جمعت جو يون كل الملابس في غرفة الملابس ورمتها كلها في غرفة المعيشة.
معاطفٌ وأثواب حسب الفصول، سراويل رسمية وغيرها.
لم تكن الملابس وحدها، بل حتى الحقائب والأحذية والإكسسوارات، أخرجت كل شيء ووضعته مكدّسةً على أريكة غرفة المعيشة.
كانت كلها أشياء استعارتها يون جو مرة أو لمستها على الأقل.
ولأن تلك الأشياء لم تكن واحدةً أو اثنتين، فبدلًا من فرزها واحدةً واحدة، فكّرت في أن تبيع كل ما تملك حاليًا في سوق المستعمل وتشتري كل شيء جديدًا من الصفر.
أفلتت من يدها علبة الإكسسوارات الثقيلة، فانزلق مشبك شعر طويل تحت الأريكة. و جلست فورًا على ركبتيها ومدّت يدها تحت الأريكة، لكنها بالكاد لمست المشبك.
كان بإمكانها سحب الأريكة لإخراجه……لكن بمجرد أن فكرت أنه مشبك لم تعد تستخدمه بعد أن قصّت شعرها، غمرها الغضب.
“آه، تبا. هل أغيّر تخصصي فقط؟ وأنقل جامعتي أيضًا؟”
من المؤكد أنها تُشتم الآن في الجامعة. بدا لها أن الانتقال لجامعة في الخارج حيث لا ترى أحدًا سيكون أفضل.
نعم، أن تغيّر كل بيئتها رأسًا على عقب. إلى مكان لا يمكن ليون جو اللحاق بها فيه……إلى الخارج.
كانت فكرة أقرب ما تكون إلى “التحرر” بعينه.
“لنسافر. لماذا عليّ أن أتحمّل بارك يون جو وأنا على أرض كوريا؟”
دينغ-
شعرت بتحسن للحظة وهي تتخيل حياتها في الخارج، لكن صوت الإشعار قطع ذلك، وما إن فتحت الرسالة حتى عاد وجهها يتلوّى من الغضب.
<~: تركت لكِ بودينغ أمام البيت. أنت دومًا ترغبين في أكل البودينغ وقت دورتكِ الشهرية.>
كانت رسالةً من يون جو.
في السابق، كانت تحب كيف تهتم يون جو بتفاصيل أيام دورتها وتراعيها، لكن الآن شعرت بقشعريرة مزعجة من كونها تعرف حتى هذه الأمور الشخصية الصغيرة.
ذهبت فورًا إلى الشرفة وألقت نظرةً إلى الخارج، فرأت بعد دقائق قليلة ظهر يون جو وهي تمشي بخطى ثقيلة منهكة.
ثم رفعت يون جو رأسها نحوها بنظرة قلقة، و أرسلت رسالةً أخرى.
<~: جو يون، تأكدي من أكل البودينغ. لا أعلم لماذا تبدين مكتئبةً بهذا الشكل هذه الأيام……إذا شعرتِ برغبة في التحدث، ناديني فقط. حسنا؟ سأكون دائمًا هناك لأجلكِ.>
في الحقيقة، كنّ صديقتين مقربتين جدًا طوال السنوات الثلاث الماضية. ومن الطبيعي أن تشعر يون جو بالارتباك بعد أن تم إبعادها فجأة.
المشكلة أن مثل هذه الرسائل، والتي كانت تبدو فيما مضى مفعمةً بحب واهتمام الصديقة، أصبحت الآن……
“لا تضحكيني”
تشاااق-!
فسحبت جو يون الستارة بعنف وكأنها تفصل بينها وبين يون جو.
***
منذ اليوم الذي أثارت فيه الضجة في الجامعة، لم تلتقِ جو يون بيون جو لما يقارب نصف شهر.
حتى البودينغ الذي تركته يون جو أمام باب الشقة، لم تلمسه. بل أخبرت موظف الأمن فورًا أن يرميه في سلة المهملات.
وفي كل مرة تمسك فيها هاتفها، كانت تغلي بداخلها رغبةً في حظر اسم “بارك يون جو”.
لكن لو فعلت ذلك، فستأتي يون جو وتبقى واقفة أمام الشقة كتمثال، تبكي وتتوسل وتقول: “جو يون، لماذا تفعلين هذا؟”
وكان ذلك مزعجًا جدًا، لذا كانت تكتفي بتجاهل اسم “بارك يون جو” أثناء تمرير الشاشة بسرعة.
نعم، تجاهل.
كان هذا على الأقل أقل إزعاجًا، لكنها كلما مرّ الوقت أكثر، كلما شعرت بالغضب يغلي داخلها وهي تفكر،
‘لماذا؟ لماذا أنا من عليها أن تتجنبها؟’
هذا الغضب الممزوج بالضيق كان يرفع درجة حرارة مشاعرها كل دقيقة وكل ثانية، حتى لم تعد تستطيع تحمّل هذا الاشتعال بداخلها.
في مثل هذه الأوقات، كان سيكون رائعًا لو تمكنت من الثرثرة مع صديقة والتنفيس عن غضبها من يون جو……
لكن خلال السنوات الثلاث الماضية، لم تكن لها أي صديقة سوى بارك يون جو.
قبل كل شيء، كانت يون جو تعامل جو يون كما لو كانت سيدةً لها، ترفعها وتدللها دائمًا، ولأنها اعتادت على ذلك تمامًا، كانت أحيانًا تتصرف لاشعوريًا مع زملائها بنفس الطريقة التي تعاملها بها يون جو.
وربما بدا ذلك مزعجًا، فلم تتمكن أبدًا من تكوين صداقةٍ عميقة تستطيع من خلالها البوح بمشاعرها.
كان الأمر وكأنها سقطت في حفرةٍ اسمها “بارك يون جو”، وعلقت في فخ قذر لا يمكن الإفلات منه.
منذ متى كانت عالِقَةً في هذا “الفخ اللزج” الذي يُسمى “صداقةً حميمة”؟
***
عندما أوقفت جو يون سيارتها في الموقف، عاد وجهها يتقلّب من الانزعاج مجددًا.
أشعة الشمس التي كانت تتراقص خلف زجاج النافذة اخترقت عينيها بقوةٍ أشد من المعتاد.
ربما لأن اليوم هو 21 يونيو، يوم الانقلاب الصيفي. اليوم الذي يُقال فيه أن النهار هو الأطول في السنة، والليل هو الأقصر.
و لعل لذلك السبب، كانت تشعر منذ الصباح وكأن كتلةً من النار تشتعل داخل صدرها.
“حارجدًا.”
أزاحت خصلةً شعر كانت تدغدغ فكّها بحركة يد ضجرة.
رغم أنها مشيت قليلًا فقط من الموقف حتى صالة المعرض، إلا أن عرقها بلّل رأسها من الداخل.
عندما كان شعرها طويلًا، كانت تلفّه للأعلى، لكن الآن وقد قصّته، لم يعد بالإمكان ربطه……
الضيق، الغضب، والظلم، كلها تفجرت من صدرها كأنها نارٌ تشتعل.
منذ أن صرخت وأثارت الضجة في قاعة المحاضرات، لم تعد تذهب إلى الجامعة أبدًا. أما عن مسألة الانتقال إلى جامعة في الخارج، فقد أنهت الحديث بشأنها بشكل سريع مع والدتها عبر مكالمة فيديو، وكان والدها أيضًا متفهمًا ووافق بسهولة.
وبناءً على رجاء جو يون الملحّ بأنها فقط تريد أن تغادر بأسرع وقت، فقد تقرر بالفعل أن تسافر في أوائل يوليو، بغض النظر عن أمر التحويل الجامعي.
كانت جو يون حذرةً حتى لا تتسرب هذه القصة إلى يون جو بأي شكل. فقد فكّرت أن تفاجئها بوداعٍ أبدي عندما تصل إلى إنجلترا.
زيززز-
فُتح الباب الأوتوماتيكي على مصراعيه وانبعث منه هواءٌ بارد منعش. فاستنشقت جو يون الهواء البارد كأنها تشرب الماء.
وبما أن المعرض الفني “ميديا آرت كليمت” كان قد افتُتح للتو، فلم يكن هناك أحد تقريبًا.
كانت جو يون مولعةً بكليمت منذ المرحلة المتوسطة، فلم تكن تفوّت أي شيء يتعلق به وكانت تشتري كل ما يتعلق به أيضًا. وقد خرجت من شقتها للمرة الأولى منذ زمن طويل فقط من أجل هذا المعرض.
وبعد أن قضت حوالي عشر دقائق تتجول بهدوءٍ لتجديد مزاجها، رفعت رأسها. فإذا بشاب في أوائل العشرينات يحمل حقيبة ظهر يقف أمامها.
حدّقت فيه باستغراب وكأنها تقول: من هذا؟ فابتسم الشاب وألقى التحية بخفة.
“كيف كنتِ طوال هذه المدة؟”
أهو شخصٌ أعرفه؟ إذا كان يتحدث بهذه الأريحية وبنفس العمر تقريبًا، فلا بد أننا مقربان، لكن من يكون؟
مهما بحثت في ذاكرتي، لم أتعرّف على وجهه.
“آه……أ-أهلاً.”
ردّت بتحية مرتبكة وهي تعبث بطرف شعرها القصير. فردّ الشاب بنبرة فيها خيبة أمل.
“في اللقاء الأخير كان الحديث معكِ ممتعًا جدًا، وجئت اليوم فقط لأراكِ هنا……لا تقولي أنكِ لا تتذكرينني؟”
“لقاء تعارف؟”
‘لا، لا، لا يمكن. من الواضح أنه يخلط بينها وبين شخص آخر.’
كانت على وشك أن تخبره بأنه أخطأ في الشخص، لكن الشاب قال شيئًا غير متوقع بنبرة ودودة.
“على كل حال، قصصتِ شعركِ، أليس كذلك؟ لذلك ترددت قليلًا إن كنتِ أنتِ أم لا……صحيحٌ أنه صعب في العناية، لكنك قلتِ أنكِ ستربين شعركِ ليصبح أطول……يبدو أنك غيرتِ رأيكِ؟”
آه.
آآه.
وكأن شرارةً قد انطلقت في رأسها، شعر في قلبها بحرقة كأن النار قد خدشته.
يون جو. هذا الشاب يخلط الآن بين هوانغ جو يون و بارك يون جو.
و يظن أن يون جو هي من قصّت شعرها.
“أووه، أأأاه!”
فشوّهت وجهها وهي تقبض على يدها بقوة، ثم دفعت الشاب بقسوة وركضت خارجةً من المعرض.
***
‘يا لها من مجنونة.’
أوقفت جو يون السيارة بعنف ثم خرجت منها مسرعةً إلى الحر، ويداها ترتجفان.
كانت تصرّ على أسنانها وهي تتجه نحو مقهى المطعم الذي تعمل فيه يون جو بدوامٍ جزئي.
دوووم-
دفعت الباب بعنفٍ كما لو كانت ستحطمه، فرأت يون جو تمسح خصلات شعرها الجانبية الطويلة وتعبث بأطرافها.
تلك كانت عادة جو يون القديمة.
دق- دق-
بدأ مجال رؤيتها يضيق كعين الإبرة، ولم يبقَ في العالم إلا بارك يون جو تملأه بالكامل. فركضت جو يون بجنون وصفعت يدها بقوة.
“آي!”
ثم استدارت يون جو برأسها بسرعة وقد ارتسمت الصدمة على وجهها.
“جو يون……”
“ألستِ مجنونةً بحق؟!”
خرج صوتها مرتجفًا.
“أنتِ……خرجتِ بدلًا مني في لقاء التعارف؟ في الرابع والعشرين من الشهر الماضي؟”
ارتبكت يون جى وبادرت بالاعتذار للزبائن أولًا. لكن جو يون أمسكت بكتفها بقوة وأدارتها لتجبرها على النظر إليها مجددًا.
“لماذا تذهبين إلى لقائي أنا؟!”
“أ-أعني……كانت “D” تعاني من نقصٍ في الأشخاص فـ……”
“ومع ذلك، لماذا تذهبين إلى لقائي أنا! لماذا! لماذا! لماذااا!”
“جو يون، اهدئي قليلًا أولًا.”
“هل أبدو وكأنني قادرةٌ على الهدوء الآن؟ من الواضح أنكِ تجاوزتِ كل الحدود!”
حدّقت بها يون جو لبرهة، ثم سألتها بوجه لا يفهم شيئًا.
“لقد خرجتُ بدلًا منكِ في لقاء تعارف، هل أزعجكِ الأمر لهذه الدرجة أنني ذهبت بدلًا منكِ؟”
“طبعًا أزعجني! بوجهي أنا! في موعدٍ وُجِّه لي أنا! بدلًا عني! من دون علمي! مرتديةً ملابسي نفسها، وتتباهين بشعري!”
صرخت جو يون بصوت عالٍ دون أن تلتقط أنفاسها.
فبدأ الناس في الطاولات المجاورة يتهامسون، وسمعت تعليقات من قبيل “هي تصرخ بهذا الشكل لمجرد أنها ذهبت بدلًا عنها في لقاء تعارف؟” وغيرها من همسات الاستغراب.
ثم ردّت يون جو بنبرة تنم عن خيبة أمل.
“أنتِ قلتِ أنكِ تكرهين لقاءات التعارف……لهذا خرجتُ بدلًا عنكِ……ثم إن “D” لم تقل شيئًا أيضًا. جو يون، أنتِ غريبةٌ جدًا هذه الأيام.”
“هاه.”
ضحكت بسخريةٍ من شدّة الدهشة، ثم رفعت يدها المرتجفة قليلًا قبل أن تُسقِطها مجددًا.
فلم تعد تشعر بالغضب أو الضيق، بل بدأت تشعر بالخوف.
لم يعد الأمر مجرد ارتداء نفس الملابس أو نفس تسريحة الشعر. بل ما أرعبها فعلًا هو أن نبرة صوت يون جو ، وتعابير وجهها، وإيماءاتها، كانت كلها نسخة طبق الأصل من “هوانغ جويوَن”.
حتى فرق الطول بينهما، الذي كان حوالي خمسة سنتيمترات، اختفى تمامًا بعد أن قصّت جو يون شعرها وبدأت ترتدي أحذيةً مسطّحة.
أصبحت بالفعل نفس الطول، نفس الوجه، ونفس الهالة……وكأنها ترى انعكاسها في المرآة.
خلال الأسبوعين الماضيين، بينما كانت تحاول عمداً ألا تلتقي بها، كانت بارك يون جو تتحول تدريجيًا إلى هوانغ جويوَن مكتملة، كفراشة خرجت لتوّها من شرنقتها.
“الغريبة هي أنتِ.”
قالت جو يون ذلك بصوت مبحوح، ثم سحبت قدمها إلى الخلف وهي تجرّها على الأرض.
إذا اقتربت أكثر من هذا……شعرت برعب حقيقي من أن يتم ابتلاعها بالكامل في يون جو، وأن تُنتزع منها البقية المتبقية من ذاتها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 79"