سقطت قطرة ماء…..ومن العجيب أنها كانت تتصاعد من الأسفل على شكل فقاعات تسبح للأعلى محدثةً تموجات على سطح الماء الأسود.
كان صوت الماء وكأنه يناديها.
و في النهاية، هذا عالم اللاوعي. لا يمكن أن تموت هنا. فتسلّقت سيان على حافة البئر وقفزت بداخله دون تردد،
تومبونغ-!
“أه!”
بارد.
الماء الأسود كان باردًا بشكل لا يُصدق. و قلبها تألم من شدة البرد، وأسنانها كانت على وشك الاصطكاك من شدته. لكنه لم يكن بردًا جسديًا، لذلك جسدها لم يرتجف فعليًا.
كان هذا برد الذاكرة. لا بد أنه البرد الذي يتذكره تاي جوون من داخل هذا البئر.
دارت سيان دورةً كاملة داخل البئر المعتم. فبدأ شعرها الطويل يرفرف ببطء حول وجهها الصغير.
شعرها…..لماذا هو كثيرٌ إلى هذا الحد؟
سروورق، سروورق-
بدأت تُفرّق خصل الشعر الطويلة والمتشابكة بهدوء، دافعةً الماء برفق وهي تزيحها جانبًا.
وفي اللحظة التي لامست أطراف أصابع قدميها شيئًا ما فجأة، انقبض قلبها، وظهر وجهٌ شاحب كان مختبئًا خلف تلك الخصل المتناثرة.
“جثة.”
كانت تلك الجثة لامرأة في أوائل الثلاثين من عمرها، ترتدي ثوب حمل أبيض فضفاض يتماوج في الماء.
ارتجفت سيان بقوة.
لم تكن تعرف ما إذا كان سبب الرجفة هو برودة هذا البئر، أم الجثة المريبة التي أمام عينيها.
أعمق سرٍ لدى تاي جوون.
الشيء الموجود في أعمق أعماق لاوعيه، الذي أغلقه بإحكامٍ بالحديد والمسامير…..
جثة.
امرأةٌ غرقت وماتت داخل هذا البئر.
***
كان ما داخل البئر ظلامًا دامسًا، ومع ذلك، وبشكل غريب، كانت قادرةً على رؤية كل شيء بوضوح.
ملمس حجارة جدار البئر، الشعر الطويل للجثة الذي كان يطفو ويتمايل كأنه أعشاب مائية، اليدان والقدمان العاريتان الشاحبتان، وثوب الحمل الرقيق الذي يرفرف كالكفن.
كل هذا كان مشهدًا من داخل ذاكرة تاي جوون.
ذكرى خبأها في أعماق لاوعيه، وأغلقها بإحكام خلف باب حديدي.
لكن كيف؟ كيف رأى جثةً داخل البئر بهذا الوضوح؟
تاي جوون شخصٌ بالغ، من غير المعقول أن يُصاب بصدمة بسبب مجرد جثة…..هل يمكن أنه في طفولته سقط بالخطأ في البئر ورأى تلك الجثة؟
‘لا، ليس هذا.’
“أتعلمين، حفيد الأستاذ الذي غرقت والدته في البئر؟”
لا شك أن هذه الحامل كانت والدة تاي جوون.
وفجأة، ظهر من جدار البئر طفلٌ صغير.
كان فتى جميل الملامح على نحو غير مألوف، في السادسة أو السابعة من عمره تقريبًا، وبمجرد رؤيته، عرفت من يكون.
إنه تاي جوون.
كان قد أغمض رموشه الكثيفة، ثم فتح عينيه ببطء ونظر إليها، وضحك بخفة كطفل مشاكس.
“هاه.…”
أطلقت سيان تنهيدةً قصيرة.
كانت تظن أنها ستشعر بالغضب عندما تراه، لكن على العكس، شعرت بالارتياح، مما جعلها غير مرتاحة.
تتتتتت-!
و فجأة، ظهرت آثار يد على جدار البئر الداخلي بسرعة مذهلة ثم اختفت.
“روح الحشرة تلك، لقد مر بنا الآن ولمسنا.”
قال جوون ببرود “بنا” وكأنه لا يهمه.
من الواضح أنه كان نائمًا معها داخل ذلك المنزل المهجور.
يا له من رجلٍ أحمق.
كان هذا فعلًا انتحاريًا. ما كان يجب أن ينتهي بموتها وحدها، أصبح الآن موتًا مشتركًا.
لقد فات الأوان على الهروب. فالروح كان قد بدأت بالفعل في تمشيط أرجاء المنزل المهجور بعناد، باحثةً عن أي إنسان على قيد الحياة.
“هل هو هنا؟ لا، ليس هنا.”
“ابحث جيدًا، علينا اليوم أن نُنتج الصفر مهما كان.”
كان صوت روح الألفية يقترب ويبتعد من مكان قريب.
بعض الأرواح تكون مهووسةً بالأرقام، وهذه الأرواح تحاول بجنون تحقيق توازن معين في تلك الأرقام.
الروح التي تهوَسُّ بالرقم 2، إن وجدت إنسانًا واحدًا، شطرته إلى اثنين. وإن كان الرقم 0، تبتلع الهدف وتزيله تمامًا.
الرقم الآمن نسبيًا هو 1، لأنه إن كان هناك ثلاثة أشخاص، تقتل اثنين وتبقي واحدًا.
“لا يوجد، لا يوجد…..لماذا؟”
“لا، موجود. إنه بالتأكيد قريبٌ جدًا.”
بوووو…..
مع إحساسٍ يتصاعد فيه الظلام، سُمِع مجددًا صوت، تتتتتت-!
و مرّ جسمٌ ضخم بحجم حوت فوق البئر، وفي اللحظة نفسها، ظهرت عشرات آثار الأيدي على جدار البئر ثم اختفت، كما لو أن شيئًا ما كان يزحف بسرعة بكفيه.
“إلى الأسفل.”
أمسك الطفل جوون يدها الصغيرة التي اتخذت نفس شكل الأطفال. ثم انحدرا معًا بهدوء نحو قاع البئر الأسود القاتم بطريقة تثير القشعريرة.
إلى عمق لا نهاية له، أعمق فأعمق…..
‘مخيف.’
شعور طاغٍ من الخوف اجتاحها، لكنها مع ذلك واصلت الغوص بوجه خالٍ من التعبير، حتى أصبحت جثة الحامل نقطةً صغيرة تتلاشى تدريجيًا، ثم اختفت كليًا.
وأخيرًا، جلس الطفلان، في سكون، فوق قاع اللاوعي،
مُحدثَين تموجًا خفيفًا في الماء الساكن.
هنا…..ظلامٌ كامل لا لون فيه، ولا ضوء، ولا صوت. أرضٌ فارغة على الجانب الآخر، عالم الأرواح الراحلة.
ومن بينه، كانت “منطقة تاي جوون” ممرًا ضبابيًا على هيئة بئر، يمتد كأنبوب طويل نحو الأعلى.
بوسسسس-
ومن الفراغ، كانت شظايا لا حصر لها من الأحلام، وذكريات اللاوعي الكبيرة والصغيرة، تتساقط حولهما كثلج ناعم.
ومن العجيب أن ذلك الغبار الثلجي كان ينجذب نحو جوون فقط، متراكمًا ببرودة على جسده وحده.
“هه.”
ضحك جوون من زاوية فمه، كطفل ارتكب مقلبًا شريرًا.
“على كل حال، يبدو أننا نجحنا بدرجةٍ مناسبة…..في نظر ذلك الحشرة، نحن الآن مجرد جثث بلا طعم أو رائحة.”
صحيح، هذا منطقي. من المؤكد أن سيان و جوون في حالة قريبة من السبات العميق. و لم يتوقف تنفسهما أو نبضهما، لكنهما يبدوان كالميتين تمامًا.
ولأن الروح تطارد فقط من هم على قيد الحياة لتأكلهم، فهي ستعبر من فوقهم وكأنهم مجرد أشياء هامدة.
“هوه.…”
عندها فقط، شعرت سيان بالطمأنينة، وارتخت كتفاها من التوتر.
بالفعل، إن تمكنا من الصمود حتى شروق الشمس، فسننجو.
كانت طريقةً غير متوقعة، لكنها كانت ملاذًا مثاليًا بكل معنى الكلمة.
“إذاً، كنت تخطط منذ البداية لسحبي إلى هذا البئر.”
قالت ذلك بنبرة جافة، فأومأ جوون وكأن الأمر بديهي.
“ليس بمكان مريح كثيرًا، لكن الأمان هنا مضمون.”
“…….”
“في الحقيقة، أنا أيضًا لم أتذكّر هذا البئر إلا بعد مرور 28 عامًا.”
توك-
تابع جوون حديثه وهو ينفض عن ساعده شظايا الذكريات المزعجة وكأنها مزعجةٌ له.
“حتى الآن، ما زال هذا المكان مقرفًا كما كان.”
“28 عامًا؟”
مستحيل…..
“هل تقصد…..أنكَ وُلدت في هذا البئر؟ من…..تلك الجثة؟”
ابتسم جوون من طرف فمه ابتسامةً باهتة.
“كانت والدتي ذات طبع حساس بشكل استثنائي، لذلك كانت متأكدةً تمامًا من أنها حامل بتوأم داخل رحمها.”
رغم أن صوته كان هادئًا، إلا أن القصة كانت كفيلةً بأن تقشعر لها الأبدان.
هذا يعني أن والدة تاي جوون شعرت بكل شيء، لحظة بلحظة، بشقيق يلتهم الآخر داخل بطنها ببطء، وبإصرار، وعلى مدى شهور.
كم كان ذلك مرعبًا؟
لم تستطع إنقاذ الطفل الذي كان يطلب النجدة، ولم تستطع إيقاف الطفل الآخر الذي كان يلتهم شقيقه.
ربما كان مجرد وجود شيء شرير بهذا الشكل في رحمها، أمرًا بشعًا لا يُحتمل، ومصدرًا لرعب جنوني.
“يجب ألا أُنجب هذا الشيء المقزز!”
بعد انهيار هستيري وصراخ، خرجت من سريرها بملابس النوم، وألقت بنفسها في البئر لتنتحر…..
تخيلت سيان ذلك المشهد بوضوح مخيف. بينما تابع جوون حديثه بنبرة تحمل سخريةً ممزوجة بالمرارة.
“تم العثور على جثة والدتي في هذا البئر بعد يومين…..لكن بجانب الجثة التي انقطع نفسها، وُجد طفل حديث الولادة.”
“أتقصد أنها أنجبت أثناء غرقها؟”
“لا، الطفل هو من وُلد بنفسه.”
“….…”
“أنا.”
نبرتُه أصبحت باردةً وموحشة فجأة.
“أنا خرجت من جسدٍ ميت، أقاتل لأجل ألا أموت.”
“….…”
“ألا ترين كم أن هذا مثيرٌ للاهتمام؟”
“مثير؟”
“تصلّب ما بعد الموت يبدأ من الأعلى نحو الأسفل، لذا لا بد أن دماغ الجثة وقلبها كانا قد تصلبا بالكامل. لكن النصف السفلي لا يزال مرنًا، لذا، بسرعة…..ذلك الطفل الوليد زحف بنفسه خارجًا، يائسًا في محاولةٍ للنجاة.”
بعد أن وُلد بتلك الطريقة، قضى يومين كاملين في هذا البئر المظلم كالهاوية، البارد لدرجة الارتجاف…..
حتى عُثر عليه أخيرًا، وتم إنقاذه من الموت بأعجوبة.
كان المشهد الذي رآه، وهو معلقٌ بحبل السُرّة في جثة أمه، هو ما طُبع في أعمق قاع وعيه، خلف أبواب حديدية موصدة بإحكام.
سأل جوون بنبرة فيها تحدٍّ.
“أليس هذا مقززًا؟ ألا تشعرين بالاشمئزاز؟”
نظرت سيان إلى الطفل الجالس أمامها بصمت، ثم أجابت بصوت هادئ لا يتزعزع.
“كلا.”
“….…”
“لا أشعر بالاشمئزاز إطلاقًا.”
ربما لأن إجابتها لم تكن كما توقع، فقد ارتجف تعبير جوون قليلًا.
مدّ يده ببطء، ولامس برفق خدها وهي أيضًا على هيئة طفلة. و لم ترفض سيان تلك اليد الصغيرة.
بل على العكس، أغمضت عينيها بهدوء وتلقت لمسته بالكامل.
لم يكن هناك جسد، ولا روح، بل مجرد تلامس بين وعيين فقط…..لكن لماذا؟
في هذا الفضاء الأبدي على الجانب الآخر، حيث لا وجود للزمن، وحدها لمسته بدت وكأنها الشيء المحدود والملموس.
“سأخفي لي سيان.”
قال جوون ذلك، كاشفًا عن رغبة تملكٍ قوية.
“في العام القادم أيضًا، تمامًا كما الآن…..فقط ابقي هادئةً، ساكنة، مختبئةً بين ذراعيّ هكذا.”
فتحت سيان عينيها ببطء، وكانت رموشها الطويلة تنزاح في سلاسة. وحين نظرت إليه، رأت نفسها — الطفلة — عالقةً داخل حدقتيه السوداوين.
جذبها جوون إليه برفق، واحتضنها بذراعيه كما لو أنها ملكه وحده.
“لمدى الحياة.”
“……”
“أنا…..أنا سأحمي لي سيان.”
___________________
يجنن الفصل🤏🏻
ام جوون مجنونه ترا ذي حالات تصير طبيعي حتى الروح تو مانُفخت بس ذولا كفار وش يدريهم
المهم سيان تكفين ضميه بعد انت😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 66"