الكوابيس. هؤلاء الأرواح الشريرة الوحشية سيبقون مع تاي جوون طوال حياته، لكنهم لم يكونوا عائلته، ولا أصدقاءه.
كانوا مجرد طفيليات وحشية، تنقض عليه فور أن يضعف.
لم يكن بوسع هذه الكوابيس أن تختفي أو تزول. و لم تكن كائنات يمكن أن تنفصل عنه.
لذا، حتى عقل الطفل الصغير كان واثقًا تمامًا: يجب سحقهم بقوة، دوسهم بلا رحمة.
قبض جوون على قبضته بإحكام.
‘يجب أن أسحقهم أكثر. بقوة…..بلا شفقة.’
لو تجاهلهم مجددًا وتظاهر بعدم رؤيتهم كما في السابق، فإن جده سيتأذى مرة أخرى. وربما، في المرة القادمة، قد يموت.
راح جوون يحدّق في الكوابيس بعينين يتقلب فيهما الغضب الداكن.
“من الآن فصاعدًا، لا تفعلوا أي شيء إلا ما آمركم به! أبداً!”
كان البخار الساخن يتصاعد من غضبه فوق كتفيه الصغيرين، ووجهه اتخذ ملامح ملك صغير، لا رحمة فيه ولا شفقة.
وبنظراته المتوحشة تلك، أعلن للكوابيس بصوت حاسم،
“إذا أمرتكم بالزحف، فازحفوا فورًا! وإن أمرتكم بالموت، فموتوا فورًا!”
تلك اللحظة كانت بداية العلاقة التي ستقيد مصير تاي جوون طوال حياته.
“لأنني أنا سيدكم!”
***
في ذلك المساء، كتب جوون رسالةً إلى جده في المستشفى، ثم غادر المنزل.
بينمت كانت الكوابيس تراقبه بتوجس، تنتظر الفرصة لتزحف نحوه، مما يعني أن القوة التي تسحقها لم تكن بعدُ كاملة. لذا، كان الأفضل أن يبتعد عن جانب جده.
كتب رسالةً لا تليق بطفل في السابعة من عمره، ببرود وهدوء. و ادّعى كذبًا أنه قابل والده البيولوجي عدة مرات، رغم أنه لم يخبر جده بذلك من قبل.
قال أن والده أخذه إلى مطعم عائلي، وأكلا معًا البرغر. وأنه حين اتصل من المستشفى وقال له أن الجد قد أُدخل إليه، عرض عليه الأب أن يعيش معه، لذلك قرر أن يعيش مع والده من الآن فصاعدًا.
فلو أنه اختفى فجأة دون إنذار، لبقي الجد يبحث عنه لسنوات. ولم يُرد أن يُتعبه أكثر.
و لم يترك حتى عبارة شكر على تربيته. بل أنهى الرسالة بوقاحة: “لا تبحث عني، لأن الأمر مزعج.”
ثم طوى الورقة البيضاء بعناية إلى نصفين، ووضعها على طاولة المطبخ في مكان واضح، حتى تراها جارتهم فور دخولها.
و خرج من المنزل دون أن يلتفت خلفه، يمشي بخطى ثابتة في ظلمة الليل.
إلى أين عليّ أن أذهب الآن؟ و إلى أي مدى يجب أن أذهب؟
لم يكن يعلم.
لم يكن يعرف ما الذي ينبغي عليه فعله لاحقًا. و أين سينام، وماذا سيأكل. لم يعرف شيئًا.
كانت تلك مشاعر حالكةً ومخيفة إلى حدٍ مرعب، ومع ذلك، استمر جوون في المشي، فقط ليبتعد قدر الإمكان عن جده.
في الليلة أصبح فيها وحيدًا تمامًا. لم يعد هناك من يقول له صباح الخير ويسأله إن كان قد نام جيدًا.
و لم يعد هناك من يرسم له قلبًا بكاتشب على بيضة مقلية.
لا أحد، لا أحد، لا أحد، لا أحد. لم يكن هناك من يمكنه أن يكون إلى جانبه.
كان وحيدًا إلى الأبد.
واصل جوون السير بوجه خالٍ من التعبير حتى آلمته قدماه.
كان يمشي، ويمشي، لكن العالم أمامه ظل معتمًا كما لو أنه في منتصف الليل.
وبينما كان يسير فوق ظلمة قلبه التي لا تبدو أنها ستنتهي، فكّر في شيء واحد.
تمنّى لو أن جده المريض لا يُتعب نفسه في البحث عنه، بل ينساه بسرعة.
***
ولو فكر في الأمر الآن، لكان سيتبين له أنه أمرٌ بديهي.
فلا يمكن لثعابين جيلجامش أن تترك قربانًا ثمينًا مثل تاي جوون دون أن تفعل شيئًا.
بعد خروجه من المنزل بخمس ساعات، تم اقتياد جوون إلى سيارة سوداء كما لو أنه اختُطف، وتم نقله إلى مكانٍ ما.
وبعد شهر، كان ممددًا كقربان حي فوق مذبح ترابي في أعماق الغابة.
ربما لم يكن باستطاعته رؤية الثعابين آنذاك، لكن حول دائرة السحر في ذلك اليوم، كانت الكوابيس تجنّ وتنفلت من سيطرته.
فدائرة السحر التي رسمتها ثعابين جيلجامش كانت تملك قوةً تمنع دخول الأرواح.
وجد في ذلك فرصةً مناسبة، و قرّر أن يموت هكذا بكل بساطة. فـجوون لم يكن ينبغي له أن يولد من الأصل. كان الطفل الذي حاولت أمه أن تموت معه.
و حتى لو بقي على قيد الحياة، فلن يسبب سوى الأذى لمن حوله، كما فعل مع جده.
وربما لهذا السبب، حين استلقى فوق المذبح الترابي، شعر براحة غريبة. وكأن قلبه لو اقتُلع الآن، فلن يشعر بشيء…..لا ألم، ولا حتى إحساس.
لأنه سيتحرر أخيرًا من تلك الكوابيس المريعة والمقززة.
الحرية. كانت هذه حرية تاي جوون.
***
“ما هو الخير والشر؟”
رفع سادان، زعيم طائفة السنابل، سبابته في فخر وغطرسة.
كان سادان يلقي عظةً خاصة في حقل بصل أخضر. بينما اجتمع جميع أتباع الطائفة في ذلك الحقل، وجلسوا مباشرةً على تراب يوليو الحار، يصغون إلى عظته بحماسٍ شديد.
بل إنهم لم يرمشوا بأعينهم، وظلّت أفواههم مفتوحة بذهول، يحدّقون فقط إلى زعيمهم من دون رمشة.
“ما هو الخير وما هو الشر؟ لا يوجد أحمقٌ لا يستطيع التمييز بينهما!”
صرخ سادان مزمجرًا، وكأنه يوبّخهم.
“الفرق بين الإنسان والبهيمة، هو أن الإنسان يملك العقل والإرادة ليميز بين الخير والشر. العقل هو الإرادة، وتلك الإرادة هي الصواب، هي الخير.”
“….…”
“إذا أكلت الطعام لمجرد أنه أمامكَ، سواءً كنت جائعًا أم لا، فما الفرق بينك وبين الخنزير؟ هل هذا خير؟ أم شر؟!”
“شر!”
“بالضبط! شر! إنه شرٌ واضح لا لبس فيه!”
وبعكس المعتاد، كان الزعيم منفعلاً جدًا، وعروق عنقه قد احمرّت وانتفخت. و كان في قمّة الانفعال.
أما جوون، الواقف في الخلف ويداه متشابكتان ببرود، فقد ضحك ساخرًا بصوتٍ خافت. ثم حرّك نظره قليلًا نحو الأسفل.
كان هناك نحو خمسين من الكوابيس جاثمين على ركبهم، يلمسون قدمي سادان بلا توقّف، وكأنهم عبيدٌ أُمروا بإبقائها نظيفةً دائمًا.
رؤية هذا المنظر…..لا يعلم، لكن شعورًا غريبًا خالجه…..
كأنك تشاهد عصابةً من القتلة المجانين، الذين اعتادوا مطاردتك ليلاً و نهاراً، يراقبونك حتى في الحمام، ويتسلّلون إلى غرفتكَ وأنت نائم…..ثم فجأة، يتركونك ويتعلقون بشخص آخر بجنون.
شعور يشبه الطمأنينة…..أو ربما راحةٌ عميقة؟
أن يتخلص من أولئك المزعجين أخيرًا بهذا الشكل…..يا له من ارتياح.
سخر جوون بابتسامة جانبية، وحدّق بثبات في رداء سادان.
لكن…..لحظة.
ذلك الانتفاخ البارز بشكل غريب……لا يمكن أن يكون قد ملأ معدته قبل قدومه الى هنا، أليس كذلك..…؟
هل من الممكن أنه خبّأ شيئًا في مقدمة رداءه؟
***
بعد أن علم جوون أن الكوابيس التي كانت تلتصق به، قد انتقلت إلى سادان. أخبر سيان بذلك بمجرد أن رآها.
هل هذا هو السبب في أن الأرواح المختومة لم تتحرك الليلة الماضية؟
وحين فهمت سيان الوضع، أخبرته بنبرة جافة عن “الصندوق الأسود المريب”. ويبدو أن ذلك الصندوق هو السبب الذي جعل الكوابيس تنتقل.
فأطلق جوون صوت “آه”، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ ساخرة.
“كنت واثقًا أن الأمر غير طبيعي.”
“غير طبيعي؟”
“رأيت الزعيم أثناء خطابه في حقل البصل…..كانت معدته ممتلئة بشكلٍ مريب، وكأنه يحمل شيئًا. بدا و كأنه أكل شيئاً…..لكن اتضح أنه كان يخفي شيئًا هناك.”
“أمم..…”
هذا يعني أن سادان يحتفظ الآن بـ”شيءٍ ما” كان داخل الصندوق الأسود.
وبما أن مقر الزعيم محصّن بطاردٍ يمنع دخول الأرواح، فلا شك أن ذلك “الشيء” روحٌ أثيرية…..
لكن، أي نوع من الأرواح يا ترى؟
“حسنًا، حسنًا، هيا نبدأ!”
لم تمر حتى ثلاثون ثانية من الحديث، حتى اقترب اصحاب الملابس الصفراء ليقاطعوهم كعادتهم.
فتقدّم جوون بخفة نحوهم، وغمز لها بعين لامعة.
“دعيني أنا أتحقق. سأمد يدي الى بطن زعيمنا العزيز وأعرف ما هناك.”
رغم أن الفضول كان ينهشها أيضًا، إلا أنها لم تكن تملك رفاهية الطرد من هذه الجزيرة في هذا اليوم بالذات.
فأمسكت سيان فرشاة الطلاء بسرعة ووجّهت له تحذيرًا حازمًا،
“لا تفعل ذلك أبداً.”
***
واصلت سيان دهن الجدران البيضاء بطبقات جديدة من الطلاء الأبيض، تخفي قلقها خلف حركات رتيبة.
لقد مرّ اليوم السابع منذ دخولها الجزيرة. و كل ما عرفته حتى الآن هو وجه الزعيم وعمره، ولم تحقق أي تقدّم ملموس.
أما جوون، فكان مراقَبًا من قبل خمسة من رجال الملابس الصفراء، يلاحقونه طول اليوم ويمنعونه من التحدث مع الأتباع أو الاقتراب من الزعيم.
وإن لم تكن الرقابة على سيان صارمة إلى هذا الحد، إلا أنها كانت يخضع لمراقبة ثلاثة آخرين.
وبما أن جوون لم يعد قادرًا على استخدام الكوابيس، فقد أصبح من المستحيل تفكيك وحدة الطائفة من الداخل. بل إن خطاب الزعيم في حقل البصل زاد من ترابطهم معه أكثر من ذي قبل.
و بسبب كلماته قبل قليل، دبّ الفرح والتطلّع في نفوس الأتباع وتحركوا بحماس.
المشاعر السيئة التي بقيت في قلوبهم كجمر خافت اختفت و كأنها لم تكن. و الجميع بات يتوق بشدة لأن يكون هو من يتلقى رسالةً من السماء.
وكان من الغريب أن بين أولئك المتحمسين، وُجد مدراء شركات متوسطة الحجم وقضاة.
جميعهم متعلمون على مستوى عالٍ، وعقلانيون بما يكفي لتسيير أعمال كبرى. فلماذا، يا ترى، ينخدعون بهذه الخدعة التي لا يصدقها العقل؟
“هاه..…”
تنهدت سيان بضيقٍ شديد.
لقد تسللت إلى هذا المكان بصعوبة بالغة…..لا يمكنها المغادرة الآن خالية اليدين.
أليست هناك وسيلةٌ للخروج من هذا الوضع الخانق؟
***
“الإعصار سيصل قبل الموعد بيومين! ابدأوا الاستعدادات فورًا!”
الحظ كان بجانبها. لكن ذلك الحظ كان ناقصًا.
“بدءًا من اليوم وحتى مرور الإعصار، سنلجأ جميعًا إلى قاعة الاجتماعات الكبرى، وسنأكل وننام هناك معًا!”
يا للمصيبة…..إن كان عليها أن تعيش طوال فترة مرور الإعصار في نفس المكان مع الآخرين، فلن تحلم حتى بمحاولة التسلل إلى مقر القائد الروحي وتفتيشه سرًا.
في تلك الحالة، فربما…..الآن؟
لمع بريقٌ حاد في عيني سيان وهي تحدّق من حولها بدقة.
كانت الشمس قد غابت تواً خلف الأفق، وبدأ الظلام يحل تدريجيًا. وصادف أن الرجال الثلاثة بالزي الأصفر المكلّفين بمراقبتها، كانوا منشغلين بتدعيم المستودعات.
ولم يكن جوون ظاهرًا في أي مكان…..
“أريد ربطةً من كابلات التثبيت! إلى هذا الاتجاه!”
“البيت البلاستيكي! شكّلوا حواف ترابية حوله حتى لا تنثني دعاماته المعدنية! أسرعوا!”
“انقلوا المؤن، ثم أغطية النوم! هيا، بسرعة!”
الجميع كان يركض بلا توقف، حتى أصحاب الزي الأصفر كانوا يتصرفون بارتباك. فجميع الأبنية هنا من النوع التركيبي المؤقت، وإن عصفت بها الرياح، ستكون الخسائر فادحة.
حتى الحقول والمستودعات تحتاج إلى صيانة عاجلة…..وبما أن الوضع سيستمر على هذا النحو لثلاث أو أربع ساعات على الأقل، فلن تكون هناك فرصة أكثر مثاليةً من هذه.
اندسّت سيان بين الناس متظاهرةً بأنها تعمل مثلهم، ثم تسللت بسرعة إلى الحمام المشترك لتختبئ داخله.
تبقى بينها وبين مقر القائد الروحي 120 مترًا فقط.
الأمر محفوف بالمخاطر…..لكن، إن أحسنت توقيت تحركها، فبوسعها الوصول إليه خلال ثلاثين ثانية فقط.
____________________
وناسه جوون فرحان ان الكوابيس انقلعوا هعهعهعهع وردة فعل سيان ضحكتني يوم درت بس اها بس؟😭
وصادقه سيان يومها تقول القضاة واصحاب الشركات وش خلاهم يصدقون ؟ صدق انا في نعمه حتى لو ذا الروايه خيال بس صدق فيه طوائف عند الكفار يسوون اشياء ماتدخل الراس
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 98"