العالم الأول الذي رآه الرضيع المرتجف من برد كاد يجمد قلبه حين فتح عينيه بصعوبة…..
ما رآه كان الظلام. و جثة أمه الطافية مثل الوهم بلون شاحب وسط ذلك الظلام البارد.
وعددٌ لا يُحصى من أشباح الكوابيس كانوا يقهقهون دون توقف.
هؤلاء المخلوقات كانوا مهووسين تمامًا بهذا الطفل الذي وُلد بنفسه من الموت.
تاقوا لامتلاك هذا الطفل بأي وسيلة، لكن إن امتلك الرضيع وعيًا واضحًا، فلن يعود بإمكانهم تملكه. فتمنّوا أن يموت وهو لا يزال نقيًا بالكامل.
لكن حتى إن نجا الطفل بمعجزة، فسيظلون يطاردونه طيلة حياته كأرواح شريرة لئيمة.
الكوابيس. كانوا دومًا في جانب تاي جوون، في كل زمان ومكان.
حتى حين أُنقذ من البئر الضيقة المظلمة الباردة وصعد إلى الأرض الدافئة المضيئة. و حين رضع من الزجاجة أو غُيّرت حفاضاته.
حتى في اللحظة التي انقلب فيها بجسده لأول مرة. وفي كل مراحل نموه، حين بدأ يتمتم بالكلمات، ويجلس بنفسه، ويمشي، ويركض، كانوا هناك.
كانوا يتوقون بشدة لأن يتركز اهتمام الطفل عليهم وحدهم، فأزعجوه، وأفزعوه مرارًا، وآذوه بلا رحمة.
وإذا خاف الطفل وبكى، كانوا يفرحون أكثر، و يضحكون بقسوة وهم يعبثون به.
فالأرواح لطالما كانت كذلك بطبيعتها.
“أواااااااااااااا!”
كان الطفل يبكي يوميًا تقريبًا حتى يصاب بالحمى، في بكاء يائس، لكن لا أحد كان يعرف السبب.
لا أحد، لا أحد، لا أحد، لا أحد. كما لم يكن في البئر من يستطيع مساعدته، لم يكن خارجه أحدٌ أيضًا.
لم يكن في هذا العالم من يستطيع مساعدة جوون. لذلك تعلّم بسرعة البرود والخلو من أي ردة فعل.
وفي سن الثالثة، بدأ يتظاهر تمامًا بأنه لا يرى “هؤلاء”. و تجاهلهم وأدار عنهم وجهه.
فمزقوا ألعابه، ومزقوا كتب قصصه، ولوّثوا حذاءه.
كانوا يتبعونه ليلًا ونهارًا، ويزداد عددهم بشكل مفاجئ وقوي في الليل. فقد كان يشعر بذلك من شدة الطاقة السلبية التي تنتشر وتخدر جسده.
كانوا يزحفون حول سريره طوال الليل مثل حيوانات بأربعة أرجل، يرعبونه بكل وسيلة.
كان غاضبًا، وكارهًا، وأراد طردهم، لكن لم يكن بوسعه إزالتهم أبدًا.
وفي النهاية، لم يجد وسيلةً سوى أن يتظاهر بعدم رؤيتهم، بوجه بلا تعبير وعيون مثلجة. وكلما تجاهلهم وتعامى عنهم أكثر، زادوا في لهفتهم للاهتمام. كمن أصيب بالجنون لأنه لم يُحب.
بشراسة وهوس، بذلوا كل جهد ممكن لجذب اهتمامه.
“تاي جوون!”
“هل أعجبكَ العجل الصغير؟ خذه، هو لك.”
“انظر، قتلت العجل من أجلكَ. أليس جميلاً؟ الأشياء الحية تتغير في النهاية، لكن حين نقتلها، تبقى كما هي.”
“أليست القطة لطيفة؟ صنعت لك برجًا من القطط.”
“خذه، كل شيء جميلٌ هو لكَ.”
“من تكلم عنكَ بسوء؟ سأعاقبه من أجلكَ.”
“تاي جوون.”
“انظر إليّ.”
“انظر إلينا.”
لكن هذا التعلق المجنون لم يكن حبًا. فهم أرواح. وكانوا يتحسسون لحظات ضعف جوون أو تردده مهما كانت قصيرة، ليصبحوا أكثر خبثًا ووحشية.
لذلك، في السابعة من عمره، أصبح جوون طفلًا ذا هالة غامضة وعيون باردة كالجليد.
ظل يتصرف وكأن الكوابيس غير موجودين، بشكل كامل ودقيق. و لم يلمس أي حيوان، حتى بأبسط شكل.
و لم يُبدِ اهتمامًا بأي لعبة، ولم يُظهر مودة لأي أحد.
ووضع حدودًا صارمة تمنع أي إنسان من احتضانه أو لمسه بلا إذنه.
في اللحظة التي يُبدي فيها جوون اهتمامًا بشيء أو يلين قلبه تجاه أمر ما، كانت الكوابيس تسارع لتحطيمه، أو قتله، أو تلويثه.
لذا، أصبحت نظرات الطفل أكثر حدةً يومًا بعد يوم، وأكثر ذكاءً، ولم يكن يتردد أبدًا حين يتكلم.
جوون بات يتقن جيدًا لعبة القوة النفسية ضدهم. وربما لهذا السبب، حاولت الكوابيس إيذاء جده.
***
كان الجد دائمًا يناديه بـ صغيري جوون. وبسبب الكوابيس، لم يتبادلا يومًا حديثًا دافئًا، لكن الجد كان عائلته الوحيدة، وكان شخصًا يحبه.
كان الجد يصنع دومًا أطباقًا غريبة، ومع ذلك، لم يترك جوون أي طعام على المائدة يومًا.
وربما، كان الجد يعد تلك الأطعمة الغريبة خصيصًا من أجل حفيده الصامت البارد، كي يتذمر الطفل من الطعام فيضحكا ويتبادلا الحديث.
جوون شعر بذلك حتى حين كان صغيرًا، لكنه ظل يأكل بصمت كل ما يُقدَّم له.
فبالنسبة له، كان ذلك التعبير الوحيد عن الحب الذي يستطيع تقديمه لجده. وربما، كان الجد يفهم هذا الشعور. فكلما أعد بيضًا مقليًا، كان يرسم بقليل من الكاتشب قلبًا صغيرًا على بيضة جوون فقط.
لكن، بدأ الجد، الذي كان عزيزًا على جوون، يتعرض لإصابات بسيطة تدريجيًا.
كانت البداية بأمور تافهة، كأن يدخل مسمارٌ صدئ في حذائه، أو أن تسقط سكين المطبخ فجأة وتكاد تصيبه في قدمه.
لكن حين أظهر جوون قلقه عليه، وبدأت ملامحه ترتجف قليلًا، تصاعدت خطورة الحوادث بشكل مفاجئ.
تسرب غازٌ مفاجئ من الموقد، و كان زجاج نافذة يتحطم فجأة بجانبه، أو تعطل مفاجئ في فرامل السيارة.
قالت الكوابيس أنها ستتخلص من الجد، ثم ستصبح هي عائلته الوحيدة والكاملة.
“أيًّا كان من تحبه، سنحطمه لكَ.”
“الآن، وفي المستقبل.”
“كما فعلنا مع القطة، والعجل الصغير.”
“كل ما تحبه، سنضعه أمامكَ كجثة.”
ولم يكن لدى جوون، وهو طفل، أي وسيلة لصد تلك المخلوقات.
***
في اليوم الذي تعطلت فيه فرامل السيارة ووقع الحادث، أُدخل الجد المستشفى وبقي فيه لستة أيام.
ورغم كل شيء، ظل الجد مرحًا وهو مستلقٍ على سرير المستشفى.
“بما أنني مشغولٌ هنا، فلن تضطر لأكل طعامي لبعض الوقت، أليس كذلك، جوون؟ زاوية فمكَ ترتجف وكأنك تكاد تضحك، أليس كذلك؟”
“…….”
“صغيري جوون، البقاء وحدكَ في المنزل مخيف، فهل تنام الليلة مع الجد في المستشفى؟”
لم يُبدِ جوون أي تعبير، ولم يُجب بكلمة. لأنه لا يجب أن يُظهر للكوابيس أنه قلق.
وقف بصمت بوجه بارد، كأن وجود الجد من عدمه لا يهمه أبدًا. وكانت برودته لدرجة أن حتى الممرضة المكلفة برعايته شعرت بالنفور.
لكن الجد، كعادته دائمًا، ظل هادئًا وودودًا.
“حسنًا. صغيري جوون ذكي ويمكنه البقاء وحده، أليس كذلك؟ طلبت من جارتنا أن تعتني بطعامكَ وتتفقد الأبواب. لكن إن شعرت بالخوف في منتصف الليل، لا تتردد أبدًا في الاتصال بي. مفهوم؟”
***
في طريق عودته إلى المنزل في سيارة جارتهم، كان يشعر أن دموعه ستنهمر في أي لحظة. فضغط على شفتيه بصمت، محاولًا التحمل، لكن الدموع كانت تتجمع وتكاد تنفجر.
ومع ذلك، لم يبكِ.
وعندما عاد إلى المنزل وصار وحيدًا، فجّر غضبه أخيرًا.
“لا تقتربوا من جدي مرةً أخرى أبداً!”
ذلك اليوم كان أول مرة يحدّق فيها جوون بالكوابيس مباشرة، ويوجه إليهم حديثًا. فجنّ جنونهم من الفرح، وبدأوا يصرخون ويرقصون ويضحكون بجنون.
لقد اعترف جوون بوجودهم، وأغضبوه وأثاروه…..وكان هذا بالنسبة لهم متعةً لا توصف.
ثم راح جوون يدير رأسه بسرعة يمينًا ويسارًا، وهو يصرخ في وجه الكوابيس الذين أحاطوا به من كل جانب.
“لا تفعلوا ذلك أبدًا! أبدًا! توقفوا حالًا!”
في البداية، بدت صرخاته كأنها نوبة غضب طفولية.
“أبداً! لا تفعلوا ذلك! أبداً!”
فقلّدته الكوابيس كمجموعة، يسخرون منه ويضحكون بمرح شديد، مستمتعين بإغاظته.
لكن حوون راح يحدّق في عيونهم واحدًا تلو الآخر، وصرخ فيهم بصوت عالٍ،
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 97"