ابتسمت سيان بخفة وهي تنظر إلى يي أون. فمن مظهر الحفيدة وهي في حضن جدتها الراحلة، انسكب دفءُ المودة الحميمة.
في الحقيقة، كانت الروح الحامية هي أفضل علاقةٍ بين الإنس والأرواح. و بالطبع، الفناء الأنقى هو الزوال التام دون شوائب.
لكن الأرواح يمكن أن تنحرف بسهولة بسبب غضب طفيف أو ضغينة أو حقد. فتتحول إلى مسمار أعوج بسبب ضربة مطرقة واحدة خاطئة.
عندما يموت الإنسان، يتحلل الجسد، وتظل الروح تتأمل ذكريات الحياة لبعض الوقت، ثم في النهاية، يختفي الجسد والروح من هذا العالم كالدخان.
هذا هو الزوال النقي الذي تسعى إليه أوتيس.
ورغم أن الروح الحامية، من الناحية الدقيقة، أقرب إلى المسمار……إلا أنها كانت “مسمارًا أبيض” بمعناه الجيد، يصرّ بإخلاص على حماية من أحبهم في حياته.
انتهى الأمر. ما كان يجب فعله هنا قد تم.
تنفّست سيان نفسًا قصيرًا يملؤه الرضا.
الروح الشريرة أُزيلت، ويي أون هدأت، ولم يتبق سوى ترتيب بعض الفوضى الصغيرة. فتحققت من الوقت في ساعة يدها، ثم استعدت للمغادرة.
“والداكِ سيقلقان من الفوضى في المنزل……”
“آه! سأرتب كل شيءٍ بنفسي. لا بأس.”
أجابت يي أون بسرعةٍ واندفعت بالكلام.
“يمكنني تغيير زجاج الإطار خلسة، وأما القفل الآمن……فبما أنه غالٍ، سأقول أنني حاولت فتحه لكنه لم يفتح، فاضطررت لكسره. والهاتف المحمول أيضًا، في الواقع، كنت أفكر بشراء واحد جديد على أية حال.”
“……”
“و أيضاً……شكرًا جزيلًا حقًا. على مساعدتكم لي ولجدتي اليوم.”
كان شكرًا صادقاً نابعاً من القلب. فأومأت سيان برأسها قليلًا لترد التحية، ثم استدارت نحو الباب.
في تلك اللحظة، اقترب جوون من يي أون وطرح سؤالًا غريبًا فجأة.
“قبل أن أذهب، دعيني أسألكِ شيئًا واحدًا فقط.”
“نعم؟”
“أنتِ عندما كنتِ في جبل سونغجوسان، لقد رأيتِنا وصرختِ قائلة، ‘شبح’، صحيح؟”
“آه، أنا……ها؟”
اتسعت عينا يي أون في ارتباكٍ ونظرت إليه بدهشة.
“شـ……شيح؟”
“نعم، الأشباح. كنتِ تشيرين إليّ أم إليها؟ من بيننا، من كنتِ تقصدين بالشبح؟”
‘حقًا……هل كان من الضروري طرح هذا السؤال في هذا التوقيت؟’
عبست سيان بين حاجبيها، لكنها في الحقيقة كانت فضوليةً أيضًا. فنظرت إلى يي أون بعينين جافتين.
“آه، أأمم……ذ، ذلك أعني……هييك!”
وبينما كانا سيان و جوون يحدقان بها بثبات، ترددت يي أون وتلعثمت دون أن تدري ما تقول.
يي أون، التي بدا عليها التوتر حتى أنها بدأت تصدر صوت فواقٍ خفيف “هيهيك”، همست أخيرًا بصوت خافت بالكاد يُسمع،
“كِلا……كِلاكما.”
***
“فلنقل إذًا أن منافسة الأشباح انتهت بالتعادل.”
قال جوون ذلك بنبرةٍ توحي بعدم الرضا، وكأنه تنازل عن اعتراضه بصعوبة.
أما سيان، فبينما كانت تفك كاتم الصوت، توقفت مصدومة.
“هل كانت تلك منافسة أصلًا؟”
“أنا كنت أعتبرها منافسةً جادة نوعًا ما، لكن يبدو أن الآنسة لي سيان لم تكن كذلك؟”
هكذا إذًا……
“مع أن يي أون أضافت لاحقًا أن السيد هو من بدا كأنه أكثر شبهًا بالشبح قليلًا.”
وعندما ردت عليه وكأنها تدعوه لمواصلة النقاش، رفع جوون يده مستسلمًا.
“آه، دعينا نتظاهر بأني لم أسمع تلك الإضافة.”
ابتسمت سيان بخفةٍ وأعادت تثبيت المسدس الفضي عند خصرها.
ويا للعجب، كيف يتغير شعور الإنسان……فعندما وثقت في المسدس مرة، صار هذا الوزن يبعث فيها الطمأنينة.
عندها، كلاهما استخدم درج الطوارئ لتجنب لقاء سكان المبنى. و كان طريقاً طويلاً يتلوى من الطابق الثاني عشر حتى الطابق الأرضي.
بينما كانت سيان تنزل خلف جوون وتنظر إلى ظهره العريض من هذا العلو، تذكرت جبل بوكمانغسان الذي رأته في حلم قبل عدة أيام. وتذكرت أيضًا دفء يده التي أمسكت بها بقوةٍ خوفًا من أن يفلتها.
“الكاهن طارد الأرواح……هل كان لقاؤه مجديًا؟”
سأل جوون دون أن يلتفت إليها. فارتجفت سيان. و خرجت من شرودها بسرعة وأخبرته بما توصلت إليه في تحقيقها.
عادةً لا تخبر حتى الرئيسة بالمعلومات غير المؤكدة، لكنها، لسبب ما، كانت دائمًا قادرة على الحديث بحرية مع جوون.
“الدائرة السحرية والرموز التي استخدمتها الأفاعي……تبدو كأنها شكلٌ مقلوب بزاوية 180 درجة من الكتابات التصويرية، وممزوجةٍ بالكتابة القديمة.”
ثم توقف جوون فجأةً في مكانه، وغاص في تفكير عميق وجاد، على غير عادته.
“بالفعل……لو كانت من ذلك الاتجاه……”
ثم استدار نحوها بوجه يعلوه الذهول.
“الآنسة لي سيان، يبدو أنك أصبتِ الهدف تمامًا.”
“لا، لست واثقةً مئة بالمئة. في الوقت الحالي، أنا فقط عرفت بعض قطع الأحجية المتناثرة.”
“إذاً علينا إيجاد بقية قطع الأحجية.”
لكن كيف؟ فالأفاعي والضحايا فقط هم من رأوا تلك الدائرة السحرية.
“لا تقصد……هل تعتقد أنه يمكنكَ تذكر دائرةٍ سحرية رأيتها منذ 21 عاماً؟”
“ربما. مع أن الاحتمال ضعيفٌ جدًا.”
قال جوون ذلك بعبوس ساخر، ثم ابتسم فجأةً ابتسامة خفيفة وتهكم بقسوة،
“في الواقع، تلك الدائرة السحرية ليست بمعلومةٍ ضرورية، إلا إذا كنا نخطط للتسلل عبر النفق. بالنسبة لكِ، الآنسة لي سيان، معرفتها أو جهلها لا يفرق كثيرًا، أليس كذلك؟”
فما تبقى من عمرها لا يتجاوز الشهر. و كانت تعلم ذلك جيدًا. وكانت تدرك أن ما تفعله الآن ليس من أجل نفسها.
لكن……
نظرت إليه من أعلا بنظرةٍ هادئة وردت بثبات،
“الملف السري 0401، الصيد. حتى لو متُّ، ألن يستمر السيد تاي جوون في تنفيذ هذه المهمة؟”
“….…”
“مع الشريك التالي.”
فجوون من النوع الذي سيلاحق هذه القضية حتى النهاية، وسيكشف هوية الأفاعي مهما كلف الأمر. وبسبب هذا الإيمان، كانت تقلل نومها وتبذل كل ما بوسعها.
“سأجمع ما أستطيع من معلومات، في حدود قدرتي. و أرجو أن تغطي ظهري.”
نظر جوون إليها بثبات، دون أن يتكلم للحظة، ثم بدأ يصعد الدرج مجددًا. و تردد صدى خطواته الرتيبة في درج الطوارئ الهادئ.
ثم اقترب منها حتى أصبح على بُعد نفس، لكن سيان لم تتراجع. رغم قرب المسافة لدرجة أن أنفاسهما كانت تتشابك.
همس جوون بصوت منخفض.
“لست متأكدًا إن كان هناك بديلٌ حقيقي لـ لي سيان في هذا العالم……”
“الرئيسة ستختار من تراه مناسبًا. من داخل أوتيس.”
“لا.”
قال جوون ذلك بجفاف حاسم،
“أقصد أنه لا يوجد أحدٌ يمكن أن يكون بديلًا لـ لي سيان بالنسبة لي.”
لامست يده وجنتها وحافة عينيها برفقٍ فارتجفت. كانت هذه أول مرة يلمسها خارج حالات “فتح العين”.
كان هذا اتصالًا شخصيًا بحتًا. تقاربٌ يحمل مشاعره.
نظرت إليه سيان دون أن ترمش، بثباتٍ وجفاف لا نهائي في عينيها.
بينما سرت يده بانسيابية تحمل رقّة، و لامست شفتيها، ثم انزلقت ببطء على عنقها حتى وصلت إلى عظمة الترقوة.
“هاه……”
كتمت سيان أنفاسها بصعوبة.
“هذه العينان……هذا الصوت. هذه الإيماءات والتصرفات، فاتنةٌ حد الجنون، ولا يمكن لأي شخص آخر أن يفتنني كما تفعلين.”
هذا الرجل……هوسه كان قويًا بشكل مخيف.
لأن سيان كانت تضع حدودًا نفسية وتحافظ على مسافة، لم يكن جوون يتجاوزها جسديًا. لكن مع ذلك، كان الأمر أشبه بأنه يعرف تمامًا أين هي، وماذا تفعل، وماذا أكلت، وهل تناولت طعامها أصلًا أم لا، وهل هي متعبة، أم نائمة، أم مستيقظة الآن.
عندما شعرت بأنفاسه تلامس شفتيها، أغلقت جفونها المرتجفة بقوة. وعندها، احتضنها جوون بشوق ظاهر وقوةٍ لا تخفى.
“آه!”
نعم……هذه اللمسة. ناعمةٌ لكنها قوية، حذرةٌ لكن لا تعرف التردد.
في شهر مارس، حين ظهرت كوابيس المنومات، ساعدها جوون في حلمها. و حينها اعتقدت أنه مجرد حلم……
لكن، ربما لم يكن كذلك.
ربما حتى عندما أنزلها من جبل بوكمانغسان، لم يكن ذلك حلمًا أيضًا.
ربما لم يكن “حلماً” على الإطلاق. وإن كان الأمر كذلك……
وإن لم يكن ذلك مجرد جوون المتخيل في وعيها، بل تاي جوون الحقيقي؟
وإن لم يكن حلمًا، بل تاي جوون في الواقع هو من جرّها عنوةً من مقعدها في عالم الموتى وأعادها إلى هذا العالم؟
عندما فتحت سيان عينيها ببطء، نظرت مباشرةً في حدقة عينيه السوداوين وسألته،
“بعدما نزلنا من جبل بوكمانغسان……ماذا قلتَ لي بالضبط؟”
ثم ارتجف جوون بخفة، و رأته بوضوح، كيف اهتز بؤبؤ عينيه.
كانت المسافة بينهما شديدة القرب، فلا مجال للخطأ في الرؤية. وفي تلك اللحظة، اجتاحها قشعريرة مؤكدة ومرعبة.
الآن فهمت.
الحلم. كان في الواقع قوةً شيطانية، حتى رئيسة أوتيس نفسها لا تعلم بوجودها.
جوون يملك قدرةً خفية تمكنه من التسلل إلى عالم الآخرين العقلي عبر “الأحلام” أو “اللاوعي”.
“هاه……”
أطلق جوون صوتًا خافتًا يشبه التأوه. و كانت ملامحه تمتلئ بالدهشة والفرح، وهو يحدق بها فقط، كمن اكتشف كنزًا.
“كنتِ ساكنة عمدًا……لتتأكدي من لمستي، أليس كذلك؟”
‘طبعًا.’
ولترى ردة فعله المفاجئة عن قرب، في هذه المسافة الضيقة بينهما.
تغير تعبير سيان إلى ملامح صارمة توحي بأنها على وشك الدخول في معركة.
“هل……تسللت إلى أحلامي؟ إلى رأسي؟”
“….…”
“أجبني، فورًا!”
صوتها الحاد ارتد صداه في الدرج الخلفي للطوارئ. فضاقت عينا جوون بصمت للحظة، ثم رد بكلمة واحدة مختصرة،
“مرتين.”
أجل……عندما تلاعبت بها أشباح النوم، وعند جبل بوكمانغسان.
هاتان المرتان……لا شك في ذلك.
كان هذا جوابًا واضحًا بأن تاي جوون قد دخل إلى أحلام إسيان. فغضبت بشدة وبقسوة.
“أحذركَ، لا تتجرأ أبدًا على التغلغل في عقلي مرةً أخرى.”
“لا، أعتقد أن ذلك سيكون صعبًا.”
و فجأة دفعها إلى جدار السلم.
“آه!”
سُحق جسدها على الفور بينه، وأصبحا قريبين جدًا حتى كادت شفاههما تلتصقان. فحاولت سريعًا دفع صدره بيدها، لكنها لم تستطع إبعاده بالقوة.
ثم همس جوون بخفة،
“و إذا احتاج الأمر، سأتسلل مراتٍ ومرات.”
“آهغ، ابتعد……”
خرج منها أنينٌ منخفضٌ ومؤلم زاد من توتر اللحظة. فقبضت سيان على قميصه بأظافرها بقوة، بينما زاد هو من تقييده لها بشدة وأحكم قبضته.
احتجزها بعنفٍ وكأنها ملكٌ له، و نطق بحنجرته المبحوحة،
“لن أدع سيان تموت أبدًا.”
_____________________
وااااااااو طلع جوون المهووس اخيرا😭
هو من زمان مهووس بس بدا يوضح لها 🤏🏻
وهوسه زين مب يجرحها عشان تجيه لا ذاه بالصريح يوريها انه يحبها✨
المهم وكذاته خلصت ذي القضيه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 56"