”
ومع تحرك يده ببطء صعودًا على ساقها، بدأت أنفاسها تثقل، ومال جسدها بلا اتزان. ضغط لوسيوس بثقله عليها، فاستلقت تحته.
احتك صدرها به مع التصاق جسديهما. اندهش لوسيوس من الإحساس، وخفض رأسه إلى صدرها. انحنى نحوها، يلامسها ويقبلها حتى انفلتت من شفتيها همهمات خافتة
وفي الوقت نفسه، واصلت يده طريقها، تلامس فخذها الداخلي بجرأة أكبر، لتشعره بوضوح ارتباكها وتأثرها به.
“أوه، لوس…”
صوتها، توسّل ناعم متقطع الأنفاس، دفعه إلى الحافة.
كان صوتها، الناعم المتقطع، كافيًا لأن يفقد آخر خيوط سيطرته.
شدّها إليه في خياله، غارقًا في تلك اللحظة حتى النهاية، وزفر زفرة عميقة مرتجفة.
“هاه…”
وعندما عاد إليه وعيه، أدرك أن المنديل بين يديه لم يعد كما كان، وقد حمل أثر اندفاعه وتلك الرغبة التي أفلت لها العنان، ولو للحظات.
في تلك اللحظة من الصفاء، أدرك لوسيوس عبثية ما فعله. لقد استمتع بنفسه داخل عربة متحركة. أدرك أيضًا أمرًا أخرًا وهو أنه كان يرغب في فعل ذلك منذ أول لقاء بينهما.
أن يشعر بالرغبة تجاه امرأة لم يلتقها سوى مرتين، امرأة هي صديقة الطفولة العزيزة وأمنية الحب غير المتبادل لأقرب أصدقائه، ملأه بالاشمئزاز من نفسه.
“لوسيوس، أيها المجنون”، تمتم لنفسه بنبرة مهزومة.
***
في اليوم الأخير من عيد الشكر، أُقيمت حفلة شواء في ساحة البلدة. إلى جانب اللحم، وُفرت كميات وافرة من الكحول، وامتلأت الساحة بأصوات الأهالي الصاخبة.
“بري، لقد تعبتِ كثيرًا”، قالت السيدة فيشر وهي تضع شريحة سخية من لحم الخنزير المشوي في طبق بريانا. كان اللحم مطهوًا حتى درجة الكمال بلون ذهبي بني.
“لقد بذلتِ أكبر جهد، فكلِي جيدًا.”
ابتسمت بريانا بابتسامة محرجة وهي تمسك طبقها. كانت الكمية أكبر مما تستطيع أكله وحدها. وكانت تعلم أنه لو علقت على ذلك، لقوبلت بتعليقات عن نحافتها وحاجتها إلى تناول المزيد. فقررت أن تشارك اللحم مع من يرغب فيه، وانحنت برأسها.
“شكرًا لكِ. سأستمتع به.”
انضم من حولها بتعليقاتهم.
“نعم، بري تعبت فعلًا هذه المرة.”
“تأكدي من شكر السيدة نيابة عنا. نحن نأكل جيدًا هذا العام بفضلها.”
كانت الكونتيسة الأرملة ليناريس تقدم دعمًا ماليًا لإقطاعية هارزن كلما دعت الحاجة. ففي السنوات العجاف، كانت توزع الحبوب لإطعام الناس، وفي الاحتفالات كهذا اليوم، كانت تضمن توفر الطعام بوفرة.
كان أهل البلدة يعلمون أن الكونتيسة الأرملة تستخدم مالها الخاص من عائلتها لدعمهم، مما جعل امتنانهم لها أعظم. كانوا يدركون مدى صعوبة مشاركة الثروة التي كُسبت بشق الأنفس مع الآخرين.
“هل تريدون المزيد من اللحم؟”
انضمت بريانا إلى الأطفال وهي تمد طبقها. تلألأت عيون الأطفال حماسة.
“حقًا، يمكننا أن نأخذ المزيد؟”
“بالطبع، لدي ما يكفي.”
قطعت بريانا اللحم إلى قطع ووزعته بالتساوي على أطباق الأطفال.
“شكرًا لكِ، بريانا!”
“شكرًا! سأستمتع به!”
هتف الأطفال بوجوه مشرقة.
راقبت بريانا بابتسامة دافئة الأطفال وهم يلتهمون اللحم بشراهة كجراء صغيرة.
“كلوا جيدًا واصبحوا أقوياء”، قالت وهي تربت على رؤوسهم.
وفي تلك الأثناء، ملأ صوت الآلات الموسيقية الأجواء. تجمع الشبان والشابات قرب موقد النار، يرقصون بفرح عفوي.
أمسك أحد الأطفال، وقد انتهى من طعامه، بيد بريانا وجذبها نحو الراقصين.
“لنرقص يا أختي!”
كان وجه الصبي ملطخًا بالدهن والفتات، لكنه بذل جهدًا لينحني بأناقة ويدعوها للرقص.
“هل تشرفينني بالرقصة، يا سيدتي؟”
لم تستطع بريانا إلا أن تنجذب لاستخدامه لقبًا مخصصًا للنبيلات.
“بالطبع، يا لورد هانز.”
قبلت دعوته بانحناءة، فأشرق وجه هانز فخرًا.
“ما هو اللورد يا أختي؟”
“إنه لقب نبيل، مثل الفارس.”
“واو!”
بدا هانز سعيدًا باللقب، فرفع ذقنه بتعبير مبالغ فيه من الأهمية.
بدأت ترقص مع فارسها الصغير المفاجئ على العشب. لم تكن الرقصة خطوات رسمية، بل دورانًا مرحًا لا ينتهي، وهما يمسكان ببعضهما بإحكام.
وعلى الرغم من الحركات الفوضوية غير المنسقة، ظلت بريانا تضحك طوال الرقصة.
وفوقهما، امتدت سماء الليل الزرقاء الداكنة بلا نهاية، مزينة بعدد لا يحصى من النجوم المتلألئة، كأنها على وشك أن تتساقط مثل الألعاب النارية التي رأتها من قبل.
“أشعر بالدوار، لا أستطيع الرقص بعد الآن”، قالت بريانا وهي ترفض بلطف دعوات أخرى للرقص بعد انتهاء الموسيقى. كانت وجنتاها لا تزالان متوردتين من الرقص النشيط، رغم نسيم الجبال البارد.
وعندما عادت إلى مقعدها، أدركت فجأة أن مارغوت لم تكن بين الراقصين.
كانت مارغوت تحب الرقص منذ صغرها. وكانت أفضل راقصة بين أقرانها وجميلة للغاية، مما جعلها محط اهتمام كبير. كان من غير المعتاد أن تفوت حدثًا كهذا.
التعليقات لهذا الفصل " 16"