كانت سيان تلهث من شدة الحر بعدما توقفت عن طلاء الجدران.
ورغم ذلك، لم يكن بوسعها الاستحمام براحة خلال الأيام الماضية بسبب شحّ المياه العذبة في الجزيرة.
وفي هذه الأثناء، كانت شمس يوليو الحارقة تعكس حرارتها العنيفة من كل زاوية في القرية البيضاء.
وحدها قاعة الاجتماعات، ببابها الكبير وبرودتها، كانت ملاذًا مؤقتًا، فكان الأتباع يتحجّجون بالتأمل ليتسللوا إلى هناك ويبردوا أجسادهم.
“هيا، جميعًا إلى قاعة الاجتماعات! الزعيم منحكم ماءً مثلّجًا!”
“سنلغي نشاطات ما بعد الظهر اليوم!”
“تفضلوا، كوباً لكل شخص حسب الدور!”
كان أصحاب الثياب الصفراء يلوّحون بأيديهم، و يدعون الأتباع إلى الداخل. فقد تكرّم الزعيم، ومنحهم ماءً مثلجًا، كبادرةٍ من لرحمته.
رغم أن ديانة السنابل أصلاً ديانة نهاية العالم، والمعاناة فيها تُعتبر دليلاً على الاختيار، ومن المفترض ألا يسعى الأتباع إلى أي راحة جسدية…..
لكن، بعد ليلتين متتاليتين من الكوابيس، والحر الخانق الذي أنهكهم، بدأت نفوس الأتباع تمتلئ بالضيق، وكان لا بد من شدّ ولائهم من جديد.
“فوووه..…”
شربت سيان الماء المثلّج جرعةً تلو الأخرى، ثم أغمضت عينيها برعشة خفيفة من شدة الانتعاش.
بعدها فتحت عينيها ببطء، ونظرت إلى جوون الذي كان يقف بين السكان.
كان رجلًا معروفًا بضعفه الشديد تجاه الحر، فخلع قميصه تمامًا وبدأ يمسح عرق جسده بذلك القميص وكأنه منشفة.
ثم ألقى جوون بقميصه المبلول على كتفه بشكل غير مبالٍ، و تناول كوب الماء باسترخاء.
أخذ قطعة جليد ووضعها في فمه، ثم أعطى بقية الماء والثلج للأطفال من حوله.
و مرّر يده بخفة فوق رأس إيساك، أصغرهم، مبعثرًا شعره دون تفكير، ثم جلس على طرف أحد الكراسي في القاعة.
رغم أنه قضى كامل الصباح يعمل تحت شمس حارقة لا تُحتمل…..
في اللحظة التي وزّع فيها جوون حصّته الثمينة من الماء المثلّج على الأطفال، عمّ صمت غريب داخل القاعة.
وبعد قليل، بدأ بعض سكان الجزيرة يقلدونه، وراحوا يوزعون قطع الثلج على الصغار والمراهقين.
“لا تكثروا، قد تصابون بمغص، فقط القليل.”
“هل تشعرون بالانتعاش؟ لذيذ، أليس كذلك؟”
“لذيذٌ جدًا!”
الأطفال ملأوا أفواههم بالثلج، وراحوا يقفزون بسعادة ومرح. بالطبع لأنه لذيذ.
حين يعيش المتدينون في جماعة مغلقة، أكثر من يبعث على الشفقة دائمًا هم الأطفال.
فالآباء اختاروا هذا المصير بأنفسهم، لكن أولئك الصغار…..لم يعرفوا طعم البيتزا أو البرغر أو الآيس كريم أو حتى كُرات الثلج الحلوة.
لم يشاهدوا التلفاز، ولم يحملوا هاتفًا في أيديهم، ولم يقرأوا كتابًا مصوّرًا أو يسمعوا أغنيةً للأطفال…..لم يسمعوا سوى الترانيم.
على أي حال، لم تعد وجوه أصحاب الثياب الصفراء تبدو مرتاحة. و كانوا يحاولون خلق أجواء من الامتنان لرحمة الزعيم، لكن جوون قلب ذلك تمامًا في لحظةٍ واحدة.
بدأ أصحاب الثياب الصفراء يتبادلون النظرات الخاطفة، ثم سارعوا بإجلاس سكان الجزيرة بسرعة.
“هيا، هيا، فلنجلس جميعًا في أماكننا!”
جلست سيان في الصف الخلفي، وسرعان ما جلست ثلاث نساء يزرعن البطيخ بجوارها، ملتصقات بها كالعلكة من كلا الجانبين.
وفي تلك اللحظة، دخل سادان قاعة الاجتماعات بوجه متجهم، وألقى نظرةً جانبية عابرة على جوون، ثم سرعان ما ابتسم ابتسامةً مشرقة وراح يربّت بلطف على أكتاف الأتباع.
“يا له من طقس حار فعلًا.”
كانت كلمةً عادية لا قيمة لها، لكنها خرجت من فم الزعيم، فانفجر الأتباع بالضحك والابتسام كأنهم تلقوا وحيًا.
ابتسم سادان بهدوء وأكمل كلامه،
“العمل الجسدي هو استخدام مقدّس للجسد، لكنه يوم حار، وفكّرت أن أرجوا بعد وقتٍ طويل.”
مع كلماته، وُزِّع على الجميع عشر أوراق رسائل وقلم حبر لكل شخص.
الورق والأقلام كانت من بين الأشياء النادرة في هذه الجزيرة المنعزلة، فمن الضروري منع الأتباع من تبادل الرسائل أو الأسرار المكتوبة.
لهذا، كانت أوقات دراسة الأطفال محددة بدقة، كما كانت تُحصى كل الكتب والدفاتر والألوان والأقلام المستخدمة وتُجمع بعد الاستعمال بعناية مشددة.
بدأ سادان يبادل السكان النظرات واحدًا تلو الآخر، ثم قال برحمة،
“لا تخفوا شيئًا. أي خزي أو ألم أو سرّ، اكتبوه كله. هذه الرسالة التي ستكتبونها الآن هي امتياز لا يُمنح إلا لأولئك المحتارين. سأوصلها إلى السماء بنفسي.”
بمجرد أن أشار الزعيم بيده مشجعًا على البدء، بدأ الأتباع على الفور بنقر أقلامهم استعدادًا للكتابة.
“لنُبغِض الخطيئة، ولنُقِر بها. فلنفضح أمام السماء كل شيطان دنس تسلل إلى أعماق قلوبنا.”
مرّ سادان أمام سيان وألقى نظرةً سريعة على ورقتها. بينما كانت تدير القلم بين أصابعها، دون أن تكتب سطرًا واحدًا حتى الآن.
فربّت سادان بلطف على كتفي المرأتين الجالستين إلى جانب سيان، و تحدث بصوته الناعم،
“فلنُضيء أنفسنا كشموع، ونجلد تلك الخطيئة الخبيثة المتسللة إلى دواخلنا لطردها خارجًا.”
توزيع الماء المثلّج، والرسائل—لم يكن أيٌ من ذلك ضمن الجدول المعتاد. و ربما كان الهدف ضبط سلوك الأتباع، لكن…..
في هذه الجزيرة التي يغلب عليها الشابات، كان من الواضح أن الزعيم العجوز بدأ يشعر بتهديدٍ حقيقي وانزعاج بالغ من شعبية جوون الشاب الوسيم والجذّاب.
فصار الزعيم يتنقل دون توقف بين الأتباع، يضغط عليهم بالكلمات.
“لا تُخفوا شيئًا، عليكم أن تكتبوا كل شيء! تقيّأوا كل تلك الجراثيم السوداء القذرة التي استوطنت داخلكم! هل يمكن لحبة قمح فاسدة أن تبقى في الجزيرة؟ هل ستنالون الخلاص يوماً ما؟ أم تُرمون بعيدًا مع الأحياء لأنهم دَنِسون؟”
راح الأتباع يكتبون بجنون، و كانت أيديهم تتحرك بسرعة متزايدة.
“آه…..أوه.…”
وفي غمرة ذلك الهياج الجماعي، بدأ صوت النحيب يعلو من هنا وهناك، بينما كانت الصفحات تُقلَب واحدةً تلو الأخرى.
كان الأطفال يكتبون لأن الكبار طلبوا منهم ذلك، لكنهم في الحقيقة لم يكونوا يفهمون ما المقصود بتلك “الخطايا”، وربما لهذا السبب بالذات، كانوا يبكون بهدوء معهم، بدافع الخوف فقط.
“بمزيد من الإلحاح! بمزيد من الصدق! عليكم أن تندموا، وأن تتغيروا!”
“كم كانت الطريق طويلةً وشاقة حتى وصلتم إلى هنا! أتريدون أن تُطرحوا في الجحيم بسبب شيطان تافه؟!”
***
الدموع كانت وسيلةً فعالة لتفريغ التوتر. فحين يبكي الناس معًا، أو يضحكون معًا، ينشأ نوع من الترابط يعزز وحدة الجماعة.
بعد الانتهاء من كتابة الرسائل، بدا واضحًا أن وجوه الأتباع أصبحت أكثر ارتياحًا. فلكل منهم وُزّعت عشر أوراق، لكن بعضهم طلب المزيد وكتب ما يصل إلى أربعين ورقةً ممتلئة.
وفي تلك الأثناء، بدأ المساء يحلّ، وانخفضت الحرارة شيئًا فشيئًا. فقرر الزعيم إعلان الصيام عن العشاء، تطهيرًا للجسد والروح.
وبفضل ذلك، عاد الأتباع إلى هدوئهم المعروف، وتسلّل إليهم ذاك الاسترخاء الخامل المعتاد…..
لكن، هذا لن يُجدي. فكل ذلك مجرد مسكن مؤقت.
فكوابيس الليل التي تهزّ ثقتهم ستأتي مجددًا، وتهزهم بعنف كما تفعل كل ليلة.
تاي جوون كان فعلًا رجلًا شيطانيًا.
قد يكون أتباع السنابل ضحايا جماعة دينية زائفة، غير قادرين على الخروج منها، لكن جوون كان يقودهم بلا تردد إلى هاوية الاكتئاب، عبر تلك الكوابيس، التي يعصف بها بسكان الجزيرة دون رحمة.
***
في الليل. رغم أن وجود السوط في أرض الخلاص أمرٌ يثير الدهشة، إلا أن السوط قد ظهر فعلًا.
حوالي عشرة أو عشرين من الأتباع جلسوا راكعين في قاعة الاجتماعات، يجلدون أنفسهم بأيديهم.
و في تلك الغرف الضيقة، الحارة، والمظلمة، كان بعضهم غارقًا في النوم، و يعيش كوابيسه مع أشباح الكوابيس.
***
وفي صباح اليوم التالي، لم تُسمع ضحكاتهم المعتادة.
بل سادت أجواءٌ مشحونة ومتوترة.
صار الأتباع ينفجرون في وجه بعضهم البعض بتذمّر وانزعاج، والتصدّع بدأ يتسلل إلى جماعتهم.
فالزعيم كان قد أمرهم بالأمس بكتابة رسائل التوبة، ثم جعلهم يصومون عن العشاء، مؤكدًا مرارًا على ضرورة التكفير، ورغم ذلك…..
ما زال بعضهم متوتراً بسبب الكوابيس ك، ما ولّد شعورًا بالاشمئزاز تجاههم من بقية الأتباع.
خاصةً أولئك الذين جلدوا أنفسهم بعنف، فقد بدا وكأنهم يحتقرون الآخرين حقًا.
حوالي عشرين منهم رفضوا تناول الإفطار، وانعزلوا في قاعة الاجتماعات، يستمرّون في والتوسل بإلحاح.
حتى أولئك الذين عانوا من الكوابيس طوال الليل كانوا يشعرون بالخوف، فابتعدوا قدر الإمكان عن التواصل مع بقية الأتباع.
كل هذا بدأ منذ أن وطأ تاي جوون الجزيرة بحديثه.
وبهذا الجو المشحون، بدا كما لو أن الزعيم سينفيه من الجزيرة في أي لحظة…..لكن الزعيم كان مصرًا على الفوز في صراع القوة مع جوون بأي ثمن.
هذه الجزيرة لا تلفاز فيها، ولا هواتف محمولة، ولا أي وسائل ترفيه. و في هذه الجزيرة المنعزلة، كان كيم تشول سو شخصيةً ذات حضور قوي لا يُنسى.
لو غادر جوون الجزيرة هكذا، فإن ظل كيم تشول سو سيظل يخيّم في قلوب الأتباع، متفوقًا على وجود الزعيم نفسه.
كان كبرياء الزعيم وهيبته مصابٌ بالجرح، ولم يكن يمكن أن يترك الأمر هكذا….
و كان لا بد أن يكسر جوون مرةً واحدة بقوة وبشكل علني قبل أن يسمح له بالمغادرة.
لكن، هل كان هناك طريقة فعلية لتحقيق ذلك؟
هل كان على الجزيرة أي إجراء حاسم يستطيع قمع هذه الشخصية القوية؟
***
طنين حاد-
ألقت سيان علبة الطلاء الفارغة في مكب الحرق. فلأن الجزيرة لا تسمح بالتخلص من النفايات بطريقة أخرى، كان يجب إحراق كل ما لا يُحتاج إليه.
كانت تجمع شعرها المبلل لتربطه مجددًا، ثم توقفت فجأة مذعورة. فعلى بعد ثلاثة أمتار، وقفت هناك روح.
كانت روح امرأة شابة ترتدي فستانًا أبيض، وقد كانت ساقاها مغطاةً بالدماء.
في ظلّ خافت عند مدخل ورشة النجارة، وقفت الروح ببطء ورفعت يدها مشيرةً نحو الشرق.
فنظرت سيان نحو الشرق ثم عادت لتنظر إلى الورشة مجددًا. و لم تكن الروح هناك. خلال تلك اللحظة القصيرة، اختفت الروح تمامًا.
لمست شفتيها السفلى برقة، ثم اقتربت بهدوء نحو الاتجاه الذي أشارت إليه الروح، واضعةً كتفها على الجدار الخارجي للمبنى، وأطلّت بعينيها من خلف الحائط لتتفقد ما وراءه.
صوت دويّ مدوٍ-!
وبنفس اللحظة تقريبًا، انفتح باب مقر الزعيم، وخرج تشوداي تو مدير الجزيرة، و وجهه شاحبٌ كالثلج من الصدمة.
كان اثنان من أصحاب الثياب الصفراء يحيطان به ويحميانه وهو يلتفت حوله بسرعة.
وكان في حضن تشوداي تو صندوقٌ واحد. صندوقٌ أسود.
كان ذلك الصندوق الأسود قاتمًا حتى حد الرعب، وقد احتضنه تشوداي تو مرتعشًا وبشدة، ثم أمر أحد أصحاب الثياب الصفراء،
“قُل لهم أننا أحضرناه الآن، ليجهّزوه للزعيم. أسرع!”
__________________
جوون اساليبه تضحك عارف ان اي شي يسويه يجذب المجنون😭
المهم الروح وش كان تبي سيان تشوف؟ يخوفون ذا الي في الجزيره لايكون الزعيم يخلي النسوان يحملون عشان تجيب توأم في الرحم ويضحي به😦
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 95"