“آنسة مين سارا، تفضلي بالجلوس على الأريكة المقابلة.”
أرشدت إحدى التابعات سيان إلى غرفة الاستقبال في الطابق الأول من مقر الزعيم بابتسامةٍ مشرقة.
فانحنت سيان برأسها ثم دخلت الغرفة مترددة.
نبض- نبض-
في اللحظة التي رأت فيها الرجل جالسًا وظهره نحوها على الأريكة، بدأ قلبها ينبض بسرعة. فقد كانت تفكر مطولًا في كيفية لقاء الزعيم، لكنه هو من استدعاها أولًا.
ربما يُسمح للتابعين الذين دخلوا الخلاص بلقاء الزعيم كلٌّ على انفراد مرة واحدة، أو ربما قرر مقابلتها لأنها مرشحة من قِبل مين كي شيك.
أيًّا كان السبب، فلا يمكن تفويت هذه الفرصة.
نظرت سيان نحو الرجل واقتربت منه ثم جلست على الأريكة المقابلة.
***
“هل وجدتِ أي صعوبة خلال يومكِ الأول في أراضي الخلاص؟”
سألها الرجل الخمسيني بلباسه الأصفر بلطف.
و للأسف، لم يكن الشخص الذي قابلته في غرفة الاستقبال هو الزعيم، بل كان مدير أراضي الخلاص والمكلّف بقيادة التجمع الصباحي، وطلب منها أن تناديه بـ”تشيدو تو”.
تمتمت سيان بإجابات خافتة وسط أجواء يغلب عليها التردد.
“الاستحمام…..كان صعبًا قليلًا.”
“هاها! لا بد أنه كذلك. تريدين أن تغمري جسدكِ في الماء لكن لا يوجد سوى الدُش، أليس كذلك؟ والعيش الجماعي أيضًا ليس مريحًا.”
“أه، نعم..…”
“لا بأس أن تكوني صريحة. فنحن جميعًا هنا كالعائلة. ولا نخفي شيئًا عن العائلة، أليس كذلك؟ قد نتشاجر أحيانًا، لكن بما أننا عائلة، فمن السهل أن نتصالح.”
“نعم..…”
“لو كانت عائلة العالم الخارجي مرتبطةٌ بالدم، فنحن عائلة حقيقية مرتبطة بالأرواح. سأحرص على توفير أقصى درجات الراحة لكِ، لذا لا تترددي في طلب أي شيء وقت الحاجة. حسنًا؟ و لا يوجد من يزعجكِ، صحيح؟”
“آه، لا، الجميع لطفاء جدًا….”
“أليس كذلك؟”
ابتسم تشيدو تو برضا وأكمل حديثه.
“أحبي نفسكِ، و الأناس من حولكِ. هذه من أهم الوصايا التي يؤكد عليها الزعيم.”
“آه..…”
“لكن العالم لا يجعل ذلك سهلًا، أليس كذلك؟ أن يحب الإنسان نفسه، أو أن يثق بالآخرين ويحبهم. فحين تعاملين الآخرين بحسن نية، يظهر الشياطين الذين يستغلونكِ ويعاملونكِ كأداة.”
“صحيح.”
“لهذا السبب نحن نمارس طقوسنا بهدوء، فقط بيننا، حتى نصبح قادرين على حب أنفسنا والآخرين. ففي سنابل القمح، لا يمكن لأحد أن يُجرح.”
“…….”
“نحن لا نُدخل معنا إلا من تم اختيارهم، الطيبون، و أولئك القادرون على المحبة المتساوية. آه، أنتِ لستِ من أتباعنا بعد، صحيح؟ ولا تعرفين تعاليمنا جيدًا.”
“نعم…..أمي فقط طلبت مني أن أذهب.”
“هل السيد مين كي شيك قريبٌ بعيدٌ لكم؟”
“لا أعلم…..رأيته لأول مرة بالأمس…..أعتقد أن أمي طلبت منه ذلك…..من قبل أيضًا، بسببها، عشتُ في معبدٍ في الجبل لمدة شهر؟ لكن شعرت بالاختناق، ولم يناسبني أبدًا.”
“فهمت.”
ربت تشيدو تو على كتفها بلطف.
“إن كنتِ مجروحةً أو متعبة، فخذي وقتكِ للراحة هنا. نحن لا نفرض الإنصياع أبدًا. فقط، إن خطرت لكِ في المستقبل دفء عائلة سنابل القمح فجأة، يمكنكِ حينها التفكير جديًا في الأمر.”
***
خرجت سيان من مقر الزعيم ونفخت بقوة لتزيح خصلات شعرها المنسدلة عن وجهها.
لم يكن هناك شيءٌ في الطابق الأول من مقر الزعيم. لا هاتف، لا تلفاز، لا راديو، لا أجهزة اتصال، لا شيء على الإطلاق.
ربما لو صعدت للأعلى ستعرف ما يوجد هناك…..
وكان وجود الفانوس مفاجئًا. لكن، منطقيٌ أيضًا، فمن أجل القيام بالحراسة ليلًا لا بد من وجود فانوس.
“نحن لا نُدخل معنا إلا من يستطيع أن يحب الجميع على قدم المساواة.”
كان كلامًا فارغًا يبعث على السخرية.
مررت سيان أطراف أصابعها على راحة يدها. فقد كانت لا تزال تحتفظ ببعض البرودة والرطوبة بعد أن ظلت تمسك بكأس الكولا المملوءة بالثلج.
في حين أن التابعين كانوا يلهثون تحت شمس يوليو الحارقة دون حتى مروحة، بدا أن الزعيم والمرتدين الثياب الصفراء يقضون صيفًا لطيفًا ومنعشًا.
‘حقًا، أي حب متساوٍ هذا؟’
***
كانت الحياة على الجزيرة بسيطةً ورتيبة.
و ربما كان السبب هو التوقعات التي يزرعها اسم “الخلاص”. توقعت أن يغسلوا ملابسهم يدويًا لعدم وجود غسالة، لكن وجود الصابون كان مفاجئًا.
في الواقع، ظنت أنهم يصنعون الصابون والمنظفات ومعجون الأسنان وورق الحمام من مواد طبيعية، لكنهم كانوا يستخدمون منتجات من شركات صغيرة معروفة نوعًا ما.
“هاهاهاها!”
أصغت سيان قليلًا إلى ضحكات تتردد في أرجاء القرية.
كان سكان الجزيرة يقضون معظم ساعات يقظتهم في العمل، والرقص، والغناء بسعادة.
و حتى الآن، ما إن بدأ أحدهم بالغناء حتى خيم الهدوء للحظة، قبل أن يتبع ذلك غناءٌ جماعي مبهج.
وكانت الابتساماتٌ مشرقة على وجوه من يحصدون الخضار من الحدائق منتشرة. و أطفالهم يركضون ويلعبون بفرح. و رجالٌ يصلحون السياج. و من يربون الدجاج والبط، كلهم بدَوا طيبين.
السيدة التي أحضرت البطيخ في وعاء محكم كانت قد بدأت بالفعل بمساعدة الآخرين في العمل بالحديقة. كانت تلتقط الخيار والفلفل الأخضر وتضعها في السلة بحركة ماهرة تدل على خبرة.
و حتى ذلك الممثل الذي وصل معهم إلى الجزيرة، بدا وجهه مشرقًا بعد يومين فقط.
في هذا المكان، حتى العمل من أجل الاكتفاء الذاتي كان يُعدّ قربانًا يُقدَّم للسماء، فالمحبة كانت تتدفق في كل زاوية بصدق.
كان السكان يتحدثون بابتسامة لكل من يمر بهم، حتى وإن كانت كلمات قليلة.
وكانوا يبدون لطفًا خاصًا تجاه الأطفال والمراهقين، إذ لا يمر أحدهم دون أن يمسكوا بيده، أو يضموه، أو يربتوا على خده مبتسمين.
وعن طريق حديث عابر، سمعت أن أحد المراهقين كان يعاني بشدة من التنمر في المدرسة، لذا أرسله والداه إلى هذه الجزيرة، إلى جانب الزعيم.
لكن من كان سيصدق؟ فهو لا يكف عن الضحك والمرح، حتى يبدو الأمر مفاجئًا لوالديه.
لكن، من يعلم؟ فعناقٌ دافئ وكلماتٌ طيبة قادرة على شفاء الكثير.
ومع ذلك…..منذ أن علمت أن اسم “سنابل القمح” له علاقة بالأفاعي، لم تستطع التخلّص من شعور النفور.
فهؤلاء المراهقون، بعد بضع سنوات فقط، سيصبحون في نفس عمر كيم يون-وو، التي قُدِّمت كقربان في الفيديو المصوّر بالكاميرا.
“كيم يون-وو؟ كانت أحيانًا تهذي بكلام غريب. تقول أنها ثمرة الحياة الأبدية أو شيءٍ من هذا القبيل؟ وأنها قريباً ستذهب إلى النعيم قبل أن تتم الخامسة والعشرين.”
“عندما يعثرون على توائم داخل الرحم، يقومون بتجنيد الأهل وتحويلهم إلى أتباع متحمسين، ويُربَّى الطفل المستهدف منذ ولادته على الخضوع، ليُصبح قربانًا في النهاية. حقًا، يضربون عصفورين بحجر واحد. إنهم أناسٌ يعرفون كيف يستثمرون كل شيء.”
لهذا كان من الضروري التحقق مما إذا كان أيٌ من أطفال جوقة الترانيم العشرة من التوائم داخل الرحم.
وحين يبدأ جهاز الاتصال بالأقمار الصناعية ثنائي الاتجاه بالعمل، سيكون الوقت مناسبًا.
***
عند غروب الشمس. جلست سيان بهدوء على مائدة العشاء.
كانت قد قضت النهار تتجول حول الحقول والمخازن وورشة النجارة بحجة البحث عن عمل.
القرية بدت مفهومةً إلى حد ما، لكن المشكلة الحقيقية كانت مقر الزعيم. فلم يكن يُسمح بالدخول إليه إلا بدعوة خاصة، أما التنظيف الداخلي فكان من مهام أصحاب الملابس الصفراء، الذين ينتمون إلى مستوى الإدارة.
حتى إدخال لينكون لم يكن مسموحًا. فقد تم تثبيت ختمٍ قوي يمنع دخول الأرواح إلى مقر الزعيم. و كان ذلك الختم من مستوى يقارب “أوتيس”.
لكن لماذا؟
الأرواح الموجودة على هذه الجزيرة، في أفضل الأحوال، مجرد أرواحٍ تائهة ضعيفة، بالكاد تتسبب بشلل النوم عندما تضعف طاقة الشخص…..فلماذا تم تثبيت ختم بهذه القوة؟
وبينما كانت تشعر بالحيرة من كل شيء، اقترب منها مدير هذه الأرض، تشيدو تو، وسألها،
“هل تودين طلاء الجدار الخارجي لمقر الزعيم؟”
بالطبع يجب أن تفعل. فهذا هو العمل الوحيد الذي يتيح لها التجول حول مقر الزعيم دون إثارة الشكوك.
سكان هذه الجزيرة لديهم شبه هوس بطلاء كل مبنى بالأبيض. خصوصًا المبنى الذي يقيم فيه الزعيم، حيث يُمحى منه أي تلوث مهما كان صغيرًا، بعناية شديدة تشبه الهوس بالنظافة.
“سأحاول…..تجربة ذلك.”
تظاهرت بالتردد وأومأت برأسها ببطء، فابتسم تشيدو تو برضًا.
“إذا شعرتِ أن الأمر متعب، أخبريني، سأبدّله لكِ بعملٍ آخر. إذاً، سأترك الأمر لكِ بدءًا من صباح الغد.”
***
شششش- تلاطم-
كانت الجزيرة ليلاً مظلمةً بشكل مخيف، و لا يُسمع فيها سوى هدير الأمواج الصاخبة من كل جانب.
بعد العشاء، قالت سيان أنها ستذهب للنوم مبكرًا وغادرت المائدة، لكنها لم تذهب إلى المسكن. فلو دخلت إلى المسكن، حيث يمكن سماع حتى صوت التثاؤب في الغرفة المجاورة، سيكون من الصعب التسلل خلسة دون أن يلاحظ أحد.
لذا، بدلاً من ذلك، اختبأت على شاطئ صخري واسع يبعد حوالي 200 متر عن مقر الزعيم، و تنتظر أن يشتد الظلام.
“سنقوم بإطفاء الأنوار!”
الساعة التاسعة مساءً. بدأت سيان تتحرك بخفة وحذر، تخطو فوق الصخور بصمتٍ قدر الإمكان.
في وقت سابق من اليوم، وبينما كانت تخرج من مقر الزعيم بعد حديثها مع تشيدو تو، مرّت بنظرة خاطفة على السبورة البيضاء المعلقة على جدار غرفة إعداد الشاي.
<الساعة 4 فجرًا، شاي سيلان، غرفة النوم.>
<الساعة 2 بعد الظهر، بعد القيلولة، شاي أخضر، قوي، غرفة الاستقبال.>
<الساعة 9:10 مساءً، شاي الخس، غرفة الاستقبال.>
كانت هذه هي التعليمات المكتوبة على السبورة. و لا شك أن هذه الأنواع من الشاي مخصصةٌ للزعيم.
وفقًا لتلك التعليمات، بعد عشر دقائق فقط سينزل الزعيم إلى غرفة الاستقبال في الطابق الأول. غرفة الاستقبال التي تحتوي على نوافذ زجاجية كبيرة و تسمح برؤية الداخل بسهولة من الخارج.
كانت هذه فرصةً ذهبية لرؤية وجه الزعيم الغامض والمكتنف بالسرية.
“كرررر.”
فجأة أطلق لينكون صوت تنبيه. فرفعت سيان نظرها فورًا.
“الأرواح.”
وقفت الأرواح متناثرةً على الشاطئ الصخري المظلم. بوجوهها القاتمة ذات اللون الأزرق، وأرجلها الحافية التي تتقطر دمًا…..
كانت هؤلاء النساء الشابات اللاتي كن يرتدين الفساتين البيضاء والواقفات أمام باب غرفة سيان طوال الليل الماضي.
حدّقن في سيان بلا حراك، ثم مدّ سبع منهن أذرعهن معًا وأشرن إلى نقطة في الظلام.
“موت..…”
قبل أن تتبدد همسات الأشباح، أطلق لينكون صوتاً قوياً مجددًا.
“ما الأمر؟”
رغم أن سيان لا تملك مسدسًا لصيد الأرواح، إلا أن هذه الأرواح يمكن لـ لينكون أن يتعامل معها وينهيها خلال ثلاثين ثانية.
“آه…..”
هل كان صوته تحذيرًا من شيء آخر؟
نظرت سيان بسرعة نحو الأسفل.
كان الشاطئ الصخري مظلمًا كالزجاجة المملوءة بالحبر. ومن بين ذلك الظلام الحالك، تحرك شيءٌ ببطء وبخفة.
كان ذلك كائنًا بريًا.
وحشًا أسود مشؤومًا، كان يختبئ في الظلام، يقترب منها بخلسة دون أن تشعر.
__________________
يمه وش ذاه بعد
لايكون عشان كذا حطوا جهاز يمنه الارواح عند كبنى الزعيم😀
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 90"