ألقيت نظرة جانبية على كواناش. كان احمراره يزداد أكثر فأكثر، حتى أنني بدأت أقلق من أنه قد ينهار فجأة.
ظل كواناش يفتح ويغلق شفتيه بصعوبة قبل أن يتمكن أخيراً من الكلام.
“هل…… نمتِ جيداً الليلة الماضية؟”
يبدو أنه حاول جاهداً إيجاد موضوع مناسب للحديث. لكنني أنا فقط تجمدت أكثر. فلم أنم جيداً على الإطلاق.
هل عليّ أن أجيب بكذبة مثل: “نمتُ جيداً”، “أنا بخير……” لمجرد تهدئة الجو؟
لكن الحقيقة أنني لم أكن بخير أبداً. ظللت مستيقظة حتى الفجر أفكر فيك لأنك لم تأتِ، وكان السرير الذي تقلبت فيه أكبر وأبرد من المعتاد. هل كان عليّ أن أقول ذلك بصراحة؟
يبدو أن كواناش سمع بالفعل ما قلته أمام جاكسور. فهل هناك ما يمنع أن أتحمل العار مرة أخرى؟ شجاعة لم تكن لتظهر عادة اندفعت فجأة في داخلي.
“لا. لم أنم جيداً.”
ارتجف كتفا كواناش العريضان عند سماع جوابي. ثم قال بلهجة أكثر حدة من قبل:
“لماذا؟ هل كنتِ متوعكة؟”
“……لأنك لم تأتِ.”
“ماذا؟”
توقف كواناش وحدق بي بوجه متجمد.
“لماذا لم تأتِ؟ انتظرتك طويلاً. حتى بعد منتصف الليل……. كان السرير واسعاً وبارداً. هل كنتَ غاضباً مني؟ غاضباً جداً؟” (الابطال جوي واجوائي)
بمجرد أن بدأت أُخرج ما في داخلي، أصبح الأمر سهلاً. الكلمات انهمرت بلا توقف.
وحين انتهيت من الكلام بسرعة غير معتادة عليّ، شعرت أن أنفاسي أثقل. ثم متأخرة أدركت أنني كنت أتذمر كطفلة صغيرة.
أطبقت شفتيّ، وارتفعت الحرارة إلى وجهي شيئاً فشيئاً. ربما لم يكن عليّ أن أقول ذلك. كنت على وشك أن أطلب منه أن ينسى كلامي، لكن في تلك اللحظة……
أطلق كواناش نفساً خشناً فجأة وجذبني إليه بقوة.
“آه…… يوسفير.”
عانقني بشدة. دفنت وجهي في صدره العريض.
انحنى كواناش حتى غطى رأسي بطرف شفتيه وقبّل شعري، ثم سمعت صوته الأجش:
“لا. لم أكن غاضباً. بل أنا رجل أخرق وسيء التعبير فحسب.”
“……لست أخرقاً، فلماذا تقول عن نفسك ذلك؟”
كان صوتي مخنوقاً داخل حضنه، لكنه كان بمثابة اعتراض.
في الصباح ديكويت، وقبل قليل جاكسور، والآن كواناش نفسه…… لماذا يبدو أن الجميع يتسابقون لانتقاصه؟
لم يعجبني ذلك. ربما تظاهرت أمام جاكسور بالتماسك، لكن حقيقة أنني أُكنّ لكواناش شعوراً جيداً كانت صادقة.
“……لقد سمعتَ كل شيء، أليس كذلك؟ ما قلته قبل قليل.”
كان صدر كواناش يرتفع وينخفض بعنف، لكنه لم يجب. عندها رفعت رأسي قليلاً من بين ذراعيه لأنظر إليه.
عندها أدركت بوضوح فرق البنية بيننا. لو أنه شد ذراعيه بقوة، لكان بإمكان عضلاته الصلبة أن تسحقني حتى أختنق.
رفعت رقبتي بشيء من العناء وسألته مجدداً:
“سمعتَ أم لم تسمع؟”
عندها فقط رمش كواناش سريعاً وأجاب:
“ن-نعم. سمعـت.”
“وهل قلتُ عنك إنك أخرق؟”
“لا. لم تقولي ذلك.”
“نعم. بالضبط.”
“……أنا آسف.”
كان وجه كواناش محمراً بالكامل. حدقتاه السوداوان كانتا ترتجفان، لكنه ظل يركز عليّ.
كان قلبه يخفق بسرعة شديدة. ورأسي كان تماماً عند مستوى صدره، لذا كان صوته القوي يهز أذنيّ.
هل قلب هذا الرجل أكبر من قلوب الناس العاديين بضعفين؟ كان حضنه صاخباً وحاراً.
“أنت…… دائماً تجعلينني لا أعرف ماذا أفعل.”
تمتم بصوت عميق مرتجف، ثم فجأة أرجع خصري إلى الوراء بقوة.
شعرت أن جسده الضخم ينهال عليّ كالموجة. ثم ابتلعتني شفتاه الساخنتان والخشنتان دون إنذار.
“أه…….”
أسند ساعده القوي ظهري المنحني، بينما تسللت شفتاه إلى الداخل.
ارتفعت من أعماق بطني حرارة لاذعة اجتاحتني بسرعة. كان الأمر غامراً كعادته، لكنه اليوم بدا مختلفاً؛ بدا مرغوباً.
وضعت كفي بخفة على صدره، وحاولت جاهدة أن أبادله القبلة.
كان كواناش يلتهم أنفاسي كعطشان كان يقلب فمي بخشونة لدرجة أن شفتيّ أوجعتاني.
وحين انتهت القبلة العنيفة، أعادني ببطء إلى وضعي المستقيم. تنفس بعمق، وقال بشفاه مبتلة محمرة:
“……إنه حار.”
“نعم…… كذلك.”
سعل كواناش بخفة ثم قال بصوت منخفض:
“كنت أظن العكس…… أن تكوني غاضبة مني. لأني نهيتك عن تطوير الدواء.”
“لم أغضب…… فقط شعرت ببعض الانزعاج.”
“أعلم أن ما قلته كان بدافع طيب.”
خفض عينيه، ووجهه مغطى بالذنب. ومع ذلك لم ينطق بكلمة سماح بشأن تطوير الدواء.
وفجأة خطر لي اقتراح جيد.
“كواناش…… إذا كنت قلقاً من أنني قد أنجر إلى نزاعات مصالح، فلماذا لا نقوم به سراً تماماً؟”
“سراً؟”
“نعم. نصنع دواء التصلب دون أن نوزعه باسم العائلة الإمبراطورية. نؤسس قافلة تجارية مجهولة الاسم لتوزيعه. ربما لا يرفع ذلك شعبية العرش فوراً، لكنه سيساعد الناس.”
قلت ذلك بلا توقف ثم نظرت إليه بحذر.
“طبعاً…… هذا إن وافقتَ، ونجح سيمون وأنا في تطوير الدواء.”
ظل كواناش صامتاً وهو يطوق خصري بذراعيه. ثم قطّب حاجبيه وسأل:
“أتعتقدين أن بإمكانكما صنع الدواء؟”
“لا أستطيع أن أضمن، لكنني أريد أن أحاول.”
“همم…….”
بدا متردداً. لم يكن حازماً كما قبل. ارتجف قلبي بتوتر، ووضعت يدي على كتفيه أتشبث به.
“ألن يكون ممكناً……؟”
عض كواناش شفته بقوة ثم قال:
“حسناً.”
“أتعني أنك توافق؟”
ارتفع صوتي وحماسي، بينما كان صوته أكثر انخفاضاً ومليئاً بالمرارة:
“موافقة…… من أنا حتى أجعلكِ تطلبين موافقتي؟”
“لكنكَ جلالة الإمبراطور. هذا طبيعي.”
زفر كواناش تنهيدة طويلة ثم عانقني مرة أخرى. دفنت رأسي في صدره العريض، وراح بكفه الكبير يمسح على كتفيّ.
تمتم بصوت أجش:
“أنا آسف.”
“لا أدري على ماذا تعتذر هذه المرة، لكن الأمر قد حُسم، أليس كذلك؟ هذه الليلة…… ستأتي؟”
“هل كنتِ وحيدة؟”
كان السؤال محرجاً، لكن لم يعد في وسعي الإنكار. أومأت بخفة وأنا في حضنه.
“ما زلتُ لا أعرف أحداً هنا تقريباً. ل-لذا يجب أن تكون إلى جانبي…….”
هل كنتُ شخصاً قادراً على الكلام بصدق هكذا؟ بدا الأمر غريباً ومحرجاً، لكن لم يكن سيئاً أن أظهر مشاعري أمامه.
على الرغم من ملامحه القاسية، فإن كواناش كلما قضيتُ معه وقتاً أكثر منحني شعوراً بالطمأنينة. حضنه الكبير أخفاني تماماً، ولطفه احتواني بالكامل.
قبّل شعري مرات عدة وهمس:
“نعم. سأكون دائماً إلى جانبك.”
قالها بصوت ممتزج بالعزم.
—
جلس كواناش في مكتبه يفتح خريطة تصميم القصر الإمبراطوري. كان قد أعاد يوسفير إلى غرفتها بعد لقائهما في الحديقة الزجاجية.
غرق في التفكير العميق.
إذا كانت يوسفير وسيمون سيطوران دواء التصلب سراً، فلا بد لهما من مكان لا ينكشفان فيه. فلو التقيا علناً كثيراً، لانتشرت الأحاديث.
عندها تذكر الممرات السرية التي صممت وقت بناء القصر.
“سأستخدم أحدها لمساعدتهما على اللقاء.”
لكن بالطبع، لم يكن ليسمح بترك يوسفير وحدها مع رجل آخر، لذا قرر أن يحضر هو أيضاً في كل لقاء.
لف الخريطة ببطء، ووضع يده الكبيرة على جبينه. كانت لديه آلاف الأمور التي تنتظره، لكن رأسه ظل مشوشاً بأفكار متفرقة منذ قليل.
كان السبب هو كلمات يوسفير التي سمعها.
تلك الكلمات ظلت تعبث برأسه جيئة وذهاباً.
«أنا أحترم جلالتك وأُعزّك كثيراً.»
«بهذه الطريقة يمكننا مساعدة الشعب.»
كلمات خرجت من بين شفتيها الجميلتين. وكلما استعادها، امتلأ قلبه الضيق أكثر فأكثر حتى كاد ينفجر.
يوسفير كانت تظن أن هذه الزيجة لم تكن إلا كارثة بالنسبة لها، وأنها تكره نفسها لكونها جُرّت كسلعة إلى بلد غريب تحت اسم التحالف بزواج. والأسوأ من ذلك، أن الرجل الذي صار زوجها ليس سوى إنسان وضيع الأصل.
كان يعتقد أن الطمع في قلبها سيكون وقاحة لا تغتفر. ومع ذلك، كان كواناش على الدوام يحقق ما ظنه الناس جميعاً مستحيلاً، وما عدّوه تعدياً على مقامه.
لم ينسَ كواناش أول لقاء بينهما. حين تجرأ، رغم كونه عبداً حقيراً، على حمل مشاعر لا يحق له أن يحملها.
ومنذ ذلك اليوم، كان يركض بين الشيوخ يسأل: كيف لرجل أن يتزوج أميرة؟
«أمير يتزوج أميرة؟ هه! ما هذا الهراء؟ الأميرة تتزوج أميراً. نحن أمثالنا لا نملك سوى أن نلعق التراب تحت أقدامهم.»
لكن هو لم يكن أميراً.
حتى اسم أبيه لم يكن يعرفه. وما كان أكيداً فقط… أن والده لم يكن ملكاً.
وبالتالي لم يبقَ أمامه سوى طريق واحد.
أن يصبح هو بنفسه ملكاً.
زفر كواناش بشدة وقبض يده بقوة. كان يريد أن يضم تلك المرأة المشرقة بين أصابعه. مشاعر بشعة ومتعجرفة، لا تعلم عنها شيئاً، هي التي دفعته حتى وصل إلى هنا.
كان قد عقد العزم أن يتقبل الأمر حتى لو كرهته. أن يتحمل ذلك مهما حدث.
«لكن أنتِ……»
بدلاً من أن تبغضه، أحاطته بلطفها. رغم أن من الطبيعي أن تكره الأرض الغريبة، إلا أنها أظهرت صبراً وهيبة حقيقية للحاكمة، أكثر منه هو نفسه.
وأمام ذلك المشهد، راوده إحساس أن يوسفير هي الأجدر بعرش الإمبراطورية منه. أما هو، الذي اغتصب العرش بدافع رغبة شخصية، فمظهره الخارجي فقط كان متلألئاً، بينما داخله أجوف.
إنه يعرف. أن يوسفير كاتاتيل رادون ليست كما تبدو، بل هي قوية وذكية.
ومع ذلك، لم يكن قادراً أحياناً على كبح قلقه، فتركه يلتهمه… حتى انتهى بالأمس بأن أظهر لها وجهاً مشوهاً.
كلما أغمض عينيه، عادت الذكرى حية كأنها ما زالت تحدث الآن.
مصدر القلق، بداية تلك اللحظة المروعة.
سهم يطير نحو العربة. جثة تتهاوى بسهم مغروز في صدرها. فستان أبيض يتحول إلى بقع حمراء قانية……
هز كواناش رأسه بعنف وكأنه يريد أن يمحو تلك الصور المريعة.
«لا…… هذه المرة… لقد تعاملت مع كل شيء. لن تموت. أبداً لن أسمح بذلك.»
بدأت يده ترتجف تدريجياً. أفكاره تكسرت وتفرقت إلى شظايا متناثرة. كان الأمر أشبه بوسوسة شيطان يهمس عند أذنه:
«حقاً؟ هل أنت متأكد؟ هل تظن نفسك قادراً على حمايتها؟ لقد فشلتَ من قبل بالفعل، أليس كذلك؟»
“لا.”
تمتم كواناش بصوت كئيب، وأغمض عينيه بقوة ثم فتحهما. في عينيه المرتجفتين لمع بريق قرار بارد.
تحطم القلم بين أصابعه المشدودة. وتوغلت شظية حادة من بقاياه في جلده، فخلّفت خدشاً صغيراً.
تجمعت قطرة دم على كفه، لكن كواناش لم يُصدر أنّة واحدة. اكتفى بالتحديق بصمت في دمه، ثم جدّد عهده في قلبه.
في هذه الحياة، سيحميها.
بأي ثمن. حتى لو اضطر أن يلطّخ يده بدماء لا تُحصى.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 32"