في حياتي السابقة، كان جيشه قد غزا هذه الأرض وداسها. كان بمثابة العدو اللدود لأكايا.
لكن وأنا أحدّق فيه الآن، لم ينبعث في داخلي ذلك الغليان العارم من الكراهية أو الرغبة في الانتقام. فهذه الحياة لم تشهد بعد تلك الأحداث، ثم إنني صرت أملك هدفًا أوضح أوجّه نحوه كراهيتي.
ديـاكويت كاتاتيل.
في الحقيقة، كان أخي هو الجاني الحقيقي. موتي والحرب بأكملها، كلّها اشتعلت بسبب طمعه القذر.
ومع ذلك، لم يكن كواناش شخصًا أشعر بالراحة تجاهه. فكيف بي أن أتصرف وكأني أحبه؟ كان ذلك مستحيلًا.
ثم ما هو الحب أصلًا؟ لم أعرفه قط.
كواناش ظلّ صامتًا يحدّق في وجهي، وكأن فكّه قد تيبّس من شدة توتر عضلاته، فصار وجهه أكثر صلابة مما كان.
قال بصوتٍ يحمل خشونة ورقّة في آنٍ واحد:
“لماذا؟ هل تكرهين ذلك؟”
لو كنتُ فتاةً نبيلة حالمة بالحب، لكنتُ على الأرجح قد انسقتُ بسهولة خلف سحره.
كان كواناه رجلًا خشنًا بعض الشيء، لكنه في الوقت نفسه جذاب. أي امرأةٍ يا ترى تستطيع مقاومة الوقوع في غرامه؟
لكن المشكلة أنني لست ضمن “أي امرأة”.
أنا الاستثناء.
سواء في حياتي الماضية أو الحاضرة، لم يكن للحب أي مكان في اهتمامي.
أنا امرأة غير عادية، امرأة عادت من الموت.
لم أفكر يومًا بما يسمّى الحب. كان شعورًا بعيدًا عني غاية البعد.
يوسفير كاتاتيل رادون والحب.
حين يُوضَع الاسمان معًا، أشعر أنهما كالماء والزيت لا يختلطان.
“يوسفير.”
“… نعم.”
“أعلم أنك تجدين الأمر صعبًا. كنتُ أظن أن الزواج منك بعد أن خلصتكِ من ذلك العبد الحقير سيكون كافيًا لحل كل شيء. لكنني أطلب منكِ الآن أشياءً أخرى، وهذا يثقل عليكِ.”
ارتجفت كتفاي لأعترض، لكنه سبقني بالكلام:
“حتى لو كنتِ لا ترين فيّ رجلًا يرضيكِ، فلا مفرّ. لقد تزوّجنا بالفعل، وأنا أنوي أن أعيش معكِ حياةً طيبة.”
“لا ترضيني؟! بل أنت رجل يفوق قدري بكثير. المشكلة ليست فيك، بل فيّ أنا. أنا فقط… أشعر بالغرابة وأنا أتصرف هكذا.”
“إذن، يكفي أن تعتادي الأمر.”
“…”
“أعطيني يدكِ.”
مدّ نحوي يده الكبيرة المليئة بالندوب.
كانت ضخمة لدرجة أن يدي يمكن أن تختفي تمامًا داخل قبضته. أصابعه طويلة لكن عقدها غليظة.
كانت حرارته ملتهبة إلى حد أنني شككت هل هو جسد إنسان بالفعل.
“فلنمضِ هكذا حتى نتوقف عن السير.”
“تقصد أن نمسك الأيدي طوال الطريق؟”
“هل في ذلك بأس؟”
“ليس ممنوعًا… لكن…”
إمساك الزوجين بأيدي بعضهما ليس أمرًا غريبًا.
لكن ألا يبدو هذا محرجًا؟ يدي مقيدة، والحرارة تتراكم، والتعرق سيزيد. أليس هذا فعلًا طفوليًا؟
امتلأت وجنتاي بحرارة غريبة.
كنتُ في العشرين، وهو في الرابعة والعشرين. هل يليق بزوجين في عمرنا أن يتصرّفا هكذا؟
لكن فجأة راودني شعور مألوف.
“صحيح… أمي وأبي كانا يفعلان ذلك.”
أينما ذهبا، كانا يمسكان الأيدي دائمًا.
رغم أن زواجهما بدأ بزواج سياسي، إلا أنهما أصبحا عاشقين بصدق.
“هل يريد كواناش أن يكون بيني وبينه نفس العلاقة؟
ولماذا؟ لماذا يريد ذلك… معي؟”
لم أستوعب.
كان من الطبيعي أن أبي وقع في حب أمي روزان، فهي كانت أجمل أميرة في الشمال آنذاك.
أتذكرها بشكل باهت لأنها رحلت وأنا صغيرة، لكن كلما استحضرت صورتها، شعرتُ بدفء يملأ صدري. كانت لطيفة، دافئة، مرحة، كثيرة الابتسام والدلال. تمامًا كأميرة من قصص الخيال.
أما أنا، فماذا عني؟
لا أحب أن أزدري نفسي بلساني، لكن لا شك أنني لم أكن مثالًا للأميرة المثالية.
ملامح باردة، نظرات قاتمة، وابتسامة متكلّفة. في حياتي السابقة كان الناس يصفونني بالكئيبة.
حتى مظهري بعيد عن مقاييس الجمال في الجنوب، حيث يحبّون المرأة الفاتنة ذات الجسد المثير والدلال الطاغي.
“فاتنة…؟”
ألقيت نظرة خاطفة على صدري، ثم أسرعت بتحويل بصري إلى النافذة.
“لو كنتُ رجلًا… لما أعجبتُ بي أبدًا.”
كواناش ظلّ ممسكًا بيدي دون أن ينبس.
حرارة جلده الخشنة تطوّق أصابعي بالكامل.
رغم شعوري بالانزعاج، لم أجرؤ على سحب يدي. كنت أخشى أن أُحرجه بملامسة يده أكثر.
ظلّ يراقب وجهي المائل ناحية النافذة، ثم قال فجأة:
“يدك صغيرة للغاية.”
“بل يدك أنت كبيرة.”
“لا. أنتِ نحيلة وصغيرة الجسد. لو ضغطت بقوة قد أكسرها. حين نصل إلى القصر، سنهتم بتغذيتك. يجب أن تكسبي بعض الوزن.”
إذن، في نظر رجل جنوبي، أبدو هزيلة وواهية.
في حياتي السابقة، كنت فعلًا مريضة وضعيفة، لا أخرج من غرفتي.
لكن بعد عودتي، حرصت على جسدي: أكلت جيدًا، وخرجت يوميًا للمشي في الشمس. لم أكن يومًا بصحة جيدة كهذه.
مع ذلك، لم أرَ داعيًا لتصحيح سوء فهمه.
فيمكنني استغلال هذا التبرير لتفسير تأخر الإنجاب لبعض الوقت.
“صحيح… منذ طفولتي لم تكن صحتي جيدة.”
كان الكذب صعبًا، فحلقي جفّ وهو يخرج.
“كنت أعرف.”
تشنج وجهه وزفر بقوة.
“سأحرص أن يتابعوا صحتك بعناية خاصة في القصر.”
أومأت متجنّبة نظرته، فيما راحت حرارة عرقه تنتقل إلى كفي.
حاولت صرف ذهني بتركيز بصري على الطريق، مترقبة اللحظة التي نقترب فيها من أشجار البتولا، حيث كنت قد لقيت حتفي قبل ثلاث سنوات.
—
“هذا غريب…”
مررنا بمكان موتي السابق دون أي حادث. لا محاولة اغتيال، ولا حتى قطة شاردة.
شعرت براحة ممزوجة بمرارة.
لقد ازداد يقيني بأن ديـاكويت كان هو من قتلني فعلًا في حياتي السابقة.
“لقد قتلني مرة… وما المانع أن يخونني ثانية؟”
كان يراني كمصدر غيظ وموضعًا لعقدته الدفينة. ربما يوجّه نحوي خنجرًا في أي لحظة.
اهتزّت العربة وتغيّر المشهد سريعًا أمام عيني.
والآن… كنتُ مقبلة على زمن لم أختبره من قبل.
زمن لم أنعم به في حياتي الماضية.
“هل أنتِ بخير؟ وجهكِ شاحب قليلًا.”
لابد أن ملامحي تصلبت دون أن أشعر.
شدّ كواناه قبضته على يدي وجذبني نحوه، فاندفعتُ بجسدي كله تقريبًا إلى جانبه.
“ارفعي حجابك.”
“… لا بأس. أنا بخير.”
كنت فقط شاردة في ذكرياتي.
“ارفعيه.”
صوته جاء عميقًا جادًا فلم أستطع الرفض.
ترددت قليلًا ثم نزعت زينة الرأس المثبّت عليها الحجاب ووضعتها جانبًا.
تأمل وجهي بعينين مضطربتين، يطوفان على ملامحي بدقة.
“هل أنتِ مريضة؟ يمكننا التوقف قليلًا للراحة.”
“لا… فقط شعرت بالتعب قليلًا.”
“…”
“استيقظت منذ الفجر لأستعد لحفل الزفاف، لذا…”
لأبرهن أنني بخير، حاولت رسم ابتسامة.
لكن وجهي غير المعتاد على الضحك جعل عضلات فمي مشدودة غريبة.
وما إن ابتسمت حتى ندمت، لأن تعابير وجهه ازدادت صرامة.
هل كانت ابتسامتي المتكلّفة سببًا في ذلك؟
“حقًا… أنا بخير.”
كنت أهمس بصوتٍ واهن وأنا أراقب تعابير كواناش:
“أنا… بخير.”
رفع كواناش يده الفارغة ليغطي جبهته وتنهد بعمق.
“لقد كنت قصير النظر. حكمتُ عليكِ وفق معاييري كأنكِ قوية ومعافاة مثلي. كان عليّ أن أراعي ضعف جسدك وأضبط جدولنا بما يناسبك… لكنني كنتُ متعجلًا.”
ولأن عليّ أن أتمسّك بدوري كامرأة ضعيفة، لم أستطع الاعتراض على كلامه.
“هذا لا يصلح. عليكِ أن تغمضي عينيك قليلًا. استلقي.”
“آه، لا… لا أشعر بالنعاس.”
مهما يكن، لم أستطع أن أستسلم للنوم بطمأنينة أمام رجلٍ لا أعرفه إلا منذ وقت قصير، حتى لو كنا قد تزوجنا. ثم إن وجودي معه وحده في هذا المكان الضيق لم يكن مريحًا لي.
“أليس… من الأفضل أن نسرع أكثر لنصل مبكرًا؟ أهون من أن نضيع وقتنا هكذا على الطريق. ألم تقل إننا سنبدّل إلى السفينة عند الميناء؟”
تجهم ما بين حاجبيه قليلًا، لكنه سرعان ما أقرّ بوجاهة كلامي وأومأ برأسه. دفع نافذة العربة فجأة وصرخ إلى الخارج:
“زيدوا السرعة.”
“نعم!”
ارتفع صوت السائس وقد امتلأ حماسًا، فانطلقت العربة ترتجف وتهتز بسرعة أكبر.
—
حدقتُ عبر النافذة نحو المنظر الممتد: مياه البحر الداكنة وسفينة شراعية ضخمة.
بعد سفر يومٍ كامل وصلنا إلى الساحل القريب من الحدود. كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل. هناك، كانت سفينة شراعية إمبراطورية راسية في الميناء بانتظارنا.
سبقني كواناش إلى النزول من العربة، ثم مد يده تجاهي وقال:
“انزلي.”
لم يعد لمس يده أمرًا غريبًا عليّ. فقد قضيت الطريق كله وأنا ممسكة بها على مضض، حتى لم أعد أطيق وأفرجت عن امتعاضي قائلة:
“كواناش … لقد حفظتُ شكل يدك لدرجة أن بإمكاني رسمها الآن. صرت معتادة عليها أكثر من اللازم، فهل تسمح أن تتركني لحظة؟”
رغم انزعاجه، أطلق سراح يدي.
وبطريقة ما، نجحت محاولته في جعلي أعتاد عليه.
تشبثت بكفّه الصلبة الملساء كمن اعتاد ذلك فعلًا، ونزلت من العربة.
ارتطمت نعالي بأرض الميناء الرطبة المميزة. كان الفرسان يمسكون بمصابيح زيتية باهظة الثمن لينيروا عتمة البحر الليلي.
وبينما كنت أهمّ بأن أقف مستقلة عن يده، اجتاحتني دوخة حادة على حين غرة.
“آه…”
دار بصري فجأة وشعرت بغثيان شديد. يبدو أن دوار العربة طوال الطريق قد أرهقني أكثر مما ظننت.
وحين ترنحت، شهق كواناش فزعًا وأطبق بيده الكبيرة على ساعدي.
كان ساعدي بكامله محصورًا داخل راحة كفه.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 12"