كان صباح يوم الزفاف. اليوم الذي أستقبل فيه رجلاً لم أرَ وجهه قط زوجًا لي.
«هل أنت أيضًا تظن أنني عديمة الفائدة تمامًا؟»
تردّد صوتي، الذي تمتمته وكأنه حديث مع النفس، في أرجاء حديقة القصر الملكي.
شتاء الشمال المبكر بارد كالصقيع. في الحديقة المهملة لم يعد من السهل أن تجد خضرة. لحاء الأشجار الجاف كان رماديّ اللون.
منظر قاتم منخفض التشبع. تمامًا مثلي.
كنت واقفة بجانب شجيرات متيبسة مليئة بالأشواك. وضعت إصبعًا على إحدى الأغصان وتحدثت إلى النبات:
«لكن إن تم إبرام هذا التحالف الزوجي بسلام، فسأكون قد أديت بعض النفع كأميرة، أليس كذلك؟»
حتى لو كان الزواج أشبه بالبيع القسري، لم يكن لي حق الرفض.
«ذلك واجبك.»
كان صوت أخي، دياكويت، يرنّ في أذني. أن أُباع من أجل مصلحة المملكة السياسية. أن أتزوج رجلًا لم ألتقِ به من قبل. ذلك كان واجبي.
حينها دوّى في رأسي صوت نبات.
‹يوسفير… إذا تزوجتِ أو أيًّا يكن ما يسمونه، هل سترحلين فعلًا من هنا؟ لن أراك بعدها؟›
كانت همسات النبات الحانية تصل إلى روحي مباشرة. لم يكن لدي من أثق به وأحادثه سوى نباتات الحديقة.
في عائلة كاتاتيل، يولد في كل جيل شخص واحد لديه قدرة سحرية مرتبطة بالأرض أو النبات. وفي هذا الجيل، كنت أنا تلك المختارة.
القوة التي منحت لي هي الاطلاع على ذكريات النباتات والتحدث معها.
لم أستطع استخدام سحر شقّ الأرض أو صنع دروع من التراب كما فعل الموقظون السابقون. قوة لا تصلح لا للهجوم ولا للدفاع.
كانت بلادي، الواقعة في أقصى الشمال، تتعرض لغزوات الوحوش كثيرًا. ولولا السحر، لما تمكنت العائلة الملكية من البقاء لقرون في تلك البيئة القاسية.
في كل جيل من العائلة الملكية، يولد طفل واحد تحت بركة «الغابة الفضية» قادر على استخدام سحر قوي.
كانوا يُلقَّبون بـ«الموقظين»، وكانوا بمثابة درع المملكة الذي يحمي الأرض بثبات. لكن منذ قرن تقريبًا، لم يولد أي موقظ في العائلة.
وسط المخاوف من أن بركة الغابة قد انقطعت، استيقظت قواي السحرية وأنا في العاشرة. فرحت المملكة التي كانت تكافح لحماية الأرض بلا موقظ.
لكن كما أن الآمال الكبيرة تجلب خيبات أمل أكبر، عندما اكتشفوا أنني عاجزة عن حماية المملكة، انهالت عليّ السهام من كل جانب.
«نصف موقظة.» «أميرة ناقصة.» هكذا كانوا يتهامسون.
لم أختر أن أولد هكذا. ولأنني لا أستطيع الخروج للقتال، بقيت أكثر فأكثر حبيسة غرفتي.
شيئًا فشيئًا، انعزلت في القصر، ولم يتبقَّ لي من أصدقاء سوى النباتات.
لم أعد أشعر بالوحدة أو الحزن كثيرًا. فقد اعتدت على هذه العزلة. لكن لم أتوقع أن يُبرَم زواجي دون حتى استشارتي.
أخي دياكويت، الذي كان وصيًا على العرش بدل أبي، قالها بكل جرأة:
«حتى لو أخبرناك، هل سيتغير شيء؟ ليس لنا حق الرفض على أي حال. عليك أن تتزوجي الإمبراطور دون أي اعتراض.»
أعدتُ ترديد صوته البارد في ذهني، ثم خاطبت شجيرات الشوك من جديد:
‹هل سمعتم الناس يتحدثون عن هذا الزواج؟›
‹سمعنا. أحيانًا تأتي وصيفات الحديقة للعناية بها، وسمعنا ما يقلنه.›
‹أود أن تريني تلك الذكريات.›
‹هل أنت متأكدة؟›
‹بالطبع.›
ربما كنّ يتحدثن عني بسوء، لكن لم أعد أتأذى من هذا الكلام. لقد اعتدت عليه.
أغمضت عيني، فتدفقت إلى رأسي ذكريات روح النبات، وسرعان ما تكشفت أمامي مشاهد باهتة.
وصيفتان تتهامسان في زاوية الحديقة:
‹بالنسبة لزفاف أميرة دولة، الأمر متواضع جدًا. ليس هناك حتى ما نحتاج لتحضيره.›
‹الجميع يقول إنه تحالف مذل. سيكون من الغريب أن يكون حفلًا فاخرًا.›
‹لكن لماذا وافق الإمبراطور على الزواج من الأميرة؟›
‹هناك شائعة أنه يطمع في بركة الغابة. حتى لو لم تكن تملك أي قدرات، فهي موقظة على كل حال. ربما سيرث الطفل قوى سحرية.›
‹وماذا سيحدث لأميرتنا بعد أن تنجب طفلًا ذي قوة سحرية؟›
‹قد تُهمَّش لصالح الجواري أو العشيقات.›
‹إذا انتهى بها الحال هكذا في الإمبراطورية، أنا شخصيًا لن أتحمل. لكن، هل لديه جوارٍ أصلًا؟›
‹ليس بعد. فالإمبراطورية لم تُؤسَّس منذ زمن بعيد. سيبدأ بجلب النساء من كل مكان، ابتداءً بأميرتنا. أليس هو الملك الفاتح العظيم؟›
انقطع تيار الذكريات، ففتحت عيني ببطء وزفرت.
في أصوات الوصيفات خليط من الفضول والشفقة. ألهذه الدرجة يُنظر إلى هذا الزواج بعين الرأفة؟
تخيلت الرجل الذي سيصبح زوجي بعد ساعات قليلة.
كواناهو رادون.
رجل كان عبدًا جنديًا، لكنه قاد ثورة وأسس إمبراطوريته بيديه. إمبراطور جميل وقوي حتى لُقِّب بـ«إله الشمس». الرجل الذي يخوض حروبًا بلا توقف ليخضع القارة بأكملها، محققًا أسطورة عدم الهزيمة.
مد سلطته حتى أقصى شمال الشمال، حتى بلدي أكايا.
عرض خيارين لا ثالث لهما: تقديم الأميرة الوحيدة أو التعرض للغزو.
رغم أن الأمر سُمي تحالفًا زوجيًا، إلا أنه لم يكن يختلف عن الزواج القسري أو الزواج بالغنيمة. كنتُ عروسًا تُباع، والزواج لم يكن سوى خضوع سياسي.
لكنني لم أشعر بالأسى أو الغبن. فقد اعتدت على هذا النوع من المعاملة. ثم إن الحفاظ على السلام واجب طبيعي على الأميرة.
زواج بلا أوهام منذ البداية. وثمن السلام لم يكن سوى بلدي، أليس هذا ثمنًا بخسًا نسبيًا؟
عائلتي وحدها شعرت بالعار لكونه عبدًا سابقًا.
«زواج من عبد مهووس بالحرب لا يعرف معنى الولاء للإله!»
من مدحه قال عنه إنه إمبراطور الفتح المشمس، ومن ذمه وصفه بمهووس الحرب.
لم يكن ليتكبد عناء إنفاق المال على مراسم كهذه. لذلك، كان زفاف اليوم على الأرجح متواضعًا وكئيبًا.
—
في قاعة الحفل، كان صوت الأوتار الناعمة وحده يتردد.
كما في جنازة مهيبة، كان الحاضرون جميعًا صامتين، شفاههم مغلقة.
القاعة صغيرة، والمدعوون قليلون جدًا، وفستان زفافي متواضع. لم يكن لدي سوى قرطي لؤلؤ باهتين صغيرين كزينة.
دخلتُ القاعة كعروس، وهناك رأيت كواناهو لأول مرة.
المغنون المتجولون كانوا يصفونه بأنه جميل كإله الشمس. ويقولون إنك قد تنقطع أنفاسك إذا رأيته. وبالفعل، لم تكن الشائعات مبالغات.
كان كواناهو الرجل الذي يليق بكلمة «إله» بين البشر الأحياء.
طويل القامة حتى أحتاج لرفع رأسي كثيرًا لأنظر إليه.
بشرة داكنة ناعمة ومرنة.
شعر أسود مجعد.
عيون سوداء كالهاوية.
«هل تقبل بيوسفير كاتاتيل زوجةً لك؟»
«نعم.»
أجاب ببرود وهو ينظر إليّ من علٍ. تلك النظرة وحدها كانت كافية لتجعلني أشعر بالضغط. فجأة بدا لي أنني صغيرة وضعيفة أمامه. تزعزع هدوئي قليلًا.
«آمل ألا يقرر إلغاء المعاهدة لأنه لم يعجبه شكلي.»
أميرة مريضة لا تجيد سوى القراءة والكتابة.
كان أهل الجنوب يعشقون الشعر الأسود، بينما شعري أشقر يكاد يكون أبيض.
وأنا في انكماشي، قال الكاهن الذي يتولى المراسم:
«أمام الإلهة فاهار، التي فتحت بداية العالم وستغلق نهايته، أقسموا بأنكم صرتما زوجين، وبالدليل تبادلا قبلة.»
حان وقت قبلة القسم.
اقترب مني كواناهو خطوة. لم يبدو أن شتاء الشمال يخيفه. كان مختلفًا عن رجال أكايا الذين يلفّون أنفسهم بطبقات سميكة من الثياب.
بين فتحة قميصه، ظهرت بشرته العارية. مظهر لا يليق بإمبراطور. كانت منطقة صدره على مستوى نظري تمامًا.
«أغمضي عينيك.»
قالها بصوت منخفض وحاسم، ومع ذلك عذب.
أغمضت عيني بإحكام من فرط التوتر. لم يسبق لي أن لامس جلدي رجل ليس من عائلتي، فضلًا عن قبلة.
سرعان ما اقترب جسد كواناهو الضخم نحوي. شفتاه الساخنتان والخشنتان ضغطتا بقوة على شفتيّ.
أنيابه الحادة عضّت برفق شفتِي السفلى، تخدشها قليلًا وهي تمر. حرارة لاذعة اجتاحت شفتيّ، ثم سرعان ما انتشرت لتغمر وجهي بأكمله.
«أه…»
ارتعش جسدي بأكمله. لا إراديًّا قبضت بقوة على ذراعه. كان يحمل معه رائحة الجنوب العاتية، رائحة مسك نافذة تكاد تدير الرأس.
كلما شعرت بوجود كواناهو بوضوح، أحسست أن قلبي ينكمش قليلًا. وكأنني أقف أمام فم وحش هائل.
بلسانه، مرّر طرفه برفق على شفتيّ، ثم ابتعد.
كدت أن أسقط أرضًا بعدما تخلّت ساقاي عن قوتها، لكنني بالكاد حافظت على وقاري.
«هل أنت بخير؟»
همس زوجي، بوجه جميل حدّ أن لقب «إله الشمس» يليق به تمامًا.
أومأت برأسي بصعوبة. حينها فقط أدركت أنني كنت أمسك بذراعه بإحكام، فسارعت إلى تركه.
تماسكت، محاوِلة استعادة هدوئي وأنا أنظر إلى كواناهو.
ها قد انتهينا من قبلة القسم. لم يعد بالإمكان التراجع.
الرجل أمامي، الذي أراه لأول مرة اليوم، أصبح من هذه اللحظة زوجي.
—
«تتصرفين وكأنك مطاردة…»
انتهى الزفاف، وما إن فرغنا منه حتى بدأ كواناهو يستعد للعودة إلى الإمبراطورية على عجل. أجل، من الطبيعي ألا يرغب في ترك إمبراطوريته الفتية خالية طويلًا.
زواج على عجل، أشبه بشيء يُقضى بسرعة كما لو أنك تشوي الفول على نار البرق. مأدبة عرس اختُصرت في ساعات قليلة بالكاد تذوقت فيها الطعام.
وفجأة وجدت نفسي واقفة أمام العربة التي ستقلّني نحو الإمبراطورية.
كل ما جرى، حدث في يوم واحد.
رفعت بصري إلى كواناهو الذي كان في مقدمة موكب الجيش الإمبراطوري، ممتطيًا حصانًا أسود مهيبًا، جاهزًا للانطلاق.
ذلك الرجل… أصبح زوجي الآن.
لم أستوعب الأمر. هل تزوجت حقًا؟
رغم حيرتي، صعدت إلى العربة من دون اعتراض. حتى لو كان زواجًا تمّ وكأنني متاع يُباع، فسأعتاد عليه مع الوقت.
«يا له من ملل.»
لقد مضى وقت طويل منذ أن فقدت أي إحساس بما قد يجري في حياتي.
لم أعد أجد المتعة إلا في قراءة الكتب واستراق النظر إلى حيوات الآخرين عبر صفحاتها. منذ طفولتي، والناس يلعنونني باعتباري «موقظة ملعونة»، حتى أصبحت منبوذة في القصر.
مع مرور الوقت، جعلتني هذه الحياة فاقدة الإحساس بكل شيء. نسيت كيف أحزن… وبالطبع، كيف أفرح.
وبينما كانت العربة التي تقلّني تتحرك ببطء، كنت أتجه نحو أرض مجهولة.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات