أبعدت سيان نظرها عن البحر الأزرق الداكن، والتفتت إلى الخلف. و كان أتباع سنابل القمح جالسين معًا، يتناولون شرائح البطيخ.
فاقتربت سيان منهم بهدوء وجلست وسطهم، متظاهرةً بالخجل والانطواء، وأخذت قطعة البطيخ بكلتا يديها بحذر كما لو كانت فتاةً قليلة الكلام.
رغم أن اليخت كان يتسع لأكثر من مئة راكب، لم يكن على متنه سوى ثمانية فقط.
ستةٌ من الأتباع المحظوظين الذين أُذن لهم بدخول “أرض الخلاص” حيث يقيم الزعيم، بالإضافة إلى مين كي شيك، و لي سيان.
أما مين كي شيك، فمنذ لحظة الإبحار وهو واقف عند حافة السفينة، يحدق في البحر بصمت.
المرافقون من الأتباع كانوا رجالًا ونساءً في سن الشباب، وكان من بينهم ممثلٌ شهير يبلغ من العمر 31 عامًا، سبق أن أثار ضجةً كبيرة قبل شهرين بسبب قضية مخدرات.
“هو فقط كان يمارس إيمانه بهدوء، لكن في الواقع بين أتباعنا كثيرٌ من الأشخاص المرموقين.”
قالت ذلك إحدى التابعات في الخمسين من عمرها، وهي تقدم له شريحة بطيخ.
كانت قد أحضرت البطيخ في وعاء بلاستيكي كبير، ومظهرها بدا بسيطًا كأي ربة منزل، لكن ساعة اليد في معصمها كانت من ماركةً فاخرة تُقدّر بثلاثين مليون وون.
ورغم أن الجميع كانوا غرباء عن بعضهم البعض، إلا أنهم سرعان ما أصبحوا ودودين ومتقاربين، كما لو جمعتهم صداقةٌ قديمة، ربما لأن العقيدة الواحدة وحدتهم.
الأهم من ذلك، أنهم كانوا مغمورين بالفرح والتشوق، لأنهم على وشك دخول الجزيرة التي يقيم فيها الزعيم.
“صحيح أن الإقامة لن تتجاوز نصف شهر، لكن مجرد دخولنا إلى الخلاص هو نعمة بحد ذاتها. فأجسادنا وأرواحنا ما زالت غير نقية كفاية بعد، أليس كذلك؟”
عندما قال رجلٌ يُدعى أنه رئيس شركة صغيرة ذلك، أومأ الخمسة الآخرون برؤوسهم وهم يضحكون.
“صحيح. حتى وإن كان الآن هكذا، ففي يوم ما..…”
كانت عبارة “سنصل إلى خلاصنا في السماء الحقيقي” محذوفةً ضمنيًا.
لو استثنينا كلمة “طائفة”، لبدوا أشخاصًا عاديين. لا، بل بدوا أثرياء عاديين، يحملون حقائب فاخرة، وأحذية فاخرة، وساعات مرصعة بالألماس وما إلى ذلك.
على أي حال، خمسة عشر يومًا.
المدة التي يمكن أن تمكث فيها “سيان” في أرض الخلاص كانت خمسة عشر يومًا فقط، لأن جوون سيعيد إرسال مين كي شيك بعد تلك المدة، لذا عليها أن تغادر الجزيرة حينها.
وبالنظر إلى انغلاق سنابل القمح، فهي مدةٌ قصيرة جدًا.
لا أحد يعلم كم من المعلومات يمكن جمعها خلال تلك الخمسة عشر يومًا. فما تريده ليست معلوماتٍ سطحية.
الثعبان. كان المطلوب هو معلومات وأدلة عن “ثعبان جلجامش” الذي يقف خلف سنابل القمح، بالإضافة إلى معلومات عن ثمرة الحياة الأبدية.
ولأجل ذلك، لا بد من مقابلة الزعيم الديني. بأي وسيلة كانت.
كان عليها أن تتحدث مع زعيم سنابل القمح و تحاول بطريقة ما تفتيش المساحة الشخصية لذلك الزعيم.
وبينما كانت تُزيح خصلات شعرها المتطايرة بيدها و تفتح عينيها نصف فتحة، ظهرت لها بوضوح تلك المنارة الشامخة…..
أخيرًا.
كان هناك رصيفٌ ناصع البياض يبعد 500 متر فقط عن المنارة، خطف أنظارها كالحلم.
***
كان جوّ النزول من السفينة مشحونًا بالحماس كأنهم وصلوا إلى أرض مقدسة.
راح الأتباع يضحكون من فرط الابتهاج ثم يبكون، ثم يضعون راحتي أيديهم على الأرض وهم يرفعون كلمات الشكر من أعماق الفرح.
الجزيرة التي اشتراها أتباع سنابل القمح بجمع المال لم يكن لها سوى ميناءٍ واحد فقط. وكان هذا الميناء هو الطريقة الوحيدة للدخول إلى أرض الخلاص أو الخروج منه.
وعلى الميناء، بُني مبنى إسمنتي ناصع البياض يعمل كحاجز تفتيش، وكانت الأسلاك الشائكة الحادة تحيط به من كل جانب.
وربما لهذا السبب، فإن الانطباع الأول لم يكن “خلاصاً” بقدر ما كان أقرب إلى “سجن”.
تبعت سيان مين كي شيك ودخلا إلى نقطة التفتيش.
كلاك-
ما إن فُتح الباب حتى التقت عيناها بعيني رجل في منتصف العمر جالسٌ خلف مكتب.
وضع مين كي شيك يده على كتف سيان وقدّمها أولًا،
“هذه هي…..مين سارا. لقد أخبرت القيادات بكل شيء، لذا أرجو أن تعتني بها جيدًا. هي ليست من أتباعنا بعد، لكنها قريبًا…..ستصبح واحدةً منا.”
“آه، نعم. الآنسة مين سارا. يبدو أنكما من نفس العائلة، فاسمكما العائلي متطابق، أليس كذلك؟”
“نـ…..نعم.”
تمتمت سيان بالإجابة وهي تخفض نظرها إلى الأرض.
كانت “مين سارا” بحسب القصة التي اختلقوها، ابنة أخ غير شقيقة لـمين كي شيك، تعاني من اكتئاب حاد، ولم تختلط بأحد منذ أكثر من عشر سنوات، بل حاولت الانتحار مرتين، لذا قرر والداها اللجوء إلى الدين كحل أخير…..هكذا كانت الحبكة المصطنعة.
“اهتموا جيدًا…..بطعامها أيضًا.”
ومع أن مين كي شيك لم يكن مسموحًا له بالدخول بعد نقطة التفتيش، إلا أنه أكد مرةً أخرى على ضرورة الاعتناء بـ سيان جيدًا.
يالها من مفارقة، أن يقدم بنفسه الشابة العرافة التي كان يبحث عنها بجنون، على أنها ابنة أخيه.
و على أي حال، بفضل توصيته الشخصية، أصبحت المهمة أسهل بكثير.
“نعم، نعم، بالطبع. مفهوم. الآنسة مين سارا، إذا خرجت إلى الرواق ستجدين غرف تبديل الملابس مفصولة للرجال والنساء. تفضلي بالدخول إلى غرفة النساء وبدّلي ملابسكِ هناك.”
فانحنت سيان برأسها تحيةً لـ مين كي شيك.
“حسنًا، إذاً..…”
“نعم، نعم. اذهبي الآن…..وسنلتقي بعد خمسة عشر يومًا.”
رغم أن الأمر كان غير مستقر بعض الشيء…..إلا أن الكابوس يبدو أنه سيبقى متلبّسًا به حتى مرور تلك المدة.
في تلك الأثناء، كان بعض الأتباع الآخرين قد بدؤوا بالفعل بالتوجه لتبديل ملابسهم. و قد كانوا من الأشخاص الذين سيدخلون الجزيرة ويعيشون فيها مع سيان خلال الأيام الخمسة عشر المقبلة.
انحنت سيان مرة أخرى لـ مين كي شيك، ثم تظاهرت بالخجل، وضمّت كتفيها بتردد، وجرّت حقيبتها وهي تخرج عبر الباب الجانبي.
***
“الآنسة مين سارا، تفضلي بخلع كل ملابسكِ وارتدي هذا.”
قالت ذلك امرأةٌ في منتصف العمر ذات ملامح ودودة وهي تمدّ لها زيًّا أخضر بلون حبة البازلاء، مع قطعة داخلية من نفس اللون مصنوعةٍ من القطن الخالص.
كان الزي بتصميم بسيط، بلا جيوب لا في الأعلى ولا في الأسفل.
فترددت سيان قليلًا ولم تأخذ الملابس على الفور.
“هل…..يجب عليّ حقًا تبديل ملابسي بهذه؟”
“نعم، لأنكِ الآن ستدخلين إلى أرض الخلاص. سنحتفظ بأغراضكِ جيدًا ونعيدها لكِ عند خروجكِ.”
“جميع أغراضي..…؟”
“حتى الهاتف عليكِ إغلاقه. و الأقراط، و الخواتم، العقود، وحتى الساعة…..عليكِ نزع كل شيء. فكّري في الأمر وكأنكِ تستعدين لدخول حمّامٍ عام، تفضلي، بدّلي ملابسكِ بسرعة.”
خلعت سيان ملابسها باستثناء ملابسها الداخلية أمام المرأة، ثم نزعت ربطة شعرها السوداء وربطتها حول معصمها كأنها سوار.
كانت ربطة شعر عادية مزينةٍ بثلاث حُليّ كبيرة.
حين سلّمت المرأة ملابسها القديمة، قامت تلك السيدة الودودة بوضعها في صندوق، ثم ألصقت عليه بطاقة تحمل اسم “مين سارا”، وأخذته مع حقيبة سيان إلى مكانٍ ما.
“حسنًا، تعالي إلى هنا الآن! لقد حان وقت دخولكِ إلى أراضي الخلاص!”
بمجرد خروجها من غرفة تبديل الملابس، استقبلها رجل يرتدي زيًا أصفر بابتسامة مشرقة من خلف نقطة تفتيش أمنية.
فخفق قلبها حين رأت جهاز المسح الجسدي، و تسارعت دقات قلبها قليلًا.
تبًّا…..
إن كان الأمر مجرد كاشف معادن لهان الأمر، لكن ماسحًا يُظهر الجسد؟! بهذا الشكل، لا يمكن تمرير مسدس، ولا حتى إبرة دقيقة واحدة سرًّا.
حين ترددت سيان في مكانها من شدة الارتباك، بدأ الموظف يلحّ عليها أن تتقدّم بسرعة.
“الآنسة مين سارا، هناك من ينتظر خلفكِ.”
مع ذلك، لم تستطع أن تخطو للأمام بسهولة. بل أوحت بنبرة خفيفة أنها تشعر بعدم الراحة من كون رجل هو من يشرف على جهاز المسح الجسدي.
“أعني…..لكن الشخص هناك رجل..…”
“هاها! لا داعي للخجل في الخلاص! نحن جميعًا متساوون هنا، فلا بأس.”
‘لا بأس؟ لا بأس بالنسبة لكِ.’
أظهرت سيان امتعاضها وترددت بخطوات بطيئة.
عندها، اقتربت منها السيدة التي كانت قد أحضرت حاوية البطيخ على السفينة، ووضعت ذراعها حول كتفها بلطف وربتت عليها مطمئنة.
“آه يا عزيزتي، من الطبيعي أن تشعري بعدم الراحة وأنتِ شابة. سأقوم بالتفتيش بدلًا عنهم. الأمر كله بسبب أن طوائف أخرى حاولت مرارًا إرسال جواسيس لاستهداف زعيمنا. لنرى…..لا شيء على جسدها. لحظة فقط، هذا الشيء واحدٌ فقط.”
أزالت المرأة ربطة الشعر السوداء من معصم سيان وسلّمتها للرجل الذي عند نقطة التفتيش.
“افحص هذا فقط بالجهاز، من فضلك.”
“إنها ابنة أخ السيد مين كي شيك، فلنكن مرنين. الفتاة أصيبت بدوار البحر خلال الرحلة أيضًا.”
حتى رجل الأعمال، صاحب الشركة الصغيرة، انضم إليهم وهو يضحك بمودّة ويساندها.
ثم بدأ الأتباع الآخرون الذين كانوا معها على السفينة يضيفون كلمات تعاطف خفيفة، مما جعل الجو أخيرًا يهدأ بلطف.
ثم أشارت سيدة البطيخ بيدها و تحدثت بنبرة مرحة،
“بعد أن فحصت ربطة الشعر، أعدها لها. الفتاة بحاجة إلى ربط شعرها. أنا شخصيًا أُدخل معي دواء الضغط أيضًا.”
وفي النهاية، وبعد أن أزيلت الزينة المعلّقة على ربطة الشعر، سُمح لـ سيان بالمرور دون الحاجة للخضوع لفحص جهاز المسح الجسدي العاري.
انحنت سيان شاكرة لأولئك الذين ساعدوها، ثم انحنت أيضًا بتهذيب لموظفي التفتيش بالزي الأصفر قبل أن تخرج من الباب المفتوح بخطوات رزينة.
كان قلبها ينبض بقوة.
بعد أن مشت نحو 500 متر من نقطة التفتيش، ظهرت أمامها قريةٌ حالمة أقيمت من منازل بيضاء جاهزة التركيب، تُشبه سانتوريني* في اليونان.
*مدينه في اليونان بيوتهم بيضا وبيبانهم زرقا
قرية بيضاء هادئة تحيط بها الحقول الصغيرة من كل جانب.
ثم…..في البعيد، كان يلوح مبنى من ثلاث طوابق مصنوع من الطوب، هو الأعلى في هذه الجزيرة، وكان من المؤكد أن الزعيم الديني يقيم هناك.
ابتسمت سيان ابتسامةً خفيفة.
لقد سبق لها أن درست الجزيرة من صور الأقمار الصناعية، لكنها لم تتخيّل أبدًا أن يكون هناك جهاز كشف معادن وجهاز مسح جسدي.
لكن بفضل شخصية “G” – مصدرها التي تتميّز بدقة لا توصف – التي تتبّعت قائمة المواد التي دخلت الجزيرة حتى سجلات الأربعين سنة الماضية، استطاعت أن تكتشف أن جهاز كشف المعادن وجهاز المسح قد تم شحنهما خصيصًا إلى الجزيرة.
ولهذا…..كانت قد استعدّت مسبقًا.
فجهاز المسح يكتشف المعادن، لكنه يعاني من ضعف كبير أمام البلاستيك الرقيق أو البودرة أو السوائل.
أما مساعدة الأتباع الذين دخلوا معها، فقد كانت مفاجأةً غير متوقعة حقًا.
شششش-
اندفعت نسمات البحر المالحة فجأة، فارتفعت خصلات شعرها الطويل في الهواء.
وكانت تلك الرياح القوية كفيلةً بأن تبرد العرق الخفيف الذي بدأ يتكوّن على مؤخرة عنقها.
أخرجت سيان ربطة الشعر السوداء من معصمها، وأمسكتها بيدها. كانت ربطة شعر عادية تمامًا، مطاطية وطرية لدرجة أن أي شخص يلمسها سيتأكد أنها ليست سوى ربطة مطاطية شائعة.
و ربطت سيان شعرها بها بإحكام. ثم ببطء، مرّرت أطراف أصابعها خلف أذنها اليسرى.
لم يكن هناك ما يلفت النظر على الإطلاق…..لكن تمامًا خلف الأذن اليسرى، كان ملتصقًا جهاز اتصال فضائي ثنائي الاتجاه من أحدث طراز، مصنوع من البلاستيك ومصمَّم ليتناسب بدقة مع شكل الأذن.
ولأنها كانت تخشى أن يُكتشف هذا الجهاز، تعمّدت أن تلفت الانتباه أولًا إلى ربطة الشعر حول معصمها.
جيّد.
رفعت سيان ذقنها قليلًا وهي تنظر الى القرية.
أخيرًا…..لقد دخلت “الخلاص”.
_________________
واو يالاذكياااااء
المهم حتى لو حرفت هنا بتلاحظون ان ذولا مسوين تعصب ديني وعقيدة مسوينها من روسهم فخلوا في بالكم ان هذا كله خيال ما يمت بالواقع صلة 😘
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 87"