اتسعت عينا سيان بدهشة. والرجال أيضًا أصيبوا بالفزع، فظهور تاي جوون في هذه الجزيرة التي لا يمكن لأي كان دخولها، بدا لهم وكأنه سقط من السماء فجأة.
“مـ-من…..تكون؟”
تحدث تشوداي تو بتحفّز، وبدأ بالتحقق من هويته.
“نائب دايتو من فرع غواناك. حدث أمرٌ طارئ، فجئت لأقابل المعلم.”
رد تاي جوون بلهجة حادة، وأومأ بعينيه نحو سيان. و كانت إشارة بمعنى “اذهبي”.
تحققت سيان مرة أخرى من سترته الصفراء الخاصة بالإدارة، ثم غادرت بهدوء وسرعة في الوقت ذاته.
مرت بها قشعريرة. عندما مرت بجانبه، و اجتاح جسدها شعورٌ بالراحة، أشبه برجفة تسري في جسدها.
اقترب جوون منها وكأنه يسد طريقها، ثم قال بابتسامته الساخرة المميزة،
“أين هو سيدنا؟”
***
“تقول أن نائب فرع غواناك مصابٌ بخرف حاد؟”
تجهم تشوداي تو، المسؤول عن إدارة أراضي الخلاص، وهو ينظر بدهشة قبل أن يحوّل بصره نحو نائب فرع غواناك.
أما هذا، فكان متشبثًا بجوون كليًا، يلف ذراعيه حول خصره ويحتضنه بقوة. بهيئة لا توصف إلا بأنه “كوالا بشرية”.
حتى أنه أخرج شفتيه بطريقة طفولية مصطنعة ليتظاهر بالبراءة، فعبس أصحاب السترات الصفراء من شدة الاشمئزاز.
عندها، احتضن جوون كتف نائب الفرع بلطف.
“لقد أخبرني وحدي قبل ستة أشهر عن قلقه هذا، لكن أعراض الخرف ازدادت سوءًا فجأة قبل يومين.”
“تقول إن سرًا خطيرًا كهذا لم يُخبر به أفراد عائلتنا في السنابل، بل كشفه لشخص يُدعى كيم تشول سو؟”
نطق تشويداي تو الاسم المزيف الواضح “كيم تشول سو” بتشديد متعمد.
فأجابه جوون متظاهراً بالأسى،
“كان قلقًا جدًا من احتمال أن يُطلب منه ترك منصبه كنائب. كما كان يخشى بشدة أن يسبب أي عبء للسيد.”
“آه..…”
“لذلك كنت أساعده بهدوء خلال الفترة الماضية، لكن حالته تدهورت فجأة بهذا الشكل…..وبعد يومين، سيجتمع مؤمنو فرع غواناك في المعبد يوم الثلاثاء، فأقلقني الأمر وجئت به بسرعة.”
نظر أصحاب السترات الصفراء لبعضهم خلسة، ثم وجهوا أنظارهم جميعًا نحو القائد.
كان الزعيم سادان جالسًا على المقعد العلوي في غرفة الاستقبال، مرتسمًا على وجهه ابتسامةٌ هادئة.
بدت ملامحه مسترخية، لكن نظراته الممتلئة بالانزعاج كانت مغروسةً بثبات في جوون.
فتكفل تشوداي تو بمهاجمته بدلًا عن الزعيم.
“لا يبدو أن حالة نائب فرع غواناك بهذا السوء..…”
في تلك اللحظة، شد جوون قبضته قليلًا على كتف نائب الفرع. وفورًا، نهض فجأة وكأنه دمية مزودة بنابض، وبدأ يتجول في أرجاء غرفة الاستقبال وكأنه جائع، يرفع يديه إلى فمه بالتناوب.
“أوهي! أوهيهيك! أوهاكييك!”
راح يُصدر أصوات قرد فقد عقله، يترنح هنا وهناك، ثم بغتةً أمسك برأس الزعيم وبدأ يعبث بشعره بعنف، ما دفع أصحاب السترات الصفراء إلى الجري نحوه على عجل وانتزاعه بصعوبة.
“أيها الرجل! ما الذي تفعله بحق
“هذا لا يبدو خرفًا…..بل جنونًا خالصًا..…”
“ربما يكون قد جن فعلًا. على كل حال، لم أكن أرافقه إلى المستشفى بنفسي.”
قال جوون ذلك وهو يمد يديه بحركة خفيفة، مشيرًا إلى أن يعيدوا إليه نائب الفرع.
وما إن عاد إلى أحضان جوون حتى هدأ تمامًا، كصغير كوالا صغير مطيع.
حينها فقط، تنهد أصحاب السترات الصفراء، ووضعوا أيديهم على خواصرهم في حيرة.
“هاه، يا له من موقف..…”
كان “نائب الفرع” يُعد بمثابة الممثل المباشر للزعيم في منطقته.
شخصيةٌ بالغة الأهمية، يتولى نيابةً عن الزعيم المتواري خلف الأسرار، مهمة الإرشاد للسكان، وينقل خطاب الزعيم أيام الثلاثاء بنفس النبرة والطريقة.
كان هذا النائب من فرع غواناك قد أمضى أربعًا وعشرين سنة في إدارة منطقة غواناك، وقد بنى خلالها علاقات متينة ومحكمة مع الناس هناك.
ولشخصية بهذه المكانة أن ينهار فجأة على هذا النحو..…
ابتسم الزعيم سادان بهدوء، ثم أومأ برأسه،
“فهمت. نائب غواناك أبلغكَ بمرضه لا لي أنا، ولا لأفراد عائلتنا، بل لشخص من الخارج فقط، أليس كذلك؟”
ابتسم جوون ابتسامةً خفيفة ورد بسخرية.
“لابد أنه أمر مؤسف بالنسبة لكم…..أن تكتشفوا أن رابطة المحبة العائلية العظيمة في السنابل ليست قويةً كما كنتم تظنون.”
ارتعشت أجساد أصحاب السترات الصفراء، وتيبست ملامحهم من شدة الغضب. لكن جوون واصل استفزازه دون تردد.
“حتى نظام الحماية في السنابل، الذي ظننتم أنه محكم، تبيّن في النهاية أنه لا يختلف كثيرًا عن نظام ويندوز XP البالي.”
“ما هذا الكلام؟!”
فدخول هذه الأراضي المسماة بـ”الخلاص” كان محكومًا بقواعد صارمة؛. و لا يُسمح بتحرك السفن إليها إلا في أيامٍ وأوقات محددة، وهي صباح الأربعاء والسبت فقط.
أما في غير تلك الأوقات، فلا يمكن الدخول إلا بموافقة أحد اثنين: الزعيم نفسه، أو تشوداي تو.
ومع ذلك، أبحرت سفينةٌ دون موافقة أي منهما، و وصلت فجأة إلى رصيف الخلاص، ونزل منها شخصان دون أن يُرفع تقريرٌ إلى الزعيم، واجتازا نقطة التفتيش دون عراقيل، ليجلسا الآن أمام الزعيم وجهًا لوجه.
بعد أن جلب معه نائب فرع غواناك وكأنه رهينة، مرتدياً سترةً إدارية صفراء. كان هذا بمثابة عرض عضلات صريح أمام أعين الزعيم، إعلانٌ ضمني يقول: “أنا أملك هذه القدرة، انظر بنفسك.”
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفة على طرف شفتي جوون.
“الآن، كل شيء يتوقف على ما سيفعله زعيمنا العزيز…..فقد تبقى السنابل هادئةً كما هي الآن،”
“…….”
“أو قد تتحول إلى صداع…..صداع كبييير جدًا.”
“صداع؟”
“نائب فرع غواناك أمضى اليومين الماضيين في كشف كل تفاصيل السنابل الداخلية، وقد قمت بتسجيل كل شيء.”
عند سماع كلمة “تسجيل”، ارتجف أصحاب السترات الصفراء وتيبست أجسادهم.
انحنى جوون قليلًا بجسده إلى الأمام، متحديًا الزعيم بنظرة مباشرة وثابتة.
“الرجل عاش في السنابل 24 سنة، ومرّ بكل صغيرة وكبيرة…..والمحتوى الذي قاله يبدو ممتعًا جدًا للنشر الإعلامي، أليس كذلك؟”
ارتعش فك الزعيم سادان قليلًا من شدة الغضب.
والفضل يعود إلى طبيعته العاطفية، فعلى الرغم من أنه يبدو كشخص قادر على التحكم بنفسه، إلا أن طبيعته الحقيقية كانت فظةً وقاسية.
ومع ذلك، ربما لم يصل إلى منصب “الزعيم” عن طريق الحظ، فقد ابتسم بلطف ظاهر، مرتديًا قناع الرحمة، ثم أشار إلى أصحاب السترات الصفراء بمغادرة المكان.
“يبدو أنني والسيد كيم تشول سو بحاجة إلى بعض الوقت الخاص معًا.”
***
جلست سيان على السرير وأرهفت السمع نحو الأصوات القادمة من الخارج.
هل سيكون جوون بخير؟ من المفترض أنه قد خرج الآن بعد لقائه بالزعيم…..
كيف دخل إلى هذه الجزيرة أصلاً؟
ربما استخدم ارواح الكوابيس، لا شك في ذلك. قهذا الهجوم المفاجئ وهذه الخطوات الخاطفة…..إنها تمامًا على طريقة تاي جوون.
بل في الواقع، لقد ساعدها على التسلل بسهولة مريبة منذ البداية.
ربما كان مخططًا منذ البداية أن يتبعها بخطوة متأخرة عمدًا.
“آه…..آهغ…..ها..…!”
فجأة، انبعثت تأوهاتٌ من الغرفة المجاورة. فتجمدت سيان وتوقفت عن التنفس.
تأوه؟ في هذه الأراضي السعيدة؟
“أه…..آهغ…..آه..…!”
ثم دوّى أنينٌ آخر من الغرفة المقابلة، قبل أن تبدأ الأصوات المتألمة تتعالى من مختلف أرجاء السكن في وقت واحد، أنينٌ باكي يملأ المكان.
آه…..الكوابيس؟
نعم، لا شك في الأمر. لا أحد غيرهم قادر على هذا.
نعم، هذا تمامًا على طريقة تاي جوون. رجل يتحرك بسرعة مخيفة فور أن تطأ قدمه الأرض.
وبحسب ما بدا من الأجواء…..فمن المؤكد أن هذه الليلة ستكون أليمةً على السكان.
ضربت سيان الوسادة ضربات خفيفة ثم ارتمت على السرير بتعب.
حتى لينكون، الذي ظل خلال الأيام الثلاثة الماضية متيقظًا أمام الباب، قفز فجأة إلى سريرها، ومدّ ساقيه براحة تامة.
فربّتت سيان على رأسه بحنان، ثم ضمّته إلى صدرها وقبّلته على جبينه.
ثم أغمضت عينيها ببطء بينما كان صراخ السكان يتعالى من كل اتجاه، وغفت بعدها بعمق للمرة الأولى منذ ثلاثة أيام، دون أن يساورها أي قلق.
***
“آهاهاهاها!”
خرجت ضحكاتٌ مشرقة كأشعة شمس يوليو الصباحية.
استيقظ سكان الجزيرة متأخرين قليلاً عن المعتاد، وبدأوا يتحركون بنشاط ويباشرون أعمالهم.
وأصوات الغناء والمحادثات اللطيفة التي تتردد في أرجاء القرية جعلت المكان يبدو كأنه خلاصٌ حقيقي.
لكن…..بينما كانت سيان تدهن الجدار بفرشاة الطلاء، أخذت تراقب السكان من حولها.
بالفعل، الأجواء اليوم مختلفة. حتى الحوارات العادية كانت ترافقها تغيّرات دقيقة، فالسكان الذين اعتادوا الإمساك بأيدي بعضهم أثناء الحديث، باتوا يتفادون التلامس الجسدي بوضوح.
و ما كان في الأيام الماضية يُقابل بعناق حار، اختُصر اليوم بمصافحة خفيفة تنتهي بسرعة.
كان الجميع يتحاشون التلامس الجسدي و كأنهم لم يعودوا يثقون ببعضهم البعض.
وكان هذا لأن جوون أطلق ليلة البارحة الكوابيس لتحفيز الذكريات المؤلمة لدى السكان.
فالزعيم في السنابل لطالما اعتبر التلامس الجسدي بين المؤمنين أمرًا بالغ الأهمية—الإمساك بالأيدي، العناق، اللمسات، والتربيت على الظهور—كلها وسائل لبناء ألفة قوية ضمن الجماعة.
لكن بما أن جوون حرّك أعمق الذكريات لدى الناس، فقد بدأ التردد يسود بينهم حتى في اجتماع الصلاة، عندما قيل: “دعونا نعانق من بجوارنا!”، إذ استمر التردد لأكثر من عشر ثوانٍ.
ومتى ما بدأ الناس يشعرون بعدم الارتياح تجاه أوامر الزعيم المطلقة، فإن الشرخ في إيمانهم يصبح قريبًا.
وإذا استمرت ظهور الكوابيس لبضعة أيام أخرى، فسيصبح هذا الشرخ واضحًا في أعين الجميع.
رفعت سيان صينية الطلاء وغيرت مكانها وهي تلقي نظرةً جانبية نحو جوون.
يا له من شخص جريء، صريح، وذو وجه لا يعرف الخجل…..فقد كان يتجول بين المؤمنين وكأن شيئًا لم يحدث.
ظنت أن الزعيم سيطرده صباحًا على أول قارب يغادر الجزيرة…..لكن بالنظر إلى هدوئه الواثق، لم يكن يبدو أنه سيرحل في اليوم أو اليومين القادمين.
أعادت سيان بصرها إلى الحائط وأكملت الطلاء. ولدهشتها، كان قلبها هادئًا تمامًا؛ فقط مجرد وجود جوون ضمن مدى رؤيتها كان كافيًا ليشعرها براحة غير معقولة.
“آهاهاها!”
صدح ضحكٌ مفاجئ من نساء كنّ يتحدثن مع جوون. ضحك يحمل نغمةً مختلفة عن المعتاد—مليءٌ بالدلال والإغواء.
لم تكن بحاجة حتى لأن تدير رأسها لترى تعابيرهن، فقد كانت تعرف تمامًا كيف تبدو وجوههن.
طبعًا…..فهو تاي جوون، ذو الجاذبية التي لا يضاهيه فيها أحد.
أسلوبه الخاص، وتعبيرات وجهه، ونظرات عينيه، وضحكته، وحتى إيماءاته البسيطة…..
رغم أنه كان يرتدي زيًا أصفر بسيط التصميم من الأعلى إلى الأسفل، إلا أن هالته الخطيرة التي تأسر الأنظار، وجاذبيته الشيطانية التي تسحر من حوله، كانت طاغيةً بكل وضوح.
خصوصًا تلك المفاصل التي تظهر من خلال القماش الخفيف، وتلك العضلات البارزة التي تنكشف بخفة كلما هبّت نسمة هواء، والكتفين والذراعين الجميلتين المكشوفتين بفعل طيّ الأكمام…..كل ذلك كان يشعل في نفسهم رغبة التقرب منه.
وليلة اليوم أيضًا، لا شك أن سكان الجزيرة سيحلمون بكوابيس أشد. فـ تاي جوون، حين يشرع في أمر، لا يتوقف حتى يصل إلى نهايته.
من الواضح أنه يهدف إلى تحطيم سلطة زعيم السنابل، البالغ من العمر 101 عامًا، عبر سلاح واحد فقط: الكوابيس.
____________________
جوون فلاوي جالس يضحك على معاناة غيره😭
مشاعر سيان يوم شافته عندها تجنن حتى رقدت يوم درت انه هناه ياناااااس زوجوهم🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 93"