استقبل سكان الجزيرة الذين كانوا ينتظرون عند مدخل القرية الزوار بابتساماتٍ مشرقة.
كانت الغالبية من النساء الشابات يرتدين أرديةً خضراء فاتحة اللون خاصةً بالأتباع العاديين، أما القلة القليلة من الرجال والنساء بالملابس الصفراء فيبدو أنهم المسؤولون.
“أهلًا وسهلًا بكم!”
اقترب ستة أطفال في حوالي الخامسة أو السادسة من العمر بخطى متعثرة، وقدموا باقاتٍ من زهور الحقل، ثم قفزوا بلا تردد مطالبين أن يُحتضنوا.
عدد السكان……يبدو أنه يزيد قليلًا عن 200 شخص.
راح سكان الجزيرة يحتضنون الزوار واحدًا تلو الآخر بحرارة، و يربتون على ظهورهم مرددين: “أحسنتم بالمجيء.”
أحد المشاهير الذين رافقوا المجموعة تأثر حتى اغرورقت عيناه بالدموع، ثم أخذ يلهث بأنفاس عميقة كمن شعر أخيرًا أنه يستطيع التنفس.
“لابد أنكم تعبتم من الطريق الطويل، هيا، لنرتح اليوم قليلًا.”
تحدث رجلٌ في الأربعين من عمره كان يرتدي الرداء الأخضر الفاتح وقدّم نفسه باسم “سادان” و تقدم ليقود الطريق إلى أماكن الإقامة.
وقد حظيت سيان بغرفةٍ قريبة من مبنى الزعيم، كانت الغرفة الأولى عند المدخل، صغيرةً للغاية وبسيطة، لا تحوي سوى سريرٍ فردي واحد.
ناولها سادان استبيانًا من نحو خمسين صفحة مع قلم أسود.
“اليوم، تجولوا في أراضي الخلاص وكأنكم في بيتكم، و تحدثوا براحتكم مع الإخوة والأخوات، لكن فقط سلّموا هذا الورق بحلول مساء الغد.”
ثم تعمّدت سيان أن تتلعثم وتُسقط نهاية الجملة.
“المعذرة……الحمّام……”
“آه! إذا خرجتِ من هذا المبنى واتجهتِ يسارًا لمسافة عشرة أمتار فقط، فستجدين حمّامًا مشتركًا هناك……”
و استغل سادان الفرصة ليشرح أيضًا موقع قاعة الطعام العامة.
بطبيعة الحال، كانت سيان تتوقع مسبقًا مكان الحمّام والمطعم. ففي الأيام الخمسة الماضية، كم من مرة قلّبت صور الأقمار الصناعية ودرستها بدقة.
حتى أنها تعرف تمامًا في أي ساعة يستيقظ السكان، ومتى يتحركون، ومتى يتصرفون بشكل فردي، ومتى يتحركون كمجموعة. و تعرف عدد الخطوات بين هذا المبنى وذاك.
لقد زرعت صورة الجزيرة كلها في رأسها، متخيلةً نفسها هناك مسبقًا. و سؤالها عن الحمّام لم يكن إلا وسيلةً لتُظهر نفسها كشخصية سلبية، متوترة، وانطوائية، لتجسّد شخصية “مين سارا” الجديدة، ولتبدو كوافدة جديدة مترددة.
أثناء استماعها لشرح سادان، تعمّدت سيان أن تعبث بالاستبيان وتجعله يبدو مكرمشًا، وكأنها مضطربة وغير مركّزة.
فابتسم سادان بلطف حين رآها، ثم خرج من الغرفة وأغلق الباب خلفه.
“ارتاحي أولًا، حسن؟ نراكِ وقت العشاء.”
بمجرد أن أصبحت وحدها، بدأت سيان بتفقّد الغرفة بخبرة.
لا توجد كاميرات مراقبة……هذا مؤكد.
ثم طرقت بإصبعها بخفة، طق، طقطق، طق- على جهاز الاتصال الفضائي ثنائي الاتجاه المثبّت خلف أذنها اليسرى مثل قطعة من الجلد، وأرسلت إشارةً إلى العميلة “G”.
انتظرت لعشر ثوانٍ، لكن بما أنه لم يصلها أي رد……فإما أن تقرير “تسلل لي سيان إلى جزيرة سنابل القمح” لم يُرفع بعد إلى الرئيسة، أو أنه رُفع بالفعل، لكن المكتب الرئيسي في أوتيس روما لم يمنح الإذن بعد باستخدام الاتصال الفضائي، أحد الأمرين لا ثالث لهما.
يبدو أن عليها الانتظار قليلًا قبل استخدام جهاز الاتصال.
لم يكن هذا الأمر صادرًا من القيادة العليا. بل إن سيان و جوون تسللا إلى الجزيرة بشكل مفاجئ، ثم طلبا الموافقة لاحقًا كإجراء شكلي، لذا، وبغض النظر عن نتائج المهمة، كان عليهما الاستعداد لتوبيخ قاسٍ.
جلست سيان على طرف السرير الفردي وبدأت تتصفح الاستبيان الذي استلمته للتو.
كان مليئًا بأسئلة تفصيلية: الاسم، الجنس، العمر، العنوان، العلاقات الأسرية، وحتى الأصدقاء والعمل.
وفوق ذلك……هل لديكِ مؤخرًا مشكلات مالية؟ كم تبلغ مصاريفكِ الشهرية؟ وأين تُنفقين هذه المصاريف؟
موعد الدورة الشهرية……وإذا زرت الطبيب خلال الأشهر الثلاثة الماضية، فما السبب؟
استبيانٌ يليق تمامًا بجماعة دينية مشبوهة.
أن تسأل عن الدخل الشهري بشكل مباشر قد يثير النفور، لذا يفضلون سؤالًا غير مباشر عن المصاريف الشهرية. ومن خلال تلك المصاريف يمكنهم أن يقدّروا مقدار ما يملكه هذا العضو، ومقدار ما يمكن أن يُنتَزَع منه، ويحسبون بدقة حجم التبرعات الممكنة.
كتبت سيان في خانة المصاريف: “لا أعرف.” وأضافت أنها لا تعمل، وتعيش من إيجارات عقاراتها وأرباح فوائد مدّخراتها.
أما الستة الذين دخلوا معها الجزيرة على متن القارب، فكانوا جميعًا من الأثرياء.
أثرياءٌ إلى درجة أنهم إذا تناثرت قطرات من عصير البطيخ على ساعاتهم الفاخرة التي تُقدَّر بثلاثين مليون وون، فلا يعيرونها أدنى اهتمام ويكتفون بنفضها بلامبالاة.
أما الانطباع الأول عن أراضي الخلاص، فكان “نظيفة”……و”هادئة”.
البيوت البيضاء الجاهزة كانت ناصعة البياض لدرجة تُؤلم العين، ويبدو أنهم يدهنونها بشكل منتظم ومتكرر.
وبين هذا البياض الساطع، تفتحت الأزهار والأشجار الملونة كما لو كانت من النعيم.
في سكونٍ يشبه توقّف الزمن، كانت الضحكات تنبعث من هنا وهناك، مشرقةً في هدوء المشهد. ومن حينٍ لآخر، كانت تُسمع أغاني الكنيسة.
“آنسة مين سارا، أهلًا وسهلًا!”
كان كل من يراها من السكان يبتسم لها ابتسامةً عريضة ويحيّيها بحرارة.
و لم يكن في تلك الابتسامات الصافية أي شائبة من تصنّع، بل بدوا صادقين في فرحتهم بقدومها، يرحّبون بها بكل صدقٍ وبهجة.
كان أغلب سكان الجزيرة يرتدون زيًّا قطنيًّا أخضر فاتحًا مشابهًا لما ترتديه سيان، وجميع الأتباع كانوا يعرفون اسم “مين سارا” مسبقًا.
قالوا أن أسماء السبعة الذين كان من المقرر أن يدخلوا الجزيرة اليوم، ذُكرت مرارًا في صلوات الأيام الثلاثة الماضية، ولهذا كانوا ينتظرونهم بشوق ولهفة لمعرفة من هم القادمون.
وبعض الأتباع اقتربوا منها فجأة،
“أنتِ الآنسة مين سارا، أليس كذلك؟ كم تمنّينا رؤيتكِ!”
ثم احتضنوها بحميمية من دون مقدمات.
كانت سيان تتظاهر بالدهشة والانبهار وهي تتجول في أرجاء القرية.
أكبر مبنى كان قاعة الاجتماعات، وأعلى مبنى هو مقر الزعيم الروحي.
وكما هو الحال في سائر المجتمعات الدينية المنغلقة، لم تكن هناك منازل عائلية منفصلة، فالكل يعيش كـ”عائلة واحدة”، فلا وجود للأزواج أو الحياة الزوجية هنا، وحتى تربية الأطفال تُدار بشكل جماعي.
“آنسة مين سارا! تفضلي تذوّقي هذا الشمّام.”
ثلاثٌ من النساء في حقل الشمّام نادينها، وقدّمن لها قطعةً مشذبة بعناية. فترددت سيان قليلًا، ثم عضّت طرف القطعة بحذر.
“أوه، الطعم……”
“لذيذ، أليس كذلك؟”
“نعم……إنه حلوٌ جدًا……”
وما إن أبدت دهشتها من الطعم، حتى انفجرت النساء الثلاث بضحكةٍ مرحة مليئة بالسعادة.
“أنا أيضًا في أول مرة تذوّقته شعرت بدهشةٍ كبيرة. في أراضي الخلاص، كل شيء له طعم غني وممتلئ. لدرجة أنكِ إذا خرجت من هنا وعدت إلى العالم الخارجي، ستجدين طعامهم بلا نكهة، مهما أكلتِ.”
وكان الطعم في الواقع مذهلًا فعلًا. لكن الأمر الأغرب أن الأتباع بدوا سعداء فعلًا، وهذا ما أثار دهشة سيان.
فعادةً ما تكون الجماعات الدينية المتطرفة كالعصر الحجري، تعصر أتباعها حتى آخر قطرة كما يُعصر المنشفة الجافة، لكن هؤلاء كانت وجوههم مشرقة، ونظراتهم مملوءةً بالبهجة، وصحتهم تبدو جيدة.
ثم تمتمت إحدى النساء مازحة،
“أحيانًا أشتاق لطبق من الرامن.”
“رامن حار……لذيذٌ فعلًا! أما أنا فأحيانًا أشتاق لأقدام الدجاج الحارة!”
فسارعت سيان للتدخل في الحديث،
“الرامن……ألا يُسمح بتناوله هنا؟”
فانفجرن مجددًا بضحكات مرحة.
“في أراضي الخلاص، نحن نعتمد في طعامنا على ما نزرعه ونرعاه بأيدينا، لذا في البداية قد يكون الأمر صعبًا قليلًا.”
“آه……”
“لكن عندما أقدّم للسكان ما زرعتُه بيدي، ثم آكل منه الشيء نفسه……فلا شيء في الدنيا يمنحني هذا القدر من الشرف والرضا.”
كان في نبرتها فخرٌ وامتنان غامر.
و بدأت النساء بتقشير المزيد من الشمّام لها، وأخذن يشرحن لها بلطف تفاصيل كثيرة.
قالوا أنهم هنا في سنابل القمح، خطاب الزعيم لا يُلقى إلا مرةً واحدة في الأسبوع. في كل يوم أحد، خلال السابعة مساءً.
حين يُلقي الزعيم خطابه في أراضي الخلاص مساء الأحد، يُعاد الخطاب نفسه صباح الثلاثاء في جميع قاعات الكنيسة على مستوى البلاد، حيث يرددها الكاهن في كل منطقة، تمامًا كما قالها الزعيم.
وبما أن مدة الإقامة في هذه الجزيرة محددة بأسبوعين، فستتاح لسيان الفرصة لرؤية الزعيم مرتين فقط.
عادةً ما تسعى الجماعات الدينية المتطرفة إلى إظهار الزعيم قدر الإمكان لجذب الأتباع وإحكام السيطرة عليهم، لكن زعيم سنابل القمح……لماذا يخفي نفسه بهذا الشكل المتطرف؟
عندها ومضت في ذهنها صورةٌ من دفتر رسومات كيم يون وو: رسمٌ لرجلٍ نصف عارٍ.
الرسم كان مخطّطًا بخطوط سوداء عشوائية، ولم يكن من الممكن تمييز وجه الشخص فيه.
هل يمكن أن يكون لهذا الرسم علاقةٌ بالزعيم؟
كل شيء لا يزال غامضًا حتى الآن.
“نحن لا نفرض لا الانقياد ولا التبرعات، ولهذا نشعر بالحرية من عدة جوانب. وإذا شعرتِ بأي ضيق أو تعب، يمكنكِ دائمًا التحدث مباشرة مع الكاهن في منطقتكِ.”
تبادلت النساء النظرات بابتسامات مشرقة.
“في الحقيقة، نحن نغني أكثر مما نتمنى……”
“الزعيم قال لنا أن الأماني هي طلب، أما الغناء فهو سعادة.”
“ولكي تصل أمانينا إلى السماء كبهجة خالصة، نحن نغني دائمًا من قلوب سعيدة وصادقة.”
***
أما العشاء، فقد تناولوه جميعًا معًا في قاعة الطعام الجماعية.
وقف القادمون السبعة الجدد ورددوا أسماءهم الواحد تلو الآخر، فقوبلوا بالتصفيق والهتافات الترحيبية.
كان عدد سكان الجزيرة 217 شخصًا، الغالبية العظمى منهم شابات دون سن الخامسة والعشرين، وكان هناك 32 رجلًا فقط. ومع السبعة الجدد، ازداد العدد اليوم.
رغم أن الطعام كان بسيطًا، إلا أنه كان لذيذًا بشكلٍ مفاجئ.
وخلال كامل وقت العشاء، لم تتوقف الضحكات والحوارات المرِحة.
أما الستة الذين جاؤوا على القارب مع سيان، فكانوا مندمجين تمامًا في أجواء السكان.
ولا عجب……فبالنسبة لهم، هذه الجزيرة كانت “أراضي الخلاص” التي حلموا بها طويلًا.
شعرت سيان فجأة بنظرة تترصّدها، فرفعت رأسها والتقت عيناها بعيني رجل في الأربعين من عمره، كان يجلس على طاولةٍ بعيدة بعض الشيء.
إنه سادان، الرجل الذي أرشدها إلى غرفتها.
هل يمكن أن يكون……هو من يراقبني؟ فمن الطبيعي أن تكون هناك مراقبةٌ مخصصة للغرباء.
ابتسم لها سادان بلطف، مشيرًا بإيماءة أن تواصل تناول طعامها. فأومأت له سيان برأسها باحترام، وتابعت طعامها بحذر حتى لا تثير الشبهات.
***
وحين حلّ الليل، غطّى الظلام الجزيرة بأكملها في لحظة.
كان هناك نظام طاقة شمسية مُركّب، لكنه يعمل فقط لثلاث ساعات في اليوم، من السادسة حتى التاسعة مساءً.
وكان المكانان الوحيدان في الجزيرة المزوّدان بالكهرباء على مدار الساعة هما: المطبخ المزوّد بثلاجات، ومقر الزعيم.
سارت سيان في الظلام دون أن تُصدر صوتًا، كما اعتادت دومًا.
و من هنا وهناك كانت تتعالى أصوات الأحاديث الودية، وأغاني ناعمة، وضحكات لا تنقطع.
يبدو أن هذه الجزيرة، بحق، لا تتوقف فيها الضحكات طوال اليوم. فقد قال الزعيم: “ابتسموا، تحدثوا، وغنّوا.”
كروووه-
وبينما كانت سيان تهمّ بالدوران حول زاوية أحد البيوت الجاهزة، ظهر لينكون فجأة أمامها، كاشفًا أنيابه بإشارة تحذيرية.
فتوقفت سيان على الفور، واقفةً في مكانها بترقّب.
و على بُعد متر منها، وسط الظلمة الحالكة، كانت تقف امرأةٌ ما بظهرها إليها، بالكاد تُرى بوضوح. و كانت ترتدي فستانًا أبيض يصل حتى الركبتين.
‘هل هناك فئةٌ ترتدي الأبيض في هذه الجزيرة؟’
تساءلت سيان بدهشة. وقبل أن تكتمل الفكرة في ذهنها، بدأت المرأة تدير جسدها ببطء نحو سيان.
‘دماء.’
وجهها كان شاحب، و كانت تلهث وتختبئ في الظلام، وذراعاها وثيابها السفلية مغموسة تمامًا في دماء قانية.
_____________________
روح؟ ولا منحاشه من زعيم القرية
المهم كل تفاصيل ذا الطائفه مجانين
وللمره المليون ليت جوون جا معها لو متخفي😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 88"