كان جوون يسخر بازدراءٍ وهو ينظر الى عبارات الدائرة السحرية ويطلق ضحكةً ساخرة.
‘كما توقعت.’
ما يفعله أولئك الذين يملكون كل شيء هو السعي وراء الخلود لا غير. فهم يرغبون في الاستمتاع إلى الأبد بما يملكونه الآن.
لقد خمّن منذ البداية أن الأمر يتعلق بجنونٍ من نوع “العمر، الصحة، الخلود، والشباب”.
على أي حال، إن جمعنا الجملتين في الدائرتين الأولى والثانية، نحصل على: “نتلقى من الأحياء سرّ الحياة والصحة الخالدة.”
إذاً، أصبح من الواضح الآن ما الذي كانت الثعابين ترجوه من تقديم القرابين البشرية.
في الواقع، كان رئيس مجموعة UM يبدو نشيطاً بشكلٍ لا يليق برجل في الثمانين من عمره. حتى أنه لم يفكر أبداً في تسليم منصبه لابنه.
“هاه……”
تنهّد جوون وهو يعقد حاجبيه بإحكام.
‘لكن هذا وحده لا يكفي. و لا يبرر تحديداً رغبتهم بـ”توأم في الرحم”……’
وقبل كل شيء، هناك أمرٌ بالغ الأهمية مفقود.
إلى من. إلى من يُقدَّم هذا القربان الحي؟
حرك نظره نحو الدائرة الأولى في الدائرة السحرية. كانت هذه الدائرة التي تحيط بالمذبح بشكل دائري، جوهر هذه الدائرة السحرية، مركزها الحقيقي.
لكن للأسف، لم يبقَ منها شيءٌ يُذكر، إذ داسَت الثعابين حول المذبح بشكل عبثي. وبسبب ظلمة الليل، حتى في طفولته، لم تصل عيناه إلى هذا الموضع.
غير أن هناك لحظةً واحدة فقط، رأى فيها عبارة هذه الدائرة الأولى بوضوح تام. و تلك اللحظة كانت تماماً عندما صعد فوق المذبح، وقبل أن يُمدد جسده عليه مباشرة.
سرّع جوون تسلسل ذكرياته بسرعة، ثم أوقفها عند تلك اللحظة بعينها.
‘تم الأمر.’
سطرٌ واحد واضح كُتب بخط غليظ داخل الدائرة، أعظم أسرار الثعابين كان……
قشعريرة-
سرت قشعريرةٌ باردة في جسده.
و نظر جوون إلى الأرض الترابية دون أن يتحرك ساكناً.
كان ضوء القمر الباهت يضيء كتفيه ببرود، ويلقي بظلال زرقاء باهتةٍ على رموز الدائرة السحرية.
‘لقد ظهر.’
بدأ جوون يتلمس الحروف القديمة ببطء بأصابعه، وبحدقةٍ معتمة عميقة.
“الثعبان……”
تابع صوته المنخفض والمريب بنبرة ثقيلة.
“أنا، ثعبان جلجامش……”
***
كان “جلجامش” طاغية.
كان محاربًا بارعًا، وملكًا على البشر، وبطلًا أقرب إلى الأساطير.
لكن حتى جلجامش لم يكن سوى بشر في النهاية. فمهما امتلك من قوةٍ جسدية، ومهما قبض على الثروة والسلطة، كان لا بد أن يموت في نهاية المطاف.
جلجامش، الذي لم يحتمل تلك الحقيقة الباهتة، بدأ يجوب العالم باحثًا عن سر الخلود. وأخيرًا، في أقصى أطراف العالم، عثر على نبتة الحياة.
وفي طريق عودته بها ليمنحها للبشر، توقّف ليستحم على ضفة نهر. وحينها، زحف ثعبانٌ خلسة وسرق نبتة الخلود وهرب بها بعيدًا.
فقد البطل جلجامش نبتة الخلود أمام عينيه بذهول، وفي النهاية، لم يكن أمامه إلا أن يشيخ ويموت كأي إنسان.
***
فتح جوون عينيه. و كان قد استيقظ لتوّه من اللاوعي، لكن ملامحه كانت باردةً بشكل مخيف.
“هااه……”
وبينما عاد إلى الواقع، بدأ يأخذ نفسًا عميقًا ببطء وعمق.
كانت غرفة نومه معتمةً كأعماق البحر، ولمع في الظلام بريقٌ أبيض شيطاني كعيون القطط، ينبعث من عيون ارواح الكوابيس التي جلست في حلقة حول سرير الملك، كأنهم عبيد.
ازاح جوون نظره عنهم بلامبالاة، ثم وضع قطعة شوكولاتة في فمه وأغمض عينيه.
و انتشر ذلك الطعم الحلو الذي يذوب على لسانه. لكن على ما يبدو، لأن طقوس الثعابين ظلت تدور في رأسه بوضوح شديد، لم يتحسن مزاجه حتى بعد أكل الحلوى.
فمد يده فوق رأسه يتحسس هاتفه المحمول وأمسكه.
الساعة الآن: 2:40 فجرًا.
و كانت سيان قد أرسلت له رسالةً ليلة البارحة عند الساعة 8:05. أي قبل ما يقرب من سبع ساعات……
وحين بادر على الفور بالاتصال عبر الفيديو، ردّت سيان خلال ثانية واحدة. وهذا يعني أنها كانت تنتظر اتصاله طيلة السبع ساعات داخل السيارة الضيقة.
و من المؤكد أنها لم تأكل أيضًا.
• “لماذا اتصال فيديو فجأة؟”
شعر للحظة بغضبٍ يغلي داخله، لكنه انفجر ضاحكًا عندما رأى ردّها الجاف كعادتها.
“لأني لم أرَ وجهكِ ليومين، واشتقت لرؤيته بشدة.”
رمشت سيان بعينيها وهي تحدّق في ابتسامته الكسولة. ثم حرّكت عينيها للحظة إلى الجانب وكأنها تتفادى نظراته، قبل أن تعود لتنظر إليه مباشرة.
عينا لي سيان. كانت قزحيتاها بلون التوباز الصافي، وعندما تبتسم أحيانًا، تضيء داخل عينيها لمعةٌ دافئة بلون الشوكولاتة.
منذ أن أدرك ذلك، صار كلما نظر إلى عيني سيان، تهدأ مشاعره تلقائيًا حتى في أكثر اللحظات استفزازًا.
و لم يعد بحاجة للبحث عن الشوكولاتة عمدًا. لأن لي سيان بحد ذاتها، كانت بالنسبة لـتاي جوون أحلى ما يمكن أن يهدّئه.
تحدثت سيان مباشرةً عن سبب الاتصال. و بدا صوتها مجهدًا قليلًا، وكأنها كانت تواصل العمل داخل السيارة وهي تنتظره.
• “بشأن كيم يون وو، التي كانت القربان البشري في كاميرا الأكشن……لقد عرفت شيئًا مهمًا عنها، هل يمكننا اللقاء قليلًا؟”
نظر جوون إلى عينيها من خلال شاشة الهاتف وأجابها على الفور.
“تعالي إلى منزلي حالًا. لدي شيءٌ يجب أن أريكِ إياه أيضًا.”
***
تك، طق، زيييييك-
كان جوون يرسم دائرةً سحرية على أرضية غرفة المعيشة باستخدام أحمر شفاه بلون الدم القاني. و كانت يده تتحرك بسرعة مذهلة وبدون أي تردد.
ثم دخلت سيان على الفور إلى غرفة المعيشة، وبدأت تدور حول الدائرة السحرية التي كان يرسمها.
لم تكن تتوقع أبدًا أن يتمكن من تذكّر تلك الدائرة السحرية التي رآها مرة واحدة قبل 21 عامًا……بل والأدهى، أن يحفظ تلك الدائرة المعقدة بهذا الشكل ويرسمها دفعةً واحدة، كان أمرًا مذهلًا حتى شعرت بالقشعريرة.
رما جوون أحمر الشفاه المستهلك جانبًا بخفة، ثم أمسك بآخر جديد. وبسبب تلطخ بعض المواضع بأحمر الشفاه، بدت الدائرة السحرية وكأنها مرسومةٌ فعلًا بدماء حقيقية.
طَق-
أخيرًا، رمى جوون أحمر الشفاه بإهمال وأطفأ مصباح غرفة المعيشة. ثم، بخطواتٍ ثابتة، تقدم إلى وسط الدائرة السحرية، ومد يده نحوها وسط الظلام.
“تعالي إلى هنا.”
باستثناء ضوء القمر المتسلل من الشرفة، كانت الغرفة الواسعة مغمورةً في عتمة شبه تامة. و ربما لذلك بدا جسده الطويل والضخم أكثر غرابة، وضغطًا على القلب بشكل غريب.
تاي جوون كان أحيانًا يبدو غامضًا ومخيفًا بشكل غير مفسَّر في الظلام.
نظرت سيان إلى راحة يده الممدودة لبضع ثوانٍ، ثم بدأت تمشي نحوه ببطء.
في البداية، رفعت كعبيها قليلًا كي لا تطأ على الدائرة السحرية، لكنها ما لبثت أن أعادت قدميها بثبات إلى الأرض، وتقدمت نحوه بوجه متعالٍ واثق.
لقد فعل جوون هذا من قبل أيضًا.
“هكذا تمامًا……بعض من سيُمنحون القرابين يدخلون إلى الداخل حتى النهاية.”
تلك اللحظة التي تحرك فيها، بدت وكأن الرعب ذاته قد اتخذ شكلًا يمشي على قدميه.
والآن، كانت سيان تسير تمامًا كما فعل جوون في ذلك اليوم. تمامًا كما يليق بمستفيد من الطقس الحالي الذي يُقدَّم له القربان.
بخطى واثقة، مغمورة بالغرور.
“في ذلك الموضع.”
أشار جوون براحة يده، ككاهنٍ يوجه طقسه. فتوقفت سيان في الحال.
كان جوون يعيد أمامها مشهد الطقس الذي حصل في ذلك اليوم، موضحًا لها كيف تتحرك، وأين يجب أن تتوقف.
نظرت سريعًا إلى أسفل قدميها، فوجدت أنها تقف فوق بعض حروف الدائرة السحرية الأولى. عندها أخبرها جوون بسر تلك الحروف تحديدًا.
“الصحة والحياة الخالدة الأبدية.”
أي الخلود الأبدي.
ثم أشار لها جوون بيده لتتابع السير. فمشت ثلاث خطوات أخرى، ثم توقفت، فارتفع صوته منخفضًا ومخيفًا وهو يردد،
“نتلقاها سرًّا من الحياة.”
كان هذا الجزء متوقعًا.
لكن ما تلاه جاء مفاجئًا تمامًا، و جعلها تنتفض فور سماعه وتنظر إلى الجملة تحت قدميها في الدائرة الأولى.
“أنا، ثعبان جلجامش……”
ارتجفت عينا سيان، واتسعتا فجأة ثم ضاقتا من جديد.
‘ثعبان……جلجامش.’
غطت الغيوم القمر، فغرقَت غرفة المعيشة في ظلام مفاجئ، ولم يبقَ سوى صوت جوون يعلو وحده.
“عشبة الحياة، إذا تم امتصاصها باستمرار، لا يُشيخ المرء ولا يمرض ولا يموت.”
نعم……يبدو أن هذا عشبة الحياة هذه كانت إنسانًا بحد ذاتها.
في الحقيقة، كانت هناك أسطورةٌ تقول أن العشب الذي بحث عنه الإمبراطور الصيني تشين شي هوانغ لم يكن سوى “جينسنغ” على هيئة بشر.
لكن الحقيقة أنه لم يكن نبات جينسنغ على شكل إنسان، بل إنساناً يمكن استخدامه كجينسنغ. أي، إنسانٌ حي يمكن تحويله إلى عشبة الخلود.
لكن ليس أي إنسان عادي يستطيع أن يصبح عشبة الحياة هذه.
“الإنسان الذي يملك إرادة بقاءٍ شرسة ورغبة قاسية إلى درجة أنه يلتهم شقيقه داخل رحم أمه. إنسانٌ يُولَد بروحين.”
ضحك جوون وسط الظلام، ضحكةً منخفضة ومرعبة.
“التوأم داخل الرحم، كان هو نفسه سر الخلود الأبدي……عشبة الحياة.”
***
“لا أريد أن أمرض. لا أريد أن أشيخ. لا أريد أن أموت!”
ذلك الشغف البدائي العارم.
لقد ظل الإنسان، تحت هذا الدافع، يستخدم الإنسان الآخر كـ”دواء” منذ زمن طويل.
كانوا يستحمّون بالدم الطازج للفتيات العذراوات، ويأكلون المشيمة البشرية.
ثم مع تطوّر الطب والعلم، أصبحوا يعالجون الأمراض بزرع الكبد، بينما في الظل كانت تُهرّب كبسولاتٌ مصنوعة من لحم البشر.
بل وصل الأمر إلى صناعة نسخ بشرية (استنساخ)، من أجل زراعة أعضائها في أجساد آخرين.
وظهرت خدماتٌ تستبدل دم الجسد أكمله بدماءٍ شابة صحية.
بل وتخيّل البعض نقل دماغ الشخص المسن إلى جسد شاب، وبدأت تلك الخيالات تُختبر ببطء في الواقع.
هذه الرغبة. هي خوف الإنسان من الألم. و شغفه بألا يشيخ. و توقه العارم لئلا يموت.
حين تبلغ هذه الرغبات ذروتها، هل يصبح الإنسان قادرًا على شقّ صدر إنسان آخر حيّ كما لو أنه عشبة دواء، ويدهن دم قلبه الأحمر على جسده……دون أن يهتز ضميره؟
***
كليك كليك-
كانت سيان تلتقط صورًا تفصيلية للدائرة السحرية التي رسمها جوون، بهاتفها المحمول.
نظراتها كانت باردة، ومنطقها حادٌ لا يعرف الثغرات. فالآن فقط باتت تفهم بوضوح ما الذي يرمز إليه شكل خاتم الثعبان، ولماذا اتخذ تلك الهيئة تحديدًا.
الثعبان الذي سرق عشبة الحياة وهرب بها، لا بد أن يكون ذلك هو شكل الثعبان المقصود.
كما أنها لم تكن تعرف سابقًا ما الذي يرمز له الاختصار “SOG” المحفور على كل خاتم……لكن الآن بات واضحًا.
المقصود هو الثعبان الذي سرق نبتة جلجامش واختفى خلف أسطورة منسية. Snakes of Gilgamesh.
“حروف ثعبان جلجامش……هذه هي تمامًا.”
______________________
يع انانيتهم مقرفه
المهم وسط كل ذاه جوون مانسى يتغزل في سيان ✨
وضحكت غزله رخيييص شوكولاتي حلاوتي وش ذاه😭
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 76"