أحدهم قد ألقى قوة سحرية في نهر فاهار. وفي النهاية تلوثت مياهه، وربما يكون لهذا علاقة بمرض التصلب .
حتى لو أخبرت كواناش بما اكتشفته فورًا، فماذا لو سألني: “كيف عرفتِ؟” فبماذا سأجيب؟
(لا أحد يعرف أنني أستطيع التحدث مع النباتات).
منذ عودتي بالزمن، كنت أخفي هذه القدرة. فهي تزداد قوة كلما جهل الآخرون بها.
كنت أستطيع من خلال النباتات جمع المعلومات سرًا، وكنت أؤمن أن هذا سيكون مصدر قوتي.
لكن إن كُشف أنني أستطيع التحدث مع النباتات، فسوف يمتنع من يريد إيذائي عن الكلام أمام أي نبات، وسيحاولون التستر على أنفسهم.
(لم أرد أن أبوح بهذا لأحدٍ إن كان بالإمكان…).
التقت عيناي بعيني كواناش القلقتين الموجهتين إليّ. ثم نظرت بطرف عيني إلى مياه النهر الهادئة الجارية.
(يجب أن أجد الحل بسرعة. الناس يموتون باستمرار، ولا يمكن أن أترك الأمر هكذا).
شعرت أن بإمكاني أن أبوح بسرّي لكواناش . فقد كان من المؤكد أنه ليس ممن قد يتآمر خلف ظهري لإيذائي.
في هذه الأرض الغريبة، كان هو على الأقل من أستطيع الوثوق به.
“لدي ما يجب أن أخبرك به.”
“وما هو؟”
نظرت حولي بحذر واقتربت من كواناش أكثر. ارتبك قليلًا لكنه رفع طرف قبعته وانحنى نحوي.
خفضت صوتي إلى أقصى حد وهمست له:
“أنت تعلم أن قوتي السحرية تضعف كلما ابتعدت عن وطني.”
“نعم، أعلم.”
وبينما كنت أتكلم بجدية، بدا التوتر على كواناش أيضًا، وحدّق بي باهتمام.
“في وطني، كان بوسعي أن أزرع نباتًا من بذرة واحدة ليملأ غرفة كاملة. أما الآن… فلنقل إن أقصى ما أستطيع فعله هو نفخ قليل من الحياة في نبات يحتضر. لكن في الحقيقة…”
كنت على وشك أن أبوح بقدرة أخرى مخفية، حين أمسك كواناش بمعصمي فجأة.
“هل تقصدين… أنك تندمين على ترك وطنك والمجيء إلى هنا…؟”
قالها بصوت مبحوح متقطع، وقد احمرّت عيناه من شدة الانفعال.
“أنا آسف. يمكنك أن تلوميني إن شئت. لكن… لا أستطيع أن أتركك ترحلين.”
“ها؟ ماذا تقول؟ لم أقصد ذلك إطلاقًا.”
“…لم تقصدي؟”
حدّق فيّ مشوّه الملامح، بوجه يشبه وجه صغير حيوان تُرك وحيدًا.
“لماذا تفكر بهذا الشكل؟ أردت فقط أن أتحدث معك بصراحة عن قوتي السحرية.”
“آسف… أنا فقط كنت أخشى دومًا أنك قد تندمين على الزواج بي.”
أمسكت بيديه بكلتا يديّ، وحاولت أن أتكلم بوضوح:
“لم أندم يومًا.”
“…”
“كيف تقول إنك دائمًا قلق؟ ولماذا؟ لا تفكر كثيرًا. فأنت زوج رائع بحق.”
كثيرًا ما كان يظهر أمامي بحالة ضعيفة وصغيرة. يضطرب ويبدو منكسرًا، كدب ضخم دُجّن ليكون مطيعًا كالكلاب.
(لكن الناس يقولون إنه كإمبراطور كان باردًا وحازمًا…)
أما أمامي، فكان دائمًا رجلاً رقيقًا، قلقًا، على عكس مظهره الخشن.
ربّتُ على ظهر يده بلطف كمن يُدلّل طفلاً، وقلت:
“على أي حال، هذا ليس المهم الآن. نحن خرجنا للعمل، أليس كذلك؟”
“صحيح. أعذريني. تابعي ما كنت ستقولينه يا سيدتي.”
“كنت أريد أن أخبرك أن لدي قدرة أخرى، لم تُعرف بعد.”
“حقًا؟ يا يو…”
كاد ينطق باسمي عرضًا وهو في مهمة سرية، فتوقف فجأة عن الكلام، ثم قال من جديد:
“سيدتي، أنت حقًا إنسانة عظيمة.”
“شكرًا. لقد استعملت هذه القدرة منذ قليل وعرفت شيئًا. لكن المشكلة هي…”
خفضت صوتي أكثر حتى كدت أهمس في أذنه مباشرة. فارتجف جسده الضخم وهو يستمع لشرحي.
وبعد أن أخبرته بكل شيء، تجمّدت ملامح كواناش وصارت باردة قاسية. عضّ على شفته بقوة وقال بصوت متشقق:
“…يجب أن نتحقق من الأمر بدقة. من هم الأوغاد الذين فعلوا هذا؟”
“نعم. فلنعد سريعًا إلى القصر للتحقيق.”
لقد كان الأمر عاجلاً. حتى في هذه اللحظة، كانت مياه النهر الملوثة تتغلغل في أرجاء الإمبراطورية، مهددة حياة الشعب.
الموت كان قريبًا، مختبئًا في أكثر الأماكن اعتيادية.
—
كان دياكويت في غاية الحماس للقاء “ذلك الرجل” مباشرة بعد طول انقطاع. فمنذ فترة طويلة لم يتحدثا إلا عبر القلادة.
رومان. الرجل الذي يظهر ظاهريًا كمالكٍ لقافلة “غيلليه”. لكن كل ما ظهر للعامة عنه لم يكن سوى خدعة.
(حتى اسم رومان لا بد أنه مستعار).
في الحقيقة، لم يكن دياكويت يعرف عن رومان سوى النزر اليسير.
حين يتظاهر بدور سيد القافلة، يبدو كأي رجل في منتصف العمر عادي لا يلفت النظر.
لكن كيف هو الآن؟ شاب وسيم في أواخر العشرينات، بشعر طويل فضي لامع مربوط للخلف، وعينين بنفسجيتين زاهيتين.
ابتسم رومان، رافعًا زاوية فمه:
“سمو ولي العهد، مضى وقت طويل.”
“نعم. لقد تكبدت عناء المجيء إلى هنا.”
كان رومان قد اغتنم زيارته للشمال بحجة أعمال القافلة ليمر مؤقتًا بمملكة أكايا.
ولسببٍ ما، كان دياكويت يشعر دومًا بالصِغَر أمام رومان. ومع ذلك، كان الأمر غير منطقي. فهو أميرٌ من سلالة ملكية عريقة، بل الوريث الشرعي الأول.
لذا رفع رأسه أكثر تعمدًا حتى لا يظهر انكساره.
“كيف تسير التجارب؟”
“بخير. أوشك السحر على الاكتمال.”
“الجميع يعلق آمالاً كبيرة. بهذا السحر، سنتمكن من الانتصار على الإمبراطورية في الحرب.”
“بالطبع. فالإمبراطور سيُساق ككلب أعرج، ويُجبر على التخلي عن العرش.”
بمجرد أن تخيل إذلال ذلك “العبد المتعجرف”، شعر دياكويت بالسرور.
“وهل ينقصكم المال؟”
“لا، إطلاقًا. الأرباح من علاج مرض التصلب هائلة. والتجارة مع الأعراق الأخرى تحقق أرباحًا ثابتة أيضًا. فلا داعي للقلق.”
“حقًا لديك براعة مدهشة.”
أن تصنع مرضًا غير موجود، ثم تبيع دواءه! لم يسمع بمثل هذا في أي مكان.
قد يُعتبر الأمر غير أخلاقي قليلًا، لكن مرض التصلب لا يُهدد الحياة طالما واظب المريض على الدواء.
أما الفقراء العاجزون عن تحمل تكاليف العلاج؟! وما شأنه بهم؟ هؤلاء البؤساء كان عمرهم قصيرًا على أي حال، إن لم يكن بهذا المرض فبأمراض أخرى.
“سموك. لكن… بخصوص ما ذكرتموه سابقًا حول الأميرة… هل ما زال الأمر قائمًا؟”
“هم؟ ماذا تقصد؟”
فور سماع اسم يوسفير، شعر دياكويت بالانزعاج. لم يتبادل معها سوى مرتين رسائل عبر القلادة.
(تلك الفتاة عديمة الفائدة، لا تجيد إلا التفاخر).
لقد أمرها أن تعرف سبب تحوّل نبلاء المجلس الإمبراطوري إلى دعم قانون إصلاح الضرائب، فجاءته سريعًا بالجواب: يبدو أنهم عقدوا صفقة مع العائلة الإمبراطورية مقابل حقوق استخراج منجم الميثريل.
كان التفسير معقولًا، لكن سماعه من يوسفير تحديدًا أثار في نفسه غيظًا غريبًا.
لو أنها فشلت، لكان استاء واعتبرها حمقاء. هكذا أو هكذا، كان يجد يوسفير بغيضة النظر.
لقد بدأت هذه المشاعر الملتوية منذ الطفولة. في اليوم الذي أظهرت فيه يوسفير موهبتها الخاصة، لم يستطع دياكويت أن يتحمل وجودها. كيف تجرؤ على أن تتفوق، وهو وريث عائلة كاتاتيل العريقة!
راقب رومان ملامح دياكويت التي تتبدل في كل لحظة، ثم قال بهدوء:
“ألم تقل سابقًا إنه لو تبين أن الأميرة تشكل عائقًا لنا، فبإمكاننا التخلص منها؟ هل ما زلت على هذا الرأي؟”
“ولماذا؟ هل قامت تلك الفتاة بشيء ما؟”
“سمعتُ أنهم ذهبوا منذ فترة وجيزة إلى نهر فاهار مع الإمبراطور. في جولةٍ متخفّية. لقد أخبرني أحد العيون في القصر الإمبراطوري.”
“ماذا؟ إلى نهر فاهار؟”
“بالطبع، قد يكون مجرد نزهة عابرة…… لكن بما أن الأميرة قد نالت بركة الحاكمة وتستطيع استخدام السحر، أخشى أنها قد تكون اكتشفت شيئًا.”
“تلك الفتاة ليست بالذكية إلى هذا الحد.”
“لكنها مؤخرًا أدخلت إلى القصر شقيقةَ وصيفتها المصابة بمرض التصلب.”
“هُمم.”
“علينا أن نراقبها عن كثب. وإن دعت الحاجة، يمكننا أن نتخلص منها فورًا وفق تقديرنا. هل هذا مناسب لك يا سموّك؟”
أجاب دياكويت بلا أدنى تردد:
“لا يهمني. افعلوا ما يخدم خطتنا العظيمة.”
“مفهوم، يا سموّك.”
ابتسم رومان بعينين بنفسجيتين متلألئتين.
—
مضت عدة أيام منذ زيارتي ضفاف نهر فاهار برفقة كواناش. وخلال تلك الأيام لم يمر يوم واحد إلا ونزلت ليلًا إلى المختبر السري تحت الأرض لتحليل مياه النهر.
صحيح أن قوتي السحرية قد ضعفت كثيرًا لبُعدي عن غابة الفضة، لكن كان بوسعي على الأقل أن ألتقط حركة المانا وأتتبعها.
أما نهارًا، فكنت أتابع حالة جسد إيديث ، شقيقة ماريان، وأتردّد على المكتبة لأتفحص كل الكتب التي تتناول السحر المسبب للأمراض.
(لا بد أن أكتشف الحقيقة. يجب أن أكون أنا من يحل هذا اللغز).
فأنا الوحيدة بين من يحققون في الأمر التي تفهم في السحر.
لقد انقرض نسل السحرة تقريبًا في القارة البشرية. ومن تبقى منهم يعيشون في عزلة. حتى في القصر الإمبراطوري، هناك بعض السحرة، لكن قوتهم ضعيفة جدًا.
وفوق ذلك، كان هذا التحقيق يُجرى في غاية السرية. فلا يمكن الكشف عنه للعلن ولا طلب المساعدة قبل الحصول على دليل قاطع.
أن يُقال إن نهر فاهار قد تلوث…! إن تسرب هذا الخبر، ستغرق الإمبراطورية كلها في فوضى عارمة. فالنهر بالنسبة لشعب الإمبراطورية لم يكن مجرد مجرى ماء، بل كان ماء الحياة نفسه، بل تجسيدًا للحاكمة.
(وفوق ذلك، لو شعر الجناة بالخطر قد يختفون تمامًا. يجب أن أحقق سرًا وأمسك بهم متلبسين).
ظللتُ لعدة أيام أُحلّل المياه سرًا. في البداية لم يظهر أي تقدم يُذكر.
أي نوع من السحر يمكن أن يسبب مرضًا يُحوّل جسد الإنسان إلى حجر صلب؟ ولماذا يشرب الجميع من نفس ماء النهر، لكن بعضهم يبقى سليمًا، بينما يُصاب آخرون بمرض التصلب؟
كل شيء كان غامضًا. لكن في اليوم الخامس، وبعد جهدٍ شاق، بدأت أخيرًا ألتقط الخيط الأول.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 38"