“لا يزال هناك ساعةٌ كاملة على الموعد، لماذا نزلتِ الآن؟”
“كنت أريد رؤية سياني بسرعة، و فقط جئت لاستقبالكِ.”
وكأنها أمٌ كانت تنتظر ابنتها، يبدو أنها ما إن سمعت من غرفة الحراسة أن سيان وصلت، حتى تركت كل شيء ونزلت على الفور.
و ذلك الحب الثابت أشعر قلب سيان بدفءٍ مؤلم.
ماذا لو لم تكن قد التقت بالرئيسة قبل 21 عامًا…..كيف كان سيكون حالها؟
على الأرجح كانت ستبقى عالقةً في صدمة تلك الليلة التي قُتلت فيها عائلتها، وتفقد عقلها أو تتحول إلى مجرمة.
ثم ذهبا معًا إلى مقهى السطح في الطابق السابع عشر من مبنى أوتيس، وتبادلا الحديث أثناء شرب الشاي وتناول الكعك.
رغم أن الحديث بدا عاديًا، إلا أنه كان في الحقيقة يتعلق بالعمل.
سألت سيان عن شيء كان يحيرها دائمًا.
“إصراركِ على تشكيل الفريق من النجارين فقط يقلل من الكفاءة، أليس النجار الماهر يستطيع أن يعمل وحده؟”
فلو كان تاي جوون، لكان بإمكانه حتى العمل و الانتقام إلى جانب ذلك.
قالت سيان رأيها بجدية هكذا.
“و الساحر يستطيع من خلال تدريب العيون المستمر رؤية الأشباح كذلك.”
“صحيح، العمل بمفردكِ أكثر راحة فعلًا.”
وافقتها الرئيسة بسهولة ورفعت كوب الشاي.
“لكن التعامل مع الأشباح أمرٌ غامض بحد ذاته، من الصعب التنبؤ بدرجة الخطورة. و لو وقع الشخص في خطر، فلن يستطيع النجاة بمفرده.”
“إذًا يجب أن يكونا دائمًا فريقًا من شخصين؟”
“وفوق ذلك، هممم…..رؤية الأشباح ممكنةٌ إلى حد ما بالتدريب. لكن..…”
“لكن؟”
“عندما تكون قوة الشبح أقوى من الإنسان، لا يمكنكِ رؤيته كما تشائين. بالنسبة للعميل الذي فتح عينيه بالتدريب، لو صادف روحًا شريرة أقوى منه، سيكون عرضةً للهلاك بسهولة.”
حقًا…..
لو كانت القدرة الروحية ضعيفة، فلن يتمكنوا من رؤية الروح بوضوح. لهذا ظهرت أقوال مثل “الشبح بلا ساقين” أو “شبح البيضة”.
في هذا العالم، هناك أشخاصٌ يولدون وهم يمتلكون القدرة على رؤية الأشباح بالفطرة…..وهؤلاء أصبحوا “عيون” أوتيس، أي “الموك”.
وبالمثل، هناك من يولدون بروح قوية لا تنخدع بالأشباح، ولا يهابون الأرواح بدرجة كبيرة…..و هؤلاء بعد التدريب أصبحوا “أيدي” أوتيس، أي “السو”.
“كح كح!”
غطت الرئيسة فمها بسرعة بمنديل، لكنها لم تستطع كتم السعال العنيف. فنهضت سيان بخفة وبدأت تمسح ظهرها.
“لا بأس، لا بأس. أنا بخير الآن.”
ربتت الرئيسة على ظهر يدها بإحراج، لكن سيان، على غير عادتها الباردة، غضبت.
“عليكِ أن تتوقفِ عن شرب الكحول تمامًا.”
“أنا أقلل منه فعلًا.”
“كاذبة.”
“أقول لكِ الحقيقة. وفوق ذلك، أنا دائمًا أضيف بيضةً إلى الكونياك. أضيف الحياة إلى الحياة، إنه حقًا إكسير الخلود.”
كانت هذه إحدى دعابات الرئيسة المعتادة.
فالبيضة ترمز إلى الحياة أو الخلود. وكذلك الكونياك، كونه شرابًا مصنوعًا من العنب، يرمز أيضًا إلى الحياة.
وحين لم يبدُ على وجه سيان أي تراجع عن العبوس، أخرجت الرئيسة بسرعة علبةً صغيرة من جيبها وقدمتها لها.
“هاكِ، هذه هديةُ يوم الطفل، متأخرةٌ قليلًا.”
رغم أنها أصبحت في السابعة والعشرين…..إلا أن الرئيسة كانت تعطيها كل سنةٍ هديةً في يوم الطفل.
و عادةً ما كانت تأخذ الهدية إلى المنزل وتفتحها هناك، لكنها اليوم فتحتها أمام عينيها مباشرة.
“إنه مصباح نوم كريستالي؟”
كان مصباح نوم فاخر، صغير الحجم، على شكل طائر كريستالي أنيق يقف على غصن من الذهب الخالص.
يبدو أن الرئيسة طلبته خصيصًا من أجلها، لأنها تعاني صعوبةً في النوم وتستيقظ كثيرًا أثناء الليل.
“جميل، أليس كذلك؟”
فردت سيان بصدق،
“نعم، إنه جميلٌ جدًا. شكرًا جزيلاً. سأستخدمه جيدًا.”
ثم طلبت ماءً دافئًا للرئيسة، وجلست في مكانها، وبلطف عاتبتها.
“الرئيسة هي أم أوتيس، يجب أن تحافظ على صحتكِ لتربي الكثير من الأولاد.”
لكن الرئيسة فاجأتها بإجابةٍ لم تكن تتوقعها،
“أولادي هم لي سيان وتاي جوون فقط.”
“….…”
“يكفي أن يكون لدي طفلان، ما المشكلة؟”
قالت ذاك بنبرة خفيفة لكنها حازمة.
الرئيسة…..كانت تحاول أن تربط بينها وبين تاي جوون. و ربما كانت تتمنى بعد رحيلها أن يعتمد الاثنان على بعضهما في وحدتهما.
لكن لم يتبقَ لسيان سوى 5 أيام من العمر.
وبعد خمسة أيام، حين ترحل…..ستبقى الرئيسة وتاي جوون فقط…..وإن رحلت الرئيسة بدورها عن هذا العالم…..
ماذا سيفعل تاي جوون حينها؟
فجأة، راودها مشهد ظهر تاي جوون، واقفًا وحيدًا في الظلام…..ذلك المشهد، حيث لا أحد بجانبه، وهو وحيدٌ تمامًا…..
لسبب ما، كان يترك أثرًا في قلبها.
أخفت سيان مشاعرها بمهارة، كعادتها. وفي تلك اللحظة، بدأت الرئيسة تتحدث عن تاي جوون.
“الآن وأنا أفكر، لم أخبركِ بهذه القصة بعد…..أول مرة التقيت فيها بجوون، كما قلتِ لك من قبل، كان في مكان طقوس الأفاعي.”
كان واضحًا أن الرئيسة تريد أن تمهد الحديث عن ماضي جوون، وكأنها تغتنم الفرصة لتتحدث عن أمور مهمة، ربما لأن صحتها لم تعد جيدة.
“وقتها، كنت في مهمةٍ للتحقق مما إذا كان المكان قد أُغلق بشكل صحيح، وصادف أنني رأيت تلك الطقوس خلسةً.”
“كان ذلك أيضًا في الغابة؟”
“نعم، في الغابة كذلك. حين رأيت أول ضحية تُقتل، لاحظت أن الطفل، الذي كان الضحية الثانية، كان جالسًا في الخلف. لكن المدهش…..أن ذلك الطفل لم يكن يرتجف ولا يبكي.”
“وهو يشاهد شخصًا يُقتل؟”
“كان يرى صدر الإنسان يُشق والقلب يُنتزع…..ومع ذلك، كان يبدو غير مبالٍ تقريبًا.”
“…….”
“ملامح ذلك الطفل…..آه، أعني جوون، خلال تلك الطقوس المروعة، ظل مرعبًا في هدوئه وبروده…..كأنه ملكٌ صغير.”
تذكرت المقطع المصور الذي شاهدته في الكاميرا، مدته دقيقتان وخمس عشرة ثانية. رغم قِصر ذلك المقطع، كان يكفي ليثير الغثيان…..
فكيف بمن شهد الطقوس كاملة، وهو يعلم أن دوره سيأتي…..ومع ذلك ظل بهذا الثبات…..
“أردتِ إنقاذ الطفل حينها، أليس كذلك؟”
“لم يكن مجرد رغبةٍ في إنقاذه…..بل عزمت على إنقاذه مهما كلف الأمر.”
اعترفت الرئيسة بأنها فُتنت بذلك الطفل ذو العيون السوداء.
“في ذلك الوقت، شريكي في المهمة اعترض قائلًا: هذا ليس ضمن مهمتنا. لكن لم أستطع ببساطة أن أشاهد الطفل يُقتل. و ما إن رأيت الطفل يُوضع على المذبح حتى طلبت الدعم فورًا.”
“…….”
“و كان المفترض أن ننتظر وصول الدعم…..لكن حين لامس السكين صدر الطفل، لم أستطع الصبر، فانطلقت لمهاجمة الطقوس. و قاتلنا بجنون…..ثم قُتل زميلي في الموقع، وأنا أُصبت إصابةً في العمود الفقري تركتني مشلولةً في النصف الأسفل من جسدي.”
“…….”
“كنت أحمي الطفل الملقى على المذبح بكل قوتي…..و أطلقت كل ما لدي من رصاص، وحين نفدت الذخيرة، احتضنته بجسدي لحمايته…..إلى أن سمعت صوت مروحية الدعم تقترب. هؤلاء الأفاعي يخشون بشدة انكشاف هويتهم…..لذا يرتدون أقنعةً وعباءات ذات أغطية رأس لإخفاء أجسادهم وجنسهم وأعمارهم. وحين سمعوا صوت المروحية، تفرقوا على الفور…..”
ربما كان ذلك اليوم هو الطقس الوحيد الفاشل بالنسبة للأفاعي. وكان تاي جوون هو الضحية الوحيدة التي أفلتت منهم.
ابتسمت الرئيسة ابتسامةً باهتة.
“طُعنت سبع أو ثماني مرات بالسكين…..ولم أشعر بالألم حتى. و لم أرَ أمامي إلا ذلك الطفل…..ذلك الطفل الذي لم أكن أعرف اسمه حتى.”
“…….”
“و يبدو أن تاي جوون استغرب أن شخصاً غريبًا يحاول إنقاذه بكل هذا الإصرار.”
“هل كان يتصرف بتعجرف؟”
“هممم…..لا”
توقفت الرئيسة عن الكلام لدقيقة.
كانت مترددةً في إكمال القصة، لكنها في النهاية نظرت إلى سيان، وكأن وجهها يقول “سأخبركِ لأنك أنتِ سيان”، ثم واصلت الحديث.
“قال لي…..أنه لا يستحق أن يُنقذ..…”
“ماذا؟”
“قال أنه ليس جديرًا بأن يُنقذ.”
“…….”
“ذلك الطفل الصغير…..كان يعتقد أنه لا يهم إن عاش أو مات. ولهذا لم يكن خائفًا من أن يكون ضحية، وظل ساخرًا وباردًا حتى النهاية. ولذلك…..هممم….سألته بشكل عفوي..…”
“ماذا قلتِ له؟”
“سألته: ما هو أجمل شيء مررت به في حياتكَ؟ فأجاب جوون: لا يوجد شيءٌ كهذا”
“…….”
“قال أن العالم مظلمٌ مثل الليل.”
كلامٌ لا يُفترض أن يخرج من طفل في السابعة من عمره.
ابتسمت الرئيسة ابتسامةً خفيفة و أكملت،
“وهكذا…..رغم أنني كنت أنزف من كل مكان في جسدي، وثيابي تتطاير من رياح المروحية القادمة للهبوط، هاها…..فتشت جيوب بدلتي الممزقة، وأخرجت قطعة شوكولاتة كنت أحتفظ بها كطعام طوارئ عندما أتعب، وقدمتها للطفل.”
“…….”
“وضعتها في يده الصغيرة، وقلت له: لو بحثت جيدًا…..ستجد أشياء حلوةً في هذا العالم، تمامًا كقطعة الشوكولاتة هذه. و إذا شعرت يومًا أن العالم مظلم، وبارد، وفارغ، ولا معنى له…..جرب أن تأكل شيئًا حلوًا كهذا.”
“…….”
الآن فهمَت سيان لماذا كان جوون يحمل دائمًا الشوكولاتة معه رغم كرهه للأطعمة الحلوة…..
وكذلك فهمت لماذا يخزن في هاتفه رقم الرئيسة فقط…..
“كنت أخشى أن الأفاعي قد تلاحق الطفل، لذلك خبأته في أوتيس، لكن…..أظن أن جوون ببساطة بقي بجانبي.”
“هذا صحيح.”
تاي جوون يثق بالرئيسة، وليس بأوتيس حقًا. حتى في قضية مين هي سون والقط جون، لم يرغب في الذهاب إلى المستشفى الذي تديره أوتيس.
في الواقع، لو لم تكن الرئيسة، ربما لم يكن ليعمل في أوتيس أصلًا.
“على أي حال، قال لي جوون في بداية يونيو أن نخرج لنأكل اللحم معًا. أنتِ وأنا وهو، نحن الثلاثة.”
ضحكت الرئيسة بوجهٍ سعيد.
“لذا قررنا تحديد يوم نأكل فيه حتى نمرح ونستمتع طوال اليوم. لا تفوتِ الموعد، عليكِ الحضور بالتأكيد، هل فهمتِ؟”
ردّت سيان بابتسامةٍ خفيفة.
لكن عند رؤية الرئيسة تضحك، تسللت رغبةٌ قوية في الحياة…..وحزنٍ عميق يصعب وصفه، و كان يلتف حول جسدها كأنّه كرمةٌ تخنقها.
*الكرمة: نبات متسلق
__________________
الفصل حنوووون الرئيسة تقطر حنيه توجع😔🫂
المهم علاقة جوون والرئيسة تجنن شايل شكلاته عشان كلماتها😭🤏🏻
سيان مالها داعي ماتحبه بعد ذاه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 59"