كانت تعلم ذلك منذ لقائهما الأول، أن عالم تاي جوون باردٌ ومظلم، لا لون فيه.
كان أشبه برجلٍ يشبه غرفةً مغلقة، مظلمة، وفارغة تمامًا. غرفةٌ لا يُسمح لأيٍّ كان بالدخول إليها، لأنه ببساطة لن يسمح بذلك أبدًا.
كان من أولئك الذين لا يُدخلون أحدًا إلى قلوبهم مطلقًا. وقد أدركت لي سيان ذلك من النظرة الأولى.
لذا، حين التقته لأول مرة كنَجّار في فجر السادس والعشرين من ديسمبر العام الماضي، ونظرت إلى سجل أرقام هاتفه الخالي تمامًا، فكرت في نفسها،
تمّت إضافة اسم لي سيان حديثًا إلى قائمة جهات اتصال تاي جوون، لكنه سيُحذف بعد عام من الآن.
وكان الأمر ذاته ينطبق عليها. فهي الأخرى كانت حياتها فارغة، وكل من أحبتهم ماتوا، و دُفنوا في الماضي كجثث.
ولم يكن هناك أحدٌ غيرهم يمكنها أن تتشارك معه المستقبل.
تلك الوحدة القاتلة، التي تقترب من المجاعة……لن يعرفها أحد.
كانت وحدها من تعرف، كطائر الوقواق، أنها لن تبني عشًا لها طيلة حياتها.
العالم من حول الناس كان ملونًا، نابضًا بكل ألوان الطبيعة، لكن عالم لي سيان كان باردًا ومظلمًا، كليالي ديسمبر، طوال فصول السنة.
حتى أشعة الشمس في وضح النهار كانت في عينيها باهتةً كضوء القمر.
وفي هذا العالم الخالي من الألوان، تمرّ الوجوه كل يوم، كما تمرّ الأرواح. ويمضي الوقت ببطء.
يومًا بعد يوم.
كان هناك لينكون، وكانت هناك الرئيسة، لكن وبغض النظر عن مشاعرها تجاههما، بقي قلب لي سيان عالقًا في ذلك اليوم حين كانت في السادسة من عمرها.
لم تستطع أبدًا أن تخرج من ذلك اليوم، من شعور بالذنب واليأس الذي حاصرها في ماضيها.
بل في الحقيقة……لم تكن ترغب بالخروج منه.
ذكريات عائلتها التي قُتلت بوحشية، حتى لو نسيها العالم بأسره، فهي وحدها لم تكن تريد أن تنساها أبدًا.
ولهذا، كانت الحياة بالنسبة للي سيان تشبه السير وحيدةً في ليلة شتوية مظلمة من ليالي ديسمبر.
تسير وهي مكبّلةٌ بأغلال الماضي الثقيل، تصدر في كل خطوة صرير الحديد البارد.
الغريب أنه كلما رأت تاي جوون، كانت تسمع الصدى ذاته داخلها، ذلك الصوت المعدني الحاد، والوحدة التي يحملها صداه.
ربما……لهذا السبب، حين التقت الرئيسة في النهار وسمعت حديثها عن تاي جوون، كانت أول صورة خطرت في ذهنها هي ظهره، واقفًا وحده في الظلام.
ورغم أنها كانت تعتني بالرئيسة وهي تسعل بعنف، لم تكن تقلق على حزن الرئيسة عليها بعد موتها.
بل……كانت تفكر فقط، أنه بعد أربعة أيام حين تموت، وقريبًا بعدها سترحل الرئيسة أيضًا، سيبقى تاي جوون وحيدًا في هذا العالم……
ولسببٍ ما، فكرةُ أن ذاك الرجل سيبقى وحيدًا بالكامل، بدت مؤلمةً لها.
ربما لأنها قضت الأشهر الخمسة الماضية إلى جانبه كشريكة……أو ربما……
لأنها، منذ وقتٍ ما، لم تعد تفكر إلا فيه.
في تاي جوون.
***
كان تاي جوون من أولئك البشر الذين لا يمنحون قلوبهم لأحد.
ومع ذلك، ها هو الآن يعرض على لي سيان أن يقاتل معها ضد شبح الأفعى. مقابل أن تدخل إلى غرفته المظلمة، الفارغة، والمغلقة بإحكام.
“اطلبي مني……قولي أنكِ تريدين المساعدة، و أنكِ تريدين أن تعيشي.”
“…….”
“وفي المقابل، على الآنسة سيان أن تعدني بشيء واحد فقط……من الآن فصاعدًا، ستعيش وتموت مع تاي جوون.”
أن تقضي ما تبقى من حياتها إلى جانبه……هل يمكن تصوّر ذلك؟
لم تستطع حتى أن تتخيل نفسها في سنٍ متقدم، فكيف يمكنها أن تتصور نفسها تعيش مع رجلٍ مسن؟
و أساسًا، لم تكن تؤمن أنها ستعيش حتى ذلك العمر.
لكن سيان كانت مثل جوون، تحمل بداخلها غرفةً فارغة، موصدةً في صدرها.
وربما، فقط ربما……يتمكن هذان الشخصان، المختلفان تمامًا والمتشابهان بطريقةٍ ما، من ملء فراغ كلٍ منهما ولو قليلًا.
وربما، فقط ربما……يكون هناك شيءٌ من السعادة أيضًا في انتظارهما.
نظرت سيان إلى جوون بعينين باردتين في الظاهر، لكن مشتعلتين في العمق. أما هو، فقد كان يحدّق بها وحدها، بتلك النظرة العميقة التي تأسر كل من يواجهها.
ثم مدت سيان يدها ببطء، ومسحت بأطراف أصابعها من عظمة ترقوته نزولًا حتى صدره.
مع حركة يدها، اجتاح جسدها تيارٌ من القشعريرة كأنها شعلةٌ تتصاعد.
كان تصرفًا عاطفيًّا، غريزيًّا، لم تعتده من قبل. فهي التي قضت حياتها تتحكم بعقلها دومًا، لم تفعل شيئًا كهذا في حياتها.
لكن ما إن لامست جسده مرة، حتى اجتاحتها رغبة لا تُقاوم بأن تستمر في لمسه أكثر.
دافئ……
كانت حرارة جسده أقرب إلى السخونة. وكان لهذا الدفء وقعٌ غامر، مريح بشكل لا يوصف……
هذا الدفء……وهذه الطمأنينة……
كانت قد أمضت الشهر الماضي في وحدةٍ قاتلة، وكان في داخلها جوعٌ لا يوصف إلى دفء بشري حقيقي.
رغبةٌ مكبوتة بأن تحتضن أحدهم بقوة، ولو للحظة واحدة فقط.
رفّت رموشها ثم فتحت عينيها، و التقت نظراتها بنظراته كأنها واقعةٌ تحت سحره، وفي مزيج من التوتر والجرأة، بدأت تحرك يدها و داعبت الندبة بخفة.
كانت تتوق في تلك اللحظة، أن تعانقه.
لكن لا يمكنها المضي أكثر من ذلك. فالاستمرار يعني قبول عرض جوون.
‘أن نموت معًا……لكننا لسنا على ذلك القدر من العلاقة.’
هو قد عرض عليها أن “يقاتلا معًا، سواءً في الحياة أو الموت”، لكنها لم تستطع أن تجرّ هذا الرجل إلى مصيرها، الذي حُكم عليه سلفًا بالموت.
ولذا، للمرة الأخيرة، وضعت سيّان كفيها على وجهه، تمسده برفقٍ وحنان.
وجه هذا الرجل، الذي لم يجد حلاوةً في الحياة في أي موضع، فكان يضع قطعة شوكولاتة في فمه من حين لآخر……
أرادت، لمرةٍ واحدة على الأقل، أن تمس وجهه بهذا الشكل، بلطفٍ، بمودة دافئة تنضح عطفًا.
حين تمر الأيام، ويحين وقت بقائه وحيدًا في هذا العالم، حتى عندما تختفي الرئيسة من جانبه، ويغدو وحيدًا تمامًا……قد تكون ملامحها قد بدأت تتلاشى من ذاكرته في ذلك الحين……
لكنها تمنت، حين تخطر لي سيان فجأة في بال تاي جوون، أن يتذكر أيضًا تلك اللمسة الحنونة.
و ربما تلك اللمسة الدافئة قد فاجأته، فقد بدا على وجهه تعبيرٌ غامض.
“يكفي……”
أخفت سيّان حزنها خلف برودها، وسحبت يدها عن وجهه. ثم تكلّمت بصوت جاف لا ينطوي على أي دفء.
“حتى إن لمستكَ، لا أشعر بشيء، تاي جوون.”
وكانت هذه كذبة. لكن ما قالته بعد ذلك كان صادقًا تمامًا.
“ولذلك، لا يوجد سببٌ يجعلنا شريكي مصير. فلا شيء بيننا.”
“….…”
“عرضكَ أن ترتبط بالحياة والموت معًا……أرفضه بكل احترام.”
______________________
اشوا حسبتهم بيفجرونها بس يوم حطت يدها على وجهه طلع لا ذي بس حنية منها🤏🏻😔
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 62"