كان المنتجع الذي عادت إليه بعد إحدى وعشرين سنة من وقوع جريمة قتل لعائلة بأكملها فيه.
ذيل التنين لم يكن ظاهرًا، ربما لأنه سقط مؤخرًا، أما رأس التنين عند المدخل فقد تعفّن واسودّ جزءه المقطوع بفعل تقلبات الزمن.
بخلاف ذلك، لا شيء مميز. فقط الأعشاب الكثيفة التي نبتت بفوضى، أما المبنى نفسه فلم يتغير على الإطلاق بشكلٍ يثير الدهشة.
ربما لهذا السبب……شعرت بإحساس قوي كأنها عادت إلى ذكريات الماضي.
فرشش-
شقت طريقها وسط الأعشاب البرية وجالت حول المنزل دورةً كاملة.
قبل واحد وعشرين عامًا، طلبت الطفلة سيان من الرئيسة شراء هذا المنتجع، وبعد أن بلغت سن الرشد، اشترته مجددًا باسمها.
على أي حال، كان منزلًا مهجورًا في منطقةٍ ريفية نائية، إضافةً إلى أنه مسرح جريمة مروعة بحق عائلة كاملة، فتمكنت من شرائه بسعر زهيد.
‘إنها أرضٌ مشبعة بطاقة الين على نحو استثنائي.’
المنتجع الذي رأته مجددًا بصفته موظفة أوتيس، كان أرضًا مظلمة يمكن أن تنفتح فيها البوابة في أي وقت.
مكانٌ يجذب الأرواح كالمغناطيس؟ مثل هذا المكان قد يكون جيدًا للشامان، لكن ذلك يعتمد على نوع الشامان.
كانت منطقةً مثالية لموت مفاجئ في أي لحظة. و لو كان في الوقت الحاضر، لما بقيت الشامان هنا إطلاقًا……من المؤكد أنها كانت ستنتقل فورًا دون حتى أن تفرغ حقائبها.
عادت إلى جهة المدخل ووقفت هناك، وتخيلت في ذهنها من أي اتجاه قد تأتي روح الألفية (الأفعى)، والقتال الذي ستخوضه عند الفجر.
***
أتمّت سيان تجهيز أدوات الطرد قبل غروب الشمس.
أغلقت النوافذ بإحكام، ولصقت الطلاسم، وأزالت جميع المرايا من داخل المنزل، ورشّت ملحًا خشنًا في كل زاويةٍ تشكل زاويةً قائمة بزاوية 90 درجة.
وأخيرًا، علّقت بعناية على جدار غرفة نوم والديها، حيث قُتلا، لفافةً مرسومٌ عليها ضفدع بثلاثة أرجل، رسمتها كاهنة الوحوش.
كان ذلك الضفدع يملك ثلاث أرجل. فالرقم ثلاثة في الأصل رقم ميمون.
الغراب ذو الأرجل الثلاثة “ساجوكو”، والكلب ذو الأرجل الثلاثة “سامجوكو”، والضفدع ذو الأرجل الثلاثة “سامجوكسوم” جميعهم وحوشٌ قوية تقاتل الشر.
لكن هذا وحده لا يكفي. فحتى الطاقة الروحية التي تركتها كاهنة الوحوش لن تكون كافيةً لقمع الروح. فقد كانت تلك الروح، رغم أنها ذكرى من الطفولة، ليست مخلوقًا عاديًا.
تذكّرت سيان ذلك اليوم قبل 21 عامًا، حين رأت رجالًا ونساء يتلوّون داخل هذه الغرفة.
‘كانوا بالعشرات.’
وكانوا جميعًا أرواحٰ سامة ذات أجساد لامعة وسوداء مملوءة بالسم.
عندما تتحول الروح البشرية إلى روح أفعى، فهناك مراحل لذلك……ويُشترط على الأقل أن يتصل اثنان من الأشباح ليُطلق عليهم “روح أفعى”.
لكن إن كانوا بالعشرات……فذلك يعني روحاً عمرها لا يقل عن مئتي عام، وكانت قويةً بدرجة تمكّنها من تمزيق لينكون ذو الأرجل الثلاثة، وهو أحد الوحوش “سامجوكو”، في لحظةٍ واحدة.
ربما كان يتنقّل عبر الجبال والقمم، وعندما يحين الوقت ينزل إلى الأسفل ليملأ بطنه ثم يصعد مجددًا.
لا يمكن لشيءٍ تافه مثل هذه اللفافة أن يردع مثل ذلك الوحش……لكنها كانت تأمل فقط أن تمنحها وقتًا كافيًا لتغيير زناد الرصاص.
نظرت إلى ساعتها، و كانت تشير إلى السابعة مساءً.
شمس الحادي عشر من مايو كانت قد غربت بالفعل في العتمة، حتى قبضة الضوء الدامية الأخيرة كانت تتلاشى لتغرق في السواد.
ومن منتصف هذه الليلة، عند حلول الساعة الثانية عشرة، سيكون موتها أمرًا محسومًا.
راقبت سيان الغروب بوجه خالٍ من التعابير، ثم أخرجت صورةً عائلية قديمة تظهر فيها مع والدتها ووالدها وشقيقتها رِيان وهي لا تزال طفلة.
وضعتها بعناية في الجيب الداخلي لسترة بدلتها، في موضع قريب من القلب، ثم دخلت إلى المنزل وأغلقت الباب خلفها بإحكام.
***
الساعة العاشرة وأربعون دقيقة مساءً.
كان العالم ساكنًا إلى درجة مرعبة. كما هو الحال دائمًا في المناطق المشبعة بطاقة الـ “يين”، ورغم كثافة الأعشاب حول المكان، لم يُسمع صوت حشرة واحدة. ولا حتى تغريد طائر. حتى العناكب لم تنسج خيوطها قرب هذا البيت المهجور.
أسندت سيان ظهرها إلى جدار غرفة النوم وجلست هناك، تحدّق في ضوء مصباح صغير بلا أي تعبير.
ذلك المصباح في العتمة كان النور الوحيد في هذا المنزل المهجور.
كانت تنظر إلى ذلك الضوء بصمت، بالكاد تتحرك. ومع أن لحظة موتها باتت تقترب ثانيةً بعد أخرى، ظلّت أفكارٌ عشوائية لا داعي لها تدور في رأسها بلا توقف.
‘هل من الممكن أن تاي جوون أرسل لي رسالةً ولو لمرةٍ واحدة؟’
خطرت لها فكرةٌ عبثية جعلتها تضحك بسخرية، رغم أنها بلا جدوى.
فعلى أي حال، الهاتف تركته خلفها. سواءً أرسل رسالةً أم لم يفعل، وإن كان قد أرسل فعلًا، فلن تعرف أبدًا ما كان محتواها……
‘هل يا ترى أرسل لي تاي جوون رسالةً حقاً؟’
وإن كان قد قال لي شيئًا، فهل سأموت دون أن أعرفه……؟
اجتاحتها أفكارٌ لا طائل منها، لا يمكن التأكد منها، ولا فائدة فيها، سوى أنها مجرد مضيعةٍ للوقت.
هزت رأسها ببرود، ثم نظرت إلى ساعتها……و اتسعت عيناها من الدهشة وتجمدت كأن الزمن توقف.
“العاشرة وأربعون دقيقة؟ مستحيل.”
عدّت ببطء حتى الستين في رأسها، ثم نظرت إلى الساعة مجددًا. و لا تزال تشير إلى العاشرة وأربعين دقيقة مساءً.
الساعة لم تكن معطلة……فهل يمكن أن الروح قد وصلت بالفعل؟
عند طرف الباب المفتوح لغرفة النوم، كانت أصابع قدم بيضاء تلوح بخفة. ذلك يعني أن هناك أحدهم واقفٌ وسط تلك العتمة الداكنة.
خفق قلبها بقوة، دقةً واحدة ثقيلة.
أمسكت سيان بمسدسها، ورفعت جسدها ببطء حتى انتصف.
و ذلك الثوب الرقيق الذي بالكاد كان يُرى في الظلمة……كان بيجامة أطفال مرسوم عليها دب أزرق صغير.
“رِيان……”
نهضت من مكانها تلقائيًا. فذلك هو نفس ثوب النوم الذي كانت ترتديه شقيقتها يوم قُتلت.
هل يعقل أن رِيان أصبحت روحًا حبيسة في هذا المنزل المهجور؟ لمدة واحد وعشرين عامًا……هنا وحدها؟
نبض- نبض-
دقات قلبها كانت تصدح داخل رأسها.
ثم بدأت سيان تقترب من باب الغرفة بحذر، خطوةً تلو الأخرى. و فجأة، اختفى طرف الثوب الطفولي، و تلاه صوت خطوات صغيرة تركض مبتعدة بسرعة.
فانطلقت سيان فورًا خلفها وركضت خارج غرفة النوم.
“ما الذي……يحدث هنا……”
و ما إن خرجت من الغرفة، حتى تغيّر كل شيء من حولها فجأة، كما لو أنها انتقلت إلى مكان آخر.
نظرت سريعًا في كل اتجاه، وحاولت أن تتحقق بعقلانية من المكان الذي وجدت نفسها فيه.
كان قصرًا غربيًا ضخمًا، والداخل كان معتمًا، لكن ضوءًا أزرق باهتًا كان يملأ المكان بما يكفي ليمنع الظلام التام.
طقطقطقطقطق-
ثم عاد صوت الخطوات الصغيرة يتردد في أرجاء الظلام. وعندما خطت خطواتها في ذاك الاتجاه، بدا وقع أقدامها خفيفًا جدًا وصغيرًا، وكأنها تلامس الأرض بلطف.
فارتجفت، ونظرت بسرعة إلى الأسفل، فظهرت أمامها قدمان صغيرتان عاريتان.
“هذا……مستحيل……”
رفعت سيان نظراتها المتصلّبة ببطء، من ظهر القدم الصغير، مرورًا بثوب النوم الأبيض الرقيق الذي يتماوج بخفّة، وحتى خصلات الشعر الطويلة المنسدلة.
ثم أمالت رأسها إلى اليسار، ونظرت إلى صورتها المنعكسة في زجاج النافذة.
طفلة.
ما انعكس في الزجاج الأسود كانت طفلةً في السادسة من عمرها.
نبض- نبض- نبض-
كان قلبها يهتز من شدة الرعب، و ينبض بقوة حتى كاد يزلزل جسدها.
لقد عادت إلى هيئة تلك الطفلة الضعيفة التي كانت عليها قبل واحد وعشرين عامًا، يوم مذبحة العائلة. وحتى المسدس الذي كان بيدها اختفى تمامًا.
كانت في وضع هش تمامًا، من دون أي وسيلة للدفاع عن نفسها.
‘لم يكن يجب أن أغادر غرفة النوم……’
تصاعد الندم في صدرها، لكن الأوان كان قد فات.
“هذا ليس حقيقيًا. سيان.”
تمتمت وأخذت نفسًا عميقًا بخفوت.
ربما يكون حلمًا……
أيًّا كان، عليها أن تسرع وتخرج من هنا. فجسدها الحقيقي ما يزال مستندًا إلى جدار غرفة النوم في المنزل المهجور، غارقًا في النوم.
الروح كانت تبحث عنها دومًا عبر الأحلام، وقد تكون الآن تحاول حبسها داخل حلم مجددًا.
كما تُخدَّر الفريسة مسبقًا كي لا تقاوم أو تهرب، و استغلّت الروح طيف شقيقتها لتجذبها إلى مجالها الخاص.
كانت الساعة الحالية على ساعة الحائط العتيقة، الحادية عشرة وثلاث دقائق.
إذا كانت تلك الساعة مطابقةً للواقع، فبقي فقط 57 دقيقة حتى يدخل يوم 12 مايو، الموعد الذي قيل أنها ستموت فيه حتمًا.
يجب أن أخرج من هنا.
رددت سيان في ذهنها كلمة “المخرج” بإصرار، وبدأت تسير فورًا.
بسرعة، بسرعة.
عليّ أن أستيقظ من هذا الحلم فورًا.
لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة. فقد سارت، ثم سارت أكثر، ولم تجد أمامها سوى الممرات والأبواب المكررة نفسها.
تمامًا كالفنادق، ممرٌ طويل تصطف على جانبيه أبوابٌ متطابقة بلا نهاية.
طقطقطقطقطق-
ثم سمعت مجددًا صوت خطوات الطفل يركض في الجهة الأمامية. و توترت حواسها بحذر، لكنها كانت بالفعل محاصرةً في متاهة الحلم.
فلاحقت الطفل بهدوء، وكأنها تدخل عرين نمر.
كانت كل أبواب القصر مغلقةً بإحكام، باستثناء باب واحد على بعد خمسة أمتار كان مضاءً بضوء باهت.
وثوب النوم الأزرق الذي ترتديه شقيقتها تماوج قليلًا قبل أن يختفي إلى داخل تلك الغرفة.
كأنه طُعمٌ يجذبها للدخول.
اقتربت سيان من تلك الغرفة، لكنها لم تدخل، بل وقفت عند المدخل ونظرت إلى الداخل.
“مكتبة؟”
كانت مكتبةً بطراز بريطاني، جدرانها الثلاثة مغطاةٌ بالكتب، وفي منتصفها مكتبٌ فاخر، وُضع فوقه حاسوب محمول مضاء بشدة.
عضّت شفتها السفلى بقوة، ثم دخلت سيان بحذر إلى المكتبة.
ثم زحفت إلى الأعلى فوق الكرسي الوثير الثقيل، وتفحصت شاشة الحاسوب المحمول.
“أوتيس؟”
بشكلٍ غير متوقع، كان الموقع المعروض على الشاشة هو الموقع المخصص للوكلاء العاملين تحت منظمة أوتيس.
“لماذا؟”
لم تستطع فهم ما يحدث.
وفجأة، بدأت شاشة الحاسوب تتقلب تلقائيًا، وكأن أحدهم اخترقها، إلى أن توقفت عند صفحة واحدة.
كانت صفحةً محمية بكلمة مرور، تحتوي على معلومات تخص تاي جوون.
تك-
تك تك. تك. تك تك-
بينما كانت تنبعث أصواتٌ خفيفة من لوحة المفاتيح، بدأت رموز كلمة المرور تُكتب أمام عينيها واحدةً تلو الأخرى بشكل تلقائي، على شكل ***>.
كانت الكلمة السرية مكونة من 27 خانة. و لم يتبقَّ سوى الضغط على “إنتر”، لتُفتح تلك الصفحة السرية بالكامل أمامها.
“تاي جوون……”
تمتمت سيان وهي تحدّق في الشاشة، بعينين متسعتين وثابتتين.
“كان هو……”
هذا الحلم لم يكن فخًّا من الروج. بل تاي جوون، ذلك الرجل، هو من جعلها تنام، ثم تسلّل إلى داخل حلمها.
_____________________
انفداه 😭😭
بس لحظه ابي الملف يفتح طيب خل نشوف معلموات عنه مؤسس الغموض ذاه
المهم يخوف كسبت صدق الروح خذت شكل اختها كان بيكون يوجع 😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 64"