الساعة الرابعة فجرًا. و لا تزال سماء سيول مظلمة، والمشهد غارقٌ في ذلك المطر المعتم، متشحًا بلون رمادي قاتم.
سيان كانت تقف في الشرفة تشرب قهوتها الصباحية، ثم وضعت الكوب الفارغ جانبًا وبدأت تجهز أغراضها.
رغم أن كلمة “أغراض” قد تبدو كثيرة، إلا أنها لم تحمل سوى حقيبة سفر للتخفي، وكان الأمر أقرب إلى سفر بجسد خالٍ من المتاع.
فاليوم هو اليوم الذي ستتوجه فيه إلى “أرض الخلاص”، حيث يوجد زعيم طائفة سنابل القمح.
‘المسدس…..من الأفضل أن أتركه خلفي.’
ولم يكن مسموحًا لها بحمل أي سلاح آخر أيضًا. وكان عليها دخول تلك الجزيرة بمفردها.
ليس فقط لأن تاي جوون شخصيةٌ لافتة للأنظار بشدة، بل لأن لا أحد يعلم متى وأين قد تتحرك أفاعي جلجامش.
وفي الوقت الذي ستكون فيه هي على الجزيرة، فإن تاي جوون سيتولى التعامل مع أي حادث طارئ قد يقع في الخارج.
وضعت سيان المسدس الفضي في الخزنة السرية، و”كلك”، أغلقت بابها بإحكام.
طوال فترة عملها في “أوتيس” كانت تعمل فقط كـ”اليد”، ولم تتلقَّ أي تدريب خاص بالتسلل، ما جعلها تشعر بالتوتر…..
لكن لا مفر. لا، بل كانت هذه فرصةٌ ذهبية قد لا تتكرر مرة أخرى أبدًا. وكان عليها أن تحقق هدفها مهما كان الثمن.
مهمتها في هذا التسلل إلى الجزيرة تنقسم إلى هدفين:
أولًا، الحصول على دليلٍ يثبت أن زعيم سنابل ااقمح هو أحد أفاعي جلجامش.
ثانيًا، جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حول “التوأم الجنيني وثمار الخلود”.
زززززز-
اهتزّ الهاتف المحمول، وعندما تحققت منه، كان المُرسل تاي جوون.
<~: انتهينا من جهتنا.>
فأجابت سيان على الفور.
<~: أنا أيضًا أنهيت الاستعدادات. سأتوجه إلى الميناء قبل الثامنة صباحًا.>
وما إن أرسلت الرسالة، حتى أغلقت هاتفها المحمول، وأمسكت بهاتف التمويه الموضوع بجانبها.
“آه.”
كانت قد انتهت للتو من تجهيز كل شيء، و عندما استدارت، لمحت لينكون جالسًا أمام وعاء طعامه.
ولأول مرة منذ الثاني عشر من مايو، يلمس لينكون الطعام الذي تقدمه له. فأسرعت سيان نحوه بخطواتٍ خفيفة وجلست إلى جواره.
“لينكون.”
نادته بلطف، مترددةً قليلًا، ثم مدت يدها برفق وربتت على رأسه. فلم يرفض لينكون هذه المرة، بل أسند جسده إليها.
فاحتضنته سيان فورًا بذراعيها، و عانقت ذلك الكلب الضخم ذو الأرجل الثلاثة، وأطلقت تنهيدة ارتياح.
“هاااه..…”
يا للراحة. بدا أن مزاج لينكون قد تحسَّن أخيرًا.
“لينكون، أنا آسفة حقًا. لقد شعرت بالوحدة كثيرًا، أليس كذلك؟”
سألته بلطف، فمدّ لينكون لسانه يلعق يدها بحنان، وكأنه يردّ عليها. و في عينيه البنيتين، المتعلقتين بها وحدها، كانت تتلألأ مشاعر ولاءٍ ومحبة عميقة.
بدأت سيان تلمس أذنيه وخديه، رغم أنها لا تستطيع لمسه فعليًا، ثم مررت يدها الحنونة برقة على ظهره.
ورغم أنه كائنٌ روحي لا يمكن الإحساس بحرارة جسده أو ملمس فروه، إلا أنها طوال واحدٍ وعشرين عامًا، ظلت تحتضنه بنفس الطريقة، بقلبها.
“لينكون.”
نادت اسمه مجددًا، بينما كانت تواصل لمسه، فانحنى لينكون بهدوء وأخذ يتقرب منها أكثر، داسًا جسده في حضنها.
وفي الوقت ذاته، راح ذيله يتحرك يمينًا ويسارًا بفرح واضح، يهتز في سعادة.
***
الساعة الثامنة صباحًا. حين وصلت إلى الميناء، كان المطر قد توقف تقريبًا، ولحسن الحظ لم يكن يهطل إلا قطرات خفيفة لا تستدعي استخدام المظلة.
خفضت سيان عينيها نحو حذائها البيج، ثم رفعت نظرها ببطء.
تجاوزت يدها تنورة بلون النعناع، ثم مدت يديها المشدودتين معًا في توتر، وصولًا إلى بلوزتها الحريرية البيضاء.
كانت متنكّرة كفتاة خجولة من عائلة ثرية.
ثم حرّكت بصرها إلى الجانب. و من كان يقف بجوارها هو مين كي شيك، صاحب الحانة في أبغوجونغ.
“كل شيء، مهما كان خاصًا، له دائمًا استثناء.”
هذا ما قاله تاي جوون.
“من الآن فصاعدًا، ستدخل الآنسة سيان إلى جزيرة باميلتشو، قلب الطائفة، بتوصية من مين كيشك.”
بما أنها بتوصية من مين كي شيك، فالأمور ستسير بسهولة أكبر بلا شك. فالأفاعي أعطت أوامرها لمين كي شيك بأن “يبحث عن فتاة شابة تمارس التحضير الروحي”، ومين كي شيك بدوره أوكل المهمة إلى طائفة سنابل القمح.
وهذا يعني ببساطة أن مين كي شيك شخصيةٌ تملك النفوذ لتحريك أعلى دوائر الطائفة.
وإذا كان هو من يوصي بها ويدخلها الجزيرة بنفسه، فإن احتمال أن يُنظر إليها كمندسةٍ سيكون ضئيلًا، كما أن سلامة سيان ستكون مضمونةً بدرجة كبيرة.
أما مين كي شيك نفسه…..فقد بدا هزيلًا جدًا، حتى أن عظامه تكاد تبرز من تحت جلده منذ آخر مرة رأته فيها.
ومع ذلك، كانت نظرات عينيه لا تزال حادة، تشع بنظرة مهووسة، ومع كل حركة لجسده، كان يعبق منه رائحةٌ كريهة يصعب وصفها.
المكان كان ميناءً صغيرًا نائيًا، لكن بشكل مفاجئ كان يعج بالناس. ربما يتجاوز عددهم المئتين بقليل؟
وكان معظمهم من أتباع سنابل القمح.
بالنسبة لسيان، كانت هذه أول مرة تواجه فيها “أتباع الطائفة” وجهًا لوجه…..
“مرحباً؟”
“أوه، لم أتوقع أن أراكِ هنا. هل وصلتِ اليوم؟ أو ربما بالأمس؟”
كانوا يتحدثون جماعات صغيرة من عشرة إلى عشرين شخصًا، يبدون سعداء بلقائهم، أو يتهامسون بصوت خافت.
يتشاركون الفواكه أو قطع الكيمباب، وكان مظهرهم للوهلة الأولى يوحي بأنهم أناسٌ طيبون، ودودون.
بعضهم تعرف على مين كي شيك وتقدم نحوه ليلقي التحية، لكنه كان يرد بإجابات قصيرة وبنبرة ضبابية تقطع الحوار على الفور.
ربما ظنوا جميعًا أن مزاجه سيئ لا أكثر…..لكن من وجهة نظر سيان، فقد بدا كممسوس بروح شريرة، لا أكثر ولا أقل.
في الواقع، كان مين كي شيك الآن تحت تأثير كابوس جوون.
رغم أنه يتكلم ويتحرك بصورة طبيعية، إلا أن ذهنه كان في مكان آخر، شاردًا، ولن يتذكر أي شيء من هذا الموقف لاحقًا.
أن يُمسّ الإنسان بروح، يشبه كثيرًا حالة المشي أثناء النوم.
“لقد وصل!”
وأخيرًا، وصل القارب الذي سيقلهم إلى “أرض الخلاص”.
كان مين كي شيك يحدق للأمام بصمت، ثم استدار نحوها ببطء.
“آه..…”
و راح يحدق في سيان بعينين شاردتين لثلاث ثوانٍ تقريبًا، وكأنما يتساءل: “من هذه؟ ولماذا أنا هنا؟”
لكن بعد لحظة، وكأنه روبوت استعاد برمجته، تذكر الأوامر فجأة وبدأ يقودها بهدوء.
“الآنسة مين سارا…..حان وقت الانطلاق.”
“مين سارا” كان الاسم المستعار الذي ستستخدمه سيان خلال هذه العملية.
هل حالته لا تزال غير مستقرة؟
في هذه المهمة، كان عليهم استخدام مين كي شيك لفترة طويلة، ولهذا قام جوون بإخضاعه للكابوس.
لكن استخدام الكابوس بهذه الطريقة، كان تجربةً أولى حتى بالنسبة لجوون.
في مثل هذه “الاستحواذات”، كان عقل الإنسان يشبه ضفدعًا داخل زجاجة شفافة بلا غطاء. الروح الشريرة كانت الزجاجة، والإنسان هو الضفدع.
وفي أي لحظة، يمكن لهذا الضفدع أن يقفز إلى الخارج ويستعيد وعيه بالكامل. لذا فإن الخطوة الأولى في طرد الأرواح، تبدأ دائمًا بمحاولة إخراج الضفدع دون أن تنكسر الزجاجة.
“استعدوا للصعود إلى السفينة!”
السفينة المتجهة إلى “الخلاص” كانت عبارةً عن يخت صغير، من فئة المئة طن، وهي الأصغر حجمًا في هذا النوع.
كان جسمها ناصع البياض، مرسومٌ على جانبها دائرة زرقاء، وفي وسطها وُضِع رمز الطائفة: “سنبلة قمح ذهبية”.
تم تحميل الشحنة أولًا—ورق مرحاض، طحين، أرز—لكن الغالبية العظمى من الحمولة كانت طلاءً أبيض بكمية هائلة.
سيان صعدت إلى اليخت خلف مين كي شيك، فيما راحت أطراف تنورتها تتراقص في الرياح البحرية.
دق… دق…
مع كل خطوة تخطوها، كانت تشعر بدقات قلبها تدوي في صدرها.
كان من المفترض أن يقوم جوون عند الساعة العاشرة صباحًا بإبلاغ الرئيسة عن تسلل سيان إلى الجزيرة…..ويمكنها أن تتخيل تمامًا مدى الغضب الذي سينفجر منها.
فبمجرد أن تطأ قدماها سطح هذه السفينة، فإن كل صلة لها بالبرّ تنقطع بالكامل. وها هي تندفع بقدميها نحو عالمٍ منغلق، تغمره الطقوس والانغلاق والولع بالأوهام.
حتى الآن، لا أحد يعرف كيف يعيش أتباع سنابل القمح في تلك الجزيرة، في “أرض الخلاص”. ولا شيء من هذا العالم الغامض، عالم “حصاد حبوب القمح من البحر”، يمكن فهمه أو كشف حقيقته إلا حين تراه بعينك.
“واااااا!”
“نلتِ البركة!”
“نحبكِ، يا أختي! نحبكم، إخوتي! يا لسعادتكم..…”
وفجأة، دوّت الهتافات من خلفها، فاستدارت لترى جمعًا من أتباع سنابل القمح يقفون على الرصيف، يلوحون بأيديهم نحو السفينة.
بعضهم، نحو عشرة أو أكثر، انهار جاثيًا عند طرف الميناء وأخذوا يتلون التعاويذ، بينما راح بعضهم الآخر يجهش بالبكاء.
اليوم، لم يُؤذَن بالذهاب إلى أرض الخلاص على متن هذا اليخت سوى لسبعة أشخاص فقط.
أما بقية الحشود، التي تجاوز عددها المئتين…..فكانوا مجرد أناسٍ اجتمعوا هناك مدفوعين برغبة واحدة فقط: “نريد أن نكون أقرب ما يمكن إلى الجزيرة التي يقيم فيها الزعيم.”
ولحظة أن أدركت سيان تلك الحقيقة، سرت قشعريرةٌ باردة على ذراعيها، و وقفت الشعيرات في جلدها.
فجأة، رفع أحد الأتباع الواقفين في الميناء ذراعيه عاليًا كمن يهتف “يحيا”، ثم صرخ بصوت جهوري.
“سنُبحر الآن!”
ثم انطلق صوت البوق، وتحرك اليخت مغادرًا الميناء الصغير. ومع حركة السفينة، انعكس ضوء الشمس على سنبلة القمح الذهبية المرسومة على جانب الهيكل، فأطلقت بريقًا لامعًا.
في الوقت نفسه، علت أصوات الصراخ من الميناء، وكان الأتباع الستة الآخرون على متن السفينة، إلى جانب سيان، يرددون معهم.
عندها فقط، حين سمعت هذه الأصوات الهستيرية، وشهدت تلك الإيماءات المبالغ فيها، والدموع المفاجئة التي تنهمر دون سبب…..أدركت تمامًا أنها دخلت الآن إلى داخل طائفة دينية متطرفة، لا تتردد في الإقدام على انتحار جماعي إذا اقتضى الأمر.
“الإصرار على تشكيل فرق ثنائية دائمًا…..إنه أمرٌ غير فعال. من يمتلك القدرة، يمكنه تنفيذ المهمة بمفرده، أليس كذلك؟”
هذا ما كانت قد اقترحته سيان ذات مرة، لكن الرئيسة رفضت ذلك رفضًا قاطعًا.
“لا. إن عملتِ بمفردكِ ووقعت في الخطر، فلن تتمكنين أبدًا من النجاة وحدكِ.”
صحيح، هذا منطقي. لكن من هذه اللحظة، لم يعد هناك من تعتمد عليه سوى نفسها.
لا، بل كان لينكون معها.
مررت سيان أناملها برفق على ظهر لينكن الذي كان يلامس أطراف أصابعها.
و كانت تسمع بوضوح دقات قلبها تتسارع…
دق… دق…
وهي تراقب بعينيها أولئك الناس الذين يصرخون في الميناء خلفها.
___________________
يصرخون✨ مجانين وش ذا الاوهام الي هم فيها
شسمه تذكرت دراما انقذني نفس الطائفه كلهم مجانين
بس ياخي ليه جوون مب معها لييييييييييه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 86"