كنت أظن أنه سيكرر كلامه المعتاد: “نحن زوجان، فما المشكلة؟” لكن على غير المتوقع ظل صامتاً.
قهقه كواناش ابتسامة صغيرة وقال:
“هذه المرة أمزح حقاً.”
“كواناه!”
“صحيح أنني أستمتع برؤية وجهك الجامد وهو يتشقق بالتعبير، لكنني سأتركك اليوم. لابد أنك متعبة، فاستريحي جيداً ولنلتقِ غداً.”
“……نعم. استرح أنت أيضاً.”
أومأ كواناش برأسه متجهاً نحو الباب، ثم توقف فجأة.
“مجرد المغادرة هكذا… أشعر أن هناك شيئاً ينقص.”
“وماذا تنوي أن تفعل الآن؟”
جلس كواناش على ركبة واحدة أمام السرير من غير أي إنذار.
“نحن زوجان، أليس من المفترض أن نتبادل قبلة مسائية على الأقل؟”
أمسك بأطراف أصابعي وسحبها قليلاً. وقبل أن أتمكن من فعل أي شيء من شدة الارتباك، لامست شفتاه الخشنة والساخنة ظهر يدي.
قبلة يد رقيقة لدرجة دغدغتني. ترك يدي بلطف ثم رفع عينيه ليلتقي بناظري قائلاً:
“ليلة سعيدة، سيدتي.”
تصلبت لبرهة طويلة، ثم بالكاد انتزعت جواباً بصوت خافت:
“……وأنت أيضاً، كواناش.”
—
طَق. أُغلِق باب الغرفة التي مكثت فيها يوسفير.
ما إن خرج كواناش حتى توقف مباشرة أمام الباب. صعدت أنفاس خشنة في حلقه صعوداً وهبوطاً.
انحنى الفرسان الذين كانوا ينتظرون بهدوء خروج الإمبراطور احتراماً له.
… أصعب مما توقعت.
تنهد كواناش بعمق وهو يمرر يده في شعره. قلبه كان يخفق بغير انتظام من التوتر، وجسده المتقد يغلي بالألم.
استحضر للحظة إحساس بشرة يوسفير الذي لامس شفتاه. ناعم… هش. هل يمكن أن تكون بشرة إنسان بهذا النعومة؟ أصابعها رفيعة كأنها ستتحطم لو ضغط عليها بقوة.
تلك العينان الخضراوان المترجرجتان بقلق. عندما توجهت نظرتهما إليه، كاد يفقد صبره ويرتمي عليها، لكنه تمالك نفسه.
لقد صبر سنوات طوال، فما المشكلة في الانتظار بضعة أشهر أخرى لينال قلبها بالكامل؟
لم يرِد أن يظهر أمام يوسفير كرجل عربيد وقح. لم يرِدها أن ترى هذا الزواج كصفقة، أو أن تشعر أنها مضطرة للبقاء مقيدة به.
سيحميها. هذه المرة بالتحديد.
(عرفنا طبعاً ليش يحجي هيج)
لكن، مواجهة الحقيقة… كان من الصعب جداً كبح الرغبة مع وجودها أمامه متجسدة. كان يتملكه القلق مراراً.
… أردتها.
قبض قبضته بقوة حتى غرست أظافره في راحة يده. لا، لن يستسلم للرغبة ويأخذها رغم إرادتها. يوسفير تستحق الاحترام.
إنها الوحيدة التي تبعث فيه رغبة في خدمتها.
أمامها يفقد لقب الإمبراطور كل معناه. يريد أن يجثو على ركبتيه ويخضع لها.
أميرتي السامية الجميلة…
يوسفير لم تتغير حتى بعد كل تلك السنوات. لا، بل جمالها أصبح أكثر عمقاً.
من حسن الحظ أنها لا تتذكرني.
كان من الأفضل ألا تتذكر تلك النسخة البائسة منه في الماضي.
حتى الآن، وهو يضع التاج الإمبراطوري ويتظاهر بالعظمة، يظل أقل منها بكثير. عقدة نقص قبيحة لا تفارقه. منذ لقائه الأول بها، لم يستطع كبح توتره فجرى على لسانه الكلام الفظ غير مرة.
يجب أن أكون أكثر حذراً. أسيطر على طبعي قليلاً.
ابتلع ريقه وسار بخطى ثابتة بين الفرسان. كانت الليلة أضعف ليالي القمر، وضوءه الشاحب يغمر سطح السفينة.
دخل كواناش غرفة الاستقبال، زافراً أنفاساً حارة. كان أوسلين هناك بالفعل.
“ما الأمر؟”
قالها بحدة، فرفع أوسلين حاجبه الأنيق قليلاً.
“ما الذي تحاول فعله؟”
“ماذا تقصد؟”
لم يكن بحاجة للإجابة. كان الأمر بالتأكيد عن يوسفير.
فك كواناش بضعة أزرار إضافية من قميصه محاولاً تبريد جسده المحموم، ثم نظر نحو أوسلين الجالس بوجه متجهم وقال بحدة:
“هل تجاهلت رأيك من قبل؟ أبداً. ولا مرة. إذن هذه المرة، تجاوز الأمر فقط.”
“اقتراح التحالف هذا كان قسرياً، وأنت تعرف ذلك.”
تكلم أوسلين بغير تحفظ هذه المرة وقد بدا ضيقه واضحاً.
“كان بإمكاننا إخضاع أكايا بسهولة، من دون أن نخدش حتى قوة الجيش الإمبراطوري. لو أردنا تحالفاً كان يمكننا طلب المزيد. لا أفهم إطلاقاً.”
“أنا أرى أن الشروط الحالية كافية.”
لقد حصل على يوسفير. تلك التي كانت مركز عالمه. لم يكن بحاجة لشروط أخرى.
“الزواج هو أفضل وسيلة لتقوية الأساس السياسي. كيف تهدر هذه الفرصة؟ أنت تعلم جيداً أن الإمبراطورية ما زالت غير مستقرة رغم مظهرها.”
“إذن عليك أن تعمل أكثر يا أوسلين. اجعل أساس الإمبراطورية أكثر صلابة. أليس هذا عملك؟”
“اللعنة… لا جدوى من الكلام معك. عادة أنت أكثر عقلانية مني، فما بالك هذه المرة…”
“كف عن الاعتراض واخرج. الجو حار.”
رفع أوسلين نظارته ذات العدسة الواحدة متفاجئاً وقال:
“حار؟ هل جننت؟ هل ضربك أحد من دون علمي؟ سأموت من البرد هنا! لماذا هذا الشمال لا يجلب سوى الصقيع!”
مهما تمتم أوسلين، فكواناه زرّاً آخر من قميصه.
كان يشعر بحر لا يطاق. لا علاقة للمناخ، فكلما وقف أمامها فقط…
—
“أووه…”
اللعنة. كنت متكورة على السرير، أتمسك بالحبل الرفيع بضعف.
رغم الإرهاق أمس، استيقظت فجراً. بسبب دوار البحر الرهيب!
حاولت التحمل وحدي، لكن لم أستطع، فطلبت حضور أحد. هرعت الوصيفة وانحنت قائلة:
“جلالتكِ الإمبراطورة.”
“أشعر بدوار شديد… هل يمكنك إحضار شيء يخففه…؟”
لم أركب سفينة كل هذا الوقت من قبل. لم أختبر أبداً هذا الغثيان المرعب.
أسرعت الوصيفة لتجلب دواء وشاي للدوار.
“هاه…”
كنت أتنفس بصعوبة ممددة على السرير بملابسي الداخلية، حين فُتح باب الغرفة فجأة.
تفاجأت واعتدلت. حتى لو كان الأمر عاجلاً، فالوصيفة لا تدخل هكذا بلا استئذان.
وكما توقعت، لم تكن الوصيفة، بل زائر غير متوقع. رجل ضخم أسود الشعر.
زوجي.
“… كواناش.”
اقترب مني وهو يحمل صينية، بدت صغيرة بين يديه كأنها لعبة أطفال.
“هل تؤلمك كثيراً؟”
“لماذا أنت…؟”
“سمعت أنك مريضة.”
كنت أود أن أسأله: وكيف عرفت فوراً رغم أنني لم أخبرك؟ لكن معدتي كانت تتقلب بشدة فلم أستطع الكلام.
“أحضرت لك بعض الدواء.”
“نـ… نعم…”
“لو كنت أعلم، لكنا واصلنا السير براً. لكن اجتياز أراضي الدول الأخرى براً فيه مخاطرة كبيرة، لذا اخترنا البحر حتى أراضي الإمبراطورية… آسف.”
قطّب كواناش جبينه وهو يتمتم باعتذار. لم أتوقع أن أسمع كلمة “آسف” من فمه، فشعرت بالارتباك والذهول.
“لا، ليس عليك الاعتذار. اختيار البحر كان منطقياً. أنا فقط لم أكن أعلم أن دوار البحر سيضربني بهذا العنف.”
“اشربي هذا أولاً. الطبيب في طريقه. كيف يمكنه أن يغط في النوم في مثل هذا الوقت.”
لابد أنه أيقظه بالقوة. فما زال الفجر، والطبيب من الطبيعي أن يكون نائماً. لكن كواناه، بلا أدنى أثر للنعاس، بدا غريباً.
حتى أنه ترك الطبيب وجاء بنفسه. أخذت الفنجان من يده ورشفت قليلاً، ثم نظرت إليه بخلسة.
هناك شيء غريب… قلبي كان يرفرف بدغدغة خفية.
“كيف حالك الآن؟ هل تشعرين بتحسن؟”
“شربته منذ لحظة، لذا لا أستطيع الجزم… لكن أعتقد أنني أشعر بتحسن قليل.”
“اللعنة… هذا الطبيب الدجال متى سيـ… آه، اعتبري أنكِ لم تسمعي شيئاً. هذه عادتي السيئة في الكلام.”
ضرب كواناش شفتيه براحة يده بخفة، وكان منظره البسيط العفوي بعيداً كل البعد عن صورة الإمبراطور المهيبة. لم أتمالك نفسي وانفجرت ضاحكة.
“… لماذا تضحكين؟”
“آه، لم أقصد الضحك بشكل سيئ.”
ارتجفت حاجباه الكثيفان قليلاً.
“إذن، لماذا؟”
“لا أدري… فقط هكذا.”
حتى أنا لم أعرف لماذا ضحكت على تصرفه. كم مضى منذ أن ضحكت بصوت مرتفع؟ كان الأمر غريباً عليّ، غير مألوف.
كيف يمكن أن أبدو مرتاحة إلى هذا الحد أمام رجل كان، في حياتي السابقة، لا يختلف عن عدو سحق وطني؟ ربما لأن كواناش بدا أبسط وأكثر طبيعية مما تخيلت.
لقد توقعت الأسوأ. كنت مستعدة حتى لو عاملني كغنيمة حرب نالها في المعركة.
لكن توقعاتي تحطمت، إذ كان كواناش رجلاً حذراً يعرف كيف يتحلى باللياقة. حتى شعرت بالذنب لخداعه.
إن حافظنا على هذا التحالف الزوجي ومنعنا اندلاع الحرب، فلن يتحول إلى وحش كما في حياتي السابقة. وإذا حُلّت مسألة الأطفال، فقد نتمكن من عيش حياة زوجية عادية.
سعلت بخفة أعدل نبرة صوتي، ثم غيرت الموضوع:
“لا داعي لأن ترهق نفسك بتغيير أسلوبك في الكلام معي. تحدث بحرية. فأنت تكبرني بأربع سنوات…”
“أنا لا أرتاح لذلك.”
“ولماذا؟”
“أريد أن أحافظ على الاحترام معكِ. لا أريد أن أتعامل معكِ بفظاظة فقط لأنك زوجتي.”
قالها بنبرة منخفضة دون أي تعبير على وجهه، لكني شعرت بما يخفيه كلامه من رقة غير متوقعة.
ذلك الرجل ذو الجسد الضخم الذي كان ظلّه يكاد يغطي وجهي عندما أجلس أمامه… بالأمس فقط كان مخيفاً ومرعباً، لكنني الآن بدأت ألمح فيه جانباً آخر. خشنٌ وأخرق أحياناً، لكنه… دافئ.
كانت تلك المرة الأولى التي أختبر فيها مثل هذه العاطفة من رجل.
في حياتي السابقة لم أنل سوى الاحتقار، وفي حياتي الحالية لم أرَ من الرجال إلا نظرات التبجيل والرهبة. لكن أن أُعامَل بلطف من شخص أعلى مني مرتبة…
كان الأمر محرجاً وغريباً.
لكن الغرابة لم تكن منفرة. بل أثارت في صدري رجفة غامضة لمست قلبي.
كنت أمرر أصابعي على حافة الكوب بخفة وأنا أهمس:
“حقاً؟ إنك لطيف.”
“……”
“أنت أكثر لطفاً مما توقعت.”
“حين يكون شكلي مخيفاً بهذا القدر، عليّ أن أكون على الأقل لطيفاً في طباعي.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 14"