“لأكون دقيقاً، الرجل الذي استجوبناه معتقدين أنه رومان… لم يكن رومان.”
كان كلاماً يبدو منطقياً مستحيلاً، لكنني، بما أنني أعرف السحر القوي الذي يمتلكه رومان، فقد خطرت ببالي فوراً فكرة أنه لجأ إلى حيلة بارعة.
“اشرح لي الأمر بتفصيل أكبر.”
“مولاي، أعذرني… لكن ما بعد هذا يقع في سرّ الحاكم…”
ترددت ماريان بشدة ولم تستطع متابعة الحديث بسهولة.
من كانت دائماً إلى جانبي، تتحرك كيدي ورجلي، صارت تتلعثم أمام طلبي. لا بدّ أن كواناش قد أعطاها أوامر صارمة للغاية.
(رومان… اختفى؟)
في غضون خمسة أيام فقط حدث أمر بهذه الضخامة، ومع ذلك لم أشعر بشيء.
الهارب هو من دبّر تسميم الإمبراطورة. هذه حالة طوارئ على مستوى الدولة. لا بد أن القصر الإمبراطوري كان يعجّ بالفوضى. الآن فقط صرت أفهم لماذا كانت الممرات مليئة بالجنود المسلحين.
ومع ذلك… هذه الغرفة الفاخرة وحدها بدت وكأنها تعيش في سلام. كأنني كنت المنعزل الوحيد في وسط هذه الفوضى.
(كيف لم يُظهر كواناش أي علامة على ذلك؟)
لقد كان يزورني كل يوم متى وجد فرصة، بل الأعجب أنه وجد وقتاً لرؤيتي رغم اختفاء رومان.
ارتبكت بشدة، حتى تجمدت لبرهة.
عندها سمعت أصواتاً من خلف الباب: حركات الجنود وصوت خطوات ثقيلة على أرضية الرخام.
وما هي إلا لحظة حتى انفتح الباب بعنف، ودخل كواناش.
“هل خرجتِ؟”
كان يبدو وكأنه أسرع إلى هنا جرياً. أنفاسه كانت متلاحقة، وكانت هذه كلماته الأولى.
لقد كان لدي الكثير من الأسئلة التي أود توجيهها له، لذا كان حضوره في هذه اللحظة أمراً مناسباً.
رمق كواناش ماريان بنظرات حادة، وكأنه على وشك أن يستجوبها بقسوة، فسارعت بالكلام لأمنعه.
“لم أخرج. كل ما فعلته أنني تحركت خطوتين خلف الباب، ربما حتى خطوة واحدة فقط.”
قطّب كواناش جبينه وزفر تنهيدة عميقة.
“أنتِ ما زلتِ مريضة بشدة.”
“لكنني لا أجد صعوبة كبيرة في الحركة.”
شعرت بالشفقة على ماريان المحاصرة في هذه الأجواء المتوترة، فأذنت لها بالمغادرة. وأخيراً، بقيت وحدي مع كواناش.
كان مظهر كواناش عادياً كما هو دائماً، إلا أن خصره كان يحمل غمد سيف. مستعد في أي لحظة للقتال إن استدعى الأمر.
لاحظ أن عيني توقفتا عند سيفه، فارتبك وأخرج السيف من خصره ووضعه على الطاولة، وكأنه يريد أن يطمئنني.
هذا الصباح وحده لم يكن يحمل سيفاً. هل تعمّد أن يتركه هنا فقط عندما دخل غرفتي؟
(لماذا؟ لأي غرض؟)
في حين أن الإمبراطورية كلها تسير على جليد رقيق، كان كواناش يصنع لي عالماً زائفاً مملوءاً بالسلام وحده.
“كنتُ في تدريب قصير، ثم جئتُ إليك.”
“لا، أنت تكذب.”
“……”
“هل لأنني كذبتُ عليك من قبل، تفعل بي الأمر نفسه الآن؟”
“…… يوسفير… ليس الأمر كذلك.”
قفزت من على السرير بخطوة مترددة نحوه.
لكن ما إن خطوت خطوة واحدة، حتى تقدم هو بخطواته الواسعة بسرعة ووصل إلي. قبض على ساعدي بلطف وقال:
“لا تنهضي وأنتِ ما زلتِ متعبة.”
“أنت تراوغني بالكلام.”
“……”
“لماذا لم تخبرني بما حدث؟”
أشاح كواناش بوجهه قليلاً عني ونقر لسانه بضيق.
“إذن ماريان باحت لك.”
“لا تؤذها. أي شدة مارستها عليها حتى جعلتها تكذب عليّ؟ هي كيدي ورجلي… لا تفعل بها هذا.”
“أعتذر.”
“إذن أخبرني بما يجري خارج هذه الغرفة.”
تمسكت بإصرار لم أعتده على نفسي، لكنه ظلّ صامتاً بشفتين مطبقتين.
شعرت بصدري يضيق وأخذت أتنفس بتأوه صغير. لم يكن غضبي لأني أُعامَل كطفلة ضعيفة، بل لأن الموقف خطير جداً، ومع ذلك لم أكن أستطيع أن أساعده.
استأت من صمته لدرجة أنني قبضت يدي وضربت كتفه بخفة.
“لماذا لا تتكلم؟”
“لقد كنت… قلقاً. خشيت أن تدخلي بنفسك في الأمر مرة أخرى وتتعرضي للأذى بسبب تقصيري.”
منذ حادثة مرض التصلب وهو مفرط في القلق والحماية. وبعد أن كدتُ أموت بالفعل، ازداد ذلك فيه أضعافاً.
“كنتُ أنوي أن أشرح لكِ كل شيء بعد أن تنتهي الأمور. بعد أن يصبح كل شيء آمناً.”
“أي منطق هذا… أنا لست طفلة، كواناش.”
“لكني أراكِ ضعيفة كطفلة حديثة الولادة.”
“هذا إفراط.”
“حتى لو كرهتِني، فلا أستطيع غير ذلك. أعلم أنكِ ستتدخلين ما إن تظني أن بوسعك المساعدة.”
لقد أصاب كبد الحقيقة. نعم، كنت سأفعل ذلك. كان لزاماً عليّ أن أوقف رومان ودياركويت بأي وسيلة.
أنا الإمبراطورة. هذا لا يعني أن أبقى حبيسة غرفة فاخرة أتلقى الرعاية فقط. لكن كواناش كان يرى الأمر بشكل مختلف.
عضضت شفتي بقوة حتى شعرت بألم، وأنا أحدق فيه بثبات. فرّج هو قبضته عن كتفي، ثم مسح بابهامه شفتي برفق.
“ستجرحين شفتيك.”
“هذا لأنك أغضبتني.”
“……”
“إن واصلت صمتك، فأنا حقاً… حقاً…”
لم أجد أي كلمة سيئة أقولها له، فتلعثمت قليلاً قبل أن أتمتم:
“قد أكرهك حقاً.”
“……”
“سأظل واقفة هنا حتى تشرح لي الوضع.”
“ستسقطين، سيكون الأمر خطيراً.”
“ومن السبب في هذا؟”
“يوسفير… أنتِ حقاً… حسناً. لنجلس ونتحدث.”
أخيراً تراجع كواناش. أخذ بيدي وأجلسني على حافة السرير، وجلست أحدّق فيه من الأسفل.
عضّ على شفته ثم قال:
“إلى أي حدّ حدثتك ماريان؟”
“قالت إن رومان اختفى. كيف حدث ذلك؟”
“… بعد أن استعدتِ وعيك، بدأت فوراً في استجواب رومان. لكنه ظل ينكر ويقول إنه لا يعرف شيئاً. بل كان يردد كلاماً غريباً بأنه ليس رومان، ثم يغشى عليه بين حين وآخر. ثم…”
قطّب كواناش حاجبيه وكأن تذكر الأمر وحده مقزز.
“بعد يوم تقريباً، بدأ رومان الذي كان يُستجوَب بالتغيّر. كان ذلك… مريعاً. جسده كله ذاب، كأنه طين، ثم أعاد تشكيل نفسه ليصبح شخصاً آخر. لقد كان سحراً بلا شك.”
“إذاً لم يكن رومان. من كان؟”
“أحد الحرس الملكي.”
“إذن رومان استخدم سحر التحول ليجعل شخصاً آخر يبدو مثله ثم فرّ. ومع ابتعاده عن ضحيته، انحلت التعويذة. لكن… هذا أمر…”
(مستحيل.)
حتى في عصر بيوت السحر العريقة، لم يوجد من يمتلك تعويذة تحول بهذه القوة.
لم يكن متصوراً أو متوقعاً أصلاً، لذا كان من الطبيعي أن ينخدع كواناش بحيل رومان.
(إنه قوي على نحو غير طبيعي… إلى حد مريب. هل رومان حقاً… إنسان؟)
إلقاء تعويذة التحول على شخص آخر أصعب بكثير من استخدامها على الذات. وهذا لم يكن مجرد تغيير لون شعر، بل تحوّل كامل إلى شخص مختلف تماماً، واستمر ليوم كامل!
بينما كان كواناش يستجوب “رومان المزيف”، كان رومان الحقيقي قد ابتعد كثيراً عن القصر.
“هل لم تجدوا أي أثر لرومان؟”
“لا أثر له في العاصمة. لقد أغلقناها تماماً، لكنه بارع في التحول… لو تنكر كأحد الحرس، فربما أفلت من الحصار.”
“لا يمكن تحديد نطاق البحث إذاً.”
“ولا يمكننا الوثوق بجميع رجالنا كذلك.”
“لأنه قد يكون متخفياً بينهم… ماذا عن قافلة جيللي التجارية؟”
“رجالها خضعوا للتحقيق منذ البداية. لكن معظم العاملين معهم لم يكونوا يعرفون شيئاً.”
“والغابة المملوكة للقافلة؟”
“أرسلنا فرق البحث هناك، لكن مساحتها شاسعة، ومع أننا نستهلك الكثير من القوى البشرية في مطاردة أثر رومان، إلا أننا لم نجد شيئاً بعد.”
كان الموقف خانقاً. كل مكان بَدَا نظيفاً تماماً، بلا أثر واحد.
العديد من الأمور كانت مريبة ومثيرة للشك، لكن أغربها كان ذلك الجندي الذي قيل إنه وقع ضحية سحر التحوّل على يد رومان.
لابدّ أنه كان برفقة رومان منفرداً حين تعرض لذلك. ولكن…
(مشتبه به محتجز مع جندي من الحرس فقط؟)
لم يكن من المعقول أن يحرس جندي واحد غرفة رومان. فهو لم يكن شخصاً عادياً، بل زعيم قافلة جيللي، وأحد أهم الشخصيات التي حضرت الحفل.
حتى الطعام لو قُدِّم له، كان سيُترك أمام الباب. فلا يُعقل أن يدخل جندي واحد إلى غرفته وحده.
“لكن، كيف تمكّن رومان من السيطرة على ذلك الجندي؟”
“الجندي لم يتذكر أي شيء مما حدث. يبدو أنه تناول دواءً يسبب ارتباك العقل وفقدان الوعي. وعندما أفاق، وجد نفسه محتجزاً في الغرفة، ولم يمض وقت طويل حتى جُرَّ إليّ لاستجوابه.”
“أما شعر الجنود الذين كانوا يحرسون معه بشيء غريب؟”
“لا. كل الجنود أكدوا أنه لم يدخل أحد غرفة رومان منفرداً. ربما استغلّ رومان وقت تبديل نوبة الحراسة وسحب الجندي للحظة وجيزة…”
“وفي وقت التبديل، هل كان هناك جندي واحد فقط؟”
“ليس تماماً… لكننا كنا منشغلين في مطاردة رومان ولم نتعمق كثيراً في هذه النقطة. والآن يبدو الأمر غريباً فعلاً.”
“نعم… صحيح. غريب.”
تحوّل الجندي إلى رومان، ورومان إلى الجندي. إذاً كان لابد من أن يتلامسا مباشرة في لحظة ما. لكن لم يعرف أحد متى حدث ذلك.
(كيف تم الأمر؟ لنفكر… لنفكر بعمق…)
فجأة، قفزت إلى ذهني كلمة “الاستبدال”، وتذكرت ألعاب المقامرة التي تعتمد على الخداع، حيث تتحرك الحصى بخفة كالخدع السحرية.
(ماذا لو… لم يكن الجندي هو الشخص الوحيد معه؟)
ظهرت فرضية جديدة.
منذ البداية، لم يكن هناك جندي بمفرده مع رومان. أجل، لم يكن ضرورياً أن يكون جندياً أصلاً.
خذ مثلاً المحقق… فلنفترض أنه كان جاسوساً يعمل لمصلحة رومان. المحقق بحكم عمله يستطيع أن يختلي برومان ولو لفترة قصيرة أثناء الاستجواب.
في تلك اللحظة، يتبادلان هيئتهما بالسحر.
المحقق يصبح رومان ويُسجن مكانه، بينما يخرج رومان الحقيقي متخفياً بهيئة المحقق بكل سهولة.
وبعد مدة، يعود رومان الحقيقي متنكراً بالمحقق، وبرفقته جندي لا يعرف شيئاً. يدخلان الغرفة متظاهرَين بمواصلة التحقيق مع “رومان”، ثم يشلّ رومان حركة الجندي على الفور ويحوّله بسحره إلى نسخة طبق الأصل منه.
عندها يعود المحقق المتحوّل إلى هيئته الأصلية، فيما يتخذ رومان شكل الجندي.
وهكذا جرى استبدال مزدوج. مثل ألعاب الخداع حيث يُحرَّك “رومان” بين الأدوار هنا وهناك.
(وإن أضاف إلى ذلك دواءً يسبب فقدان الذاكرة للجندي… فالنتيجة أن الجاسوس ينسحب بسلام من دون أن يُكشف أمره، بينما يتمكن رومان من الفرار.)
وبقي الجندي البريء وحيداً ليدفع الثمن.
قد تكون مجرد تكهنات، لكن وجود جاسوس داخل القصر يساعد رومان كان أمراً محتملاً جداً. خصوصاً وأن أمر تتبعنا السري لمرض التصلب وصل أيضاً إلى أذنيه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"