“أ-أنا نفسي لا أعرف جيداً. حتى عندما كنت في أكايا لم يحدث أن كانت قوتي بهذا المستوى من الشدة…”
انحنى كواناش ببطء والتقط بيده ساق نبات صغيرة كانت تتحرك بخفة على الأرض. ثم قال بصوت يحمل شيئاً من الاضطراب:
“هذا… مدهش. تعالِ، المسيه بنفسك. إنه ليس نباتاً عادياً.”
فوراً جلست القرفصاء بجانبه، ومددت يدي نحو النبات الذي أنبتهتُ بنفسي. في اللحظة ذاتها شعرت بملمس صلب، كأنه من الفولاذ.
طَق، طَق. عندما نقرته بظاهر يدي، شعرت بألمي أنا لا النبات، من شدة صلابته.
ومع ذلك، كان وزن الكرمة خفيفاً بشكل مذهل. كأنه ميسريل.
معدن نادر للغاية، صعب الاستخراج، وباهظ الثمن. صلابته تفوق الحديد، لكنه خفيف مثل الريش، وهذا النبات كان يشبهه كثيراً.
“م-مذهل. لكن لماذا صار هكذا؟”
“ألستِ أنتِ من قصد ذلك؟”
“لا. لا أستطيع أن أشرح جيداً، لكن… الأمر أشبه بقوة خرجت غريزياً مني.”
“وهذه أول مرة تستخدمين مثل هذا السحر؟”
“كنت أستطيع في أكايا أن أُنبت نباتات متينة. وبفضلها ساعدتُ في حماية الحدود. لكن لم تكن خفيفة بهذا الشكل…”
إنها قوة ظهرت فجأة. لم أفهم بعد طبيعتها، لكن كان واضحاً للعين أنها ستكون ذات فائدة عظيمة.
“هل حدث لكِ شيء مؤخراً؟”
رفعني كواناش برفق من وضعيتي الجاثية، كما لو كان يحيطني بذراعيه ليسندني، ثم جلسنا جنباً إلى جنب عند طرف السرير.
حاولت كبح اضطراب الأفكار الذي يملأ رأسي، ثم قلت:
“كنت طوال الوقت طريحة الفراش هنا. لكن… منذ أن أغمي عليّ، كنت أرى أحلاماً أحياناً.”
“أحلام؟”
ترددت قليلاً قبل أن أفتح فمي:
“كنت أسمع صوت الحاكم… في أحلامي.”
“…أتعنين أن الحاكم أعطاك وحياً؟”
“وحي؟ هل يمكن أن أسمّيه هكذا؟ أنا لستُ كاهنة، لا أعلم. لكن الحاكم جاء إليّ في الحلم وقال لي كلمات غامضة. حتى قبل أن أسقط مريضة بسبب السم… آه.”
وأنا أشرح لـ كواناش، تذكرت فجأة مشهداً غابراً.
حين كنت بين الحياة والموت بعد التسميم، رأيت ذلك الحلم. المرة الأولى التي سمعت فيها صوت الحاكم. بوضوح تام، رأيت الغابة الفضية. ورأيت أيضاً كواناش هناك، وسط عالم بارد، وكان يبدو أشد قسوة مما هو الآن.
(لماذا رأيت ذلك الحلم؟ كواناش لم يزر الغابة الفضية قط…)
حدقت فيه وقلت ببطء:
“هناك أمر غريب. في الحلم… أقصد الحلم الذي رأيته بعد أن سقطت مباشرة… رأيتك في الغابة الفضية.”
أظلم وجه كواناش الصامت للحظة.
“الغابة الفضية… تقصدين تلك الموجودة في وطنكِ، التي يسمونها نهاية العالم؟”
“نعم. المكان الذي لا يُسمح بدخوله إلا لملك أكايا. هل تعرفه؟”
“سمعتُ عنه بالأساطير. ويُقال إن قوتكِ هذه كلها بفضل بركة الغابة الفضية.”
“صحيح. جدّنا الأول أقسم على حمايتها. فبادلت الغابة ذلك بأن منحت ذرية الملوك في أكايا نعمها.”
وبفضل ذلك، وُلد في كل جيل شخص واحد من العائلة المالكة بصفته الحامي المتيقظ للمملكة، كما كان يُسمح للملك مرة واحدة في حياته أن يدخل الغابة ليطلب منها أمنية.
“…أفهم الآن.”
“لكن… في الحلم، كنتَ أنت هناك.”
“أنا؟ هذا غريب.”
“أليس كذلك؟ فحتى أنا، عندما زرت الغابة في طفولتي، شعرت بقوة غير مرئية تدفعني للخارج.”
“الأحلام لا تشبه الواقع بالضرورة.”
“هل يمكن أن يكون ذلك إشارة؟”
“ربما.”
تصلب وجه كواناش قليلاً، وبدت عليه علامات توتر خفي.
وكان من الطبيعي أن يتوتر، فالغرفة نفسها كانت في وضع مرعب الآن. الكروم الخضراء المسحورة غطت الأرضية بأكملها.
لكن السبب أو الظروف لم تكن الأهم. الأهم أن لدي الآن قوة هائلة.
ويجب أن أتعلم كيف أستخدمها بشكل صحيح. لم يكن مجدياً أن أبقى حبيسة هنا مثل طائر الطاووس داخل قفص مذهّب.
رفعت بصري نحوه، وقلبي يخفق بتوتر:
“لقد رأيت بنفسك، أليس كذلك؟ بهذه القوة أستطيع حماية نفسي في أي مكان.”
“وماذا تقصدين بهذا الكلام؟”
“دعني أخرج من هذه الغرفة يا كواناش. ربما أستطيع بقوتي أن أساعدك… وأساعد هذه البلاد.”
ضغط شفتيه بتفكير، وقطب حاجبيه قليلاً، ثم قال بصوت أجش:
“أكنتِ تكرهين البقاء هنا إلى هذا الحد؟”
“نعم.”
ارتجف قليلاً من صراحتي الفورية.
“لكنني وفرت لكِ الأمان، ولم ينقصكِ شيء…”
“ولهذا تحديداً أكرهه.”
“…إذا خرجتِ، فكيف ستساعدين بالضبط؟”
“أنت تعلم أنني نافعة.”
ارتعشت حاجباه السوداوان بشدة.
“لم أنظر إليكِ يوماً من زاوية المنفعة. تعبيرك هذا غير مريح إطلاقاً.”
“لم أقصد ذلك حرفياً.”
ارتبكت من نبرة صوته الغاضبة. خلف مظهره الصارم، كان رجلاً عاطفياً للغاية.
“لكن على الأقل، إذا خرجتُ، سأعرف ما أستطيع فعله بدقة.”
“مجادلة بالكلمات فقط. لكنها منطقية.”
“…وأيضاً.”
نظرت إليه بهدوء، وهو جالس بجانبي دون أن يلمسني.
“هل يعجبك أن تعيش مبتعداً عني هكذا؟”
ارتعش فكه الصلب. ارتفع حلقه الضخم عدة مرات قبل أن يخرج صوته مبحوحاً:
“بالطبع لا.”
“ولا أنا أريد أن أكون باردة معك.”
“…”
“قلتَ إنك لا تمانع أن أكرهك، صحيح؟”
“…نعم.”
“كذب. دائماً ما تبدو على وشك البكاء وأنت تقول ذلك.”
“متى فعلتُ ذلك…”
“دائماً.”
“…”
“وأنا أيضاً أشعر بالوحدة. أن أعيش معك دون أن أمسك يدك مرة واحدة…”
“كفى.”
قاطعني كواناش فجأة ونهض واقفاً، ثم أدار ظهره نحوي. ظهره المليء بالعضلات كان يرتجف قليلاً، وعنقه من الخلف احمرّ.
تكلم وهو ما يزال يعطيني ظهره:
“سأفكر في الأمر.”
“حقاً؟”
“لكن فكرة أنك قد تتأذين… تجعلني أكاد أجن. لن أسامح نفسي أبداً.”
“لماذا تلوم نفسك دائماً هكذا؟”
“…”
“أنت تعلم أن ما حدث لم يكن خطأك، أليس كذلك؟”
كان يبدو وكأنه يعاني من هوس بضرورة حمايتي مهما كلّف، حتى ابتلعه ذلك وأعوجه.
“سأخرج الآن. سأرسل من يزيل هذه الكروم.”
وغادر الغرفة بخطوات واسعة، كما لو لم يرد الاستمرار في الحديث.
—
لم يعد كواناش خلال يومين كاملين بعد ذلك. هل كان يحتاج إلى وقت للتفكير؟ أم أنه ذهب يستقصي عن أمر ما؟
لم أكن أتوقع أن يغيّر رأيه بسرعة، لذلك انتظرت بهدوء في الغرفة. لكن هذه المرة، لم أشعر بالكآبة أو الضيق كما في الماضي، لأن قوتي منحتني طمأنينة.
ففي الواقع، كان بإمكاني الخروج متى شئت.
بمجرّد أن أطلب من ماريان الحصول على بعض البذور، أستطيع أن أملأ القصر بالكروم وأسيطر على الجنود وأهرب. بل يمكنني حتى أن أبني جداراً نباتياً صلباً كالميسريل ليمنع أي مطاردة.
لكنني لم أفعل. لأن الخروج وحده لم يكن الحل. هدفي كان حل العقدة بيني وبين كواناش، وأن أجعله يستعيد رشده.
الانتظار بإرادتي يختلف كثيراً عن أن أكون سجينة عاجزة.
ومع القوة، جاءت سكينة جديدة. بل بدت هذه القوة تزداد حدّة وقوة مع مرور الوقت.
(أشعر بها… حيوية النباتات…)
حتى وأنا في الغرفة، كنت أحس بهالة النباتات في الخارج تفيض من حول المبنى. لم أشعر قط من قبل أنني على هذا القدر من القرب الروحي من عالم النباتات.
ذلك الإحساس بالاندماج مع الطبيعة… كان قوياً إلى درجةٍ أرهقتني.
كنتُ أضطر أحياناً إلى كبح قوتي عن عمد، لأقطع صلتي بتلك النباتات. وإلا لشعرت وكأن زخم حياتها يغمرني حتى يكاد يسحقني.
هل لأن أعصابي كانت متوترة؟
عادةً، كنت أنام نوماً عميقاً بلا انقطاع، لكن فجأة، فتحت عينَيّ في منتصف الفجر.
كان ذلك في فجر اليوم الثاني الذي لم أرَ فيه كواناش.
الظلام يملأ الغرفة من كل جانب. رمشت بجفنيّ المثقلين. كان العطش ينهش حلقي.
التعليقات لهذا الفصل " 53"