لم يبدُ على كواناش أي نية للتراجع. كان وجهه يقول: لقد خالفتُ بالفعل واحدة من قواعد البروتوكول، فما المانع أن أخالف اثنتين؟
ترددت قليلاً ثم وضعت قدمي على فخذه. وضعتُ يدي بحذر على راحة يده الممدودة، وتلقيت منه مرافقة حقيقية.
فخذ كواناش كان صلباً كالحجر، لم يتحرك قيد أنملة حتى عندما وضعت وزني عليه. راحته الكبيرة كانت خشنة من كثرة التصلبات، لكنها دافئة.
بفضل كواناش صعدت بسهولة إلى العربة، وحينها أخذتُ أحرّك أطراف أصابعي باضطراب.
هل حرارة جسده دائماً مرتفعة هكذا؟ بشرتي التي لامست بشرته شعرت وكأنها قد احترقت.
لم يسبق لي أن تلقيت مرافقة كهذه من رجل من قبل. حياتي كانت محصورة بين القصر الملكي وحدود المملكة. كان قلبي يخفق بقوة من هذه التجربة الغريبة.
بعد قليل دخل كواناش بجسده الضخم وجلس مقابلي. وعلى الرغم من أن العربة كانت الأوسع مما رأيت في حياتي، إلا أن دخوله جعلها تضيق فجأة.
“انطلقوا.”
بمجرد إشارته، بدأت العربة تتحرك ببطء.
نظرتُ عبر النافذة إلى أولئك الواقفين في البعيد من أهل القصر. لم يكن قلبي مرتاحاً لفكرة مغادرة والدي المريض وأخي الصغير جينر.
ساد صمت طويل داخل العربة التي تتمايل ببطء. حاولتُ أن أركز بصري على المنظر خارج النافذة، متجاهلة بجهد كبير وجود الرجل الجالس أمامي، الذي أصبح الآن زوجي.
لكن صوت كواناش العميق قطع الصمت:
“حتى إن كان قلبك مضطرباً الآن، فلن تندمي على هذا الزواج.”
أدرت رأسي ببطء لألتقي بعينيه.
“نعم. لن أندم. ولن أفعل في المستقبل أيضاً.”
“…….”
“بالمناسبة، سمعتُ أن هذا الفستان من اختيارك. شكراً لك.”
الفستان كان مزيجاً من الأخضر الفاتح والداكن. الألوان التي كانت تبعث في نفسي الراحة.
“يليق بك.”
“حقاً؟ في الواقع هو أكثر فخامة قليلاً مما أعتاد ارتداءه.”
كلما تحركت، انبعث من القماش المنفوش صوت خشخشة.
“جميل.”
ارتجفتُ من رده القصير.
“الفستان تقصد؟”
“……الفستان أيضاً.”
قالها بجهد كأنه ينتزع الكلمات من داخله، ثم أدار رأسه بسرعة للجانب.
لم أفهم قصده في البداية، فأرمشت بعيني مرتبكة.
هل مدح شكلي للتو؟ ربما ليس مخيفاً كما ظننت…
أخفضت رأسي قليلاً وقلت له شاكرة:
“لم أتوقع أن تقول مثل هذا الكلام. إنك حقاً لطيف.”
“أنا لست بارعاً في الكلام، لا أجيد التزيين بالعبارات. أما أنت، فلا بد أنك سمعتِ مثل هذه الكلمات مئات المرات.”
“لكنها المرة الأولى التي أسمعها منك.”
“…….”
“ثم إنني لم أسمعها مئات المرات. لستُ بهذا الجمال الفائق أصلاً.”
لو وقفت بجانبه، لبهتت ألواني. هو يسطع مثل إله الشمس كما يُلقب في أساطير الخلق، أما أنا فأرى نفسي ذات ملامح أكثر هدوءاً وكآبة. كان لدي من الموضوعية ما يكفي لأدرك ذلك.
لكن كواناش التفت إليّ مجدداً، حاجباه معقودان.
“من قال ذلك؟”
“ماذا؟”
“من قال إنك لست ذات جمال مميز؟”
“آه، لا، هذا مجرد رأيي… مقارنة بك، أرى نفسي عادية.”
ظل صامتاً للحظة، يحدّق بي بعمق. بدا وجهه بلا تعابير، لكنه في الوقت نفسه أشبه بالغضب.
طال صمته حتى شعرت بتوتر غريب يسيطر عليّ. وأخيراً قال:
“إذن، قصدك أنك ترينني وسيماً.”
كما أن الشمس تشرق من الشرق، كان من البديهي أن كواناش وسيم.
“نعم.”
“هذا يطمئنني.”
قالها بحدة، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة مائلة.
“كنت أخشى أن تهربي من غرفة النوم.”
“هروب؟ أنا أعرف واجبي.”
“واجب، تقولين.”
قطّب حاجبيه ومسح شعره بيده عدة مرات. ثم أطلق ضحكة قصيرة جافة.
“يبدو أن النساء المولودات في الأسر الملكية مثلك يتحلين بإحساس مبالغ فيه بالواجب. حتى الاستعداد لمشاركة الجسد مع رجل تلتقينه لأول مرة. أما أنا، المولود من أصل وضيع، فلا أعرف شيئاً عن ذلك.”
“أقصد أنني لا أريد علاقة قائمة على الواجب فقط. أريدك أن تتظاهري على الأقل بأنك بخير، لا أن تتصرفي وكأنك بيعتِ إليّ.”
“لم أقصد ذلك بكلامي. إن كنتُ أزعجتُك، فأنا آسفة…”
“لا حاجة للاعتذار.”
أربكني رد فعله غير المتوقع.
في الحقيقة، كنت أنوي أن أخبره أنه لا بأس أن يتخذ خليلات أو يدخل محظيات، ما دمتُ محتفظة بمقعد الإمبراطورة. كنت عازمة أن أكون إمبراطورة شفافة، لا سلطة لها ولا مطامع.
كنت أريد فقط الحفاظ على معاهدة السلام.
لكن… أن أتظاهر بالرضا؟ أن نكون زوجين حقيقيين؟
لم أعرف معنى ذلك. أن أعيش بصمت وخمول كان أسهل بكثير بالنسبة لي.
كان بارعاً في إرباك الناس، كما يليق برجل أسقط سلالة عمرها مئات السنين وأحدث زلزالاً في القارة.
“وأيضاً… بخصوص أمر الليل.”
قالها بصوته الغليظ. أمر الليل. حين نطقها، شعرت فجأة بخدر في أسفل بطني.
كنت أعرف فقط أن هناك شيئاً يحدث بين الزوجين، لكني لم أعرف التفاصيل. ولم أتخيلها بوضوح قط.
“لا داعي لأن تفعليها بدافع الواجب. لن أحتضنك وأنت متيبسة.”
“كنتُ أظنك ترغب بإنجاب طفل مني.”
“بلى، أرغب. لكن لا أريد أن يتم الأمر كواجب ثقيل. إنها مشاركة حب، أليست كذلك؟”
“…….”
“أليست كذلك؟”
صحيح… لكنها لم تكن الصورة التي تخيلتها عنه.
ظننت أنه بارد، بلا دموع ولا رحمة، يأخذ النساء كما يشاء.
لكن ما نطق به بدا وكأنه تفكير عادي، سليم، طبيعي. وكان ذلك غريباً عليّ.
“يوسفير، سأقضي ليلة الدخلة حين تشعرين أنتِ بالرغبة.”
“أشعر بالرغبة؟ لكن هذا…”
“سمعت أن الشماليين يشددون على عفة المرأة، أما أنا فلا. لا معنى لأمر الليل إن لم ترغبي فيه.”
“…….”
“ولم أحب يوماً إجبار امرأة لا تريد. لستُ من أولئك السفلة حتى لو كنتُ من أصل عبد. فقولي لي، هل ترغبين الليلة بالاحتماء في صدر رجل تلتقينه أول مرة؟”
“…….”
“يمكنكِ أن تجيبي بصراحة.”
ترددتُ ثم هززتُ رأسي نفياً.
في الحقيقة، كلما تأخرنا في ذلك كان أفضل لي. فلن ينكشف أمري بأني عاقر إلا متأخراً.
كان ذلك يصب في صالحي، ومع ذلك شعرتُ بغرابة.
فالزواج بين النبلاء والأسر الملكية عادةً ما يكون مرتباً من العائلات. أحياناً، كما حدث معي، لا يرى أحدهما الآخر إلا يوم الزفاف.
الجميع يعيش هكذا. وأنا كنت أنوي أن أعيش هكذا أيضاً. أليس الزواج بلا حب أمراً شائعاً؟
لكن هذا الرجل مختلف. لا يريد أن نكون مجرد حليفين في معاهدة سياسية.
“كنت أعلم أنك سترفضين. سأنتظر. لكن لن أستطيع الانتظار طويلاً.”
“…….”
“سنسير خطوة بخطوة. وحين نصل إلى القصر الإمبراطوري، سأقيم لكِ حفل زفاف آخر يليق بكِ. ما جرى اليوم لم يكن سوى إجراء قانوني ليجعلنا زوجين.”
“شكراً على تفهمك.”
“لستُ أفعل ذلك بدافع اللطف. فقط لا أريد أن أتشبه بالنبلاء والملوك السابقين.”
كنت قد سمعت أن كواناش يحطم كل مظاهر الطقوس القديمة. لكن أليس هو من اقترح هذا الزواج السياسي بنفسه؟
يتزوج زواجاً يليق بملك الفتوحات، ثم يتمنى ألا يكون كذلك في الحقيقة… لم أستطع أن أفهمه.
ماذا يريد مني كواناش بالضبط؟
فتحت فمي بحذر وقلت:
“ما الذي تريده مني بالضبط؟”
“ألم أقل لك من قبل؟”
“أعتذر، ولكن أنا…”
“لا تستعملي تعبير أعتذر بهذا الشكل. هل أنا رئيسك أو قائدك؟”
لم يكن قائداً لي، لكنه أيضاً لم يكن شخصاً أستطيع أن أخاطبه براحة. عضضت على اللحم الرقيق في داخل فمي، ثم تابعت الكلام:
“…منذ طفولتي كنت بعيدة كل البعد عن شؤون النساء. كنت أتنقل باستمرار كـ مستيقظة ، حتى إنني لم أقم في حياتي بحفلة شاي واحدة مثل الأخريات. لا أعرف حتى كيف يجب أن أتعامل مع زوج، ولا أملك طبعاً ودوداً أو حنوناً.”
“هذا جيد. فأنا أيضاً لا أعرف. كل حياتي قضيتها أتدحرج في ساحات القتال.”
“…….”
“سألتِني عمّا أريده منك؟ ببساطة، لا تتصرفي كما تفعلين الآن. لا تتكلفي في الاحترام وكأنك تتعاملين مع شخص يصعب الاقتراب منه.”
ارتسمت على شفتي كواناش ابتسامة مائلة.
“لكنني أعلم أن هذا طلب صعب على امرأة وُلدت أميرة مثلك. كما أنني أدرك أنك لا تريدين أن تكوني ودودة معي. نعم، أعلم ذلك. فأنتِ تزوجتِني مرغمة، لا حيلة لكِ.”
لم يكن ذلك صحيحاً. لقد رغبتُ أنا حقاً في هذا الزواج مع كواناخ. سنوات وأنا أترقب هذه اللحظة بقلق وانتظار. صحيح أن الدافع كان سياسياً، ولم يكن الرجل نفسه هو ما أردته… لكن أليس الأمر كذلك بالنسبة إليه أيضاً؟
“أعلم جيداً أن امرأة مثلك لا يمكن أن تعجب بي.”
“…….”
“ومع ذلك، تظاهري على الأقل بأنك تحبيني. سأفعل الشيء نفسه.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 11"