حين تنتهي نزهتي في هذا العالم الجميل، سأمضي وأقول: لقد كان جميلاً.
– “العودة إلى السماء”، تشون سانغ بيونغ —
***
“رسوماتٌ مرعبة.”
قالت سيان ذلك وهي تقلب صفحات دفتر الرسم واحدةً تلو الأخرى ببطء.
في مقطع الفيديو الذي التُقط بالكاميرا في مخيم الغابة الزرقاء، ظهرت شابةٌ تُدعى كيم يون وو، تبلغ من العمر عشرين عامًا، وقد قُدمت كأضحية وقُتلت.
هذه الفتاة، كيم يون وو، تركت دفتر الرسم هذا في منزل صديقتها هوانغ جو يون قبل أن تختفي، بعد أن تشاجرت مع والدها وهربت من المنزل.
وبعد استرجاع دفتر الرسم وفحصه، لم يكن هناك وصف لكل صفحة فيه سوى أنها “مرعبة”.
أو يمكن وصفها بالمزعجة، أو الوحشية، أو الغريبة، وما إلى ذلك.
وربما كانت تلك الأجواء أشد تأثيرًا لأنه رُسم بالكامل بقلم أسود واحد فقط.
لكن المدهش حقًا هو أن الرسومات التي رسمتها كيم يون وو كانت “نساءٌ حوامل يحملن أطفالًا في أرحامهن”. هذ ه الرسومات المقززة لأجنّة يتقاتلون داخل رحم أمهم…..
للوهلة الأولى قد يبدون توائم، لكن لا. هؤلاء بوضوح توائم داخل الرحم، توائم جنينيون.
كم يا ترى كانت كيم يون وو تعرف؟
الإحساس بالضيق لا يفارقها، لكن لا سبيل للسؤال الآن وقد ماتت.
ما عدا هذه الرسومات عن النساء الحوامل…..
فرررف-
ما إن قلبت الصفحة، حتى جذب انتباهها رسمةٌ مظلمة سوداء قاتمة حتى زواياها الأربع وكأنها رُسمت لتعكس ظلامًا خالصًا.
وسط تلك الصفحة الكئيبة، كان هناك رسمٌ لرجل شبه عارٍ واقف.
جسده قوي البنية، لكن وجهه مُشوَّه، وقد خُدش بعنف متكرر بقلم حبر أسود وكأن من رسمه كان في نوبةٍ هستيريا، مما أضفى على الشكل جوًا خطرًا.
بدا الرسم في غاية الدقة، لكنه مع ذلك فجَّر شعورًا قويًا بالاشمئزاز.
خلال قضية القرين، كانت تلك اللحظة التي تردد فيها جوون وقطب حاجبيه، تحديدًا عندما رأى هذه الرسمة.
وهذا الرجل المشوه الوجه لم يظهر في أي صفحة أخرى من دفتر الرسم، مما جعل التساؤل يتصاعد، هل يا ترى تعرضت كيم يون وو لتجربة سيئة مع هذا الرجل؟
التفتت سيان إلى جوون الجالس على الطرف الآخر من الطاولة، وبدأت الاجتماع.
“بعد التأكد، تبيّن أن هناك عددًا كبيرًا من الضحايا لجماعة تُعرف باسم ’حصاد سنابل البحر‘، أو باختصار: با-ميل-تشو. حتى من اسمها، تشبه إلى حد كبير طائفة C الزائفة…..تعاليمهم قريبةٌ للغاية، ويسهل الوقوع في شباكهم. و عائلة كيم يون وو أيضًا، كانت الأم متعصبةً دينيًا. أما الأب، فغالبًا لم يكن يدرك إطلاقًا أن زوجته انزلقت نحو جماعة دينية منحرفة.”
“لأنهم كانوا يخططون لكل شيء بعناية.”
“صحيح، كانوا يخططون فعلًا.”
وافقته سيان الكلام وأكملت حديثها،
“يختارون هدفًا واحدًا عن قصد، ثم يشكلون مجموعةً صغيرة للتعارف والتقرب، أو يتقربون من الشخص من خلال معاملات متكررة لشراء وبيع أشياء مستعملة بأسعار زهيدة، حتى تنشأ بينهم علاقةٌ ودية، ثم يُدفع الهدف تدريجيًا إلى الاختلاط بأتباع جماعة با-ميل-تشو.
وبعد أن يبوح بشكاواه الشخصية أو مخاوفه، يُساق أخيرًا إلى الأنشطة الدينية.”
كانت هذه طريقة تجنيد تقليدية لدى الطوائف الدينية المنحرفة، لكن جماعة با-ميل-تشو اتبعت هذا الأسلوب بحذر استثنائي.
ربما بسبب مبدأهم القائل: “لا يُظهرون إيمانهم علنًا”، لذا لم تكن هناك أي دلالة على أنهم جماعة دينية.
وبالطبع، حتى بعد أن يكتشف الضحية أنهم جماعة دينية، طالما يشعر أن “المكان يضم أناسًا طيبين”، فلن يفكر بسهولة في قطع علاقته بهم.
“من المؤكد أن زعيم با-ميل-تشو هو أفعى غلغامش. المشكلة، أنه لا يوجد أي معلومات متوفرة عنه حاليًا تقريبًا. فجهاز الاستخبارات التابع لأوتيس فتش كل زاوية، ومع ذلك لم يستطع العثور حتى على صورة واحدة للزعيم.”
“ولا حتى صورةً واحدة؟”
“ولا واحدة. لا أحد يعرف كم عمره، أو ما اسمه، سوى الأتباع الذين التقوه شخصيًا.”
تنهدت سيان بضيق وهي تمرر أصابعها في شعرها.
رغم أن عدد أتباع الجماعة بلغ ثمانين ألفًا، إلا أنهم ظلوا جماعةً شديدة السرية.
و في هذا العصر، لم يظهر الزعيم في أي مقطع مصور وهو يلقي خطبة. بل إن جميع معلوماتهم الداخلية كانوا يسجلونها يدويًا على الورق فقط.
لذلك، لم يكن هناك سبيلٌ للحصول على أية معلومات حقيقية عنهم، ما لم يتم التسلل فعليًا إلى داخل جماعة با-ميل-تشو وفتح ملفاتهم الورقية واحدةً تلو الأخرى.
“هذا هو، حاليًا، المكان الذي يعيش فيه زعيم الطائفة.”
ناولتن سيان كومةً سميكة من الأوراق المطبوعة كانت قد أُرسلت إليها من قِبل العميلة “G”. و من الصفحة الأولى إلى الأخيرة، كلها صور أقمار صناعية لتلك الجزيرة.
“أتباع با-ميل-تشو يطلقون على هذه الجزيرة التي يعيش فيها الزعيم اسم ‘أرض الخلاص’ أو ‘الفلك’.”
“الخلاص، إذاً،.…”
“للأسف، لا يمكن اختراقها إلكترونيًا. بل لا يمكن اختراقها إطلاقًا. فالجزيرة لا تملك إنترنت، ولا كاميرات مراقبة، ولا حتى هواتف جوّالة.”
راح جوون يتصفح صور الأقمار الصناعية بخفة، لكن عينيه التقطتا تفاصيل حادة من مجرد الصور.
“سكان الجزيرة أغلبهم من النساء الشابات؟ بالكاد يوجد من تجاوز الأربعين. هناك مراهقون وبعض الأطفال، وهناك رجالٌ قليلون، لكن…..هذا؟ لا بد أنه كلب. كلب حراسة.”
كلابٌ تمنع الغرباء من التسلل. وكلابٌ أخرى تراقب النساء لئلا يهربن.
“حسنًا، لا بأس. في هذه الحالة، دعينا نتسلل إلى ما يُسمى بأرض الخلاص.”
قال جوون ذلك ببساطة، لكن سيان قطبت حاجبيها وهزت رأسها رفضًا.
“الأمر ليس بهذه السهولة. إذا أردنا التجول داخل أرض الخلاص وجمع المعلومات الضرورية، ثم كشف هوية الزعيم الغامضة، والخروج منها بأمان…..فلا مفر من التسلل متخفيًا كأحد الأتباع. لكن ما يميز جماعة با-ميل-تشو أن..…”
“مهما كانت ‘الخصوصيات’، فلكل وضعٌ استثنائي.”
هز جوون الأوراق المطبوعة التي تحوي صور الجزيرة، وكأنه يلوّح بطُعم.
“مرةً واحدة في الشهر، يدخل إلى أرض الخلاص عددٌ من الأتباع لا يتجاوز عشرة أشخاص، ويبدو أن..…”
“أعرف. إنهم يمكثون هناك لأسبوعين قبل أن يعودوا. لكن أولئك يكونون فقط من الأتباع المتحمسين الذين تم اختيارهم بعناية. كل يوم أربعاء صباحًا، تنقلهم سفينة إلى الجزيرة.”
“نعم، تلك السفينة بالضبط.”
ابتسم جوون من طرف شفتيه.
“أظنني أستطيع تدبير مقعدين على تلك السفينة.”
قال “أظن” وكأنه غير متأكد، لكن من يعرف شخصية تاي جوون يدرك تمامًا أنه قد دبر الأمر مسبقًا.
“هل تقول أن بإمكاننا فعلًا التسلل إلى أرض الخلاص؟”
“نعم، وبالأخص أنه خلال الأسبوعين اللذين سنكون فيهما داخل الجزيرة، ستمر عاصفةٌ استوائية عنيفة.”
عاصفة…..
رغم أن التوقعات الجوية غالبًا ما تخيب، إلا أن مجيئها قد يكون فرصةً مثالية. فبينما ينشغل الأتباع بالفوضى، سيكون من الأسهل تفتيش المكان خِفية.
لكن هذا كله كان أشبه باقتراحٍ يقول، لنفتعل الفوضى أولًا، ثم نفكر في كيف سنخرج منها لاحقًا. و دعينا لا نخبر الرئيسة وننفذ العملية مباشرة.
بلعت سيان ريقها الجاف، ليعاود جوون التلويح بكومة الأوراق المطبوعة كأنها طُعمٌ مرة أخرى.
“ألا تشعرين فجأة بفيضٍ من الفضول؟ ألا ترغبين بشدة في رؤية أرض الخلاص؟”
بالطبع، كانت ترغب.
الرئيسة أيضًا كانت تبذل جهدًا، لكنها قالت أن أفضل فرصة للتسلل إلى أحد فروع با-ميل-تشو قد لا تأتي قبل الشتاء.
وإذا كان الأمر يتعلق بالوصول إلى الجزيرة التي يقيم فيها الزعيم، فقد يستغرق ذلك سنوات.
قالتقط سيان الطُعم فورًا.
“موافقة. سنقوم بالتسلل إلى الجزيرة. لكن…..بالتسبة للذهاب إلى أرض الخلاص، سأذهب وحدي.”
عندما رأت عيني جوون تضيقان بريبة، رسمت سيان حدودًا واضحة بنبرة حازمة.
“في عملية التسلل هذه، تاي جوون، أنت ستبقى خارجها.”
كانت جزيرة بلا إنترنت، بلا تلفاز، يسكنها متعصبون دينيون. وإن دخلها غريبٌ بمفرده وحدث له مكروه، فلن يكون هناك أي سبيل للنجاة من وضع ميؤوس منه.
ومع ذلك، عليها أن تذهب وحدها. فقط مجرد تخيل جوون واقفًا بين أولئك الأتباع…..
لا، لا يمكن.
هزت سيان رأسها بقوة لتنفي الفكرة. جوون، كأحد أتباع طائفة دينية؟ بل على العكس، وجوده وحده كفيلٌ بإثارة الشكوك.
“حسنًا، كما تريدين.”
و بشكل غير متوقع، وافق جوون ببرود وهو يرمي كومة الأوراق المطبوعة على الطاولة باستهتار.
“لو علمت الرئيسة أنني سمحت لـ لي سيان بالتسلل وحدها، ستقسم رأسي الى نصفين كما يُقسم البطيخ.”
***
بينما كانت سيان تتحدث في مكتبها مع العميلة “G” عبر الهاتف، كان جوون جالسًا على أريكة في غرفة المعيشة، يتفحص صور الجزيرة بعناية فائقة، ورقة تلو الأخرى.
و ركّز تحديدًا على توزيع المباني والمسافات بينها، ليحفظها في ذاكرته بدقة.
كانت جزيرةً صغيرة تحتوي على جبل واحد. وبجانب الرصيف مباشرة، كان هناك مبنى يبدو على الأرجح أنه نقطة تفتيش. ومن هذه النقطة، يمتد طريقٌ ضيق لمسافة خمسمئة متر نحو الداخل، حيث تتوزع حقول ومساكن تشكّل قرية صغيرة.
و أخذ يحدق في مباني القرية بعين فاحصة ودقيقة…..
“هنا.”
ثم أشار بإصبعه إلى المبنى المكوّن من ثلاثة طوابق، ذاك الذي يُحتمل بشدة أن يكون مقر الزعيم.
جميع مباني القرية كانت من طابق واحد، مصنوعةٍ بطريقة تركيبية بسيطة، ما عدا مبنيين اثنين بُنيا من الطوب المتين. و من بينهما، ذاك المبنى الكبير على الأرجح قاعة التأمل، أما الأطول، فلا بد أنه مقر الزعيم.
‘الزعيم..…’
نقل بصره إلى دفتر الرسم الخاص بكيم يون وو. ثم قلب صفحةً بسرعة، وفتح على مصراعيه تلك الرسمة لرجلٍ مشوه الوجه.
“الزعيم، هاه..…”
تمتم بها بخفوت، وضيّق عينيه قليلًا وقد غرق في التفكير، قبل أن يعتدل بجسده بطريقة لا مبالية.
وحين التفت ليمسك بفنجان القهوة، لمح لينكون جالسًا على طرف الأريكة.
لينكون، ومنذ الثاني عشر من مايو، لا يزال غاضبًا من سيان ولم يُصفِ قلبه بعد. ورغم ذلك، كان ينظر بثبات نحو باب المكتب حيث دخلت سيان، بنظرة لا تخلو من الظرافة والحنين.
ذلك المخلوق الوفي، السامجوكو، كان يعتبر “لي سيان” كلَّ عالمه، يحبها بإخلاص تام، وحبٍّ لا يقبل القسمة. وكان ذلك واضحًا في عينيه.
ولهذا، لا بد أن يكون غاضبًا ومحبَطًا جدًا من أنها حاولت الموت من دونه.
“ألم يكفِك أن تغضب لمدة شهرين؟ ألا يكفي هذا حقاً؟”
قال جوون ذلك بصوت مسموع، وما إن أدرك لينكون أن الحديث موجهٌ إليه، حتى رفع رأسه ونظر إليه.
فأشار له جوون بإصبعيه، و داعب الهواء بتحريكهما.
“كفاك عبوسًا، أيها الصغير ذو القرنين.”
“…….”
“لو أنك متّ في الثاني عشر من مايو، لكانت لي سيان لا تزال حتى الآن تتعذب تحت وطأة الشعور بالذنب، لأنها وحدها من بقيت على قيد الحياة.”
فأصدر لينكون صوتًا خافتًا من حنجرته — خرخرة تحذيرية تقول بوضوح: “لا تتحدث إليّ.” ثم أدار رأسه مبتعدًا عنه بتجاهل.
لكن جوون واصل كلامه بصوت جاد، وبنبرة ثقيلة بالصدق.
“لي سيان ما كانت لتبتسم الآن، إلا لأنها نجت، و لأنكَ نجوت معها. أنت تعرف، أليس كذلك؟ تعرف كم تحبك لي سيان.”
وهذه المرة، ذلك السامجوكو الغاضب لم يصدر أي زئير. فابتسم جوون ضاحكًا ضحكةً قصيرة، ثم أثار غضبه بدافع المشاكسة.
“استمرّ على هذا الحال، عبوسًا ومخاصمًا هكذا، وسأخطف لي سيان منكَ!”
___________________
عادي موافقه تزوجوا وخلوا لينكون 😘
بس لحظه لايكون صدق سيان بتروح بدون جوون؟ على كيفس ياقلبو؟
يالرئيسة تكفين تعالي مزي اذن بنتس كودها تعقل !
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 85"