في بعض الأيام، كان دياكويت يمرر يده على شعري الذي تحول إلى اللون البلاتيني، ثم يهمس:
«يوسفير، يقول الناس إنك رمز للشؤم».
«أنا؟»
«لأن الغابة الفضية أصدرت تحذيرًا من خلالك. وكأنها أرسلت رسالة تقول إنها لن تمنح القوة بعد الآن لأي شخص مستيقظ».
«لكنني لست بلا قوة، أنت تعرف ذلك يا أخي. أنا…!»
«تلك القوة التافهة؟ هشش، يوسفير، اهدئي. كوني فتاة جيدة».
«……».
«بالطبع لم تُلعني. إنما هناك أناس أشرار يقولون ذلك فقط. أنت فتاة جميلة، طيبة، وغالية».
«حقًا؟»
«بالطبع. اختبئي خلفي متى شئت. سأحميك. لا داعي لأن تصغي لما يقوله الآخرون. ولا حاجة لأن تظهرين في المناسبات الرسمية كأميرة. لا بأس، دعي كل شيء لأخيك».
كانت كلمات دياكويت تصبغني شيئًا فشيئًا. كان يريد أن يحبسني في قفص صنعه بيديه. لا، حتى القفص لم يكن ضروريًا، إذ كان يكفي أن يكسر جناحيّ.
شيئًا فشيئًا، أبعدني دياكويت عن القصر الملكي، وصرت طائرًا مكسور الجناح، لا أجرؤ حتى على التفكير بالطيران خارج غرفتي.
لم أكن أملك حتى الشجاعة لأخبر الآخرين عن قوتي. تحولت تدريجيًا إلى أميرة مريضة عديمة الفائدة، حتى أنا صدقت ذلك.
وحين بقيت وحيدة، هجرني دياكويت أيضًا.
لكن هذه الحياة ستكون مختلفة. الأميرة التي كانت تعتمد على أخي وتتبعه قد ماتت.
بعد أن مت وعدت إلى الحياة من جديد، يوسفير كاتاتيل لن تكون تلك الفتاة السابقة.
—
بعد شهر من عودتي بالزمن،
كنت جالسة على الكرسي، أتأرجح بساقي القصيرتين في الهواء، أحدّق في الورقة أمامي.
«هممم».
لا زال صوتي الطفولي وهو يخرج من بين شفتي يبدو غريبًا عليّ. ارتجفت للحظة، ثم تماسكت وركزت مجددًا.
خلال هذا الوقت، كنت أراقب ما حولي بسرعة. لم أرد أن أضيع الوقت جالسة بلا حراك كما في الماضي. وكنتيجة لذلك، تمكنت تقريبًا من فهم الوضع الحالي.
ولكي أرتب أفكاري، بدا أن كتابتها أفضل وسيلة. لن أسمح لأحد برؤيتها، وسأحرقها فور الانتهاء.
بدأت أحرك قلم الريشة بسرعة.
[سيسيل]
كتبت اسمها وتوقفت أفكر، بينما انتشرت بقعة الحبر من طرف القلم على الورقة.
كنت قد جربت عدة محاولات لمعرفة إن كان بإمكاني تغيير المستقبل، محاولات استندت إلى ذكريات طفولتي الباهتة.
وسيسيل كانت إحدى تلك المحاولات. كانت خادمتي المفضلة.
في الماضي، اتُهمت ظلمًا بالسرقة، وتعرضت للضرب المبرح ثم طُردت من القصر. لم أكن أعلم أنها بريئة حينها، ولم يُكشف عن المجرم الحقيقي إلا بعد فوات الأوان.
في هذه الحياة، حاولت حمايتها. في البداية بدا أنني نجحت. في اللحظة التي اتهمت فيها كما في حياتي السابقة، شهدت أنا وكشفت المجرم الحقيقي.
لكن اتضح لاحقًا أن المجرم كان خطيب سيسيل نفسه. كانت صدمتها كبيرة حين اكتشفت أن حبيبها خانها وحاول إلصاق التهمة بها، فساءت صحتها في النهاية وغادرت القصر.
[لا يمكن تغيير المجرى الكبير للأحداث.]
حدقت دون قصد في الجملة التي كتبتها.
مهما فعلت، لم يتغير سوى المسار، بينما النتيجة وصلت إلى مكان مشابه. وكأن قانون السببية يحكم هذا العالم.
«هل يعني هذا أنه مهما عشت السنوات العشر القادمة، فلن أستطيع تجنب تلك الحرب؟»
لكن بالنظر إلى قضية سيسيل، فالأمر لم ينتهِ بنفس النتيجة تمامًا، بل بنتيجة “مشابهة”.
فكونها طُردت ظلمًا مختلف عن مغادرتها بإرادتها. وهذا بلا شك يحمل معنى مختلفًا بالنسبة لها.
إذن، الأمل ليس معدومًا تمامًا. قد أتمكن من تغيير المستقبل.
عضضت طرف قلم الريشة، ثم عدت أكتب قائمة بالمتغيرات التي قد تلتوي بها أحداث المستقبل بعد عشر سنوات.
[فشل ثورة الجنوب]
لو فشلت الثورة ولم يصبح كواناش إمبراطورًا أصلًا، فلن تندلع الحرب.
لكن ما الذي يمكن أن تفعله أميرة من أقصى الشمال بخصوص ثورة تحدث في الجنوب؟
أن أطور قوتي وأسافر بنفسي إلى الجنوب لإحداث أمر ما؟ هذا مستحيل. أصلًا، السبب الذي مُنحت بسببه عائلة كاتاتيل القوة السحرية كان لتسهيل حماية الغابة الفضية، التي تُعرف بـ “نهاية العالم”.
والمزعج في هذه القوة السحرية أنها تضعف بسرعة بمجرد الابتعاد عن الغابة لمسافة معينة.
حتى المستيقظون السابقون، رغم أنهم كانوا لا يُقهرون داخل حدود أكايا، فإن قوتهم كانت تنخفض إلى مستوى عادي إذا خرجوا منها.
لذلك كان تدخلّي في ثورة الجنوب أمرًا مستحيلًا وخطيرًا جدًا.
[إذا لم يقترح كواناش تحالفًا بالزواج]
إذا لم يكن لديه ما يكسبه مني، فلن يقترح التحالف أصلًا.
مثل أن أكون متزوجة بالفعل.
لكن كواناش جاء منذ البداية مهددًا: “إما الاتفاق أو الحرب”، وطرق باب مملكة أكايا.
وأفضل وسيلة للتحالف هي زواج أحد أفراد العائلة الملكية. فإن لم أكن موجودة أو لم أكن متاحة، فسيشن الحرب فورًا.
لذلك، عليّ أن أكون موجودة هنا كورقة تفاوض حتى اليوم الذي يعود فيه ليجعلني زوجته.
إذًا، لم يبقَ خيار واقعي سوى واحد:
[إتمام حفل الزواج بسلام والحفاظ على التحالف]
أن أظل حية حتى النهاية. على الأقل أن أعرف من حاول اغتيالي قبل أن أموت، وألا أموت ميتة بلا معنى. وبذلك أمنع الحرب التي ستمحو وطني.
مهما كان من حاول قتلي، فلن يكون الأمر بهذه السهولة هذه المرة.
«كواناش رادون…»
من المفارقة، أنه لكي أحافظ على السلام، عليّ الزواج مجددًا بالرجل الذي ذبح شعبي، وعدوي تقريبًا.
لا بأس. فأنا أصلًا لا أملك أي أوهام عن الزواج. فكرة الزواج بكواناش لا تزعجني.
المشكلة كانت فيما بعد.
عليّ أن أبقى على قيد الحياة. أن أصد محاولات الاغتيال التي ستستهدفني. وربما أضطر لاحتمال عنف كواناش نفسه.
كنت أعلم جيدًا كم يتحول إلى شيطان أثناء الحرب. الإمبراطور المجنون المدمن على الدم.
ولم أكن لأكون متفائلة بأنه سيعامل زوجته، التي يتزوجها لأسباب سياسية، بلطف.
«الحياة في الإمبراطورية ستكون قاسية».
ولكي أتحملها، أحتاج إلى قوة. لا يمكنني التمسك بسحر ضعيف والعيش عاجزة كما في حياتي السابقة.
هل هناك سبب يجعلني أضعف من باقي المستيقظين السابقين؟ ربما لو وجدت السبب، أصلحه.
أين يمكن أن يكون أصل المشكلة؟ ربما في مصدر هذه القوة نفسها.
قررت الذهاب إلى الغابة الفضية.
—
«ما… يكح… ما هذا الذي تقولينه، يوسفير؟ ستذهبين إلى الغابة؟»
كان أبي مستلقيًا في غرفة نوم كانت لأمي سابقًا. بعد أن توفيت أمي أثناء إنجاب أصغر إخوتي، جينر، تدهورت صحة أبي بسرعة.
لقد أحب أمي بشدة، حتى أن مرض القلب أفسد جسده أيضًا.
«لو كنت عدت في سن أصغر… هل كنت سأتمكن من إنقاذ أمي؟»
لكن بالنظر إلى قوة السببية في هذا العالم، ربما كان الموت حتميًا، إلا أن هذه الفكرة المؤلمة تسللت إلى رأسي.
كتمت حزني وأمسكت يد أبي.
«بما أنني استيقظت، أظن أنه من المناسب أن أزور الغابة».
«لكن أنت تعرفين، لا أحد غير ملك أكايا يستطيع دخول الغابة».
«لكن أليس بإمكاني على الأقل رؤيتها من الخارج؟»
«نعم، لكن… الغابة تقع شمالًا أكثر من القصر بكثير. هناك أرض قاسية البرد، ولن تتحمل جسدك ذلك».
كنت أشبه أمي، ضعيفة الصحة منذ الطفولة، لذا لم يكن قلق أبي بلا سبب.
«أرجوك اسمح لي. سأستعد جيدًا، ولن أمكث طويلًا. فقط أريد أن أراها ولو لمرة واحدة».
«هل أخذت إذن دياكويت؟»
«رغم أن أخي يتولى الوصاية، إلا أن الحاكم الأعلى للبلاد هو أنت يا أبي. وأردت أخذ إذنك أولًا، خاصة أن الأمر يتعلق بالغابة».
كنت أعلم أن دياكويت سيرفض بالتأكيد، لذا جئت عمدًا إلى أبي أولًا.
منذ صغري، لم أكن طفلة تطلب شيئًا قط.
تفاجأ والدي قليلًا من إصراري، ثم أومأ بصعوبة.
«بما أنكِ ترغبين في الذهاب إلى هذا الحد… ربما تكون الغابة هي من تناديك».
لقد اجتزت الأمر بسلام. ابتسمت ابتسامة مشرقة، وطبعت قبلة على خد والدي.
«نعم، شعرت وكأنني أتلقى نداءً بالفعل».
وبما أن من يقول ذلك هو مستيقظة، فالأمر يبدو معقولًا.
«لكن… سأعطيك بعض القطع الأثرية. الذهاب بلا حماية خطر».
«قطع أثرية؟»
«روزان…»
كان مجرد ذكر اسم أمي مؤلمًا لوالدي. ارتجف صدره عدة مرات، ثم أكمل بصعوبة:
«روزان كانت دائمًا تشعر بالبرد. وقد حصلت بصعوبة على قطعة أثرية من أجلها. جُلبت من جزيرة الأقزام، فلا بد أنها ستكون مفيدة».
سمعت أن السحر بدأ يختفي تدريجيًا من قارة البشر منذ مئات السنين، لكن الأجناس الأخرى ما زالوا يستخدمونه بكثرة.
وقطعة أثرية صنعها الأقزام ما وراء البحر، لا شك ستكون ذات فائدة كبيرة.
«شكرًا لك يا أبي… حقًا».
«لا شكر على واجب. لو لم يكن جسدي بهذا الحال… لذهبت معك. يا له من ملك لا يستطيع حتى النهوض من سريره».
ابتسم والدي ابتسامة ساخرة. أما أنا، فطبعت قبلة قصيرة على جبينه النحيل، ثم غادرت الغرفة.
—
بعد أن حصلت على إذن والدي، انطلقت فورًا إلى أقصى شمال المملكة، برفقة بعض الحراس الذين أرسلهم فرسان القصر الملكي.
أما دياكويت فقد عارض بشدة، لكن بما أن الأمر كان بأمر ملكي، لم يكن بوسعه فعل شيء.
لم يكن هناك خطر يُذكر في الطريق إلى الغابة، فهذه أرض جليدية لا يسكنها لا وحش ولا إنسان.
كانت القسوة الطبيعية للبرد حصنًا منيعًا. الأرض متجمدة، والأشجار نحيلة.
العدو الوحيد كان البرد، لكن القطعة الأثرية التي منحني إياها والدي ساعدتني على مقاومته إلى حد ما.
عباءة مسحورة بسحر التدفئة. لم تكن تزيل البرد تمامًا، لكنها مكنت جسد طفلة في العاشرة من تحمل هذه الأرض المتجمدة.
«أيتها الأميرة!»
توقفت العربة المتجهة شمالًا فجأة. فتح الفارس باب العربة ونظر إليّ بوجه مرتبك.
«ما الأمر؟»
«هناك مشكلة يا سيدتي. الخيول ترفض التقدم».
كنا لا نزال على مسافة من الغابة، ومع ذلك أعلنت الخيول الإضراب. حتى خيول الفرسان كانت على الحال نفسه.
تفاجأت، ثم نزلت من العربة فورًا. لم أكن أتوقع ذلك، ويبدو أن الفرسان أيضًا لم يمروا بموقف كهذا من قبل. كنا بحاجة لإيجاد تفسير.
وأثناء تفقدي المكان بعيني، وقعت نظراتي على شجرة صغيرة متجذرة قريبة منا.
اتجهت نحوها فورًا، وضعت يدي على جذعها، وأغمضت عيني.
ثم حدثتها في قلبي:
«مرحبًا… هل تسمعني؟»
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"