حين نكون موجودين، لا يكون الموت موجودًا، وحين يوجد الموت، لا نكون نحن موجودين بعد الآن.
كانت هذه مقولةٌ للفيلسوف إبيقور.
حدّقت سيان بهدوء في تلك الجملة المتعلقة بالموت، ثم أغلقت الكتاب بقوة.
كان ذلك في اليوم الأول من إجازتها، الثامن من مايو.
كان لديها عدد لا بأس به من الكتب التي كانت تنوي قراءتها حين يتوفر لها الوقت، لكن حين بدأت، لم تستطع التركيز جيدًا. و رغم ذلك، بدأت تقرأ بخفة ما شدّها من بين الكتب التي تراكمت بسبب انشغالها.
في الليلة الماضية، وصلتها رسالةٌ من الرئيسة والعميلة “G”.
<~: لن نتواصل معكِ حتى تنتهي إجازتك، فلا تفكّري في شيء، فقط ارتاحي جيدًا.
كان لينكون يبدو مستغربًا من بقائها في المنزل طوال اليوم رغم كونها دائمة الانشغال، لكنه بدا سعيدًا بذلك.
وعندما داعبت ساقه الخلفية بلطف، أخذ يهزّ ذيله بحماس واقترب منها أكثر.
ثم تناولت سيان قهوتها ذات الرائحة العطرة، وعادت لقراءة كتابها من جديد.
***
التاسع من مايو.
بعد أن راجعت مرةً أخرى قائمة الممتلكات التي سبق أن نظّمتها، أعادت التأكد من وصيتها بدقة.
موظفوا أوتيس كانوا يتقاضون أجرًا سنويًا مرتفعًا في الأساس، و بالنسبة للي سيان التي كانت في موقع القيادة داخل المنظمة فراتبها كان أعلا.
ولأنها قضت حياتها في العمل دون أن تنفق الكثير، فقد تمكّنت من ادخار مبلغٍ هائل.
لقد كتبت وصيتها منذ وقت طويل، بحيث يُصرف كامل ما تملك من أموال على الأطفال الذين فقدوا ذويهم.
وبعد أن ختمت الوصية بالشمع الأحمر، أرسلت بريدًا إلكترونيًا إلى تاي جوون.
محتوى الرسالة كان أنها ستضع خاتمي الأفعى المسمّيين “SOG 124” و”SOG 08” في خزنة شقق العملاء التي يديرها أوتيس.
وهذا كل ما أرادت قوله.
لكن حتى بعد أن وضعت النقطة الأخيرة، ظلّت سيان تحدّق في المؤشر الذي كان يومض على الشاشة، دون أن تحرّك ساكنة.
هل تودّ أن تلقي عليه تحية الوداع الأخيرة…..أم لا؟
لقد كانت في صراع مشابه من قبل. حين أُصيب ذراعه إصابةً خطيرة أثناء حادثة مين هي سون والقط جون، وهو يهرع لحمايتها.
حينها أيضًا لم تكن تعرف، هل تشكره؟ أم تحذّره ألّا يتدخل في شؤونها مرة أخرى؟
‘تاي جوون.’
ما إن خطر اسمه في ذهنها، حتى ارتسم مشهد الفندق في بونغتشون-دونغ أمام عينيها.
دفء جسده الحي، ونظرته التي لم تبارحها طوال الوقت.
كتبت ببطء، حرفًا حرفًا: “شكرًا على كل شيء حتى الآن”، ثم مسحت تلك التحية في النهاية.
حتى مع الرئيسة، كانت تفترق دائمًا دون أي عواطف، فلم يكن هناك داعٍ لأن تترك وراءها بقايا مشاعر تجاه تاي جوون.
كتبت الرسالة بوضوح واختصار دون أي زيادات، وحددت موعد إرسالها ليكون في الساعة الثامنة صباحًا من يوم 12 مايو، ثم أرسلتها فورًا.
بعدها رتّبت وصيتها وما تبقّى من أمورها دون أن تترك أي فجوة، وأغلقت الأبواب جيدًا، وتأكدت من إغلاق صمّام الغاز.
ثم أمسكت بحقيبة سفر خفيفة، ومن عند الباب نادت على الكلب ذو الثلاثة أقدام.
“لنذهب، يا لينكون.”
***
كان منظر بحر الشرق يراودها، فتوجّهت نحو سوكتشو.
وكان بحر الليل في شهر مايو باردًا إلى حدٍّ ما، فلفّت جسدها ببطانية سميكة، وجلست على الرمال تسمع صوت الموج طوال الليل.
كانت ليلةً طويلة على نحو غريب.
و كانت تُلقي نظرةً على هاتفها بين الحين والآخر.
العميلة “G” لم تكن مسجّلةً في الهاتف برقم ظاهر، كما أن الأسماء المسجلة فيه لم تكن سوى “الرئيسة” و”تاي جوون”.
وفوق ذلك، لم يكن هناك أي سبب يجعلها تتحدث معهم خارج نطاق العمل. لذلك لم تكن بحاجة حقيقية لأن تفحص الهاتف…..ومع ذلك……
بعد أن فتحت هاتفها للمرة الرابعة تقريبًا، أدركت سيان أنها كانت تنتظر ربما يتواصل معها جوون. فابتسمت بسخرية.
آخر مرة التقت بها مع جوون كانت في فندقٍ صغير في بونغتشون-دونغ. و كانت تفوح منه رائحة غسول الجسم، وللمرة الأولى، هي من مدّت يدها لملامسة جسده.
“حتى إن لمستكَ، لا أشعر بشيء، تاي جوون.”
حين وضعت حدًا ببرود وأناقة، ابتسم، لكن عينيه كانتا تشتعلان غضبًا. فقد بدا الأمر وكأنها أغوته بلمساتها، ثم رمت به في النهاية قائلة: “أنتَ لا تهمّني على الإطلاق.”
بالطبع، لم يكن هناك احتمال لأن يتواصل جوون أولًا. ولم يكن هناك أي سببٌ آخر يجعلها تتحدث معه مجددًا.
ومع ذلك، كانت سيان تمسك بهاتفها طوال الليل، تحدّق في البحر الليلي أمامها.
***
العاشر من مايو.
شاهدت شروق الشمس وهي تصبغ بحر الشرق بلون وردي فاتن، برفقة لينكون.
ركضا قليلًا على الشاطئ، مرحًا كأنهما في نزهة خالصة، إجازةٌ كاملة لا تخص أحدًا سواهما.
كم كان لينكون سعيدًا…..فقد ركض كنسمةٍ بيضاء نحو نهاية الشاطئ البعيد، ثم عاد من جديد كنسمة أخرى، وارتمى في أحضانها بقفزةٍ مرحة.
ولو فكّرت قليلًا، فقد كان هذا أول يوم له يلعب فيه هكذا منذ 21 عامًا.
بما أن لينكون كلبٌ شبح، لم يكن بمقدوره التواصل مع الكائنات الحيّة، وأرواح الحيوانات في الأساس تتبدد خلال يومين أو ثلاثة، لذلك لم يكن باستطاعته حتى أن يكون له أصدقاء من الأشباح.
لهذا، في الماضي كما في الحاضر، لم يكن في حياة لينكون سوى لي سيان فقط.
وأثناء مشاهدتها له وهو يلهو بالماء، يركض ويقفز ويتلاعب بالأمواج، همست سيان بخفة،
“كان عليّ أن ألهو معه أكثر من هذا..…”
***
بعد أن تناولت وجبةً خفيفة متأخرة بتأنٍّ، تجوّلت قليلًا في حديقة مايو الزاهرة، ثم توجهت إلى ملجأ قريب للكلاب.
عندما يكون لينكون بين الكلاب الأخرى، يصبح جادًا ومهيبًا بشكل مبالغ فيه، وكان ذلك لطيفًا بطريقته.
ومع أنه لا يمانع التواجد مع الكلاب الأخرى، خرج معها بعد أن استراح حوالي ساعتين.
وقف يتأمل بهدوء الكلاب الصغيرة والكبيرة وهي تلهو وتنبح، ثم مدّ لسانه ولعق ظاهر يد سيان بلطفٍ ودفء.
***
الساعة العاشرة مساءً.
وصلت إلى شقة في أحد الأقاليم، يديرها أوتيس.
و الآن، كان موتها مقررًا فجر الغد، عند منتصف الليل من يوم 11 وحتى دخول يوم 12.
أخرجت سيان من حقيبة السفر فخًّا لاصطياد الأرواح، ووضعته في منتصف غرفة المعيشة، ثم وقفت خلفه.
“لينكون، تعال إلى هنا.”
أعطت الأمر بصوتها المعتاد، لكن لينكون الذي كان واقفًا عند الباب، لم يتحرك قيد أنملة.
لقد كان يدرك تمامًا أن ذلك الصندوق الصغير المصنوع من الفولاذ المقاوم للصدأ، الموضوع أمامها، هو “فخ”.
فخٌ يعمل ضمن مساحةٌ قدرها متر مربع من كل جانب، وإن اقترب منه، فسيُحبس بداخله.
لذا كان يرمقها بعينين حذرتين، مشوشًا، يتساءل، “لماذا؟”
كان يسألها بذلك بعينيه، بطريقته الخاصة.
فنادته سيان مرة أخرى بصوتٍ هادئ،
“لينكون، تعال.”
لكنه بقي ثابتًا، لم يتحرك.
كان لينكون مخلصًا للغاية، لم يخالف لها أمرًا من قبل، ولو طلبت منه أن يموت، لألقى بحياته دون تردّد.
لكن، بالنسبة للكلاب، الأرواح الشريرة على هيئة الحشرات هي الجحيم بعينه. وفي حال مواجهة شبح الأفعى على شكل أم أربع وأربعين، كان لينكون سيموت أولًا بلا شك، ممزقًا إربًا.
تمامًا كما حدث قبل 21 عامًا.
‘لا أريد.’
لم تكن تريد أبدًا أن ترى مجددًا مَن تُحب يُقتل بتلك الطريقة أمام عينيها.
أخيرًا، حرّك لينكون إحدى قدميه الأماميتين. و خطا خطوةً بطيئة، ثم أخرى.
ثم توقف فجأة، مترددًا وهو يحدّق بالفخ…..
وبعد لحظة من التردد، ثبّت عينيه الصافيتين نحوها، وتقدّم بخطوات واسعة وسريعة. وكأنه يصدّق أن ما تفعله لا بد أن يكون له سبب وجيه.
حتى عندما علق بالفخ وسُحب جسده بالكامل إلى داخل الصندوق، لم يرفع عينيه عن وجهها.
طقطقة خفيفة-
جلست سيان على ركبتيها، واحتضنت الصندوق الثمين بكل عناية.
قد يكون الأمر مؤلمًا الآن…..لكن طالما أنه على قيد الحياة، فسيجد يومًا ما مالكًا جديدًا، ويعود ليمنح ويستقبل الحنان من جديد.
“أنا آسفة…..لقد عانيتَ كثيرًا بسببي، أليس كذلك؟”
طبعت قبلةً على سطح الصندوق الفولاذي البارد، ثم ضمّته إلى صدرها بقوة، كأنه قلبها ذاته.
“شكرًا لك، لينكون…..أنا أحبك.”
***
الحادي عشر من مايو.
رغم أنها لم تنم طوال الليل ولو لدقيقة، إلا أن ذهنها كان باردًا ونقيًا…..كقطعةٍ من الجليد الحاد.
بعد أن أخذت حمّامًا طويلًا، شربت سيان كوبًا من القهوة الساخنة والقوية، وتخطّت الإفطار كعادتها.
ثم أخفت خاتمي الأفعى في الخزنة السرية المشتركة التابعة لأوتيس، ثم غيّرت الرقم السري.
بعدها رتّبت على طاولة غرفة المعيشة وصيتها، دفاتر حساباتها البنكية، الحاسوب المحمول والجهاز اللوحي المرتبطَين بمهمة “0401 صيد”، وقد جرى تنظيم كل شيء بعناية…..
ثم نظرت نحو هاتفها المحمول الذي لم يأتِ منه أي اتصال من أحد، وحدّقت فيه لعشر ثوانٍ تقريبًا، ثم أطفأته ووضعته على الطاولة.
وأخيرًا، وضعت بجانبه الصندوق الفولاذي الصغير الذي كان يحتوي على لينكون — الكلب ذو الثلاثة أقدام الذي تم اصطياده.
و دون أن تطلب شيئًا، كانت واثقةً بأن الرئيسة ستعتني بـلينكون جيدًا.
كل الاستعدادات انتهت.
جمعت كميةً كافية من الذخيرة، لكن مع سرعة شبح الأفعى، لم تكن متأكدةً إن كان سيُتاح لها الوقت لتغيير الزناد.
ارتدت بذلتها السوداء الضيقة التي تلتصق بجسدها بإحكام، ثم علّقت في أذنيها أقراطًا من حجر العقيق الأسود — أول ما اشترته من راتبها عندما بدأت العمل مع أوتيس قبل 12 عامًا.
ذلك الحجر الأسود النفاث كان يُستخدم عادةً في مراسم العزاء، ويرمز إلى الفقد والحزن والأسى.
وحين نظرت إلى المرآة بعد أن ارتدت الأقراط، انعكس وجهها النحيف بعينين خاليتين من التعبير.
“جيد..…”
كما كانت تفعل دائمًا على مدار 21 عامًا…..كانت مستعدةً لبدء هذا اليوم بهذا الوجه، ولتنهيه به أيضًا.
مرّت بكفّها على الصندوق الذي يحمل لينكون لمرة أخيرة، ثم غادرت الشقة دون أن تلتفت خلفها.
***
كانت هناك فوانيس برتقالية جميلة اللون معلّقةٌ على امتداد الطريق.
و السماء كانت زرقاءً بلون الماء، بينما تتماوج أزهارٌ بنفسجية اللون على الجانبين، وتتناثر زهور الهندباء الصفراء هنا وهناك.
كانت في طريق العودة إلى الماضي بعد مرور 21 عامًا.
الغريب أن هذا الطريق، الذي لم تمرّ به سوى مرة واحدة فقط، بدا مألوفًا جدًا لعينيها. حتى الأغنية التي غنّتها العائلة في السيارة أثناء رحلتهم منذ 21 عامًا، ترددت في ذاكرتها بوضوح.
كان والدها كثيرًا ما يغني لوالدتها من أغاني فرقة “ذا آرتشيز” القديمة، وفي ذلك اليوم من الرحلة، غنّى أيضًا داخل السيارة.
“أنتِ فتاتي الحلوة!”
وكانت رِيان، شقيقة سيان التي كانت تجلس بجانبها في المقعد الخلفي، تردد الأغنية بصوت طفل صغير لا يُحسن نطق الحروف، فضحك الوالدان بصوت عالٍ.
حتى الآن، لا تزال أصداء تلك الضحكات المشرقة تتردد في أذنيها.
“هههه.”
“رِيان الصغيرة تغني بشكل رائع، أليس كذلك؟”
في ذلك اليوم، كان ضوء الشمس الذهبي يتراقص في السيارة كأنه سعادةٌ صافية.
قادت سيان السيارة بوجه خالٍ من التعبير، بينما همست بالكلمات التالية للأغنية بصوت خافت.
“حلوتي…..عزيزتي، عزيزتي..…”
___________________
كلمات الاغنيه بدل لاتكون حلوه صارت حزينه🥲
قاعده انتظر جوون يجي مب لازم تناديك ياخي افهمها
يوجع تجهيزها لكل ذاه يوجع 😔
ويوم ودعت لينكون بغيت اصيح😔
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 63"