“حتى العام القادم، فقط ابقَي هكذا، بهدوء، بصمت……مختبئةً في حضني دون أن تصدرِ أنفاساً.”
كان عرض تاي جوون في الواقع الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تنجو بها سيان.
ربما نجت هذا العام بصعوبة، لكن شبح الألفية سيعود مرة أخرى. و سيعود كل عام.
بإصرار، في الثاني عشر من مايو.
لا يمكن الاعتماد على لاوعي شخص آخر لأنه غير مستقر. فلم يكن بالإمكان خداع الألفية طوال تلك الساعات الطويلة حتى شروق الشمس.
الشخص الوحيد الذي يمكنه النزول إلى هذا العمق من قاع اللاوعي دون أن يضل طريقه هو تاي جوون وحده. وحده من وُلد من الموت يستطيع فعل ذلك.
ولذا، ليومٍ واحد فقط في السنة، إذا اعتمدت على جوون، يمكنها أن تنجو.
نعم……حتى تبلغ الثلاثين، و الأربعين، و الخمسين، و الستين.
وربما، حتى في سن الثمانين حين يشيب شعرها، ستظل مختبئةً معه في أعماق هذا العالم البعيد.
بعمرٍ توقف فيه النمو عند لحظة الألم……كصبي في السابعة وفتاةٍ في السادسة.
“كلا.”
همست سيان بتحريك شفتيها بالكاد. و دفعت كتفها الذي تيبّس فجأةً وانسحبت من بين ذراعيه.
“سأرفض عرضكَ.”
ربما لم يتخيل قط أنها سترفض، فغدت نبرته خشنةً وثقيلة بالنسبة لطفل.
“لماذا؟”
ضغط جوون على أسنانه حتى سُمع صوتها، وخفض صوته.
“لماذا؟”
“…….”
“هل تفضلين الموت على تلقي مساعدتي؟”
لا.
لم يكن الأمر كذلك. بل ببساطة……لأن جوون لم ينظر يومًا إلى والدته، ولو لمرة واحدة.
كان لا يرى سوى لي سيان، بتلك العينين السوداوين القاتمتين كالعتمة.
تاي جوون……كان من الواضح أنه يكره هذا المكان بشدة.
وبالطبع كان يكرهه. فقد كانت جثة والدته، التي احتقرته، تسبب له اشمئزازًا شديدًا، ومن المؤكد أنه لم يرغب يومًا في رؤية هذا البئر مجددًا طيلة حياته.
ومع ذلك، فتح ذلك الباب الحديدي الثقيل الذي ظل مغلقًا طوال 28 عامًا، فقط من أجل سيان.
لكن أن يضطر كل عام، في الحادي عشر من مايو، إلى النوم معها، وفتح ذلك الباب المليء بالأسرار الثقيلة بالقوة، ثم رؤية منظر والدته المفزع مرارًا وتكرارًا……
و أن يختبئ طفلان في قاع الفراغ، منتظرَين فقط مرور الوقت.
عشر سنوات، عشرون، ثلاثون، أربعون، وهكذا طوال حياتهما في كل عام.
‘لا، ليس هذا ما أريده.’
وقفت سيان من مكانها ونظرت إليه من الأعلا.
“لا أريد أن أبقى جاثيةً كطفلةٍ مجروحة.”
كان كلٌ من جوون و سيان يخفيان في داخلهما طفلًا عاجزًا عن البكاء.
طفلٌ يرى العالم مظلمًا كسواد الليل، ويضع الشوكولاتة في فمه بوجه خالٍ من التعابير فقط لأنه يشتاق لذرة صغيرة من الحلاوة.
وأيضًا……
فتاةٌ صغيرة بوجه خالٍ من التعابير، ملطخةً بدماء عائلتها، تسير بلا هدف في برد الصباح القاسي.
لم تكن تريد لتلك الطفلة المجروحة الخائفة أن تواصل السير متعثرةً إلى الأبد.
لهذا أصبحت لي سيان عميلةً في أوتيس لتقاتل.
“أفضل أن أموت وأنا أقاتل.”
لم تعد تلك الطفلة الصغيرة التي لم تستطع فعل شيءٍ سوى الاختباء والبكاء وهي ترتجف، حين ماتت شقيقتها، وحين قُتل والدَاها.
“لنخرج من هنا.”
مدّت سيان يدها اليسرى نحو الطفل جوون الجالس بهدوء في قاع هذا العالم الآخر.
في تلك اللحظة بالضبط، بدأ جسدها يكبر بسرعة، فتغير شكلها بالكامل في لحظة. و وقفت على أرض الفراغ في هيئة امرأةٍ ناضجة مكتملة، قويةٌ وباردة، تمامًا كالمحترفة التي تميزت بصيد الأرواح الشريرة.
وفي يدها اليمنى، كان هناك مسدسٌ فضي ثقيل تقبض عليه بإحكام.
“لنذهب.”
كانت تعلم أنه بمجرد خروجهما من هذا اللاوعي، سيواجهان شبح الألفية وجهًا لوجه……ومع ذلك، مدت يدها بخفة وأناقة أكثر نحوه.
“لنذهب معًا.”
“….…”
“سأنقذ تاي جوون.”
كانت نظرة سيان صافيةً كالثلج النقي، آسرة الجمال بشكلٍ فاتن.
“ها.”
ضحك جوون بذهول، غير مصدق.
“هاهاهاها!”
و ظل يضحك بمرارةٍ كما لو أن الأمر غير واقعي، ثم فجأة ارتجف.
كان من الواضح أنه يشعر بقشعريرة من نفسها العميقة.
“لي سيان الحقيقية……”
قال ذلك وهو يمسك يدها بقوة.
“جذابةٌ بشكل يجعل المرء يفقد عقله.”
وفي لحظة، عاد وجهه إلى تعابيره المعتادة. واثقٌ، متغطرس، وعنيدٌ كعادته، تاي جوون الذي تعرفه.
لم تقل سيان شيئًا، بل سحبته نحوها بلطفٍ وأوقفته على قدميه.
عندها، بدأت بقايا الأوهام التي كانت تتراكم على جسده كثلج تتساقط من حوله. ومع وقوفه، عاد إلى هيئة الرجل البالغ.
“آه!”
ثم شدّ جوون ذراعها فجأةً بعنف، و قبّلها بشكلٍ مباغت.
ارتجفت سيات وحاولت دفعه بعيدًا برد فعل تلقائي، لكنها ترددت. فلم هذا يكن تلامسًا جسديًا فعليًا، بل مجرد تداخل بين الأرواح……
لكن يده التي لامست وجهها، وذراعه التي كانت تحيط بخصرها، جعلت روحها ترتجف.
أنهت سيان ترددها ببطء……ثم تسلّلت يدها نحو مؤخرة عنقه، وأدخلت أصابعها بعمق بين خصلات شعره حتى افترقت شفاههما.
وفي اللحظة نفسها،
سوااااا-
تطايرت شظايا الأحلام وبقايا اللاوعي من حولهما، وبدأت تتجمع بسرعة وتأخذ شكلًا واضحًا.
ثم تحولت إلى عشرات، بل مئات من الأشخاص، يتقدم بعضهم ويتأخر بعضهم الآخر، كتماثيل من رماد، ثم سرعان ما انقلبوا إلى “كائنات الحلم”.
رغم ذلك، ضمّها جوون بقوةٍ إلى صدره، و سيان أيضًا تمسكت به.
فززززز-
شوااااااخ-
ثم اندفعت كائنات الحلم من البئر كعروس بحر تنفجر من أعماق المحيط، متقدمةً عليهما نحو الخارج.
أفلت جوون سيان حين أصبح سطح ماء البئر قريبًا من أنفه، ثم حدّق بثبات في عينيها، في عيني سيان المتلألئتين بلون التوباز الصافي.
وفي تلك اللحظة التي بدت وكأن الزمن قد توقف فيها، ابتسم جوون لأول مرة بلطف.
“أنتِ الشوكولاتة خاصتي.”
في تلك اللحظة، أدركت سيان كيف ستحفظ صورة تاي جوون في غرفة ذكرياتها داخل رأسها.
ستحفظه بهذه الابتسامة. و هذا الصوت. و هذه النظرة……التي لن تنساها أبدًا.
حين لامس سطح الماء الأسود في البئر قمة رأسه وبدأ يهتز، أمرها بصوت بارد،
“أطلقي النار، الآن يا سيان.”
***
بانغ-!
حرّكت سيان أصابعها في توترٍ وانثناء. وفورًا، انطلق الزناد، وانطلقت رصاصةٌ من المسدس الفضي الذي كانت تمسكه.
كراااااااه-!
فانفجر رأس إحدى الأفاعي التي كانت تشمشم أنفها أمام وجه سيان، وتناثر الدم الأسود اللزج على اللفافة الحريرية مثل طين قذر.
كان جوون يحتضنها بجسده، وفور عودتهما إلى الواقع بدأ بترديد تعويذة الحماية.
بينما وضعت سيان فوهة المسدس على كتفه وأطلقت طلقتين إضافيتين بسرعةٍ وبراعة.
بانغ-! بانغ-!
وكما هو متوقع من مسدسٍ معزز، انفجر رأسا الأفعى الإضافيان على الفور.
“كااااه! هذه الجثث……كانت لا تزال حية!”
صرخت روح الألفية بغضبٍ وذهول، ثم بدأ جسمها يتمدد حتى لامس السقف، قبل أن تهجم بسرعة كما لو كانت تسقط من الأعلا.
فأطلقت سيان آخر طلقةٍ دون أي تردد.
بانغ-!
“آه!”
و في اللحظة الأخيرة، ضمها جوون بسرعة وتدحرجا معًا على الأرض.
تشششش-!
و تناثرت دماء الأفعى وسُمّه على الأرض، ناشرةً دخانًا أرجوانيًا كثيفًا.
رغم أن اللمس كان بسيطًا، إلا أن سُمّه القوي جعل رأسها يدور.
فشل الأفعى في هجومه، وبدأ يتسلق بسرعة إلى السقف، متفاديًا الرصاص المتطاير.
كان منظر الروح المعلقة في السقف أبشع بكثير مما تخيلته.
حين كانت طفلة، ظنت أنه مجرد عدد من الرجال والنساء، وهذا كان صحيحًا……لكنه لم يكن كذلك أيضًا.
روح الألفية كانت تمزّق البشر و تأكلهم، لكنها إن صادفت بشريًا يعجبها، تأكل نصفه السفلي، ثم تربط النصف العلوي من جسده في خصرها الخاص.
وهكذا، تراكمت على جسدها أربعة وعشرون نصفًا علويًا لبشر، ممتدةٌ وطويلة بشكل مقزّز، لتشكّل هيئة “روح الأفعى”.
وكانت هذه الأجساد، من الأول حتى الأخير، سوداء لامعة كما لو أنها مدهونةٌ بالقار*.
*زيت اسود
لو كان ذلك قبل مئات السنين، لكان هذا الكيان شيطانًا مقدّسًا من مستوى عالٍ، يُقدَّم له البشر أحياء كقرابين.
أفرغت سيان أظرف الرصاص الفارغة من الحجرة بصوتٍ معدني سريع، ثم بدأت تعيد تعبئة الطلقات بحركات يد دقيقة وسريعة.
بسرعة، بسرعة-
لكن الوقت لم يكن كافيًا، فقد كانت الروح العملاقة تركض بسرعة فوق السقف باتجاههما.
“تسعة.”
بصوت جوون، تجمّدت الروح تمامًا أمام وجههما، كما لو أصبح تمثالًا برونزيًا مرعبًا.
و شعرت سيان بقشعريرة رهيبة حين رأت ذلك.
“ثمانية.”
واصلت سيان تعبئة الرصاص بحركاتٍ سريعة ودقيقة. ثم رفعت المسدس بسرعة وأطلقت أربع طلقات متتالية.
بانغ-! بانغ-! بانغ-! بانغ-!
“ستة.”
بينما كانت تستمع إلى صوت جوون الحازم، أعادت سيان تعبئة خزان الرصاص مجددًا.
في معسكر “الغابة الزرقاء”، لم يستطع ذلك الشبح أن يتحرك قيد أنملة أثناء احتجازه في “فخ تقييد الأرواح”……لكن هذا الشيطان؟ إنه من مرتبةٌ عالية فعلًا.
ومع ذلك، أن يستطيع جوون أن يقيّده لعشر ثوانٍ، فهذا كان مذهلًا بحق.
“واحد.”
بانغ-! بانغ-! بانغ-! بانغ-!
و ببرودٍ تام، أطلقت سيان النار مستهدفةً الرؤوس فقط دون تردد. فانفجرت أربعة رؤوس متتالية، وانهار جزء من جسد الروح العملاقة.
وسرعان ما انسحبت، تجرّ الأجساد المعلقة فيه، وهي تركض بسرعة متخبطةً باتجاه المطبخ.
ثم ركضت سيان بسرعة نحو مدخل غرفة النوم، وأسندت ظهرها بإحكام إلى الجدار.
أنفاسها اللاهثة كانت تخرج من بين شفتيها، وظهرها مبتل بعرق بارد. ومع كل ذلك، كانت تشعر أن سم الروح الحاد يحرق رئتيها كأنهما تتفحمان من الداخل.
بينما كانت تسرع في تعبئة الرصاص، لمحت جوون وهو يمسك بخنجر برونزي.
وأمام قدميه……ذيل تنين.
متى أخذه؟ كان ذلك الذيل مثبتًا خلف المبنى المهجور، والآن بات موضوعًا أمامه.
مستحيل……
بشَرخة خفيفة، شق جوون كفّه الطويل، فسال الدم. ثم استخدم دمه ليرسم على أرضية الغرفة. تنينٌ من الدم الأحمر.
كان ذلك هو “رأس” التنين الذي اختفى تمامًا.
____________________
وااااو بس جوون ياحمار وش ذا البوسه الي بدون اعتراف
يضحك ذا التقدم وهم باقي لهم حالياً 131 فصل بالضبط😭
المهم سيان تجنن تبي تتخطى اخيراً 😔🤏🏻
الروح ذي مفروض تنقلع يعني شوفي وش صار جوون قطع جلده وسيان خايفه والروح ماغير تهز
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 67"