بمجرد ضغطةٍ واحدة على مفتاح الإدخال في الحاسوب المحمول، كان بإمكانها معرفة سر تاي جوون.
لكن سيان لم تلمس الحاسوب. إن كان الأمر متعلقًا بمعلومةٍ علنية فربما، أما التلصص على سر يخفيه شخصٌ ما، فلم يكن ذلك من طبعها.
أمسكت بمسند الذراعين بقوةٍ ونزلت من الكرسي، ثم خرجت من المكتبة دون أن تلتفت خلفها.
ما كان يهم الآن لم يكن سر تاي جوون، بل الخروج بسرعة من هذا الحلم.
كانت طفلةً صغيرة. و تفقدت نفسها من جديد. كانت حافية القدمين، وترتدي قميص نوم أبيض لطفلة في السادسة من العمر.
لماذا جعلني تاي جوون في هذا الوضع العاري من أي حماية؟ ما الذي يفكر فيه تاي جوون؟
قريبًا ستظهر روح الألفية، وكان من غير الكافي حتى لو استعدّت تمامًا……فلم تكن تريد أن تموت هكذا، وهي شاردةٌ في نومها، دون أن تفعل شيئًا.
وما كان يثير غضبها أكثر من أي شيء، هو أن تاي جوون تسلل إلى لاوعيها بهذا الشكل الفج.
أحزانها الدفينة، أفكارها، ومشاعرها التي لم تكن تدركها حتى، وماضيها الذي أرادت إخفاءه بكل وسيلة، كل ذلك سينكشف له بالكامل.
وبطبعها الذي يزداد برودةً كلما ازدادت غضبًا، تحدثت سيان بوجه بارد،
“إذا فتحت ذلك الباب، سأستيقظ.”
و كان بصرها مثبتًا على باب يبعد ثلاثة أمتار أمامها.
كانت سيان تمشي بخطى ثابتة وهي تستحضر بوضوح المنزل المهجور الذي تنام فيه.
بالنسبة لوكلاء أوتيس، فالحلم الواعي الذي يستخدمون فيه الحلم داخل الحلم، أو ما يُعرف بـ”حلم اللوسيد”، كان أمرًا أساسيًا. و كان بإمكانها الاستيقاظ فورًا في اللحظة التي تريدها.
وقفت سيان على أطراف أصابعها، وأمسكت مقبض الباب بكلتا يديها بقوة. ثم أغمضت عينيها، وتخيلت المنزل المهجور، وأدارت المقبض وفتحته.
“لم أخرج بعد؟”
فتحت عينيها، لكنها ما زالت داخل الحلم.
لماذا؟ هي محترفة متمرسة، لا يمكن أن تعجز عن الاستيقاظ من مجرد حلم……فما السبب؟
خلف الباب المفتوح، كان المنظر يبدو كمدينة صغيرة في الريف. متجرٌ صغير ومتهالك لتصليح الملابس، تجمعت فيه أربع ربات بيوت يتناولن كعكة الأرز المحشوة بالفاصولياء الحمراء.
سنة التقويم المعلقة على الجدار……قبل 22 سنة. عندما كانت سيان في الخامسة من عمرها، هل كانت تملك ذكرى كهذه؟
همهمات وهمسات-
رغم أنهن وحدهن، خفضت النساء أصواتهن وكأن أحدًا قد يسمعهن، وهمسن لبعضهن.
“أتعرفين حفيد الأستاذ الذي ماتت أمه غرقًا في البئر.”
“أجل، ذلك الطفل الغريب والكئيب.”
“يُقال أنه شوهد الليلة الماضية واقفًا والدم يغطيه بجانب عجلٍ ميت!”
“مرة أخرى؟”
“لا أدري، لكنه دائمًا ما يُرى في أماكن تموت فيها الحيوانات.”
“ربما سأُعاقَب على التفكير هكذا……لكني بتّ أتمنى أن يموت ذلك الطفل. فعلاً، إنه مخيفٌ جدًا.”
“كم عدد الحيوانات التي ماتت حتى الآن؟! قيل إن ثمانية قطط شارع وُجدت ميتة مكدسة فوق بعضها مثل البرج.”
“آه!”
فجأة شهقن النساء والتفتن بسرعة نحو سيان. و كانت أعينهن قد اتسعت بالرعب والاشمئزاز.
لا، هذا خطأ. حفيد الأستاذ الذي ماتت أمه غرقًا في البئر؟
هذه الذكرى ليست لها.
‘إذًا، هل هذا ليس حلمي؟’
بدهشة واستغراب، استدارت فجأةً وفتحت واحدًا من الأبواب المتشابهة التي امتدت على طول الممر بشكل عشوائي.
“آه.”
كان هذا مطعمًا صغيرًا في بلدة بمحافظة كانغوون.
و كان هناك تلفازٌ قديم يبث الأخبار، بينما جلست سيان على الطاولة تتناول طعامها.
هذه……كانت ذكرى من الماضي.
في يناير من هذا العام، بعد أن أنهت عملها في مخيم الغابة الزرقاء، تناولت حساء كعك الأرز مع تاي جوون في ذلك اليوم.
“كان أستاذًا، لذا كان عجوزًا مثقفًا إلى حد ما، لكن طبخه كان دائمًا كارثيًا.”
سمعت صوت تاي جوون. لكن لم يكن هناك أي أثر له، بل صوته فقط هو الذي صدح في المكان كما لو كان صادرًا من راديو أو تلفاز.
“طعام هذا المكان له نفس المذاق تمامًا كما في طفولتي.”
عند تذمر تاي جوون، ابتسمت سيان بخفة وهي تأكل حساء كعك الأرز.
وفي اللحظة التي ابتسمت فيها، بدأ الزمن فجأةً يمر ببطء، وبدأت هيئة سيان تتوهج بضوءٍ ناعم، كما لو أن النور يشع من داخل بشرتها.
كانت ابتسامةً جميلة إلى درجة تسحر الروح في لحظة واحدة.
و سيان الطفلة، كانت واقفةً عند حافة الباب، تنظر إلى هذا المشهد بدهشة.
“هذه لست أنا.”
هذا بالتأكيد لم يكن الشكل الذي ترى به لي سيان نفسها.
فلم تكن تملك أي شعور بالنرجسية، و سيان في الواقع لم تكن تبتسم بهذه الطريقة الساحرة والمثالية والمفعمة بالجاذبية، والتي تحمل في الوقت نفسه لطافةً غير متوقعة.
هذه كانت صورة لي سيان كما يراها تاي جوون.
هذه كانت لي سيان التي رآها تاي جوون في “ذلك اليوم”.
‘لا عجب أنني لم أستطع الخروج……’
أخيرًا، أدركت سيان حقيقة الموقف، وتمتمت بنبرة صارمة،
“هذا هو حلم تاي جوون.”
***
تيك. توك. تيك. توك-
كان المترونوم* الموضوع في منتصف الممر يُصدر صوت تيك توك بوتيرة ثابتة، ثم فجأة توقف عند “تيك”.
*آخر الفصل
ثم تبع ذلك صوت صفير…
بيييييب… بييب…
وظهرت حروفٌ مكتوبة على زجاج خزانة الزينة المجاورة.
<لا تخرجي من المنزل.>
ما إن قرأت سيان ذلك التحذير، حتى دوّى صوت رنين خافت كالرنين الزجاجي من الأمام، حيث كان المعلّق الذهبي يلمع بضوء حالِم.
كانت تلك إشارةً تدعوها للقدوم. فبدأت سيان تتحرك نحو ذلك المعلّق الذهبي.
كان تاي جوون يقودها إلى مكان ما، وهي كانت تتبعه بصمت، بخطى ثابتة.
ففي النهاية، هذا لم يكن حلمها. بل إن تاي جوون اختطفها واحتجزها داخل لاوعيه.
وجعلها طفلةً صغيرة عن قصد، فلو بقيت بشخصيتها الراشدة وبدأت تفتح الأبواب من غرفة لأخرى كما تشاء، لأصبح الوضع مربكًا له. لأنها ستكون حينها دخيلة، أشبه بفيروس.
كانت تمشي وتواصل المشي، غرفةً تلو غرفة. فقط “غرف ذكريات” لا تُحصى، لدرجة تبعث القشعريرة.
معظم الأبواب كانت مغلقةً بإحكام، والقليل منها كان مفتوحًا…..
تلك على الأرجح هي الذكريات التي استحضرها تاي جوون مؤخرًا، أو التي أعاد فتحها بنفسه من ماضيه.
كانت ذكريات تاي جوون في الغالب باردةً ومظلمة، بلون قاسٍ كسهول متجمدة في صقيع شتوي قارس. أما الغرف القليلة التي كانت مفتوحةً وتلمع بنور ناعم، فكلها أيام قضاها مع لي سيان.
يشرب القهوة معها، يجلسان معًا داخل السيارة، يسيران جنبًا إلى جنب، يتبادلان أحاديث قصيرة، ويبتسمان معًا في اللحظة نفسها…..
هل يمكن لذكرياتٍ كهذه أن تكون دافئةً إلى هذا الحد؟
كانت مجرد لحظات يومية عابرة تثير الاستغراب من بساطتها. ومع ذلك، فإن “كل لحظة من لحظات لي سيان” في عقل تاي جوون كانت تتلألأ بوضوح، كألماسةٍ وُضعت تحت أشعة الشمس.
حتى عندما كانت تتحدث بوجه خالٍ من التعبير بطريقة عادية. و حتى عندما كانت تمازحه بجفاف.
لي سيان، في عيني تاي جوون، كانت امرأةً راقية. هشّة كأنها ستنكسر في أي لحظة، لكنها قوية، وتحمل لطافةً خفية.
وأيضًا…..جميلة إلى حد يثير الرغبة في لمس وجهها.
نظرت سيان إلى نفسها في تلك الذكريات بعين غريبة عنها.
‘إذًا، كيف يبدو تاي جوون في رأسي أنا؟’
دِنغ! دِنغ! دِنغ! دِنغ!
دقّ جرس الساعة القديمة فجأة بصوت مدوٍ. ففزعت سيان ونظرت إلى الساعة، و كانت تشير تمامًا إلى منتصف الليل.
لقد بدأ يوم 12 مايو دون أن تنتبه.
وفي اللحظة نفسها، اندفع إحساسٌ بالكآبة، كما لو أن الظلام ارتفع فجأة من الأرض…..أو بالأحرى، كما لو أن موجةً سوداء هائلة كانت تنهار من الأعلى بقوة ساحقة.
الظلام. الظلام. الظلام. الظلام.
ابتُلع القصر بالظلام، وأصبحت كل الجهات حولها ظلامًا دامسًا.
• “يجب أن تسرعي. لم يتبقَ الكثير من الوقت حتى الإغلاق.”
انطفأ التلفاز ثم اشتغل فجأةً على بعد 5 أمتار أمامها، وبثّ إعلانًا للتسوق المنزلي.
أسرعت سيان الخطى باتجاهه.
تششش… تششش…
ثم غطّى التشويش شاشة إعلان التسوق المنزلي، و تبدلت الصورة فجأة. و هذه المرة كانت مشاهد من سباق الجري السريع في الأولمبياد. رجالٌ يركضون بجنون، يملأون الشاشة بالكامل.
• “آه، يا إلهي، هل سيلحقون به؟ عليه أن يركض، أسرع، أسرع!”
ارتجفت سيان عند سماع تلك الكلمات، وانطلقت تجري وسط الظلام الحالك.
ثم بدأت مصابيح صغيرة تضيء واحدةً تلو الأخرى مثل زهور برية من الزجاج، كاشفةً عن درج حلزوني يتجه نحو الأسفل المظلم.
• “إنّه قادممممممم…….”
ارتعد جسدها بالكامل، وظهرت قشعريرةٌ كثيفة على جلدها.
• “والآن، تششش، نعم، إنه يقترب من خط النهاية!”
وفي تلك اللحظة، سمعت صوتًا لن تنساه ما حييت.
كيييييييي…….
كان ذلك هو صوت فتح الباب الذي سمعته وهي شبه نائمة، قبل 21 عامًا في ذلك اليوم بالضبط.
‘روح الألف قدم قد جاء!’
أخذت سيان تركض بكل ما أوتيت من قوة، لكن لكونها في جسد طفلة جعل حركتها بطيئة بشكل خانق.
و ما إن أنهت بصعوبة نزول الدرج الطويل، حتى ظهرت لها لافتةٌ واقفة وسط ظلام تام.
كانت ملصقًا دعائيًا بطابع خمسينيات القرن الماضي، تظهر فيه امرأةٌ جميلة من ذلك العصر، بشفاه حمراء صارخة، تضع إصبعها السبابة على شفتيها.
“شش…..”
كانت تحذيرًا للسكوت.
أخذت سيان نفسًا عميقًا، وكتمت أنفاسها على الفور.
و في البعيد، وسط الظلام الكثيف، كان هناك شيءٌ صغير يلمع كجوهرة شفافة.
اقتربت منه بحذر وخفة دون أن تُحدث صوتًا، فوجدت أنه علبة موسيقية من الخزف.
وفي وسط تلك العلبة الفاخرة، كانت هناك راقصة باليه صغيرة بشعر بني كستنائي تدور ببطء. كانت تنتعل حذاء باليه وردي اللون، وما إن اقتربت سيان حتى توقفت الراقصة عن الدوران فجأة.
بفطنتها، لاحظت سيان أن الراقصة كانت تشير بأطراف أصابعها إلى اتجاه معيّن. وعندما توجهت نحوه، وجدت بابًا ضخمًا هائلًا يسد الطريق أمامها.
بابٌ ضخم كأنه يصل إلى السماء، مغطى بالكامل بألواح حديدية سميكة، ومزين بمسامير حادة مثبتة بكثافة.
هذا…..لا بد أنه الغرفة التي يُخفى فيها السر الأكبر لتاي جوون.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 65"