أصدر لينكون صوتاً مهدداً وهو يكشف عن أنيابه البيضاء.
ذلك الوحش الأسود الذي يقترب من سيان كان ذا بنية ضخمة، ومن هيئته لم يكن كلباً بأي حال…..
إنه إنسان. كان بشراً.
ولكن هل هو حقاً إنسان؟ في لحظةٍ من اللحظات، بدا الأمر مريباً لدرجة أن هيئته التي كانت تنهض ببطء وسط الظلام، بدت كذئب متحول إلى إنسان.
الرجل الذي أمامها كان قد أنزل قبعةً صوفية سوداء ذات ثقوب لتغطي وجهه حتى العنق، وكان يتخفى بملابس سوداء بالكامل.
أسود. لون تراه لأول مرة في هذا “الخلاص”.
شعرت سيان بالخطر فاختبأت فوراً بين الصخور الكبيرة. لكنها كانت ترتدي ملابس خضراء فاتحة، فلم تستطع أن تختبئ بالكامل.
وما إن اقترب الرجل منها، حتى انطلقت سيان فجأةً من بين الصخور وركضت بسرعة باتجاه القرية.
كانت تخفض رأسها قدر الإمكان لإخفاء وجهها، وتحني جذعها لتبدو أقصر قامة.
كانت الصخور الزلقة بفعل الطحالب خطيرةً جداً، لكنها كانت تتنقل بخفة ورشاقة، تقفز من صخرة إلى أخرى وكأنها تطير.
قبضة-!
و فجأة، انقضّ عليها ثلاثةُ رجال من العدم وأمسكوا بذراعيها من الجانبين.
فتسارعت دقات قلبها من الرعب، لكن سيان لم تُصدر حتى أنيناً صغيراً. بل تحرّكت بخفة معهم. غير أنها كانت بالفعل قد وقعت بين أيديهم، وكانت قبضاتهم قوية لدرجة أنها لم تستطع الإفلات.
كروووه-!
قفز لينكون بعنف ودفع الرجال بلا تمييز.
‘لا!’
لينكون، لا تفعل!
لينكن كان مخلوق الاستدعاء الخاص بسيان، لكنه في الأساس كان كائناً روحياً. وكان مسموحاً له بإيذاء الأرواح المشابهة، لكن مهاجمة البشر تجعله فوراً يُعتبر روحاً شريرة.
ولو غضب وقام بعضّ إنسان دفاعاً عن سيان…..
“أمسكوا بها، بسرعة!”
وفي غمضة عين، خرج رجلان آخران من الظلام محاولين تطويقها.
ثم نادته سيان في رأسها: “لينكون!”، و اندفعت بخفة بين الرجال وتفادتهم بحركات رشيقة وسريعة.
ششخ-!
ظهر بريق مفاجئ لشفرة ساطع أمامها، ورجل كان يختبئ خلف صخرة ضخمة اندفع نحوها بخنجرٍ مسلول.
تجنبت سيان الطعنة بفارق ضئيل، ثم أمسكت بذراعه والتفّت حوله، لترميه أرضاً بحركة سريعة من حركات الدفاع.
“آهخ!”
الرجل الذي طُرح أرضاً أطلق صرخة ألم وهو يلوّي الجزء العلوي من جسده. ومن طريقة قبضته المستعجلة على معصمه، بدا واضحاً أنه أُصيب عند السقوط.
فاستغلت سيان تلك اللحظة وهربت تماماً إلى قلب الظلام.
***
الساعة الرابعة والنصف فجراً. ذهبت سيان إلى الحمّام المشترك وكأن شيئاً لم يحدث، ووقفت في الصف بين الناس، وعندما جاء دورها، ملأت المغسلة بالماء.
تظاهرت بالنعاس وتباطأت عمداً وهي تغسل وجهها، ثم سكبت الماء المستخدم في وعاء كبير وابتعدت إلى الجانب.
عندها، اقتربت منها ثلاث فتيات يزرعن الشمام، ووقفن إلى جانبيها كما لو كنّ بانتظارها.
“الصيف فعلاً صيف، لكن لا بد أن يكون بهذا الحر لنحصل على محصول وفير.”
“صحيح، الثمار لا تأتي من تلقاء نفسها.”
توجهت سيان معهن إلى القاعة الكبرى للمشاركة في اجتماع الصباح.
كانت القاعة لا تزال شبه مظلمة، ولكن الشموع المضيئة في أرجائها أنارت المكان، وكان المخلصون قد بدأوا تضرعهم بالفعل.
جلست سيان بهدوء بين صفوف النساء.
الرجال الذين هاجموها الليلة الماضية كانوا ذوي خبرة. أحدهم يقترب لدفع الفريسة نحو زاوية، بينما يختبئ الآخرون ليتسللوا ويقبضوا عليها، وإن أفلتت، يتكفّل الأخير الذي ينتظر في الخلف بطعنها.
لابد أنهم كانوا من أصحاب الملابس الصفراء، أي المشرفين.فمن المستحيل على أتباع العقيدة العاديين الذين يرتدون الأخضر الفاتح أن يخفوا ملابس سوداء وأقنعة مثل تلك.
المشكلة هي…..نية القتل.
الرجل الذي كان مختبئاً في النهاية وهاجم سيان بسكين، لم يكن يهدد فقط. بل كان ينوي قتلها.
لماذا؟
هل من الممكن أن تكون هناك جثثٌ لفتيات شابات مضرّجات بالدماء مخبأةٌ على ذلك الساحل الصخري؟
كون ذلك المكان “موقعاً للتخلص من الجثث” كان حدساً نابعاً من سنواتٍ من الخبرة.
فهل كان أولئك من الليلة الماضية حراساً لحماية تلك الجثث؟
لا، هذا مستبعد.
فلو كان الأمر مراقبةً فقط، لكان شخص واحد كافياً، وحتى لو دخل شخصٌ غريب إلى هناك، كان يمكنهم ببساطة طرده بذريعة “المنطقة محظورة”. لم يكن هناك داعٍ لقتله.
أيمكن أن…..أكون قد كُشفت؟
أم أن الأمر لا يزال آمناً؟
‘لا أعلم.’
إن كنت قد انكشفت، فهذه هي النهاية…..
لكن الوضع غامض وغير واضح، ولم تستطع سيان التخلص من شعورها المتزايد بالقلق.
نظرت حولها بحذر، لكنها لم تشعر بأن أصحاب الملابس الصفراء يراقبونها. ومع ذلك، كان قلبها ينبض بقوة و بعنف وكأنه يوجه لها إنذاراً.
ما قامت به سيان الليلة الماضية لم يكن تصرف فتاة مكتئبةٍ منطوية يعاني منها والديها. لقد قاتلت ببراعة ضد سبعة رجال، وهربت بمهارة أيضاً.
لو اكتُشف أن تلك الفتاة كانت “مين سارا”، فإن العواقب ستكون وخيمة. لا يمكن أن يُكشف أمرها مهما حصل.
“آه، كم هم جميلون!”
بينما كانت غارقةً في التفكير، انتهى اجتماع الصباح، وبدأ أطفال جوقة الترانيم بالصعود إلى المنصة.
في هذا الوقت، كانت القاعة الكبرى قد أشرقت قليلاً، وأصبحت وجوه الناس تُرى بوضوح.
وأثناء غناء الأطفال بأصواتهم النقية، ألقت سيان نظرةً سريعة على داخل القاعة.
يبلغ عدد سكان هذه الجزيرة من أراضي الخلاص 217 نسمة. من بينهم، لا يوجد سوى 32 رجلاً.
و من بين هؤلاء الرجال، سبعة فقط من ظهروا بالأمس…..
من؟ من يكونون؟
الإحساس الجسدي أثناء المواجهة كان يدل على أنهم في الثلاثينات إلى الأربعينات من أعمارهم.
أما الرجل الذي هاجمها في النهاية، فلا بد أنه أصيب في معصمه…..
توقفت عيناها لوهلة عند سادان.
سادان كان الرجل الأربعيني الذي رافقها حتى غرفتها في أول يوم وصلت فيه إلى أراضي الخلاص. لكنه كان يرتدي نفس زي الأتباع الأخضر الفاتح مثلها تماماً.
شعر سادان بنظراتها، فابتسم لها ابتسامةً خفيفة، ثم أعاد نظره إلى الأمام نحو الأطفال الذين أنهوا لتوهم أداء الترانيم على المنصة.
“أحسنتم يا أطفال! أبدعتم فعلاً!”
وقف سادان فجأة يصفق بحماس لتشجيع الأطفال….. لكن يبدو أنه أصيب في معصمه، فقد كان يضع دعامة طبية على يده اليمنى.
***
كانت سيان تدهن الجدار بفرشاة دون اهتمام، بحركات سريعة وعشوائية.
فقد أوكلت إليها مهمة طلاء جدران مقر الزعيم باللون الأبيض الناصع، كما عرض عليها تشيداي تو بالأمس.
ومع كل ضربة فرشاة، كانت تحدّق في الجدار الأبيض اللامع وتغرق في التفكير.
كان هذا اليوم الثالث منذ دخولها هذه الجزيرة. ولا يزال جهاز الاتصال الفضائي ثنائي الاتجاه لا يعمل.
قد يكون معطلاً فعلاً، أو ربما هناك شيءٌ في هذه الجزيرة يعطل الإشارات عمداً.
لكن المشكلة هو سادان. فمن هاجمها لم يكن أحد أصحاب الملابس الصفراء، بل كان من أتباع الطائفة العاديين بالزي الأخضر الفاتح.
إن كان كذلك، فقد يكون الأمر مجرد اعتداءٍ من بعض الرجال الأتباع الذين استهدفوا فتاةً شابة.
رغم أن سكان الخلاص يُقال أنهم لا يملكون رغبةً في النساء، إلا أن رجال هذه الأراضي ليسوا كذلك.
ومع ضيق الغرف الفردية في هذه البيوت الجاهزة، حيث يُسمع حتى تنفّس من في الغرفة المجاورة، لا مجال لفعل شيء، كما أن جميع النساء في هذه الجزيرة هن من المتشددات في إيمانهن.
لذا، لو كان الهجوم الليلة الماضية بدافع إشباع الرغبة فقط، لكان الأمر بسيطاً إلى حدٍّ ما…..لكن نية القتل التي شعرت بها كانت حادّة جداً، لا يمكن تجاهلها.
“يجب أن تدهنينه بشكلٍ أجمل!”
سمعت صوتاً يُدلِي بملاحظة إلى جانبها، وإذا بستة أطفال من جوقة الترانيم قد جلسوا القرفصاء قرب سيان.
تعلّق بها الأطفال من الأمام والخلف، يلتفون حول عنقها بحميمية وهم يلحّون بدلال.
أطفال الخلاص لم تكن لديهم أيّة مشاعر حذر تجاه الآخرين، ولعل السبب أن كل بالغ يقابلونه يحتضنهم ويدلّلهم بمحبة.
كانوا كالصيصان الصغيرة، يزقزقون من كل جانب، وأصواتهم الطفولية اللطيفة أثارت في سيان ابتسامةً تلقائية.
“لأنّ الطلاء مُتعب! سنغنّي لكِ نشيداً تشجيعياً!”
أخذ الأطفال، الذين كانوا يثرثرون بحيوية، يغنون لسيان وحدها. بوجوههم التي تشبه وجوه الملائكة حقاً.
ثم مدّت سيان يدها تمسح وجناتهم الصغيرة بحنان بعد انتهائهم من الغناء.
“لقد منحتُموني طاقةً كبيرة…..شكراً لكم. هل درستم الرسم اليوم أيضاً؟”
“نعم!”
وأخرج كل واحدٍ منهم رسمةً ملوّنة بصورة مشوّهة قليلاً لمشهدٍ من الكتاب المقدّس، يرفعها بفخر أمامها.
هؤلاء الأطفال، حتى البارحة، كانوا يرفعون رسوماتهم كلّما قابلوا أحد الكبار، فيُغدِق عليهم الراشدون كلمات الإعجاب والدلال. و سيان بدورها أثنت على كل رسمة من رسومات الأطفال الستة، واحدةً تلو الأخرى.
وكانت من بينهم فتاة تُدعى إيليان، صغيرة القامة ونحيلة جداً على نحوٍ لافت.
ومن أحاديث الأطفال المتبادلة، سمعت أنها مصابةٌ بمرض في رئتيها، وقد تم تحديد موعدٍ لعملية جراحية لها، وستُنقل إلى مستشفى في اليابسة خلال هذا الشهر.
من حسن الحظ أنها لم تُترك لتُشفى بما يسمونه “الطاقة الروحية للزعيم”.
لفت نظر سيان دميةً قماشية كانت إيليان تحتضنها بحرص، رغم أنها لم تكن جذّابة كثيراً؛ كانت دميةً لطائر البجع، ولا تبدو لطيفة بما يكفي لتجذب طفلة. ومع ذلك، كانت تحضنها منذ اليوم الأول دون أن تفارقها.
فتحدّثت سيان بلطف،
“يا لها من دمية لطيفة. ما نوع هذا الطائر؟”
“ليست طائراً! إنه الزعيم!”
قالت إيليان ذلك وهي تضمّ الدمية إلى صدرها بشدة أكبر.
يبدو أن الطفلة ترى في تلك الدمية تمثيلاً لزعيم الطائفة، وتتشبث بها وكأنها تتشبث به شخصياً.
ابتسمت سيان ابتسامةً خفيفة، وتابعت الحديث معها.
“أنت تحبين الزعيم كثيراً، فلا بد أنكِ تفتقدينه لأنكِ لا تستطيعين رؤيته كثيراً، أليس كذلك؟”
“هممم؟”
مال الأطفال جميعاً برؤوسهم في دهشة وكأنهم لم يفهموا السؤال، ثم أجابوا ببراءة تامة، وكأنهم يصرّحون بأمر بديهي،
“لكننا نراه كل يوم.”
“ماذا؟”
“إنه هنا الآن. هناك، انظري.”
رفع أحد الأطفال يده إلى مستوى صدره، ثم مدّها نحو اليسار وأشار إلى جهةٍ بعيدة.
خفق قلبها. و في تلك اللحظة، شعرت بقشعريرة باردة تجتاحها، كأن قلبها غاص فجأة في برودة عميقة.
قبل أن تدير رأسها، كانت الرعشة الباردة تسبق الحركة.
آه…..هل هذا هو؟
“البجع.”
نعم، ذلك الرجل هو “الزعيم” بالفعل.
في منتصف الشتاء، عندما ينعدم الطعام، يقوم طائر البجع بجرح صدره لينزف دمه ويرضع صغاره، وهو رمز “المخلص”، ومنذ عهد مملكة كوريه في كوريا، كان هذا الطائر يُمثّل هذا المعنى…..
سادان.
كان يُدعى سادان.
___________________
احااا؟ سادان الزعيم!😭
البزران يجننون حرام يقعدون هنا بيكبرون وهم نفسيتهم مريضة
المهم معليش على التأخير بس ذاه موسم الاعراس 🥲
مب انا المعرسه لا، الي حوليني يعرسون
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 91"