ظهرت سكرتيرة الرئيسة عند مدخل مقهى السطح، وكأن الوقت قد حان.
الرئيسة لم تلتفت حتى، بل ابتسمت وكأنها كانت تعلم، وبدأت بإنهاء الحديث.
“على كل حال….تبدأ إجازتكِ من الغد، صحيح؟”
أجاب سيان بنبرة خفيفة.
“نعم. إجازتي تبدأ من الثامن من مايو وتستمر لمدة نصف شهر.”
“أول إجازةٍ لك منذ بدأت العمل في أوتيس قبل اثني عشر عامًا…..ألم تُفرطِ في العمل قليلًا؟”
“أنتِ أيضًا كذلك، صحيح؟”
“لكنني على الأقل لا أنسى الإجازات، أليس كذلك؟ أنا أبني فيلا على جزيرة صغيرة لا يسكنها أحدٌ في الخارج، وأبقى فيها لشهر تقريبًا دون أن أغادر. ولا أستحم لأن لا أحد يساعدني. هاها! تمامًا مثل روبنسون كروزو.”
تلك كانت الأيام الوحيدة في حياة الرئيسة، المخلصة بالكامل لأوتيس، التي لا تتلقى فيها أي اتصال من أحد.
“حين تتعبين، لا شيء أفضل من ذلك.”
مدت الرئيسة ذراعها وربّتت على يد سيان بمودة.
“الانشغال الحقيقي سيبدأ غالبًا بعد الصيف. لذا سيان، لا تفكري في أي شيء أثناء الإجازة، فقط ارتَاحي تمامًا.”
“سأفعل.”
“إذًا، سيان، نراكِ بعد انتهاء الإجازة.”
امتلأت عينا سيان بأشعة شمس مايو الذهبية المتمايلة، والرئيسة التي كانت تبتسم بارتياح داخلها، ومشهد أوتيس الذي احتضنته طيلة السنوات الاثنتي عشرة الماضية، وكأنها تلتقط صورةً تحفظ بها كل ذلك.
ثم وضعت كيس تسوقٍ من متجر فاخر على الطاولة بخفة.
“افتحيها لاحقًا. إنها هدية يوم الوالدين غدًا.”
***
طَق، ززز-
انفتح الباب الأوتوماتيكي المزوّد بتقنية التعرف على قزحية العين على مصراعيه. و دخلت سيان مباشرةً إلى مركز حفظ القطع الأثرية.
يمتد مركز حفظ القطع الأثرية الخاص بأوتيس من الطابق الثامن تحت الأرض حتى الطابق العاشر، وتمامًا كما تتسم أوتيس بتاريخ طويل متداخل مع تاريخ كوريا، فإن عدد القطع الأثرية المخزّنة والمحفوظة والمستخدمة هناك كان هائلًا.
“لم تزوري المكان منذ فترة، ما الأمر الآن؟”
تعرف عليها المدير الخمسيني ذو اللحية الكثيفة، وبادرها بالكلام.
فردت سيان بدلًا من التحية بذكر اسم القطعة التي ترغب في استعارتها، بشكل مباشر ومختصر.
“TeoG 740715. أرغب باستعارة لوحة الضفدع التي رسمتها كاهنة الوحش المقدّس في أواخر عهد غوريو، لمدة خمسة عشر يومًا.”
بمجرد أن سمع مدير المركز اسم القطعة، أخرج شفتيه في تعبير واضح. كان ذلك تعبيرًا يدل بجلاء على عدم رغبته في إعارتها.
ورغم أنه يبدو بمظهر رجل في الحي خرج لتوه من حانة، فإن مدير هذا المركز الأثري كان عالم آثار بارعًا، يعيش في أدوار أوتيس السفلية وكأنها منزله، ولا يصعد إلا عندما يكون هناك اكتشافٌ جديد يحتاج للبحث.
ومن الطبيعي أن هذا المدير لم يكن يهتم مطلقًا بالأرواح أو الظواهر الروحية. فقد كان شغفه الوحيد يتركّز على القطع الأثرية الفريدة، غير المعروفة للعالم، والمليئة بالتاريخ.
لذلك، عندما يُعير إحدى القطع، يولي أدق التفاصيل اهتمامًا شديدًا. و كان يثور غضبًا لو ظهرت خدشة واحدة فقط.
سأل مدير المركز بنبرة ساخرة وهو يرمي كلامه بلا اهتمام.
“اللوحة المعلّقة التي فيها ضفدع، هه…..ولماذا؟ هل تنوين صيد مخلوق خرافي من نوع الألفية كما في أساطير القرى؟”
وكان سؤاله يعني: “هل هناك احتمالٌ أن تتعرض القطعة المستعارة ولو لأذى بسيط، ولو في حجم شعرة؟”
“لا. أريد فقط التحقق منها كمرجع.”
أخذت سيان القلم بوجه خالٍ من التعبير، وبدأت تملأ بنود استمارة طلب الاستعارة واحدةً تلو الأخرى.
وبعد أن أنهت كتابة السبب ووقّعت، اختفى مدير المركز دون أن يقول كلمة، ثم عاد بعد حوالي خمس دقائق.
أخذ يربّت على صندوق اللوحة الطويل كما لو كان حبيبته، ثم وضعه على الطاولة بتردد ووجهه ممتعض.
“هذه قطعةٌ ثمينة جدًا. اعتني بها كما تعتنين بحياتكِ…..لا، لحظة. أنتِ لا تعتنين حتى بحياتكِ، صحيح؟”
لوّح مدير المركز بيده ملوحًا بتغيير رأيه،
“هذه تمثل الرئيسة. هذه هي تجسيد الرئيسة نفسها. عامليها بتقدير ومحبة كما لو كانت هي. فهمتِ؟”
***
ززز… ززز…
بمجرد أن جلست داخل السيارة وربطت حزام الأمان، بدأ هاتفها يهتز. وعندما تأكدت، وجدت أنها رسالة من تاي جوون.
<~: الموعد اليوم، لنبقِ على نفس التوقيت لكن نغيّر المكان فقط. إلى فندق “كوغوريو” في بونغتشوندونغ.>
و أُرفق أسفل الرسالة خريطة الفندق ورقم الغرفة.
“فندق؟ ما مناسبة هذا المكان؟”
كتبت: “هل علينا حقًا أن نلتقي في فندق؟” ثم عندما رأت العنوان…..
“آه.”
نقرت بخفة على زر الحذف، ومحت الرد ثم كتبته من جديد.
<~: حسنًا، لا بأس.>
***
ثلاثة مبانٍ لفنادق تحمل أسماء “كوغوريو، بايكتشي، شلا” كانت مصطفة جنبًا إلى جنب في نفس الموقع.
دخلت سيان إلى فندق كوغوريو، الأعلى من بينها.
وحين دخلت الغرفة التي أخبرها بها جوون، كان قد خرج لتوه من الحمام.
“لقد وصلتِ مبكرًا.”
قال جوون ذلك وهو يعبث بشعره المبلل بيده بلا مبالاة.
وبما أنها جاءت قبل الموعد بعشر دقائق، فلا يبدو أنه كان ينتظرها نصف عارٍ عن قصد.
أغلقت سيان الباب خلفها بهدوء، دون أن تبدي أي رد فعل على شكله بينما تحدث هو،
“لقد جئت مبكرًا لأن هناك الكثير مما نحتاج إلى الحديث عنه.”
ثم أشار برأسه نحو النافذة بينما كان يلتقط منشفة الاستحمام.
عندما أدارت سيان رأسها نحو النافذة، وجدت منظارًا صغيرًا متصلًا بهاتف ذكي، يُستخدم لتكبير المشهد عن بعد بدرجة عالية مع إمكانية التصوير بالهاتف.
اقتربت من النافذة بخطوات ثابتة، ثم تفحصت شاشة الهاتف…..
“إنه مطعم ميهيانغ.”
كان الباب الخلفي لمطعم ميهيانغ الصيني، الواقع على بعد أكثر من 300 متر، يبدو وكأنه أمامهم مباشرة.
‘كما توقعت…..’
ما إن رأت العنوان المرفق، شعرت أنه استدعاها إلى هنا بسبب ميهيانغ.
“ميهيانغ” هو أدنى نقطة مرتبطة بالأفعى، ففي ديسمبر من العام الماضي، دخلت إليه عارضة أزياء مشهورة في منتصف الليل، ثم اختفت بهدوء من بعدها.
فورًا ركّزت سيان انتباهها نحو ذلك المطعم الصيني المشبوه.
كانت نوافذ ميهيانغ مغطاةً بالكامل بورق عازل للخصوصية، ومزودة جميعها بنوافذ أمان مضادة للاقتحام، مما يمنع مراقبته من الخارج أو التسلل إليه خفية.
وطبعًا، إن تم جرّ أحد إلى الداخل، فلن يكون من السهل خروجه.
كاميرات المراقبة كانت اثنتين في الخارج، وستًا في الداخل. و كان المبنى بأكمله يوحي بخطر واضح، وكأنه وكرٌ مظلم.
“هل سيأتي أحدٌ إلى ذلك المطعم اليوم؟”
سألت سيان بسرعة وبذكاء، فأجاب جوون وهو يرتدي رداء الاستحمام.
“يبدو أن شخصيةً مهمة جدًا ستزور المكان اليوم. كنت أود أن يتبعها كلبكِ، هل سيكون ذلك ممكنًا؟”
“شخصية مهمة؟ ومن تكون؟”
سألت سيان، فأومأ جوون برأسه نحو باب الفندق.
“الشخص الذي سيلتقي به مدير مطعم ميهيانغ بعد خمس دقائق.”
ماذا؟
طَق طَق-
في تلك اللحظة بالضبط، طرق أحدهم باب الغرفة من الخارج.
“توصيل طلبية!”
مستحيل…..
انقبض قلب سيان، واتسعت عيناها بدهشة.
“هل جعلتَ مدير ميهيانغ يُوصل الطلب؟”
“ورد في التقارير أن المدير بنفسه يقوم بالتوصيل عندما تزدحم الطلبات في المطعم.”
أجاب جوون وهو يبتسم بهدوء. فانفجرت سيان بضحكة قصيرة مذهولة من الموقف.
أن يستدرجوا هدفًا بهذا المستوى من الخطورة للتواصل المباشر بهذه الطريقة…..
من الواضح أن جوون فعل هذا من تلقاء نفسه، دون الرجوع إلى الرئيسة.
أشار جوون بعينيه بإشارة هادئة يخبرها فيها أن تختبئ، ثم فتح باب الغرفة وهو لا يزال برداء الاستحمام.
اختبأت سيان بسرعة في زاوية لا تصل إليها الرؤية، واستدعت لينكون بهدوء بينما أنصتت بتركيز…..
استمعت إلى صوت جوون وهو يستلم الطعام عند باب الغرفة، ويُجري المحادثة مع عامل التوصيل بينما يدفع له نقدًا.
برداءه فقط، بدا كما لو أنه مجرد رجل قضى وقتًا للراحة في الفندق ثم شعر بالجوع وطلب طعامًا.
أشارت سيان إلى لينكون بحركة يد تحمل أمرًا مشفرًا، “تتبع عامل التوصيل الذي جاء الآن، وراقب لفترة الشخص المهم الذي سيلتقي به.”
لينكون، الذي يفهم أوامرها دون أن تنطق بكلمة، لوّح بذيله مرتين بخفة، ثم اختفى بسرعة نحو الباب.
“أتمنى لكَ وجبةً شهية!”
قال مدير ميهيانغ ذلك بصوت خشن قبل أن يُغلق الباب بصوت طفيف. ثم وضع جوون علب الطعام الجاهز على الطاولة واحدةً تلو الأخرى، وأشار بعينيه إلى الكرسي المقابل.
“لنأكل أولًا. طلبتُ نوعين من نودلز جاجانغ مع طبق جونجابوك، هل يناسبكِ؟”
*اكل كوري نودلز الصويا
“لا مشكلة.”
ردّت سيان وهي تخرج من زاوية الرؤية.
كانت تظن أنها ستكتفي بتسليم المهام والوداع، بما أن إجازتها تبدأ من الغد…..لكن يبدو أن أمامهما الكثير من الحديث، فجلست على الكرسي.
اقترب جوون وهو لا يزال برادءه، وجلس أمامها ثم بدأ بفتح عبوات التغليف.
أخذ قطعًا من الأطعمة البحرية كالأذناب، والجمبري، وبلح البحر، ووضعها في طبق صغير بجانب وعائها.
كان دائمًا يحرص على أن يُجهز لها حصتها أولًا عند الأكل. وكأن ذلك أمرٌ طبيعي، و لم ينسَ أن يختار لها أكثر القطع طراوةً ولذّة.
حين لمحت جسده من الجانب المفتوح في الرداء، رأت بوضوح الندبة الطويلة التي تقطع صدره القوي.
بينما كان جسده تحت البدلة السوداء المعتادة كان طويلًا، صلبًا، ومفعمًا بالحيوية.
وفجأة، عادت إلى ذاكرتها لحظة في درج الطوارئ بعمارتها حين ضغطها جوون بجسده القوي.
عندما قيد رسغَيها بقوة كأنها مكبّلة بالأصفاد، وشعرت حينها بكل فارق القوة الجسدية بينهما بوضوح في جسدها…..
طَق-
كسرت سيان عيدان الطعام الخشبية بجفاف، وكأنها تقطع سلسلة أفكارها.
“مين كي شيك، مدير حانة أبغوجونغ…..أنت من يتولى أمره الآن، صحيح؟”
لم يكن هذا تخمينًا، بل يقينًا. فمن المؤكد أن تاي جوون يستخرج المعلومات من مين كي شيك خلسة، عبر أحلامه أو لاوعيه…..بطريقته الخاصة.
أومأ جوون موافقًا بهدوء.
“استدعيتكِ إلى هنا بسبب مين كي شيك تحديدًا. حاليًا، مين كي شيك…..لا، بل الأفاعي، هم من يتتبعوننا.”
“الأفاعي؟ يتتبعوننا؟”
“لأكون أدق، إنهم يتتبعونكِ أنتِ، لي سيان.”
وأشار جوون إليها بعينيه.
“لم نكن نعلم، لكن الأفاعي كانوا يلاحقونكِ خلسةً منذ وقتٍ طويل.”
_____________________
اها يعني الرئيسة باقي لها وقت
المهم الحين سيان 😔
جوون مروووق يضحكني مروق طول الوقت الا اذا صار شي لسيان✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 60"