وفجأة، تسلّل إلى رأسي صوتٌ عميق يضجّ كأن عدة أصوات اندمجت معًا.
<يوسفير.>
كان ذلك جواب الشجرة. صوتٌ منخفض وخشن، كما لو أنه يحمل سنين طويلة من العمر.
(أتعرف اسمي إذًا.)
<الغابة أخبرتني. يا آنسة المستيقظة، التي وُلدت بعد زمن طويل.>
(الأحصنة لا تتحرك أكثر من ذلك. لماذا برأيك؟ هل يمكنك أن تخبرني؟ أحتاج إلى حكمة الشجرة.)
<يبدو أن الغابة غاضبة، وتريد أن تداعبكم قليلًا.>
(غاضبة؟)
<نعم. ستحتاجين إلى السير ساعة أو ساعتين حتى تصلين إليها، أيتها الصغيرة المهذبة.>
(شكرًا لك.)
تأرجح الغصن مجددًا كما لو أن الشجرة تبتسم.
رفعت كفّي عن جذعها وعدت إلى الفرسان لأشرح لهم ما جرى، وأخبرتهم أن لا خيار أمامنا سوى السير.
قفز الفرسان جميعًا اعتراضًا.
“بالنسبة لنا، أجسادنا مدرّبة، ولن يؤذينا هذا البرد. لكن سمو الأميرة…”
“لدي قطعة أثرية، سأكون بخير.”
“لكن… السير فوق هذه الأرض المتجمدة لساعات أمرٌ لا يمكن أن نسمح به. لن نسمح بذلك أبدًا، سيكون مرهقًا جدًا لكم.”
كانوا يتحدثون إلي كما لو أنهم يهدئون طفلًا، وظنّوا أن هذا عناد طفولي.
ثبتّ وجهي ببرود، ونظرت إليهم واحدًا واحدًا.
“خذوني إلى الغابة. لدي سبب لا بد أن أذهب من أجله. وإن أصابني مكروه، فلن أحاسبكم أبدًا، وأقسم باسم غابة الفضة وعائلة كاتاتيل.”
أخرجت القلادة المعلقة حول عنقي، وعليها شعار كاتاتيل، وسلّمتها لقائد الحرس. كانت هذه علامة الوعد المقدس للأسرة الملكية.
تبادل الفرسان نظرات الحيرة.
“سمو الأميرة…”
بدا أنهم تفاجؤوا، فطبيعتي السابقة كانت لطفلة هادئة وخجولة. لكن الآن، كانت روح شخص بالغ في العشرينات تسكن جسدي.
صحيح أنني كنت أميرة شبحية لم تظهر في المحافل الرسمية، لكنني كنت أعرف كيف أتعامل مع الفرسان بصفتي من العائلة الملكية.
انبهروا بهدوئي الذي لا يشبه سن العاشرة، ثم انحنوا ليطيعوا أمري.
ربطوا الخيول بالعربة، وبدأنا السير نحو الغابة. شقّ طريقنا عبر الرياح الباردة ساعة أو ساعتين لم يكن أمرًا سهلًا أبدًا.
لو لم تكن لدي القطعة الأثرية التي منحني إياها أبي، لكنت انهرت منذ زمن. كانت ساقاي تؤلمانني حتى الجنون، لكنني لم أُظهر ذلك أبدًا.
“سمو الأميرة، هل أحملُك على ظهري؟”
“لا بأس.”
لم أكن لأهين كرامتي الملكية. فقد اخترت هذا الطريق بنفسي لأجل القوة، وأردت أن أتحمل المشقة.
بعد مسيرة طويلة، وصلنا إلى غابة الفضة. وفور أن واجهت الغابة العملاقة، شعرت بطاقة غير عادية.
أشجارٌ بأوراق فضية، لم يسبق أن وُجد لها مثيل في أي مكان من القارة. من بعيد، بدت وكأنها غابة أشجار بتولا مغطاة بالثلج الكثيف.
“سمو الأميرة… أنتم، أنتم لا تفكرون في الدخول، أليس كذلك؟”
هززت رأسي نفيًا. فحتى ملك أكايا، المسموح له وحده، لا يستطيع دخول الغابة إلا بإذنها.
حتى الآن، كنت أشعر بقوة غير مرئية تدفعني إلى الوراء. لو حاولت الدخول، لصدّتني تلك القوة بقسوة.
إذن، خطتي أن ألمس إحدى الأشجار الفضية لأحادثها بدت صعبة. لذلك، اقتربت بدلًا من ذلك من بقعة بها بعض الأعشاب المتفرقة قرب مدخل الغابة.
كانت أوراق العشب رقيقة بشكل يثير العجب، خاصة على أرض جليدية كهذه، كما أنها كانت تشع بلمعان فضي خافت. بدت ككائنات نجت بفضل قوة الغابة.
خاطبت العشب:
(مرحبًا. هل يمكنك إيصال رسالتي إلى الغابة؟)
<ما هي؟ ما هي؟>
كان الصوت لطفل مليء بالفضول.
(أنا يوسفير كاتاتيل، أميرة مملكة أكايا. ورثت قوة الغابة.)
<أنتِ مستيقظة إذًا!>
(نعم، لكنني لا أستطيع استخدام قوتي جيدًا. أرجوكِ أخبر الغابة أنني أريد أن أتعلم.)
<انتظري قليلًا!>
تحرّكت أوراق العشب بخفة عند أطراف أصابعي.
وبعد وقت، عاد الصوت:
<أخبرت العشب بجانبي، ثم الذي بجانبه، وهكذا… وأخيرًا، الغابة تدعوكِ! اقتربي، اقتربي!>
(ماذا؟ لكن…)
عندها، شعرت فجأة أن القوة التي كانت تدفعني قد ضعفت.
ومثل المسحورة، تقدمت بخطوات نحو الغابة. حاول الفرسان منعي، لكنني هززت رأسي وأبعدتهم.
وحدي تمكنت من دخول حافة الغابة. مددت يدي المرتجفة على جذع شجرة فضية.
فاخترق رأسي صوت لا أعرف إن كان لرجل أم امرأة:
<في هذه الحياة، جئتِ تبحثين عني أخيرًا. قررتِ إذًا تقبّلي.>
شعرتُ بقلبي يرتجف. ففي حياتي السابقة، كنت أرى أن هذه القوة لا تهم كثيرًا، ولم أحاول حتى أن أطورها.
(هل أنتم من فعل هذا؟ أعني، إعادتي إلى الماضي، عندما كنت طفلة؟ هل لبّيتم دعائي؟ أنا ممتنة…)
<لا. لم يكن بسبب دعائك.>
(ماذا؟)
<أنا لا أتدخل في حياة البشر أو موتهم.>
صحيح… حتى أبي، عندما طلب من الغابة إنقاذ أمي، رُفض طلبه.
الغابة لا تتدخل في المصائر الصغيرة، بل تستجيب فقط للصلوات التي تحمي الأرض من خطر عظيم، كإنهاء جفاف أو وقف فيضان.
(إذن، ماذا حدث لي؟)
إن لم يكن عمل الغابة… فلماذا عدتُ للماضي؟
<هذا جواب عليكِ أن تجديه بنفسك. أما الآن، تريدين القوة؟>
(… نعم.)
<هذه القارة على وشك النهاية. حتى أختي الحاكمة فاهار، قوتها ضعفت.>
واصلت الغابة كلامًا غامضًا:
<لقد أعطيتكِ عمدًا قوة قليلة لأن البشر أزعجوني. لكن… بما أن الأمر صار هكذا، سأثق بكِ للمرة الأخيرة. يبدو الأمر ممتعًا، فابذلي جهدك.>
وفجأة، شعرتُ بقلبي يهتز وكفي تشتعل بوخز قوي.
دوّى صوت اصطدام الأشجار ببعضها. رفعت رأسي مذعورة، فرأيت الشجرة التي لمستها تنمو بسرعة هائلة، ترتفع حتى اخترقت الغيوم.
“آااه!”
سقط بعض الفرسان على الأرض من شدة الذهول.
أما أنا، فبقيت أحدّق مدهوشة بالشجرة التي فاقت ارتفاع القلعة.
… لا يعقل، أهذا أنا من فعل ذلك؟
—
“سمو الأميرة!”
“الأميرة يوسفير عادت!”
ما إن عدت من الغابة إلى القصر، حتى استقبلني جمع غفير.
اقترب مني أحد وزراء الدولة وعلامات الانفعال على وجهه:
“سمو الأميرة، هل أنتم من فعل هذا بالشجرة؟”
يبدو أن الخبر انتشر بالفعل. فقد كانت الشجرة الفضية التي وصلت إلى السماء تُرى من القصر نفسه.
نظرت حولي مرتبكة، إذ كان جميع الوزراء، الذين نادرًا ما أراهم، يحدقون بي باهتمام. حتى الوزراء الكبار في السن بدوا متحمسين، فمشاهدة السحر أمام أعينهم أمر نادر.
وبينما كنت في حيرة من هذا الاهتمام المفاجئ، بادر الفرسان الذين رافقوني بالكلام واحدًا تلو الآخر:
“لقد فعلتها سمو الأميرة! ما إن وضعت يدها الصغيرة حتى استجابت الشجرة ونمت فجأة!”
“الغابة هي من دعتها. كانت الخيول ترتجف من قوة الغابة، لكن سمو الأميرة مشت بقدميها دون خوف.”
“ماذا؟! كيف تجرأتم على السماح لها بالسير؟!”
همّ الوزير بالصراخ على الفرسان، لكنني قاطعته بسرعة:
“لا تلُم الفرسان. لقد حاولوا منعي، لكنني أصررت، وأخرجت شعار كاتاتيل لأمضي.”
“أنتم من فعل ذلك، سمو الأميرة؟”
اتسعت عينا الوزير بدهشة.
“لقد فعلت ذلك فقط لأنني أردت حقًا رؤية الغابة.”
ساد صمت قصير بين الوزراء، ثم بدأوا ينهالون علي بالأسئلة واحدًا تلو الآخر.
“إذًا… هل تحدثتِ مع الغابة وعدتِ؟”
“لكن… لا أحد غير جلالته يستطيع دخول هناك! كـ… كيف فعلتِ ذلك؟”
وبينما كنت أتحمل وابل الأسئلة الصاخب، دارت عيناي بلا مبالاة، فالتقت نظراتي مع دياكويت.
كانت عيناه باردة إلى حد الجليد.
شعرتُ بلذة نصر خفية، وقلت بهدوء:
“الغابة سمحت لي بالدخول لفترة وجيزة.”
“ماذا؟! تعنين أن الغابة أدخلتكِ؟”
“خطوة واحدة فقط، نعم… لكنها سمحت لي بالاقتراب من الشجرة.”
“هاه…! حتى لو كانت خطوة واحدة، فهذا يعني أنكِ دخلتِ الغابة. لم أرَ شيئًا كهذا حتى في الكتب القديمة! هذا حقًا مذهل. يبدو أن دماء أكايا فيك قوية ونقية للغاية.”
بدأ الحضور يضجّ أكثر فأكثر.
“كم سيكون جلالته سعيدًا عندما نخبره بذلك وهو مريض في فراشه!”
“سأخبر والدي بنفسي.”
وبينما كان المكان يضج بالمفاجأة والهتاف، التقت عيناي مجددًا مع دياكويت الذي كان يقف متكئًا في الخلف. هذه المرة شعرت بعداء صارخ، حاد لدرجة أن مؤخرة رأسي وخزت.
(يبدو أنه غاضب جدًا.)
في الماضي، كنت سأرتبك وأتراجع.
لكن الآن، تعمدت أن أحوّل بصري عنه وكأني أتجاهله تمامًا.
—
بعد أن ازدادت قوتي السحرية، تغيّر أيضًا تعامل الناس معي بشكل ملحوظ.
كان الأمر مختلفًا عن حياتي السابقة — تلك الحياة التي، رغم انتظاري مئة عام للاستيقاظ، كنت بلا نفع في حماية المملكة. الأميرة ناقصة القوة.
لكن هذه المرة، منذ أن بلغت العاشرة، حصلت على لقب “حامية المملكة”.
“الأميرة وصلت!”
كنت أزور بانتظام المناطق الحدودية التي كانت تتصدى لهجمات الوحوش.
فبعد أن اختبرت قوتي الجديدة في هذه الحياة ودرستها، اكتشفت طريقة قوية لاستخدامها في القتال.
فوق قدرتي على التواصل مع النباتات، اكتسبت قوة لإنبات النباتات فورًا من البذور — دون الحاجة لضوء الشمس أو الأرض أو الماء أو أي دعم طبيعي.
كرمة كنت أنبتها في راحة يدي كانت تملأ الغرفة في لحظات. والأهم أن النباتات التي أنميها أنا شخصيًا تحمل طاقة سحرية، أقوى بكثير من نظيرتها الطبيعية.
بعضها كانت سيقانه صلبة لدرجة أن طعنها بالسيوف لا يحدث أثرًا. كما استطعت أن أحدّ أشواك نبات اللبلاب لتصبح حادة مثل السيوف الحديدية.
كنت أبني سياجًا خشبيًا صلبًا بسحري عند نقاط التسلل المعتادة للوحوش. من الخارج كانت تبدو أشجارًا عادية، لكنها لا تتحطم بسهولة حتى أمام مخالب الوحوش الحادة.
وعند وصولي في إحدى المرات، ركع قائد حرس الحدود فورًا احترامًا.
“بركة الحاكمة فاهار على أكايا! منذ أن أقامت سموكم الحاجز، انخفض عدد الضحايا بشكل ملحوظ.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 5"