كليك كليك-
قامت سيان بالتقاط صورةٍ أخيرة للشكل الكامل للدائرة السحرية. ثم جمعت الصور التي التقطتها كمرفقات، وكتبت تقريرًا رفعته إلى الرئيسة.
ثعابين جلجامش. لقد اقتربوا كثيرًا من كشف حقيقة تلك الثعابين الغامضة التي لطالما ظلت غامضة.
لا يزال من غير المعروف من هم بالتحديد، لكن الآن بات بإمكان جانب أوتيس تنفيذ الهجوم، والدفاع، والتشويش، والمواجهة، وحتى التسلل.
ولو أمكن، لكان من الأفضل فضح هوية كل ثعبانٍ واحدًا تلو الآخر بالكامل……لكن منظمة أوتيس بطبيعتها منظمةٌ سرية للغاية.
إنها منظمةٌ تتحرك بأقصى قدر من السرية حتى تظل هذه الحياة قائمة على العلم والعقل، وتُترك فكرة الأشباح وغيرها من الخرافات في طي النسيان.
وما يزيد الأمر خطورة، أنه لو كُشف أن الطبقة العليا في المجتمع كانت تقدم أضاحي بشرية سعيًا وراء الخلود، فإن ذلك سيثير ضجةً لا يمكن تخيلها.
قد تزداد الجرائم المشابهة لتقديم الأضاحي البشرية إلى حد يصعب السيطرة عليه. بل وقد تُفهم المعلومات بشكل خاطئ، ليُقتل أناسٌ لمجرد كونهم توائم، على سبيل المثال.
هل يعقل أن يرتكب أولئك الأغنياء مثل هذه الأفعال من دون سبب؟ لا، مستحيل. لا بد أن هناك نتيجةً حقيقية. لذا أنا أيضًا……
الأم التي قضت حياتها في الشقاء وها هي تموت……
الطفل الذي يعاني من الألم……
إن كانت هناك فرصة، حتى ولو لمرة واحدة فقط……
هذه الأمنية العميقة تُشبه موجةً مدّ جارفة، فإذا ما بدأت تتحرك جماعيًا، يستحيل وقفها.
لهذا السبب، يجب القضاء على كل واحدة من هذه “ثعابين جلجامش” بشكل سري، واحدة تلو الأخرى.
جميع الأفاعي السامة، يجب القضاء عليها كليًا من هذا العالم.
أرسلت البريد الإلكتروني إلى الرئيسة، ثم مررت يدها عبر شعرها، وعندها فتح جوون، الذي كان يراقب عملها بهدوء منتظرًا، فمه بالكلام.
“قلتِ أن لديكِ ما تقولينه لي، أليس كذلك؟”
“كيم يون وو، التي كانت الأضحية البشرية في حادثة الكاميرا، تبيّن أن والدتها كانت من أتباع طائفة حصاد القمح مم البحر.”
“كما توقعت.”
“وهناك شيء آخر. خلال أيام المدرسة الثانوية، قالت كيم يون وو لصديقتها الوحيدة هوانغ جو يون:
(أنا ثمرة الحياة الأبدية).”
“ثمرة الحياة الأبدية؟”
“هذا يعني أن كيم يون وو كانت تعلم، ولو بشكلٍ غامض، أنها أُضحية. قالت أنها ستذهب إلى النعيم قبل أن تبلغ الخامسة والعشرين.”
“النعيم، هاها……”
ضحك جوون بسخرية، مستهزئًا.
“هذا النعيم العظيم……لماذا لا يذهبون إليه هم أولًا؟”
“على أي حال، أخبرني والد كيم يون وو أن أتباع الطائفة يعيشون بشكل جماعي وسري……وأعتقد-”
“ثمار الحياة الأبدية، بصيغة الجمع.”
قاطعها غو أون، وكان قد خمّن بدقة ما كانت توشك على قوله.
“كلما زاد الحصاد، زادت الثمار……وكلما زادت، كان ذلك أفضل.”
“بالضبط. أعتقد أن كيم يون وو لم تكن سوى واحدةٍ فقط من بين عدة ضحايا.”
“يا له من أمر……يكتشفون توائم في الرحم، فيُقنعون الأم بالدخول في الطائفة ويجعلونها من المؤمنين المتعصبين، ثم يربّون الهدف المُعد ليكون أضحيةً منذ الطفولة على إيمانٍ أعمى وكأنه ولد عليه. يأخذون الفرخ والبيضة معًا، يا لهم من أوغادٍ اقتصاديين بالفعل!”
ردت سيان على سخرية جوون بنفس النبرة الساخرة،
“ربما يوجد داخل الطائفة توائم في الرحم لا نعلم عنهم شيئًا، مخفيون في السر. يجب أن نتحقق من هذا، و بأي وسيلة.”
***
كتبت سيان رسالةً إلكترونية إلى الكاهن الألماني المختص بطرد الأرواح الشريرة، والذي التقت به لفترة قصيرة في بُوآن خلال شهر أبريل الماضي.
طَق–
وجهت سؤالها إلى الكاهن الذي كان خبيرًا في الديانات القديمة، عما إذا كان يعرف أي أسرار مخفية تتعلق بـ”ثعابين جلجامش” و”عشبة الحياة”، أو إن كان لديه رأيٌ خاص حول الأمر.
بعد أن أرسلت البريد وأغلقت الحاسوب المحمول، كانت الساعة 4:20 فجرًا.
كان من المفترض أن تنام ليصفو ذهنها، لكن تفكيرها المزدحم لم يترك لها مجالًا لتعرف إن كانت ستنام أصلًا.
ففكت سيان رباط شعرها وهزت رأسها المتعب ببطء.
حتى بعد أن استلمت الرئيسة تقريرها، لم ترد عليها فورًا. وبعد الرابعة صباحًا، وصلها ردٌ مختصر يفيد بأنها في اجتماع حاليًا مع اثنين من كبار المسؤولين في المقر الرئيسي بروما، وأن عليها أن ترتاح و تبقى بانتظار التعليمات.
وفي النهاية قررت أن تقضي الليلة في منزل جوون.
وحين رفعت بصرها قليلًا، لمحت لينكون واقفًا أمام الباب وكأنه حارسٌ موكّل.
كان ملتفًا بجسده، يدفن رأسه في ساقيه الخلفيتين، جالسًا وظهره نحو سيان—إشارةً واضحة على أنه لا يزال غاضبًا.
منذ الثاني عشر من مايو، لم يكن لينكون يأكل طعامًا ولا يشرب ماءً. صحيحٌ أنه مجرد كلب شبح، فلا ضرر من عدم تناوله شيئًا……
لكن طوال الواحد والعشرين عامًا الماضية، عاملته سيان كأنه كلبٌ حي. وكان لينكون يُظهر تقاربه منها بتناوله للماء والطعام.
اقتربت سيان منه، ثم جثت على ركبتيها بجانبه. ورغم أنه شعر باقترابها، إلا أنه لم يُبدِ أي رد فعل. لم يرفع رأسه، و لم يتحرك ذيله، حتى أذناه لم ترفرفا.
“لينكون.”
رفعت يدها لتحكّ له ظهره، لكنها ترددت، ثم أعادت يدها إلى الأسفل بهدوء.
***
أثناء خروجها من غرفة النوم متجهةً إلى المطبخ، انجذب نظرها إلى الشرفة.
في الشرفة المعتمة حيث كانت الأضواء مطفأة، كان جوون واقفًا هناك.
في البداية أدارت سيان وجهها لتتجه إلى المطبخ، لكنها توقفت، ثم غيّرت رأيها واقتربت منه.
كانت هناك طاولة بار منزلي في الشرفة، وكان جوون يحتسي الشراب بينما ينظر إلى منظر المدينة الليلي.
فجلست سيان على أحد المقاعد المجاورة له.
“أعطني كأسًا أنا أيضًا.”
مال جوون برأسه إلى الجانب، ثم نظر إليها ببطءٍ من الأعلى إلى الأسفل.
بما أنها وضعت بدلتها، التي ارتدتها طوال اليوم وأصبحت مجعّدة، في جهاز التنعيم، فقد كانت ترتدي قميصها الرسمي الفضفاض.
شعرها كان منسدلًا بشكلٍ عفوي على غير عادتها، وكانت حافية القدمين و ببنطالٍ قصير، فبدت قامتُها الرشيقة وتفاصيلها الجميلة واضحةً بشكلً خافت،
حتى الآن، الشخص الوحيد الذي رآها بهذه الهيئة كان لينكون فقط.
وضع جوون أمامها علبةً حرارية بنقرة خفيفة.
علبة حرارية؟ لقد طلبت كأسًا من الشراب، فما الذي يجري؟
فتحت الغطاء باستغراب، فوجدت فيها حساء كستناء دافئ يبعث البخار.
ثم نقَر مجددًا ووضع لها ملعقةً بجانبها، مشيرًا بيده بخفة وكأنه يقول: تفضّلي، كلي.
ابتسمت سيان بسخرية خفيفة، ثم أخذت ملعقةً من الحساء المتصاعد بالبخار ووضعته في فمها.
“هممم……”
‘لذيذ.’
كان الحساء ناعمًا يذوب فوق لسانها، بطعم دافئ وغني.
بدا كما لو أنه يملأ جسدها المنهك والجائع طوال اليوم، وكان هذا الشعور بالشبع البسيط كافيًا ليمنحها سعادةً هادئة.
وربما لم يكن السبب في هذه السعادة هو الطعام نفسه……بل وجود تاي جوون بجانبها.
حين وضعت الملعقة أخيرًا، ناولها جوون كأس ويسكي. فبدأت بتحريك مكعبات الثلج داخله ببطء، ثم بدأت تحتسي الشراب على مهل.
في ليلةٍ يغوص فيها الكثيرون في نومٍ عميق، كان العالم مظلَّلًا بلون العنب الأرجواني الغامق، وفي المقابل، كان هناك من استيقظ مبكرًا وبدأ يتحرك بنشاط.
عادةً، في مثل هذا الوقت، كانت سيان تقف بمفردها مستندةً إلى النافذة الكبيرة في الشرفة، تتأمل منظر المدينة الليلي……
لكن الآن وهي تراها معًا، بدت تلك الليلة وكأنها تحمل إحساسًا مختلفًا، رغم بساطتها.
ربما لأن شعور الوحدة الصامتة الذي كان يملأها وهي تنظر بمفردها قد اختفى، فلم تعد تشعر بأنها وحدها في هذا العالم، أو كأنها غريبةٌ عنه.
حولت سيان نظرها إلى انعكاسهما على زجاج النافذة الكبيرة. كانت هي وتاي جوون جالسَين جنبًا إلى جنب، وذراعهما يكاد يلامس الآخر.
متى اقتربت منه إلى هذا الحد؟
ستة أشهر. فترةٌ قد تُعد طويلة، أو قصيرة حسب النظرة.
في البداية كان وجوده يربكها ويزعجها لدرجة أن مجرد رؤيته كان يثير أعصابها، لكن الآن……حين يكون بقربها، تشعر بالطمأنينة، بل وتراودها رغبةٌ عابرة في الاقتراب منه أحيانًا.
انتفض قلبها قليلًا. فنظراتهما التقتا عبر انعكاس الزجاج.
سيان لم تُشِح بنظرها، وكذلك جوون. و استمرّا في النظر إلى انعكاس بعضهما البعض في الزجاج المظلم، يحتسيان الشراب بهدوء.
وكانت نظراتهما كأنها خيوطٌ تتشابك بهدوء، ثم تتجه نحو وجه الآخر ببطء……
كان الجليد في الكأس يذوب ببطء. وفي تلك اللحظة، بلغ التوتر بينهما ذروته.
ظلت سيان بلا حراك، تحبس أنفاسها، ثم رفعت كأس الويسكي إلى شفتيها الممتلئتين، وكل ذلك تحت نظرته المركزة عليها.
أمالت رأسها إلى الوراء، مكشوفة العنق، وابتلعت الشراب دفعةً واحدة، ثم طَق- وضعت الكأس على طاولة البار ونهضت واقفة.
“كان مشروبًا جيدًا.”
قالت ذلك بصوتٍ جاف خالٍ من أي دفء، يرسم خطًا فاصلاً أمام الرغبة.
“ألا ترغبين في امتلاكي؟”
سألها جوون بنبرة جريئة ومثيرة. لكن سيان أجابت بهدوء ووضوح،
“مشاعر الحب……لا يوجد لها مكانٌ الآن. ربما لاحقًا.”
“لكني أريد أن أحبكِ، يا لي سيان.”
كان اعترافًا مباشرًا وصريحًا.
“سأقرر أنا الموعد.”
حينها ضحك جوون، ضحكةً قصيرة مليئة بالرضا والسرور.
ولأنها ردت عليه بهذه البرودة، لم يتراجع، بل أظهر مشاعره بوضوح أشد.
“تصبحين على خير، آنسة لي سيان.”
_____________________
حلوه ذي شلون تحدد موعد لمشاعرهم؟😭😭😭😭
لينكون زودها عاد خلاص خل سيان عشان تفضى لجوون هعهعهعهععه
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 77"