“لقد قضيت اليوم كله في مختبر سيمون، ماذا كنت تفعل هناك؟ هل كنت تحاول تطوير دواء؟ ثم تقولين إنك ستضعين فيه قوتك السحرية أيضًا. ماذا لو أرهقتِ جسدك بسبب ذلك؟”
“سأحرص على ألا أبالغ في الأمر.”
قبض كواناش شفتيه بإحكام، وكأن في نفسه استياء.
ارتبكتُ وحاولت إقناعه.
“سمعت أن عدد المصابين بمرض التصلب يزداد يومًا بعد يوم. ومع ذلك، لا يعرف أحد سبب الإصابة، وثمن الدواء باهظ إلى درجة لا يستطيع عامة الناس تحمله.”
“…….”
“إن أنا وسيمون بحثنا في المرض بشكل أعمق، فبالتأكيد سيكون ذلك مفيدًا للإمبراطورية.”
كنت أنظر إلى كواناش بلهفة، لكنه لم يبادلني النظر أبدًا، بل تهرّب من عيني بخفة. خطاياه المتصلبة كانت مشدودة، وعروقه بارزة في عنقه من شدة التوتر.
وبعد صمت طويل، قال بصوت مبحوح:
“…… لم آتكِ إلى هنا لأكلفكِ بالعمل. ليس عليكِ أن تتعبي نفسك.”
تعب؟ أي تعب يقصد؟
لم أفهم كلامه فورًا، فقط رمشت بعيني.
التعب الحقيقي كان تلك السنوات التي عشتها كروح عالقة في مكان الموت.
العالم بالخارج كان ينهار، أما أنا فلم أستطع فعل شيء. لم أكن شيئًا…… ما زلت أذكر شعور العجز الكاسح بوضوح.
مقارنة بذلك، ما دمت على قيد الحياة الآن، فمهما فعلت—حتى إن كان الأمر شاقًا—فلن أسميه تعبًا.
“يكفي أن تنعمي بما هو جميل، وأن تري فقط ما هو جميل. مجرد وجودكِ في هذا القصر كافٍ. لا تحتاجين لأن تجهدي نفسكِ في سبيل هذه البلاد.”
كان وجه كواناش مرتبكًا وقلقًا، وكأنه يراني زجاجًا هشًا قد يتحطم من أقل لمسة.
“كواناش، هذا شيء أريد أن أفعله بنفسي.”
“…….”
“كيف تقول لي ألا أفعل شيئًا؟ أنا…… لا أريد ذلك. إذا كان هناك ما أستطيع أن أبذل فيه جهدًا، فسأبذله. فأنا الإمبراطورة. أريد أن أتحمل مسؤولية مكاني.”
“يوسيفر …….”
“أن أبقى ساكنة أستقبل منك فقط الأشياء الجيدة، هذا غريب أيضًا……. أنا، لست دمية.”
لم أتوقف عن الكلام حتى أدركت فجأة أنني قد أكون قد بدوت وكأنني أجادله.
أطلق كواناش نظرة عميقة بعينيه السوداوين وقال بصوت خافت:
“…… أنتِ دائمًا أقوى مما كنت أظن.”
دائمًا؟
كان في نبرته ولمعان عينيه شيء غريب، كأنه يعرفني منذ زمن بعيد. فتوقفت لحظة.
“لكن هذه المرة، لا أستطيع أن أتراجع، يوسيفر.”
انخفض بصر كواناش حتى أصبح ثقيلاً.
ارتجفت وأنا أشد على أطراف ثوبي بيدي.
لم يكن ذلك الوجه الحنون المعتاد. بل كان متصلبًا ومهيبًا، كما في يوم زفافنا حين التقيته لأول مرة. في عينيه القويتين ظهرت حدة واضحة.
لم أفهم لماذا يحاول أن يكون بهذه الصرامة الآن فقط، بعدما كان دائمًا يلين أمامي.
قال بصوت حاد كالسيف:
“هل تعلمين أن دواء التصلب يوزعه بيت التجارة (غيلليه)؟ ذلك البيت لا أجرؤ أنا، الإمبراطور، على العبث به. فهم يتولون جزءًا كبيرًا من التجارة مع الأعراق الأخرى.”
“تجارة مع الأعراق الأخرى؟”
“إنه أقوى بيت تجارة في القارة. ازدادوا ثراءً ببيع دواء التصلب بأسعار باهظة، ولن يتخلوا عن أوزة تبيض ذهبًا كهذه لغيرهم.”
بدأت أفهم مخاوفه.
إن علم بيت التجارة أنني أحاول كشف طريقة تصنيع الدواء، فلن يقفوا مكتوفي الأيدي.
“لكن، ألا يمكننا ترك الأمر هكذا؟ الناس الذين يعانون من المرض يزدادون يومًا بعد يوم…….”
“الإدارة تعرف خطورة الوضع، وهم يبحثون عن حل. لذلك، من الأفضل ألا تشغلي بالكِ بهذا أكثر.”
“ذلك الحل…….”
“قلت لا داعي لأن تقلقي. إن كان كل هذا فقط بسبب قلقكِ على أخت ماريان، فسأتكفل أنا بدواءها مهما كان ثمنه.”
أطبق كواناش شفتيه بقوة.
صوته كان صارمًا وقاطعًا، ونظراته واضحة الحدود: لا يسمح لي بتجاوزها.
(آه…….)
على الرغم من أن زواجنا كان زواجًا سياسيًا، فقد عقدت العزم في الأيام الماضية أن أصبح إمبراطورة تليق بمكانتها.
لكن يبدو أن لطف كواناش جعلني أتعلق بآمال لم يكن علي أن أتمسك بها.
كنت أريد أن أساعده.
الإمبراطورية أرض غريبة علي، لكن كما كنت أفعل في وطني، رغبت فقط في أن أساعد الناس هنا.
(هل يريد كواناش مني أن أبقى هادئة مطيعة فقط؟)
خمد حماسي فجأة.
لا أستطيع أن أعارضه بعنادي، لا أريد أن تتصدع علاقتنا.
مهما بدا لطيفًا، يظل هو الإمبراطور، وأنا مجرد عروس جاءت من دولة ضعيفة. تلك الحقيقة التي نسيتها مؤقتًا انغرست في عقلي مجددًا.
خفضت بصري وقلت بصوت خافت:
“أنا…… أردت فقط أن أساعدك.”
شعرت بوخز حاد في صدري.
“آسفة إن كنت قد تجاوزت حدودي.”
“…….”
أخفيت مرارتي بابتسامة مصطنعة.
“ربما أفسدت شهيتك بهذا الحديث. تفضل، تابع طعامك.”
“يوسيفر.”
فتح كواناش فمه أخيرًا. عضضت على شفتَي السفلية وخفضت رأسي أكثر.
“نعم.”
سمعت تنهيدته العميقة، ثم صوت كرسيه وهو يتحرك.
رفعت بصري ببطء. كواناه، بوجه متصلب، كان يتجه نحوي.
(هل هو غاضب؟)
ربما ظن أنني ألومه لعدم معالجته أزمة التصلب بسرعة.
ولعل تدخلي في شؤون الدولة، وأنا غريبة لم يمض على قدومي الكثير، جعله يستشيط غضبًا.
يبدو أنني غرقت أكثر مما يجب في لطفه.
نهضت من مكاني وانحنيت برأسي.
“مولاي، سامحني. لم أقصد أبدًا أن أستخف بك…….”
كنت أتمتم ببرود مصطنع حين فجأة جثا كواناش على ركبة واحدة وأمسك بيدي.
“…… كواناش؟”
تجمدت في مكاني.
الإمبراطور يركع! لحسن الحظ، كنا وحدنا بعد أن صرفنا الخدم خوفًا من أن يسمعوا حديثنا عن التصلب.
كواناش قبض يدي بقوة، ووجهه معقود القسمات، ثم انحنى ليقبّل ظهر كفي.
“تبا…….”
تمتم وهو يلصق خده بيدي:
“قومي، لماذا تركع…….”
“لماذا عدتِ تنادينني مولاي؟ لا تفعلي.”
“…….”
“سامحيني. يبدو أن تصرفي أخافكِ. لم أقصد ذلك. أنا فقط…….”
ارتجف صوته. رمشت بسرعة وأنا أنظر إليه.
رغم أنه على ركبة واحدة، ظل رجلاً ضخمًا. لكن كتفيه العريضين كانتا ترتعشان، وكذلك أصابعه التي أمسكت بي.
(إذن لم يكن غاضبًا؟ بل…… خائف؟)
تنفس بعمق، ثم دفن شفتيه هذه المرة في كفّي.
“يُسفيا، أنا…… أنا خائف.”
“ماذا؟”
“كل ما قلتهِ صحيح. لم تتجاوزي حدودكِ. إن ساعدتِنا، قد ننجح في صنع دواء للتصلب. أعلم ذلك…… لكن فقط، فكرة أن شيئًا سيئًا قد يصيبكِ جراء ذلك…… مجرد تصور كهذا، لا أستطيع احتماله…….”
كان يتحدث ببطء متقطع، أنفاسه لاهثة.
ارتبكت من ردة فعله غير المتوقعة، فجلست على ركبتيّ أمامه لأكون في مستوى نظره. ثوبي انتشر حولي كموجة.
رفع رأسه ببطء عن كفي. كانت عيناه محمرتين، وشفتيه المرتجفتين تطلقان أنفاسًا مضطربة.
لم يكن ذاك الرجل القوي البهي الذي يقارن بالشمس. بل بدا غارقًا في خوف عميق.
لم أعرف ما الذي دفعه إلى هذا الحد، لكن فكرة وحيدة تملكتني: علي أن أهدئه.
“هل تخشى أن أتورط في نزاعات مصالح أو صراعات سياسية فأتعرض للأذى؟ ولهذا تطلب مني ألا أتدخل في السياسة؟”
اكتفى كواناش بهز رأسه. رغم أنه رجل يفوقني حجمًا بكثير، إلا أنه بدا الآن ضعيفًا وهشًا.
“ولمَ تقلق إذن؟ ألستَ أنت من سيحميني؟”
“…….”
“ألست كذلك؟ أنا أشعر بالاطمئنان بمجرد التفكير فيك.”
تصلّب كواناش لبرهة وكأنه تجمد في مكانه، ثم أمسك كتفي بكلتا يديه بعنف. وفي عينيه السوداوين تموجت عواطف جياشة.
“إن أنا…….”
كان صوته مخنوقًا وهو يلفظ كلماته مقطعة بصعوبة.
“إن أنا فشلت في حمايتك…… فماذا حينها؟”
“…….”
“قد يحدث ذلك. قد أعجز عن حمايتك…….”
كان وجهه مهددًا بالانهيار، وكأنه على وشك البكاء. وفجأة جذبني بقوة إلى صدره.
طَرق! ارتطمت بجسده العريض، ووجدت نفسي غارقة في حضنه.
دق، دق. دقات قلبه كانت تعصف في أذنيّ، سريعة وغير منتظمة. حرارته المرتفعة فضحت اضطرابه الشديد.
ترددت قليلًا، ثم وضعت كفي على ظهره. عندها أطلق زفرة طويلة، وارتفعت عضلات ظهره وهبطت بعنف مع أنفاسه المتلاحقة.
“لن تفشل أبدًا. لا يوجد في هذا العالم من هو أقوى منك يا كواناش.”
“لا…… لدي سابقة. لقد اضطررتُ أن أرى شخصًا عزيزًا يغادر حياتي بلا حول مني ولا قوة…….”
تمتم كواناش بصوت مبحوح، غارقًا في ظلمة ذكرياته.
حياة العبودية القاسية. ثم الحروب الطاحنة التي تلَتها. لا أعرف تمامًا كيف صمد أمام تلك السنوات، لكن من السهل أن أتخيل أنه فقد الكثير خلالها.
(هل مرَّ بما يكفي ليترك جرحًا عميقًا في قلبه؟)
دفن كواناش وجهه في شعري وهو يلهث بأنفاس حارّة. شد ذراعيه أكثر حولي، وكأنه يخشى أن أختفي من بين يديه.
“…… يوسيفر، لا أريد أن أفقدك.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 28"