مرت عدة أيام منذ زيارتها لقصر إيفانثيون.
إيليا، التي كانت تقضي وقتها باستمرار في القصر، قررت أخيراً الخروج بعد فترة طويلة.
جهزت إيليا نفسها وغادرت القصر برفقة فرانسيس ومالك.
توجهت أولاً إلى البنك لإنجاز بعض الأمور، ثم زارت متجر صناديق الموسيقى.
لم يكن هناك ازدحام يتطلب الوقوف في الطابور كما في السابق، لكن المتجر لا يزال مزدحم.
عندما دخلت إيليا، رحّب بها موظف جديد بابتسامة مشرقة.
“مرحباً، سيدتي!”
“لقد مر وقت طويل. كيف الأمور هذه الأيام؟”
“يبدو أنها أقل ازدحاماً بكثير مقارنة بالشهر الماضي.”
أجاب الموظف بإشراق، موضحاً أنه لا توجد مناسبات خاصة هذا الشهر ربما لهذا السبب.
“إذا احتجتم شيئاً، أخبروني في أي وقت.”
“حسناً، سيدتي. سأذهب لترتيب المخزونات الآن.”
ابتسمت إيليا برضا.
فكرت أنه يجب عليها قريباً منح الموظفين إجازة مع مكافأة مالية.
بينما كانت تتجول بين الزبائن الآخرين وتتفقد البضائع، التقطت إيليا صندوق موسيقى.
تذكرت كارهان بشكل طبيعي.
“…… لا أعرف أي نوع من الموسيقى يُفضله.”
بالتفكير في الأمر، أدركت أنها لا تعرف الكثير عن أذواق كارهان.
باستثناء أنه يُفضل الخضروات على اللحوم ويحب المشروبات الحلوة……
ربما من الأفضل أن تأتي معه في المرة القادمة ليختار بنفسه.
تركت إيليا صندوق الموسيقى، وغادرت المتجر وبدأت تجوب منطقة المتاجر التجارية.
لم يكن هدفها التسوق، بل معرفة ما هو رائج هذه الأيام.
منذ أن فكرت في مواصلة عمل العائلة، بدأت إيليا تتعلم شيئاً فشيئاً.
إن حضور دروس الإدارة خيار جيد، لكنها اعتبرت أن التجول والمشاهدة بنفسها دراسة أيضاً.
‘هذا المكان مزدحم بالطوابير كل يوم.’
أمام مطعم، اصطف الناس كالنمل.
رغم توسعه عدة مرات، لا يزال يتطلب الإنتظار طويلاً للدخول.
‘لو تدربوا على الوصفة وافتتحوا فرعاً آخر لكان ذلك جيداً.’
إن متاجر الملابس أو البضائع تفتتح فروعاً أحياناً، لكن المطاعم نادراً ما تفعل ذلك.
جزء من المشكلة هو رأس المال، لكن الخوف من تسريب الوصفات هو السبب الرئيسي.
بينما كانت تجوب الشوارع بنشاط، توقفت إيليا فجأة.
لفت انتباهها أزرار أكمام معروضة خلف زجاج متجر.
كان الياقوت الأزرق الداكن اللامع يشبه لون عينيّ كارهان.
تخيلت إيليا كارهان وهو يرتدي تلك الأزرار.
بدوا مناسبان وأنيقان جداً.
‘إذا لفت انتباهي شيء، يجب أن أشتريه.’
دخلت إيليا المتجر دون تردد.
استمعت إلى تحية صاحب المتجر وهي تُشير إلى أزرار الأكمام.
“هل يمكنك تغليف أزرار الأكمام تلك لي؟”
بينما كانوا يُغلّفون المنتج، تجولت إيليا في المتجر.
لم تكن تعرف نوع المتجر عندما دخلته، لكن يبدو أنه متجر فاخر لبيع الأعمال اليدوية المصنوعة من قِبل حرفيّين.
الأسعار مرتفعة نسبياً، لكن الجودة تبدو ممتازة.
أرادت أيضاً شراء هدية لهاينلي الذي يبدو مشغولاً مؤخراً.
بينما كانت تبحث عن شيء عملي، لفت انتباهها قلم.
أنيق ومصمم بذوق رفيع.
“هذا من صنع حرفيّ معروف، ويمكننا النقش عليه اليوم إذا أردتِ.”
لاحظ صاحب المتجر اهتمام إيليا بالقلم واقترح ذلك بهدوء.
بعد سماع ذلك، لم تستطع مقاومة الشراء.
“أريد هذا أيضاً.”
“شكراً لكِ. النقش سيستغرق بعض الوقت، لذلك عودي لإستلامه لاحقاً.”
أنهت إيليا تسوقها برضى وغادرت المتجر.
خططت لتمضية الوقت حتى ينتهي النقش.
“ألا تحتاجان شيئاً؟”
سألت إيليا فرانسيس ومالك.
هزا رأسيهما معاً.
بإمكانهما الحصول على معظم الأغراض داخل قصر الكونت.
فجأة، تذكر فرانسيس شيئاً وقال.
“آه، أحتاج سيفاً خشبياً للتدريب.”
“سيف خشبي؟”
“نعم، السيف الذي صنعته سابقاً أصبح غير مريحة.”
أوضح فرانسيس أن يديه قد كبرتا مع نموه.
لقد احتفل ببلوغه سن الرشد، لكنه لا يزال في مرحلة النمو، ويبدو أنه أطول حالياً عن العام الماضي.
“بالمناسبة، لاحظتُ أنك تذهب كثيراً إلى ساحة التدريب مؤخراً”
“سيكون هناك مسابقة اختيار الفارس المُرافق قريباً، لذلك يجب أن أتدرب بجد.”
أجاب فرانسيس بحزم بقبضة مشدودة، فتفاجأت إيليا قليلاً.
‘أشعر وكأنه أُقيم قبل أيام، هل مر الوقت بهذه السرعة؟’
تُقام سنوياً مسابقة اختيار في قصر بلودين لإختيار الفارس المُرافق لإيليا.
منصب شرفيّ لا يحصل عليه سوى شخص واحد.
الفائز يصبح الفارس المُرافق الخاص بإيليا لمدة عام، لذلك يشارك جميع فرسان عائلة بلودين في المسابقة.
مع اشتداد المنافسة، يشتعل الجميع بالحماس في هذا الوقت.
وكان فرانسيس دائماً يفوز، مُحافظاً على منصب الفارس المُرافق لها.
“إذن، يجب أن نذهب لصنع سيف خشبي أيضاً.”
كان القرار واضحاً.
اتجه الثلاثة فوراً إلى ورشة صناعة الأسلحة.
بعد أن كلفت إيليا بصنع عدة سيوف خشبية للتدريب، نظرت إلى السيف المُعلّق على خصر فرانسيس وسألت.
“ألا يجب تغيير هذا السيف أيضاً؟”
“لا يزال يمكنني استخدامه!”
أمسك فرانسيس سيفه بقوة كأنه يخشى أن يُؤخذ منه.
كان هذا السيف أول هدية قدمتها له إيليا.
بسبب الشحذ المتكرر، أصبح النصل رقيقاً، وتقشر طلاء المقبض.
كان سيفاً نادراً وجميلاً، لكنه لم يتحمل كثرة تدريباته.
“من سيراه قد يظن أنني لا أدفع لك راتباً.”
قالت إيليا بمزاح، فاهتزت عينا فرانسيس الزرقاوان الداكنتان.
بعد لحظة من التردد، سأل مالك بهدوء.
“أخي، هل سيفي يبدو مهتريء لهذه الدرجة؟”
“كثيراً.”
كان مالك صريحاً جداً.
في النهاية، قرر فرانسيس بعد تفكير صنع سيف جديد.
“سأُقيم مراسم تقاعد لهذا السيف.”
عانق فرانسيس سيفه القديم بحنان.
قد يبدو تصرفه مبالغاً به، لكنهما لم يسخرا منه لأنهما يعرفان مدى تعلقه به.
“وماذا عنك، مالك؟”
“أنا لا أحتاج شيئاً، لقد صنعت سيفي منذ وقت قريب.”
“على أي حال، أنت لست بحاجة للمشاركة في مسابقة الإختيار.”
تمتم فرانسيس بصوت منخفض.
كما قال، مالك ليس بحاجة للمشاركة في مسابقة الإختيار ليصبح الفارس المُرافق.
بفضل مهاراته وخدمته لإيليا لسنوات منذ طفولتها، حصل على هذا الإمتياز.
“سأفوز به بشرف.”
كان فرانسيس مليئاً بالحماس.
شجعاه إيليا ومالك على بذل قصارى جهده.
بعد إنجاز جميع المهام، تجول الثلاثة على الطريق الرئيسي بجانب النهر كنزهة.
لم يكن لديهم وجهة محددة، فساروا حيث قادتهم أقدامهم.
بدأت الطرق الجميلة والمنازل يختفون تدريجياً.
ولم يلاحظوا أن المكان أصبح أقل ازدحاماً بالناس بسبب انشغالهم بالحديث.
ثم ظهرت مباني متداعية تبدو وكأنها ستنهار في أي لحظة.
كانوا عند مدخل الأحياء الفقيرة.
“سيدتي.”
نادى مالك إيليا بهدوء. كان تحذيراً خفيفاً بألا يتقدموا أكثر.
إن الأحياء الفقيرة ليست آمنة، وعليهم الحذر وأن يبقوا يقظين.
توقفت إيليا عند المدخل ونظرت إلى فرانسيس.
كان يحدق بصمت في الأحياء الفقيرة.
أزقة مظلمة لا يصلها ضوء الشمس، شوارع مليئة بالقمامة، ومنازل متلاصقة كخلية نحل.
هنا المكان الذي وُلد وعاش فيه فرانسيس منذ وقت طويل.
الآن أصبح أنيقاً لا يتناسب مع هذه الأحياء، لكن عندما التقت به إيليا أول مرة كان طفلاً مُتسخاً.
“لولاكِ، لكنتُ لا أزال أعيش هنا، أليس كذلك؟”
تمتم فرانسيس لنفسه وهو يلمس غمد سيفه دون سبب.
ربما تذكر الماضي، لأن عيناه أظلمتا قليلاً، لكنهما سرعان ما استعادتا إشراقهما.
“سيدتي، هيا نغادر.”
تحدث فرانسيس أولاً بعد أن أنهى تذكر ذكرياته.
عندما كانوا سيستديرون للمغادرة، فجأة، ركض طفلان من داخل الأحياء الفقيرة.
صبي وفتاة، يبدو أنهما أخوة، وكانا متحمسين جداً.
“سنشتري الكثير من الخبز!”
عندما سمعت إيليا صيحة الطفل، نظرت نحوهما.
في تلك اللحظة، تعثرت الفتاة الصغيرة وسقطت أثناء ركضها بحماس.
رأت إيليا عملة معدنية تتدحرج من يد الفتاة وانزلقت بسرعة من خلال شبكة الصرف الصحي إلى المجاري.
“أختي! هل أنتِ بخير؟”
ركض الصبي الصغير نحوها بذعر.
تجاهلت الفتاة ركبتها المجروحة، ونظرت إلى يدها الفارغة.
“عملتي!”
لم يريا العملة تسقط في المجاري، فبدأ الطفلان بالبحث عنها على الأرض.
عندما لم يجداها، عبسا بحزن.
شاهد فرانسيس كل شيء وشدد على قبضته.
إنه يعرف واقع الأحياء الفقيرة أكثر من أي أحد.
بالتأكيد، تلك العملة كانت الوحيدة لشراء الطعام.
في تلك اللحظة، اقتربت إيليا من الطفلين.
“هل هذا ما تبحثان عنه؟”
حملت عملة ذهبية لامعة في يدها.
هز الطفلان رأسيهما، فهما لم يريا عملة ذهبية من قبل.
“في الحقيقة، لقد التقطتُ عملتكما للتو. أنا أحتاجها، فهل يمكنني استبدالها بهذه؟”
“لكننا نريد شراء خبز……”
تمتم الصبي بتردد. لم يدرك أن العملة الذهبية تكفي لشراء خبز أكثر.
“إذن، لنستبدل الخبز بهذه العملة.”
نظر الطفلان إلى بعضهما البعض.
بما أن الهدف هو نفسه، أومآ دون تردد
أخذتهما إيليا إلى مخبز قريب.
بما أن المخبز قريب من الأحياء الفقيرة، لم يكن فاخراً كالمخابز في المناطق التجارية.
لكنه يحتوي على تشكيلة جيدة من خبز الجاودار إلى قطع الكعك المغطاة بالشراب.
تفحص الطفلان الخبز الذي على الرفوف بخجل.
ابتلعا لعابهما عند رؤية خبز القمح الأبيض.
بعد تردد طويل، اختارا خبز الشوفان الأرخص.
كان بإمكانهما شراء أربعة منه بسعر خبز قمح أبيض واحد.
“هيا، ضعا كل ما تريدانه على الصينية.”
مدت إيليا صينية نحوهما، بعد أن شاهدتهما يكافحان للإختيار.
ولكي تريهم أن الأمر مقبول، بدأت تملأها بخبز القمح الأبيض بسرعة.
تمتمت الفتاة مندهشة.
“لكن الخبز الأبيض غالي……”
“لا بأس.”
قالت إيليا وهي تلتقط أغلى قطعة كعك في المتجر.
“أختكما لديها الكثير من المال.”
فتح الطفلان فمهما بدهشة في نفس الوقت.
التعليقات لهذا الفصل " 42"