«ما الذي يحدث هنا…؟ هل عدت حقًا إلى طفولتي؟ هل استجاب لي غابة الفضة وصلاتي؟»
لكن صلاة الغابة كانت امتيازًا يملكه ملك أكايا وحده.
مملكة أكايا كانت تلامس غابة الفضة التي تُعرف بأنها “نهاية العالم”، تلك الغابة التي حمت عائلتنا ومنحتها قوة السحر.
كانت الغابة أرضًا محرّمة على البشر، ولا يُسمح بدخولها إلا للملك وحده.
وإذا تحمّل الملك البرد القارس الذي يلسع الجلد حتى يصل إلى قلب الغابة، يمكنه أن يرفع إليها صلاة واحدة فقط.
لم يكن ممكنًا أن تُستجاب صلاة همستها وحيدة في داخلي وأنا في هيئة شبح.
«لا أعرف السبب… لكن الأمر نجح.»
حدقت في المرآة بشرود، ثم مددت أصابعي حتى لامست سطحها.
إنها تلمس… بإحساس حقيقي.
حرّكت يدي بانزلاق على امتداد ملامح وجهي المنعكسة في المرآة. كنت إنسانة ذات جسد حقيقي، أستطيع ملامسة العالم.
فجأة، غمر صدري شعور خانق بالامتلاء.
«أنا على قيد الحياة… أنا حيّة!»
تنفست بسرعة، وصوت أنفاسي كان واضحًا في أذني.
«الغابة منحتني فرصة.»
في حياتي السابقة، كنت إنسانة ضعيفة للغاية، ليس فقط في القوة، بل في القلب أيضًا. كنت أعتبر نفسي بلا فائدة.
لكن أن تُمنح لي هذه الفرصة… قد يكون دليلًا على أنني لست عديمة القيمة.
لا أريد أن أعيش كما في الماضي. أريد أن أصبح قوية.
أنا أعرف المستقبل. أتذكر شعبي وهم يمزقون تحت رؤوس الحراب. أتذكر وطني وهو يقترب من حافة الدمار.
«لو كنت قوية مثل باقي المستيقظين، كنت لأصد السهم يوم الزفاف… وحينها ربما ما كانت الحرب لتندلع.»
على الأقل، أريد أن أكون قوية بما يكفي لأحمي نفسي، كي لا تُعامل حياتي كورقة على طاولة السياسة.
العودة إلى لحظة استيقاظي على السحر، قد تعني أنني مُطالَبة باستخدام هذه القوة جيدًا.
نظرت مجددًا إلى المرآة. كعلامة على الاستيقاظ، تحوّل شعري إلى بلاتيني، وعيناي إلى لون أخضر فاتح.
«هذه المرة ستكون مختلفة.»
قبضت كفي الصغيرة بقوة. هذه المرة، يجب أن تكون مختلفة حقًا.
—
انتشر خبر استيقاظي في القصر الملكي بأكمله. فالمستيقظ الذي يظهر لأول مرة منذ مئة عام، يصبح أكبر حديث في المملكة.
حتى في حياتي السابقة، انهالت عليّ الأنظار بعد استيقاظي مباشرة. حتى الآن، الأمر مشابه لما مضى. لكن في اللحظة التي اكتشفوا فيها أن المستيقظة المنتظرة لا تملك قوة حقيقية، تغيّروا جميعًا.
كانت الغرفة مليئة بالهدايا القادمة من العائلات المرموقة ومن الممالك المجاورة في الشمال. كانت كثيرة إلى حد أنني لم أستطع فتحها جميعًا.
الجميع يعلق عليّ آمالًا كبيرة. وكان ذلك مبررًا. فالسحر بدأ يختفي تدريجيًا من القارة البشرية منذ عقود، والسبب مجهول.
عادةً، السحر قوة موروثة، لكن حتى أشهر العائلات السحرية توقفت عن إنجاب ورثة يملكونه منذ عشرات السنين. الأمر لم يكن يخص عائلتنا فقط.
وفي وسط هذا الفراغ، جاء استيقاظي، فلم يكن غريبًا أن تتجه الأنظار إليّ.
لكنني لم أشعر بالفرح. فالناس يظنون أنني صغيرة – في العاشرة فقط – ولن أستطيع استخدام سحر حقيقي الآن، لكنني أعلم أنني حتى عندما أكبر، لن يتغير وضعي كثيرًا.
«ماذا يجب أن أفعل…؟»
وأنا غارقة في التفكير، دخل أخي دياكويت.
– «يوسفير.»
تقدم بخطوات واسعة داخل الغرفة، لكنه توقف لحظة حين رأى صناديق الهدايا المتراكمة.
كان مختلفًا كثيرًا عن دياكويت الذي عرفته لاحقًا، فتجمد وجهي للحظة قبل أن أتذكر… نعم، في طفولتنا، كان أخًا حنونًا إلى حد ما.
كنتُ أيضًا أثق به وأعتمد عليه لفترة طويلة. في الماضي، كنت سأحاول جذب انتباهه بكثرة الكلام، لكن الآن جلست هادئة على السرير أراقبه كما لو كنت أدرسه.
– «لقد وصلتك الكثير من الهدايا. يبدو أن ولادة مستيقظة متأخرة أسعدت الجميع.»
ابتسم برفق ووضع يده على كتفي.
– «حتى أبيك كان سعيدًا جدًا. سمعت أنه أتى بنفسه ومعه بذرة رغم مرضه… لكنك لم تستطيعي حتى إنباتها، أليس كذلك؟»
رمشت ببطء. كان دياكويت – الذي بدا لي سابقًا بالغًا – في السادسة عشرة الآن، وملامحه لم تزل تحمل بعض البراءة.
في حياتي السابقة، كان أخي الذي يكبرني بست سنوات يبدو بعيدًا عن متناولي دائمًا، فهو ولي العهد والوصي الفعلي على المملكة، مما جعل التعامل معه أصعب.
لكن الآن، رغم أن جسدي في العاشرة، فإن عقلي عاش أكثر منه بكثير.
لقد أصبحت خبيرة في قراءة المشاعر التي يحاول مراهق في السادسة عشرة إخفاءها.
– «أختي المسكينة يوسفير… دائمًا تقلقين أخاك.»
رغم صوته الحنون، كانت عيناه تلمعان بنظرة خبيثة، أشبه بنظرة شخص يشعر بالغيرة.
«غيرة؟ هل لأنه لم يكن هو من استيقظ؟»
الأمير ولي العهد دياكويت، النبيل والجميل والرحيم…
منذ طفولته، حصل على كل ما أراده. ولو وُلد مستيقظ في جيلنا، لكان متأكدًا أنه سيكون هو.
الآن بدأت أفهم لماذا أصبح باردًا تجاهي فجأة في الماضي… فأنا، المستيقظة، كنت ضعيفة إلى حد لا ينفع المملكة. لابد أنه كان يكره النظر إليّ.
في حياتي السابقة، لم أفهم مشاعره، وقضيت سنوات أحاول كسب وده، ثم انسحبت أخيرًا إلى عزلتي.
«كنت غبية.»
ومع إحساسي بالحزن والغضب معًا، نظرت إليه بثبات.
– «لا داعي للقلق، لقد استيقظت للتو. أؤمن أن قوتي ستنمو مع الوقت.»
مهما كلف الأمر، هذه المرة سأصبح قوية. سواء بالذهاب إلى الغابة والدعاء، أو بالبحث في الكتب القديمة عن طريقة لتعزيز السحر.
حين سمع ردي الهادئ، قطب حاجبيه قليلًا.
– «أتمنى ذلك… لكن المستيقظين السابقين استطاعوا استخدام السحر منذ البداية.»
– «أفضل من ألا أستيقظ إطلاقًا.»
– «أنا فقط قلق عليكِ… تعرفين كم أحبك.»
أخفى بسرعة الانزعاج الذي ظهر على وجهه، وابتسم بحنان مصطنع. في الماضي، كنت أتشبث بهذه الحلاوة الزائفة، غير مدركة أنها رخيصة.
عندما كنت في الثامنة، توفيت والدتي الضعيفة أثناء إنجاب أخي الأصغر جينر. أبي حزن بشدة وانعزل في غرفته، ومنذ ذلك الحين أصبح ولي العهد دياكويت الحاكم الفعلي للعائلة والمملكة.
كنت أتبعه وأثق بكلماته… كان كوصي عليّ. كان يمكنني ملاحظة حقيقته عدة مرات، لكنه خدعني.
حتى عندما كان يقلل من شأني، كنت أبرر ذلك بأنه قلق عليّ. ربما لأني لو لم أصدق هذا، لكنت شعرت بوحدة قاتلة.
لكن الأمر مختلف الآن. أعلم أن هذه الحلاوة فارغة.
كانت يده دافئة وابتسامته جميلة، لكن جسدي تجمد وارتجفت بشعور من القشعريرة.
قلت بصوت بارد:
– «أخي.»
– «نعم؟»
ابتسم وهو يداعب ظهر يدي بوجهه، لكنني كنت أعلم أن هذا تمثيل.
– «أنا متعبة… أرجو أن تغادر.»
– «يوسفير؟»
– «أرجوك، يا صاحب السمو ولي العهد.»
تجنبت مناداته باللقب الحميمي الذي نستخدمه عندما نكون وحدنا، واخترت لقبًا رسميًا باردًا عمدًا.
تجمد وجهه فورًا.
– «لماذا هذا البرود فجأة؟»
– «قلت لك إنني متعبة.»
– «أنتِ لستِ هكذا عادة.»
مجرد أن طلبت منه المغادرة جعله يتجهم. كم كان يراني مجرد دمية بين يديه!
وحين ظللت محافظة على ملامحي الجادة، حاول تلطيف الموقف بابتسامة صغيرة وعينين منحنية:
– «ما الأمر؟ هل أنتِ منزعجة من أخيك؟»
– «لا.»
إخبار شخص بما يضايقك والمصالحة معه، هو أمر تفعله مع شخص ما زال في قلبك بعض الحنين نحوه. أما إذا أردت أن تصبح قويًا، فعليك أن تبتعد عن دياكويت تمامًا.
“يوسفير.”
ارتجف طرف فم دياكويت قليلًا، وكأنه لا يستطيع تقبّل فكرة أنني خرجت عن نطاق سيطرته. لكن ما لبث أن رسم ابتسامة مزيفة على وجهه، ثم مد يده ليمسح على رأسي برفق.
أما أنا، فقد أصبح هذا الإيماءة بحد ذاتها تثير فيّ نفورًا. لأنني كنت أعلم مسبقًا كيف سيتغير دياكويت في المستقبل.
أما الآن، فلم يكن غرضه سوى استمالتي بلطفٍ مصطنع ليبقيني تحت سيطرته. وكان هذا الطموح منه مقززًا بالنسبة إلي.
قال:
“حسنًا، يبدو أنك متعبة كثيرًا. سأغادر اليوم إذًا. ارتاحي جيدًا.”
استدار دياكويت برشاقة وغادر الغرفة. أما أنا، فمددت يدي إلى شعري الذي كان قد ربّت عليه، وأفسدته بعشوائية.
عضضت شفتي، وأخذت أستعيد ذكرياتي من حياتي السابقة، واحدة تلو الأخرى.
بعد فترة قصيرة من استيقاظي، حين كنت طفلة مذهولة لا تزال تستوعب ما حدث، اقترب مني دياكويت وقال:
> “المستيقظ الثامن حرّك جذور الأشجار في أرجاء القصر الملكي وأحدث زلزالًا، حتى يمنع الأعداء من التسلل. وأنتِ يا يوسفير، ما الذي يمكنك فعله من أجل مملكتنا؟”
قلت له حينها:
> “أنا… لا أعلم بعد. لا أستطيع استخدام أي من القوى التي رأيتها في الكتب القديمة…”
فأجاب بابتسامة خفيفة:
> “يا للأسف. تخيلي كم سيصيب الناس من خيبة أمل إن علموا بذلك. الجميع كان ينتظر ظهور مستيقظ جديد.”
لكنني تمسكت بأمل وقلت:
> “لكنني أستطيع سماع أصوات النباتات. وأرى أيضًا ذكرياتها. ألا يمكن أن يساعد هذا المملكة؟”
ضحك بسخرية طفيفة وقال:
> “يوسفير… وماذا ستفعلين بهذه القوة؟ هل ستطلبين من النباتات التجسس على الآخرين؟ يا لها من قدرة لا تليق بأميرة. هذه أفعال وضيعين لا يعرفون شرفًا ولا كرامة.”
لم أجب، فتابع بجدية مصطنعة:
> “إن عرف الناس بقدرتك هذه، فسيشعرون بالريبة تجاهك بلا شك. أنا أقول هذا من أجلك، لذا دعينا نبقي الأمر سرًا بيني وبينك فقط، مفهوم؟”
كان دياكويت حينها وصي الملك، والابن الأكبر في العائلة، و—قبل كل شيء—المُعيل الوحيد لي.
كنتُ في العاشرة فقط، وصدّقت كلماته بلا شك، وظللت أتبع نصيحته، حتى وأنا أتحمل اتهامات الناس لي بأني مجرد مستيقظة عديمة النفع.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات