الفصل 11
رينا، وهي تُثبّت نظرها على بونيتا التي كانت تتجوّل في أرجاء الغرفة، سألت كبير الخدم: “لماذا أُعطِيَت هذه الغرفة لنا؟”
“لقد أعدّها سيادته كمكافأة متواضعة لإنقاذكِ الآنسة.”
‘متواضعة؟’
كيف تكون متواضعة؟ كانت النوافذ في البيت الذي كانت تعيش فيه رينا وبونيتا سابقًا مليئة بالشقوق، تتسرّب منها الرياح، لكن هذه الغرفة تحتوي على نوافذ كبيرة خالية من أيّ شقّ.
بل إنّ السجادة المفروشة على الأرض تبدو أغلى من قيمة بيتهما القديم بأكمله.
الطاولة الجانبيّة المصقولة، وأعمدة السرير ذي الستائر البيضاء المزيّنة بنقوش بارزة، والجدران الخالية من أيّ عَفَن، كلّ شيء في الغرفة كان مُعدًّا وكأنّها بيت بحدّ ذاته.
الأكثر إثارة للدهشة هو أنّ الغرفة، رغم كلّ هذه الأثاث، لا تزال فسيحة.
‘حتّى سكن الخدم كان جيّدًا بما فيه الكفاية.’
كانت تلك الغرفة هادئة، و خالية من العَفَن، ولا داعي للقلق من برد الشتاء.
شعرت رينا، وهي ترى هذه الغرفة الفخمة التي لم تتخيّلها يومًا، أنّها لا تعرف كيف تتصرّف بدلاً من أن تشعر بالفرح.
“هل هذه… متواضعة؟”
لم تستطع رينا كبح نفسها، فسألت كبير الخدم همسًا.
“نعم، فإنّ إنقاذ حياة الآنسة آستيل يستحقّ أكثر من ثروة العائلة بأكملها.”
“حقًّا…”
في الحقيقة، حتّى لو كانت رينا قد اختطفت آستيل، كانت ستنجو على أيّ حال، فشعرت رينا بأنّها خدعت الجميع دون قصد.
أجاب كبير الخدم على أسئلة رينا الحذرة بلطفٍ تامّ.
“الباقي سيُشرَح غدًا في الساعة الحادية عشرة صباحًا.”
“الباقي؟”
أليس هذا كلّ شيء؟ فتحت رينا فمها قليلاً.
“هذه مجرّد هديّة أُعدّت على عجل.”
بعد هذا الحوار، بقيت رينا وبونيتا وحدهما في تلك الغرفة الفسيحة.
تجوّلت الطفلة في الغرفة لفترة، ثمّ اقتربت من رينا، وهي تلهث، وتعلّقت بحاشية تنّورتها.
لم تقل رينا شيئًا، بل ربّتت على الطفلة التي كانت تحتضنها، وقالت: “هل أعجبتكِ الغرفة لهذه الدرجة؟”
رفعت الطفلة رأسها فجأة وصاحت: “نعم!”
“حقًّا؟”
“كثيرًا! أمي، دعينا نستحمّ معًا اليوم. حوض الاستحمام هنا كبير جدًّا، يتّسع لنا معًا!”
“حسنًا، لِمَ لا؟”
على الرغم من أنّها تعرّضت للاختطاف مؤخرًا، وكانت لا تفارق رينا ليلاً، بدت بونيتا اليوم سعيدة جدًّا، وهذا ما أقلق رينا.
سحبتها بونيتا، دون أن تدرك قلق رينا، بيديها الصغيرتين إلى الحمّام.
“أمي، انظري! أليس كبيرًا جدًّا؟”
“نعم بالفعل.”
كان قاعدة الحوض مصنوعة من العاج، ومُطعّمة بالذهب.
‘غرفة أُعدّت على عجل…’
عندما فتحت بونيتا الصنبور، تدفّق الماء الدافئ بغزارة.
لم تستطع رينا تخيّل مقدار المال اللازم لإدارة هذا القصر الضخم بالسحر.
بينما كانت رينا تُقدّر قيمة كلّ قطعة أثاث، كانت بونيتا تلهو بالماء الدافئ، تضرب الماء بكفّيها بحماس.
‘ملابس للتبديل.’
بعد الاستحمام، ستحتاجان إلى ملابس نظيفة. بدا أنّ أمتعتهما من السكن القديم قد نُقلت، لكنّها لم تعرف أين وُضعت.
‘ربّما في الخزانة؟’
فتحت رينا خزانة بيضاء مزيّنة بنقوش دقيقة.
“مهلاً…”
كانت ملابسهما القديمة مرتبة بدقّة، وإلى جانبها ملابس نوم جديدة لم ترَها من قبل.
وعلى الملابس، وُضعت بطاقة ورقيّة فاخرة.
[آمل أن تكون الملابس مناسبة.
-بيتر]
كان الخطّ جميلاً جدًّا، على عكس خطّ رينا. بينما كانت تحدّق في البطاقة، اقتربت بونيتا فجأة وتعلّقت بها.
“بوني؟”
“الماء امتلأ.”
“بهذه السرعة؟ حسنًا، هيّا نستحمّ.”
“نعم.”
كان الماء الدافئ يلفّ الجسد بلطف.
راحة ورفاهية لم تكن رينا تتخيّلها قبل سنوات. لم تكن تصدّق أنّ كلّ هذا أُعطيَ لهما بسبب قرار واحد مختلف عن الرواية الأصليّة.
بينما كانت بونيتا تلهو بالماء، سألت رينا بحذر: “بعد كم ليلة سنعود إلى بيتنا القديم؟”
كانت عينا الطفلة تدوران، وكأنّها أدركت أنّ هذا البيت ليس لهما حقًّا.
“ألا تحبّين هذه الغرفة، بوني؟”
“لا… أحبّها. كثيرًا.”
“إذًا، لماذا؟”
تردّدت بونيتا، ثمّ قالت بهدوء: “لأنّ مثل هذه البيوت للأشخاص العظماء فقط.”
“أوه، بوني…”
كانت بونيتا تعتقد أنّ هذه الغرفة أفضل من كلّ البيوت التي عاشت فيها مجتمعة.
كانت متينة لا تهتزّ بالرياح، خالية من رائحة الغبار أو العَفَن.
السرير واسع ومريح، والسجادة تجعل الأرض مناسبة للمشي حافية. النوافذ سليمة، والحمّام واسع مع صنبور ماء!
لو استطاعتا البقاء هنا، لما اضطرت أمّها لجلب الماء في الشتاء، أو الاستيقاظ مذعورة عند هبوب الرياح، أو ارتداء كلّ الملابس لتدفئتها بينما تتظاهر بالابتسامة.
كانت الطفلة البالغة ثماني سنوات تدرك جيّدًا أنّ الفقر هو سبب عيشهم في بيوت متواضعة. لم تكن تحسب قيمة الأشياء كرينا، لكنّها كانت تعلم أنّ كلّ شيء هنا باهظ الثمن.
لم تكن تريد العودة إلى البيت القديم.
عندما سألت بونيتا رينا، لم تستطع الأخيرة تحديد عدد الأيّام بالضبط، لأنّ هذه الأشياء لم تكن ملكها أصلًا.
“بوني العظيمة، أيّ شخص أنتِ؟”
“أنا؟”
“بالطبع.”
ابتسمت رينا بثقة، ونقرت على أنف بونيتا بإصبعها.
“هذه مكافأة أعدّها الدوق لفتاة شجاعة.”
“أنا شجاعة؟”
فركت بونيتا أنفها.
“ألم تتحمّلي الخوف بمفردك أمس؟”
“لا! لم أكن خائفة!”
مالت بونيتا نحو رينا،
“كنتُ بخير وحدي! وكنتُ أعلم أنّكِ ستأتين، فلم أخف!”
“حقًّا؟”
“نعم! أكلتُ وحدي، ونمتُ جيّدًا…”
بدأت بونيتا تُعدّد ما فعلته بمفردها، تُطوي أصابعها واحدة تلو الأخرى. مشّطت رينا شعر الطفلة المبلّل بحنان.
“نعم، بوني هي الفتاة الأشجع في هذه الإمبراطوريّة.”
بدت بونيتا مطمئنّة أخيرًا.
“هذه هديّة أعدّها الدوق لهذه الفتاة الشجاعة.”
* * *
بعد نقعها في الماء الدافئ، شعرت بونيتا بالنعاس، وما إن استلقت على السرير حتّى غرقت في النوم.
نظرت رينا إلى القمر المكتمل عبر النافذة في الغرفة المظلمة.
كانت يداها مليئتين بالأغراض التي اشترتها لبونيتا اليوم.
بدأت رينا تُرتّبها تحت ضوء القمر.
“لم نأكل هذا بعد…”
الكعكة المقلية المبردة.
فتحت الكيس المجعّد، خائفة أن تكون الكعكة قد تهشّمت، لكنّها لحسن الحظّ كانت كما اشترتها.
كلّ ما اشترته لبونيتا اليوم قد يعادل بالكاد قيمة مزهريّة في هذه الغرفة.
كانت رينا متأكّدة أنّ المزهريّة أغلى بكثير.
كلّ ما استطاعت رينا تحضيره لبونيتا كان بهذا الحدّ. مهما حاولت، لم تستطع منافسة هديّة الدوق المُعدّة على عجل.
فكّرت رينا برمي الكعكة، لكنّها وضعتها على الطاولة الجانبيّة إلى جانب الكيس، واستلقت بجانب بونيتا.
كانت الطفلة تتقلّب في نومها، متجهّمة، لكن عندما فركت رينا جبينها برفق، هدأت.
“أحلمي بأحلامٍ سعيدة.”
* * *
استيقظت رينا قرابة العاشرة صباحًا، وهي التي كانت تُعتبر هذا التوقيت نومًا متأخّرًا جدًّا مقارنة بعادتها في الاستيقاظ السادسة للعمل.
شعرت بالحيرة لأنّ أحدًا لم يوقظها، وهي التي لم تستيقظ في مثل هذا الوقت من قبل.
نهضت مسرعة لتبحث عن ملابسها، ثمّ أدركت أنّها ليست في غرفتها القديمة.
“بوني، استيقظي. يجب أن نستعدّ.”
“أمم…”
كان هناك موعد للتوجيه في الحادية عشرة.
ظنّت رينا أنّ عليها اصطحاب بونيتا، فأيقظت الطفلة النائمة، وغسلتها وألبستها.
كانت بونيتا نائمة بعمق، حتّى بعد كلّ ذلك، كانت لا تزال تفرك عينيها.
في تمام الحادية عشرة، فُتح الباب فجأة. عادةً، يُقرع الباب قبل دخول غرفة الآخرين، لكنّ رينا، عندما رأت من فتح الباب، فتحت عينيها بدهشة.
“إذا انتهيتِ من الاستعداد، هيّا بنا.”
كان الدوق وينترنايت، مالك هذا القصر.
“لحظةً، من فضلك.”
تصارعت في ذهن رينا فكرة احترام الدوق مع ضرورة إيقاظ بونيتا التي كانت لا تزال ناعسة.
حاولت تهدئة الطفلة التي كانت تتذمّر من الجوع.
“بوني، هل تريدين الكعكة المقلية؟ أم أنّ الحلوى في الصباح ليست جيّدة؟”
“أريد طعامًا…”
خافت رينا من إغضاب الدوق بإبقائه ينتظر، فأسرعت وأخذت الكيس من الطاولة وأعطت الكعكة لبونيتا.
“هكذا، جيد!”
احتضنت رينا بونيتا التي كانت تمضغ الكعكة بكلتا يديها.
“الاستعداد… انتهى!”
لكنّ شعر رينا كان لا يزال متشابكًا.
تردّد الدوق في التعليق عن هذا، ثمّ قرّر تجاوز الأمر.
“تلك الكعكة… هل اشتريتِها بشكلِ منفصل؟”
“نعم؟ الكعكة؟ نعم، اشتريتها أثناء خروجي آخر مرة.”
كانت عينا الدوق مثبتتين على الكيس في يد رينا وعلى طريقة احتضانها لبونيتا.
كان منظرًا عجيبًا أن يسير بخطوات واثقة دون أن يتعثّر، رغم أنّ نظره كان يتجوّل.
“الطفلة…”
“نعم؟”
“أليست ثقيلة؟”
“آه…”
كانت بونيتا في الثامنة من عمرها.
لم تكن طويلة بسبب سوء التغذية، لكنّها لم تكن خفيفة بما يكفي لتحملها رينا بسهولة.
هزّت رينا رأسها وابتسمت:
“أنا معتادة على حمل دلوي ماء، فلا بأس.”
تمتم الدوق بحدّة: “دلوي ماء…”
“؟”
نظرت رينا إليه، متسائلة إن كانت قد قالت شيئًا خاطئًا، لكنّه لم يُعلّق. كخادمة، لم يكن مسموحًا لها التحدّث دون إذن، ففضّلت الصمت.
‘هل غضب؟’
هل أغضبه تأخيرها؟ لماذا جاء الدوق لتوجيهي حتى؟ لماذا؟
دارت الأفكار في رأس رينا. لم يكن من السهل توقّع مثل هذه المواقف.
بينما كانت رينا تتساءل عن سبب قيام الدوق بالتوجيه بنفسه، كان الدوق يفكّر في أمر آخر.
‘دلوي ماء…’
فكّر داميان في دلوي الماء.
ما الذي يتطلّب حملهما؟ وُلد داميان وينترنايت بملعقةٍ ذهبيّة.
ربّما شعر بالضغط النفسيّ طول فترة حياته، لكنّه لم يتعرّض لضغط جسديّ قطّ، ولم يكن بحاجة لجلب الماء يومًا.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"