ما ذاك الصندوق الأسود بالضبط؟ ماذا يمكن أن يكون بداخله؟
ضيّقت سيان عينيها ببطء.
رغم أن المشهد مرّ في لمح البصر، إلا أنها لم تغفل عن الصندوق الذي كان تشوداي تو يحتضنه بقوة بذراعين مرتجفتين.
بالمقارنة مع طرود البريد، فقد كان بحجم الصندوق رقم 1، أي أصغر المقاسات.
ليس من الورق…..بل من الخشب، نعم، لا شك أنه صندوقٌ خشبي.
وكونه يتلألأ بذلك السواد، فهو على الأرجح مطليٌ بعدة طبقات من الطلاء التقليدي، صندوقٌ عتيق صُنع بعناية فائقة.
“أسرع!”
عندما همّ أحدهم بالالتفات ناحيتها، اختبأت سيان بسرعة خلف الجدار الخارجي للمبنى.
ثم عدّت خمس عشرة ثانية، وحين نظرت مجددًا، كان تشوداي تو وأصحاب الثياب الصفراء قد اختفوا باتجاه الأسفل.
“أخرجناه الآن، فأخبروا السيد الزعيم أن يستعد. بسرعة!”
هذا ما قالوه.
“يستعد” إذًا…..لا بد أن الزعيم يخطط لفعل شيء ما…..
فخلال الأيام الماضية، تشتّت أتباع الطائفة بفعل الكوابيس، حتى أنهم بدأوا ينفرون من أنفسهم، وهي الركيزة الأساسية لقوة السنابل.
لذا، لا شك أن ما يخططون له هو “إجراءٌ استثنائي” لحل هذه الأزمة الخانقة.
لا عجب إذًا…..
قالوا أنهم سيعدّون أكياس رمل استعدادًا للإعصار، ثم طردوا الأتباع خارج القرية…..
كنت أظن أن جوون قد يكون هنا، فعُدت سرًّا إلى القرية، ولحسن الحظ وصلت إلى محرقة النفايات بذريعة الفضلات.
هل عليّ تتبّع تشوداي تو؟ ءلا، ليس الآن.
اختبأت سيان خلف المبنى وانسحبت بسرعة. وبفضل ذلك القرار السريع، نجت من أن تُكشف من قِبل أصحاب الثياب الصفراء الذين عادوا لتفقد المكان والتأكد إن كان أحد يتجسس عليهم.
ثم نزلت مباشرةً إلى جنوب القرية، وانضمّت إلى مجموعة النساء اللواتي كنّ يصنعن أكياس الرمل باستخدام المجارف اليدوية.
وبكل طبيعية، حملت كيسين من الرمل وبدأت تتذمر.
“بدأت أشعر بألم في ذراعي…..هل علينا نقلها كلها؟”
ضحكت السيدة سوّبيك ضحكةً خفيفة وطمأنتها.
“لا، نحن نُحضّر كل شيء على مهل، ما من داعي لتنقليهم جميعا . لالإعصار لن يأتي إلا بعد بضعة أيام.”
“آه.”
“لا تتعبي نفسكِ، و تعالي فقط ساعدينا لنملأ أكياس بالرمل.”
أومأت سيان برأسها وجلست بين النساء مباشرة. وفي اللحظة نفسها تقريبًا، رآها أصحاب الثياب الصفراء، المسؤولون عن مراقبتها، وتنفسوا الصعداء.
اختفاؤها لم يتجاوز ست دقائق. لقد غابت للحظة قصيرة فقط.
ولحسن الحظ، كانت السيدة سوّبيك بطبعها ودودة وكثيرة الكلام، فغطّت على غيابها بشكل طبيعي.
فبدت سيان وكأنها طوال الدقائق الست الماضية لم تكن سوى امرأة منهمكة في ملء أكياس الرمل، تفتح الكيس بيديها وتومئ برأسها بين الحين والآخر لكلام السيدة سوّبيك.
***
كانت ترغب في إخبار جوون عن الصندوق الأسود، لكنها لم تتمكن من مقابلته. فلم يكن في القرية، ولم يظهر حتى وقت العشاء.
لا يبدو أن هناك ما يدعو للقلق، ولكن…..
“سنطفئ الأنوار!”
في الساعة التاسعة مساءً. مع صراخ التنبيه، انطفأ المصباح فوق رأسها فجأةً بقوة.
لكن سيان لم تستلقِ على الفور، بل جلست بهدوء فوق السرير في الظلام، تستعيد في ذهنها صورة “الصندوق الأسود”.
وفجأة، رفعت رأسها فرأت لينكون جالسًا أمام الباب بحالة تأهب.
ما الأمر؟ لماذا فجأة؟
وبينما كانت تفكر، لاحظت شيئًا…..
“المكان هادئ..…”
رفعت رأسها وأرهفت السمع. و كان السكون عميقاً.
على غير العادة، لم تبدأ كوابيس الليل التي كانت تتحرك مباشرة بعد انطفاء الأنوار منذ ثلاثة أيام.
القرية بأكملها بدت ساكنة، كليلة شتوية تتساقط فيها الثلوج بهدوء، والتابعون غارقون في نومٍ هادئ مطمئن.
ما هذا؟
هذا يعني أن جوون لم يُطلق الكوابيس الليل هذه الليلة……لماذا؟
***
كان جوون ينزل منحدر الجبل بسرعة، وكانت خطواته تنساب بخفة.
وعندما استدار للخلف، رأى خمسة من الحراس ذوي الثياب الصفراء يترنحون خلفه، يهبطون بصعوبة وقد أنهكهم التعب.
وقف جوون في أسفل التلّ بهدوء، ينتظرهم وهو يتأمل القرية التي تمتد تحت ناظريه.
في ظلمة دامسة يصعب فيها التمييز بين البحر واليابسة، كانت القرية غارقةً في السواد التام، باستثناء مكان واحد يلمع فيه النور—مقر الزعيم.
ذلك المبنى المكوّن من ثلاثة طوابق كان محاطًا بختم يمنع دخول الأرواح من فئة “أوتيس” وما فوق، فلا يمكن لأي روح أن تدخل إليه، وإن جُرّت بداخله، يستحيل عليها الخروج بإرادتها.
لا شك أن هناك شيئًا ما في داخل ذلك المبنى.
ما هو يا ترى؟
لكشف أسرار هذا الخلاص بالكامل، لا بد من السيطرة على عقل الزعيم.
ولتحقيق ذلك، كان عليه أن يدفعه إلى أقصى حدود التوتر والعصبية، تمامًا كما فعل سابقًا مع مين كي شيك، صاحب الحانة في أبغوجونغ.
لذا، كان يتعمد استفزاز سكان الجزيرة في محاولة لإثارة استياء الزعيم وإغضابه…..
لكن ما كان يريد التحقق منه أساسًا، هو ما رآه مرسومًا في دفتر رسومات كيم يون وو—“رجلٌ شبه عارٍ”.
هل ذاك الرجل في الرسم هو الزعيم حقًا؟ أم لا؟
في الرسم، بدا الرجل شابًا قوي البنية في العشرينات،
أما سادان، زعيم هذه الجزيرة، فهو رجلٌ في منتصف العمر ذو جسد عادي رآه جوون بنفسه عند وصوله إلى هنا.
لذا، قد لا يكون الشخص ذاته إطلاقًا…..لكن من الممكن أيضًا أن “الفرق الهائل في القوة القسرية” قد صُوّر بهذه الطريقة الرمزية.
وإن كان الرجل في الرسم هو فعلًا زعيم طائفة السنابل، فهذا يعني أن كيم يون وو المتوفاة قد أقامت علاقةً مع الزعيم.
من المعروف أن زعماء الطوائف عادةً ما يدخلون في علاقاتٍ مع العديد من الفتيات الشابات، فذلك ليس أمرًا نادرًا. لكن كيم يون وو لم تكن فتاةً عادية، بل كانت نادرةً جدًا، توأمًا في الرحم.
توأم رحم مقدّس، كنزٌ ثمين يُقدَّم كقربان بشري.
فكيف يمكن للزعيم أن يقيم علاقةً مع شيء بهذه القدسية؟ الأمر لا يُعقل بسهولة.
في البداية، ظن أنها مجرد صور لنساء يحملن توائم رحم. ولكن…..
ماذا لو كانت ترسم نفسها؟
ماذا لو أن تلك الرسومات كانت تصور “توأمًا في الرحم”، حاملاً بتوأم في الرحم؟
بمعنى آخر…..كما يتم تطعيم النباتات لتحسين سلالتها باستخدام الأعشاب الفعّالة، ربما كانت تلك الأفاعي المجنونة تُجري تجارب بيولوجية باستخدام رجلٍ خالد على هذا الخلاص المعزول.
ششش-
لفحت نسمةٌ ليلية دافئة أنف جوون وفمه برطوبة خانقة. بينمت ضيّق عينيه وهو يحدّق صوب مقر الزعيم.
بالطبع، ما زال كل هذا مجرد استنتاج. و كان يعلم أنه مقززٌ ومثير للاشمئزاز إلى حد يصعب تصديقه، لذا لم يخبر سيان بشيء.
تهالك- تهالك-
وصل أصحاب الثياب الصفراء أخيرًا بعد عناء، وانهاروا على الأرض كما لو كانوا سيسقطون مغشيًّا عليهم. فنظر إليهم جوون من الأعلا، وسخر ببرود،
“لأنكم لا تمارسون الرياضة، ليس لديكم أي قوة في أجسادكم.لقد تجولتم نصف يوم فقط وتنهار سيقانكم!”
“هاه…..هاه..…”
“ألا تستطيعون الوقوف؟”
قبل ست ساعات فقط، كانوا ينظرون إليه بوجوه حادة ونظرات حذرة مليئة بالارتياب.
أما اليوم، فقد قضى معهم طوال فترة ما بعد الظهر في تسلق الجبال ومساعدتهم مرارًا، حتى بدأت جدرانهم الدفاعية النفسية تضعف شيئًا فشيئًا.
أخذ جوون يساعدهم واحدًا تلو الآخر، و هو ينظر في عيونهم مباشرة.
كانت قوته متصلةً بالعتمة، لذلك في الليل كان بوسعه التغلغل في وعي الآخرين بشكل أقوى بكثير.
عند تلك اللحظة، انطبعت نظراته السوداء اللامعة بقوة داخل أعينهم وسط الظلام الحالك.
‘إن لم يكن بإمكاني إرسال كابوسٍ إلى مقر الزعيم…..فلمَ لا أستخدم “البشر” بدلاً من ذلك؟’
ابتسم ابتسامةً جانبية ساخرة، ثم أشار بذقنه إلى أسفل التل.
“لننزل إلى القرية.”
***
ما إن دخل أصحاب الثياب الصفراء إلى القرية، حتى هرعوا إلى شرب الماء بشراهة. حتى رنّت أصوات قواريرهم المعدنية في هدوء القرية، فكسرت الصمت بضجة واضحة.
كان الوقت قد تجاوز موعد إطفاء الأنوار، لذا كانت القرية مظلمةً وهادئة بالكامل.
ما هذا؟
من المفترض أن كوابيس الليل تبدأ بالتحرك من الساعة التاسعة مساءً…..لكن كل تلك المباني البيضاء الجاهزة كانت غارقةً في الصمت.
تابع جوون سيره بصوت خطوات مسموع، ثم توقف فجأةً عند نقطة تظهر منها قاعة الاجتماعات.
“ما هذا بحق..…”
قال ذلك بصوت متشقق.
جميع الكوابيس كانت هناك—في قاعة الاجتماعات،
محتشدة إلى درجة الاختناق، حتى أنها تضاعفت إلى خمسمئة كابوس، تتنفس وتلهث كأنها جمهور حي.
ما الذي يحدث هنا..…؟
بخطى مسرعة، اندفع جوون نحو مدخل القاعة.
وكان الباب مفتوحًا على مصراعيه، وعلى المنصة وقف الزعيم سادان بعينين مغمضتين ووجه مفعمٍ بالرحمة، رافِعًا ذراعيه قليلًا في وضع أشبه بالاحتضان.
وكانت الكوابيس…..كوابيس الليل تلك…..كانت كوابيس الليل تتقرب من الزعيم سادان بطريقةٍ أشبه بالتوسل.
بدت كوابيس الليل وكأنهم أتباعٌ يخدمون ملكًا، أو كمَن يستقبل عودة ملكٍ طال انتظاره.
كانت تحدّق فقط في الزعيم بعيون ذائبة. حتى أنعا راحت تدوس بعضها البعض بلا رحمة، تحاول بأي طريقة الوصول إليه، حتى لو كان الثمن تحطيم غيرها.
وقف جوون عند مدخل القاعة، مذهولًا من هذا المشهد الذي لا يُصدّق.
تلك الكوابيس كانت رفاقه منذ ولادته—تجسّدات شيطانية، خرجت من ظلمات اللاوعي وتبِعته منذ أن وُلد من جسد أمه الميتة.
كانت تلك الكائنات تدور حوله دومًا بجشع، ترتجف كالفراشات المسحورة بالنار.
لكن الآن…..كانت تتجاهل وجود تاي جوون تمامًا.
فجأة، فتح الزعيم سادان عينيه، والتقت نظراته بنظرة جوون الواقف عند المدخل.
ثم ابتسم له ابتسامةً هادئة، بوجه يشع وقارًا…..بل اقرب الى ابتسامة المنتصر.
دق… دق…
ارتجّ صوت نبضات قلب جوون في رأسه بقوة.
و وسط هذا الجنون الصاخب الذي يكتسح الكوابيس كأنهم فقدوا عقولهم، كانت هناك راقصة باليه واحدة، بشعر بني، تدور ببطء كالدوّامة في مكانها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 96"