تصرف دياكويت وكأن القوة التي تقف إلى جانبه عظيمة وضخمة.
لم يكن واضحاً إن كان يعرف أن رومان هو آخر أمير من مملكة سقطت، لكنه في النهاية رئيس أعظم قافلة تجارية في القارة، وفوق ذلك ساحر قوي، لذا كان من الطبيعي أن يتصرف بتلك الثقة المتعجرفة.
(قال إنه يريد أن يستعد للحرب بشكل أكثر كمالاً…).
وفوق ذلك، كان رومان يجري تجربة ما. فماذا لو كانت تلك التجربة شيئاً يساعد في الحرب؟
كلما تعمق التفكير في ذلك، شعرت قشعريرة تزحف على جلدي.
(الآن أفهم لماذا عانت جيوش كواناش في حياتي السابقة طويلاً. فحتى حينها كان رومان يدعم التحالف الشمالي باستمرار بلا شك).
لقد كانت قافلة تجارية ذات قوة مالية هائلة. وبوجودها كمصدر للمال، تمكن الشمال من الصمود لسنوات طويلة رغم معاناته.
لكن يبدو أن تجارب رومان قبل عودتي لم تكن قد اكتملت بعد. فلم أسمع قط أنه استعمل الجثث لشيء ما.
(فهل يمكن أن تكون تلك التجربة قد اقتربت الآن من الاكتمال؟)
إن كان الأمر كذلك، فقد يخسر كواناش هذه الحرب. وهذا يعني أن وطني سينتصر… لكن—
(لا. لا يمكن أن أسمح لرومان ودياكويت بالانتصار).
الآن باتت الحقيقة واضحة أمامي: أدركت مقدار الفظائع التي ارتكبوها. كان عليّ أن أحكم بعقلي لا بعاطفتي.
(في الأصل، ما كان يجب أن تبدأ هذه الحرب أبداً. لكن إن كان لا مفر منها، فعليّ أن أختار كواناش).
وبينما يغلي الحمى في جسدي، أنهيت ترتيب أفكاري ونظرت نحو كواناش وأنا أتنفس بصعوبة.
قال بصوت يملؤه القلق:
“يوسيفر، هل أنت بخير؟”
“كواناش… يجب أن نوقف رومان.”
“سنفعل. الآن ذلك الوغد محتجز في القصر الإمبراطوري، سنقبض عليه ونكشف حقيقته ونتخلص منه.”
“لكن… رومان ليس النهاية. ثم…”
توقفت لوهلة، وأطبقت شفتي.
لمنع الحرب، كان لابد من كشف مؤامرة دياكويت. وإن أفصحت عن كل ما دار بيني وبينه، فسينكشف أن تحالف الزواج لم يكن سوى كذبة.
إن كنت صادقة في الوقوف إلى جانب كواناش لمواجهة العدو، فلا بد من وضع حد للأكاذيب.
فإن أدرك دياكويت أنني انقلبت تماماً إلى جانب كواناش، فلن يتوانى عن فعل أي شيء لشق صفنا. قد يفضح أنني كنت متواطئة معه في هذا الزواج الكاذب.
لذلك كان من الأفضل أن أقول الحقيقة بنفسي، وبأسرع ما يمكن. فكلما طال الكذب، ازدادت تبعاته الثقيلة.
لكن حين حاولت الكلام، ارتعشت شفتاي وانقبض صدري.
ماذا لو أخبرته أن أخي كان ينوي مهاجمته؟ كيف سيكون رد فعله؟ هل سيصدقني؟
بحذر شديد، خفضت بصري نحو بطني.
(إن قلت له إن هذا الزواج كان مجرد خداع… وإنك كنت تأمل أن أنجب لك طفلاً يحمل دمك، لكن ذلك كان مستحيلاً منذ البداية…).
قد يشعر كواناش بالخيانة ويطالب بالطلاق فوراً. وهذا رد طبيعي في زواجٍ بُني على مصلحة سياسية.
(لكن لسبب ما… لا أشعر أن كواناش سيفعل ذلك).
تذكرت اللحظة التي ابتلعت فيها السم وانهرت، كيف ضمني باكياً بحرقة. كانت دموعه حقيقية، مليئة بالصدق.
كما استحضرت الدفء والحنان في ذراعيه وهما يحيطان بي الآن.
(قد يغضب، وقد يخيب أمله… لكن إن كان كواناش، فسيستمع إليّ. وإن توسلت إليه بصدق، قد لا يفسخ زواجنا حتى ننهي أمر دياكويت. وربما… ربما يظل زوجي بعد ذلك أيضاً).
ربما هو أمل ساذج… لكنني أحسست حقاً أنه قد يبقى بجانبي.
هذا الأمل الذي نما بداخلي بعد زواج سياسي بارد لم يكن إلا بفضل كواناش. فكل الحنان الذي أظهره لي حتى الآن كان صلباً راسخاً.
أخذت نفساً عميقاً ثم فتحت شفتي:
“دياكويت كاتاتيل… أخي قد يكون متحالفاً مع رومان.”
“ماذا تقولين؟”
أمسكت بكلتا يدي يده الكبيرة بإحكام، ثم أنزلت رأسي هامسة:
“أنا آسفة… آسفة يا كواناش. في الحقيقة، لقد كذبت عليك…”
ازداد نفسي اضطراباً من شدة التوتر.
“يوسيفر، لا بأس. أيّاً كان كذبك فلا يهمني. اللعنة، أترتفع حرارتك مجدداً؟ استلقي فوراً.”
وأعادني كواناش بلطف إلى الفراش، ويده تمسح جبيني بقلق بالغ. كان ملمسه رقيقاً إلى حد جعل عيني تدمع.
“سأستدعي الطبيب.”
“لا… لا. لست بحاجة. يجب أن تسمع هذا فقط…”
قطّب كواناش جبينه بعدم رضا. فأمسكت يده بقوة أكبر. تنهد وهو ينظر إليّ متردداً.
تلعثمت وأنا أتابع:
“دي- دياكويت رجل طماع جداً. كان ينوي اغتيالي يوم زفافنا فوراً لكسر تحالف الزواج وإشعال الحرب.”
توقعت أن يُصدم أو يغضب وينفجر، لكنه ظل هادئاً بعينين صامتتين.
لم أعرف ما يدور في ذهنه، لكنني قاومت التوتر وأكملت:
“لكنه اعتبر أن الاستعداد للحرب لم يكتمل بعد… فأمرني بكسب الوقت.”
ومن هناك شرحت له استنتاجاتي الأخيرة: علاقة قافلة غيلييه، ورومان، ودياكويت ببعضهم.
“إنهم يخططون لشيء ما. القبض على رومان وحده لن يكون النهاية. يجب أن تكون حذراً. وأيضاً…”
بقيت حقيقة أخيرة يجب أن أبوح بها.
عليه أن يعرف أنني لا أستطيع أن أمنحه ما يريد: طفل.
“كواناش… أنا… أنا…”
لكن الكلمات علقت في حلقي فجأة. لم أعرف السبب، لكن أنفي وعيني سخنتا وكادا يدمعان.
هل هو شعور الذنب لأني خدعت رجلاً بهذا القدر من اللطف؟ أم شيء آخر؟
طوال حياتي لم أفكر كثيراً في الأطفال. في حياتي السابقة كنت غارقة في الاكتئاب والوحدة، وبعد عودتي لم أفكر إلا بالنجاة. لم أشعر يوماً بالحزن لأنني عاقر.
لكن وأنا على وشك كشف الحقيقة، تسللت إلى عقلي صورة واحدة دمّرت قلبي كلياً:
طفل يشبهني ويشبه كواناش في آن واحد. وكواناش يحمله ويبتسم برقة.
ربما لم أكن واثقة أنني سأكون أماً جيدة… لكني متأكدة أن كواناش سيكون أباً رائعاً، لأنه حنون جداً.
ولو حدث ذلك، لما كان هناك حاجة لإنهاء زواجنا. لكنا بقينا معاً.
حين راودتني تلك الفكرة، شعرت لأول مرة بالأسى لكوني لا أستطيع إنجاب الأطفال.
حرارة اجتاحت عنقي. أما كواناش فما زال ينظر إليّ بعينيه القلقتين المليئتين بالحنان.
أغمضت عيني بقوة، وقلت بصوت مرتجف:
“أنا… أنا خدعتك. كنت أعلم أن الحرب ستندلع إن لم يتم تحالف الزواج… ولهذا وافقت على الزواج بك رغم علمي أنني لا أستطيع أن أعطيك ما أردته منه.”
تجمد كواناش مكانه. حتى أنفاسه انقطعت.
ثم خرج صوته مخنوقاً أشبه بالأنين:
“ما أردتُه من الزواج؟ هل… تقصدين أنك لا تستطيعين أن تحبيني؟”
حب؟
الكلمة غير المتوقعة جمدت أفكاري.
“ماذا؟”
“أهذا ما تعنين؟ أنك مهما حدث لن تستطيعي أن تحبيني؟”
“لا… ليس هذا. ليس هذا ما أقصده يا كواناش. أنا…”
زفر كواناش نفساً ثقيلاً، ثم نهض فجأة من السرير. أدار لي ظهره، ووضع يديه على وجهه.
“أنا… أفهم. أفهم لماذا لا يمكن أن تحبيني. لقد وافقتِ على هذا الزواج فقط لمنع غزو وطنك… اللعنة. نعم، أعلم. فأنا من فرض تلك الشروط عليك.”
اهتز ظهره العريض وهو يرتجف.
“لكنني… لكنني شعرت أنك لم تكوني لتوافقي على الزواج بي من دون تلك الشروط. لم أكن أعرف ما أفعل. كل هذا جديد عليّ… وكنت دوماً أجدك عصية على الفهم. حتى يوم الزفاف كنت متوتراً فأظهرت قسوة وبروداً…”
بدأت القوة تتسرب تدريجياً من كتفي كواناش. كنت أحدّق به بذهول، ثم نطقت بصوت يملؤه الارتباك:
“لـ… ليس هذا ما قصدته يا كواناش. أنا… أنا أحبك.”
توقف كواناش لحظة، ثم التفت إليّ. حاولت أن أكبح المشاعر الحارقة التي اندفعت فجأة من صدري، وأضفت:
“أنا لا أفهم بعد ما معنى الحب تماماً. هـ، هذا أيضاً أول مرة أمرّ بمثل هذه المشاعر.”
“…….”
“لكن… إن كنت خائفة جداً وحزينة جداً، لمجرد أن زواجنا قد ينكسر بسبب كذبي… وإن كان خوفي الأكبر أن لا أراك مجدداً… فهل هذا أيضاً يمكن أن يكون حباً؟”
كان كواناش متجمداً، لكنه ما لبث أن نهض على عجل، وعاد إلى الفراش وجلس بجانبي. ثم مد يديه القويتين ليحيط وجهي بين كفيه.
“هل… هل هذا يعني أنني أحبك يا كواناش؟”
“يوسيفر …”
وما إن لفظت كلمة حب حتى سالت دموعي التي كنت أحبسها منذ وقت طويل.
ارتبك كواناش بشدة، وراح بسرعة يمسح دموعي بإبهامه. قلت وأنا أتنهد بين شهقات صغيرة:
“لكن… لكن ماذا أفعل؟ أنا… لا أستطيع أن أمنحك ما كنت تريده… طفلاً.”
“ماذا تقصدين….”
“أ، أنا لا أستطيع الإنجاب. بعد الاستيقاظ … صرت هكذا. وإن عرف الناس ذلك… قد تطلب فسخ الزواج…”
حين كان الأمر يتعلق بدياكويت ورومان، كان عقلي يعمل بصفاء وبرودة. لكن الآن، صار كل شيء مشوشاً. حتى لم أعد أعرف ما أقول.
لم أرد أن أبكي، لكن شهقاتي تصاعدت رغماً عني.
“هُهك… ههك… هل خيبتُ أملك….”
عندها، انحنى كواناش فجأة وعانقني بقوة. كنت واهنة، مستلقية بلا طاقة على السرير، لكنه جذبني نحوه بقوة وأغرقني في صدره.
كنت أظنه سينفجر غضباً… فلماذا يحتضنني بهذه الحرارة العميقة؟
لم أعرف السبب، لكنني، دون خجل، دفنت وجهي في صدره أكثر، وكتمت بكائي في أحضانه.
أطبق كواناش على مؤخرة رأسي بكفه بقوة، وهمس بصوت مبحوح:
ثم دوّت في أذني كلمات لم أكن أتخيلها:
“أي كلام هذا؟ لم أتزوجك من أجل طفل. اللعنة… هذا خطئي أنا، أن جعلتك تفكرين بهذا الشكل. لا بأس إن لم يكن هناك أطفال. إطلاقاً… حقاً… إطلاقاً لا يهمني…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 46"