شحب وجه يَي أُوْن وتجمدت في مكانها من شدة الذعر. و كانت ساقاها ترتجفان وكأنها ستنهار أرضًا في أي لحظة من شدة الخوف.
لا شك في ذلك. المرأة التي أمامها الآن هي نفسها التي قابلتها في جبل سونغجوسان.
قابضة الأرواح التي ظهرت لها أثناء نزولها من الجبل بعد رؤيتها للجثة.
في ذلك الوقت، كان هناك شابٌ وفتاة يقفان وسط الأعشاب السوداء الكثيفة، وكانت تلك المرأة هي الفتاة منهما. طويلة القامة، ترتدي بدلةً سوداء، و وجهها شاحبٌ وتعبيرها بلا ملامح كدمية عرض.
تششش… تششش…
بدأت يَي أُوْن تتراجع للخلف ببطء، و تجرّ قدميها المرتجفتين.
حتى في الجبل كانت مرعبةً إلى حدّ لا يُحتمل، لكنها الآن، رغم وجودها وسط الناس، كانت تُشعّ بهالة منفصلة تمامًا، كما لو كانت تنتمي إلى عالمٍ آخر، عالم خالٍ من الألوان.
ألقت المرأة نظرةً خفيفة حولها، ثم أدارت رأسها من جديد. و كادت يَي أُوْن تُصاب بسكتة من الخوف، لكن لحسن الحظ، مرت مجموعةٌ من المارة في تلك اللحظة فبدت وكأنها لم تلاحظها. و لم تُكتشف.
أسرعت يَي أُوْن بمغادرة المكان، وألقت نظرةً خاطفة من فوق كتفها.
“آه!”
لكن هذه المرة، تلاقت نظراتهما مباشرة. فقد كانت المرأة تحدّق بها بثبات دون أن ترمش، ثم فجأة، استدارت بجسدها نحوها وبدأت تقترب بخطواتٍ ثابتة تتردد لها أصوات الطرقعة، توك… توك… توك.
من الواضح أن هدف تلك المرأة كان يَي أُوْن.
فارتعبت يَي أُوْن وارتجف جسدها من الخوف، ثم استدارت فجأةً وركضت هاربةً دون أن تنظر خلفها.
***
‘الطالبة التي هربت للتو…..بدا وكأن شبحًا ملتصقٌ بها..…’
تجهم وجه سيّان وقطّبت حاجبيها.
رغم أنها لم تفتح عينها الروحية في تلك اللحظة، إلا أن حساسيتها تجاه الكيانات الروحية أصبحت شديدةً خلال الأشهر الأربعة التي قضتها برفقة جوون.
هناك “إحساس” خاص لا ينبعث إلا من الأشخاص الذين يلتصق بهم كيانٌ روحي. لكن تلك الطالبة فرت مباشرةً ما إن رأتها، واختفت وسط حشود المساء.
كان يمكنها اللحاق بها بسهولة الآن…..لكن الشعور المريب لم يفارقه.
هل تلاحقها؟ فقط لتتأكد إن كان هناك شبح ملتصق بها. ام تتركها؟
نظرت سيّان إلى ساعتها مترددة.
لا، هذا غير ممكن. فالوقت الآن 6:54. و لقد كان لديها موعدٌ في تمام السابعة مع والد كيم يون-وو، الضحية التي ظهرت في الكاميرا.
لو كان الوقت يسمح، لكانت قد لحقت بتلك الطالبة واستجوبتها وتأكدت بنفسه…..لكنها لا تملك رفاهية التأجيل، فقد استطاعت بالكاد ترتيب هذا الموعد.
ثم حتى لو كان هناك شبحٌ فعلاً، فالأرجح أنه مجرد كيان روحي منخفض المستوى، لا يتجاوز أخذ القليل من طاقة البشر.
ومع ذلك، بقيت تحدق للحظة في الاتجاه الذي اختفت فيه الطالبة، ثم استدارت بسرعة وتوجهت نحو مكان الموعد.
***
طاخ-!
جلست سِيان في مقعد السائق وأغلقت باب السيارة.
والد كيم يون وو لم يحضر إلى مكان اللقاء. و اتصلت به هاتفيًّا، لكنه لم يجبها إلا باعتذار بسيط، ثم ألغى الموعد من طرفٍ واحد.
بل وأغلق هاتفه، فلم تعد هناك طريقة للتواصل معه.
كان واضحًا منذ البداية أنه لا يرغب في الحديث عن ابنته على الإطلاق، لذا لم يكن التصرف مفاجئًا تمامًا.
كان هذا مؤسف، لكنها قررت أن تحاول التواصل معه مجددًا لاحقًا بهدوءٍ ومع الوقت.
الساعة الآن 7:21 مساءً. أخرجت سِيان السيارة من الموقف بسلاسة، وشقت مصابيح سيارتها الظلام بخيوط طويلة من الضوء.
في طريقها إلى بُوان. عادت إلى ذهنها تلك “الطالبة الجامعية الملتصق بها شبح” التي التقتها قبل قليل بمحض الصدفة.
كانت تتساءل طوال الوقت لماذا ارتعبت الفتاة بذلك الشكل حين رأتها، لكنها بدأت تتذكر أن تلك الفتاة كانت واحدةً من الطلاب الذين صادفتهم عندما صعدت إلى جبل سونغجوسان.
تلك الفتاة التي كانت تصرخ وتهرب مذعورة، والتي كانت في أوائل العشرينات من عمرها…..
‘كانوا ثلاثة، أليس كذلك؟’
باشرت فورًا الاتصال بالعميلة G.
“في الثامن من أبريل، تم العثور على جثة منتحر في جبل سونغجوسان، صحيح؟”
•”لحظة فقط…..رجلٌ في الرابعة والثلاثين من عمره، يُعتقد أن سبب انتحاره هو فشله في الاستثمار بالعملات الرقمية، وقد عثر عليه طلابٌ جامعيون في نادي دراسة الأسهم خلال تسلقهم الجبل فجرًا.”
“هل كان أولئك الطلاب من نفس الجامعة؟”
•”لست متأكدة، أحتاج إلى التحقق من ذلك.”
“تحققي من عددهم جميعًا، ثم…..لا، بل زوّديني بمعلوماتٍ شخصية كاملة عن جميع أعضاء فريق الدراسة. بما أن جبل سونغجوسان مفتوح الطاقة.”
أزعجها شعورٌ غريب بأن الطالبة التي التقت بها على الجبل ملتصق بها شبح، لذا رأت أنه من الأفضل أن تتحقق من الأمر قبل المضي قدمًا.
•”حسنًا. على فكرة، هؤلاء الطلاب رفعوا صورة الجثة على وسائل التواصل الاجتماعي. سأقوم بحذفها فورًا وتحميل المعلومات على السحابة.”
***
الساعة 9:40 مساءً. وصلت سيان إلى بُوان.
فكّرت بأن تذهب إلى أقرب فندق، لكنها قررت بدافع لحظة أن تتوقف عند مكان يطل على البحر الليلي.
كانت أزهار الكرز متفتحةً على جانب الطريق، والبحر المظلم ساكنًا ممتدًا أمامها، ما جعله مكانًا مثالياً للمبيت داخل السيارة.
انتقلت إلى المقعد الخلفي في السيارة وجلست هناك، تحدّق في أزهار الكرز الليلية للحظة.
شششششششش……..
بينما تطايرت بتلات الكرز البيضاء كأنها ثلجٌ كلما هبّت الرياح.
كانت تلك آخر ليلة من نيسان تراها في حياتها التي دامت سبعةً وعشرين عامًا.
آخر أزهار الكرز تلك تطايرت مع الريح نحو البحر ثم اختفت كأنها ذابت تمامًا.
لو أنها سقطت على الأرض لربما بقي لها أثر. لقد كان فناءً عبثيًا.
لا، بل كانت زهرةً سقطت بحزم وجمال، دون أن تترك أي أثر يدل على أنها وُجدت في هذا العالم يومًا.
تأملت سيان ذلك المطر الزهري الساحر بوضوح ثم فتحت بهدوء ملف عملها.
كانت قد أمضت منذ البارحة تتفحص المواد التي منحها إياها الكاهن طارد الأرواح الشريرة.
رأت بعض الرموز والتصاميم المتشابهة لكن لم اجد شيئًا يطابقها تمامًا. غير شيئًا واحدًا فقط.
شعرت أن الدائرة السحرية التي يستخدمها أولئك الأفاعي قد تكون مكتوبةً بالخط المسماري.
ذلك الخط الشهير الذي كُتب به قانون حمورابي*.
*آخر الفصل
‘أظن أن تلك الكتابة المسمارية قد قُلبت رأسًا على عقب.’
لمست شاشة الحاسوب المحمول وبدأت تقلب الصورة للأعلى وللأسفل.
نعم، هذا هو.
كما أن قلب حرف “ㅂ” يجعله يتحول إلى شكل مختلف تمامًا.
عندما تنظر إليه وتظنه كوريًا قد تقرأه، لكن إن لم يكن كذلك…..يصبح من الصعب التمييز إن كان حرفًا أم رسمة.
لكن، في الوقت الحالي، يبقى ذلك مجرد فرضية، ولا يمكن التأكد منها قبل التحقق من مزيدٍ من الدوائر السحرية.
غير أن إيجاد دوائر سحرية أخرى يبدو مستحيلًا من الأساس. فمن بين جميع الأحياء، لا يعرف تلك الدوائر إلا الأفاعي، وكل ضحية رأتها قد ماتت.
لا.
كان هناك شخصٌ واحد فقط، الضحية الوحيدة التي لا تزال على قيد الحياة.
تاي جوون.
لكن جوون خُطف عندما كان في السابعة من عمره. ولم يكن لطفل صغير أن يتذكر ذلك التصميم المعقد.
على أية حال…..أمام مشهد صادم كاقتلاع قلب إنسان وهو على قيد الحياة، من المستحيل أن يكون قد انتبه لدائرة سحرية أو ما شابه.
“هااه.”
تنهدت سيان بتعب وهي تفك ربطة شعرها. و هزّت رأسها مرتين فتناثر شعرها بعشوائية، ثم أسندت ظهرها للخلف على مسند المقعد.
‘يا للإرهاق…..’
عادةً ما يكون لينكون بجوارها ليخفف عنها التوتر، لكن وجودها بمفردها جعل التعب يبدو مضاعفًا.
طَرق طَرق-
فجأة، سُمِع صوت طرق خفيف ومبهج، ثم على الفور فُتح الباب الخلفي بصوت طقطقة. فانتفضت سيان بفزع وجلست مستقيمة.
“تاي جوون؟”
“يبدو أنكِ كنتِ تشتاقين إليّ كثيرًا، أليس كذلك؟ من طريقة جلوسكَ المفاجئة يا آنسة لي سيان.”
قال جوون ذلك وهو يبتسم ابتسامةً مشرقة، و بينما دخل من المقعد الخلفي رائحة أزهار الكرز الزكية جلس هو بجانبها.
‘كيف وصل إلى هنا……’
وجودها في بُوان لم يكن يعرف به سوى العميلة “G” والرئيسة. لكن حتى هذان الاثنان لم يكونا على دراية بالمكان الذي توجد فيه بالضبط.
حسنًا، لم تكن من النوع الذي يُجدي معه سؤالٌ مثل: “كيف عرفت الطريق إلى هنا؟”
“لقد اندفعتَ فجأة، فظننتكَ مطارِد.”
ردّ عليه سيان بسخريةٍ جافة، فأغلق جوون باب السيارة بقوة “طَان”.
“مطارِد؟ كلبٌ كان ليكون خيارًا أفضل من ذلك. آه، ما رأيكِ بهذا؟ لنفترض أنني جروٌ لطيف يتبعكِ يا آنسة لي سيان.”
“لطيف؟”
“لديكِ لينكون، والآن جوون. كلبان.”
“….…”
“يا إلهي، يا آنسة لي سيان، لقد صار لديكِ كلبان حقاً.”
من وقاحته لم تتمالك سيان نفسها وضحكت بخفة دون أن تشعر. ففرح جوون بذلك وواصل مزاحه ببطء وراحة.
“بما أنني أصبحت كلب سيان، فهل هذا يعني أنكِ ستطعمينني؟”
“إن كنتَ كلبي فعلاً، فعليك أن تحلّ أموركَ بنفسكَ على الأقل.”
“هاها.”
كانت ترد عليه ببرود وهي تضربه بكلماتٍ مقتضبة، لكن ما إن رأته حتى بدأت مشاعرها التي كانت تغرق من التعب تستعيد حيويتها فجأة، وارتاحت لرؤيته بطريقة لا تستطيع تفسيرها.
“أهناك أمرٌ عاجل لدرجة أنه لا يمكن حله برسالة؟”
تحدثت سيان ببرود متعمد لإخفاء مشاعرها. ثم أومأ جوون برأسه مشيرًا نحو مقعد السائق.
“هناك روحٌ معلقة التصقت بكِ، سيان. منذ السابعة مساءً تقريبًا.”
رمشت سيان ببطء وهي تحدّق به.
بما أن لينكون غير موجود، فمن الطبيعي أن تلتصق بها روحٌ أو اثنتان لفترة قصيرة. و في أسوأ الأحوال، قد يتدهور مزاجها أو تُصاب بنزلة برد.
“أتقصد أنكَ لحقت بي من سيول إلى بوان لمجرد هذا السبب التافه؟”
“بالطبع.”
انحنى جوون بجسده إلى الأمام…..و مرر أصابعه داخل شعرها بخفة.
كانت تلك طقوس فتح العين. ليدفعها لرؤية الروح التي تلاحقها بنفسها.
“لو علمتِ كم أهتم بكِ يا لي سيان، لاندهشتِ حقًا.”
ذلك الشعور الحميم الذي التصق ببشرتها تمامًا. في اللحظة التي لمسها فيها، صار عنقها شديد الحساسية، ونبض قلبها تسارع فجأة.
سَررر-
بدأت أصابعه تتحرك ببطء فوق شعرها بلمساتٍ خفيفة، ثم غطّى عينيها براحة يده.
“تنفسي…..ببطء.”
لا بد أن هذا بسبب الإرهاق فقط. فمع لمساته، بدأت تشعر بالاسترخاء، وشيءٌ من الطمأنينة والسكينة المريحة يتسلل إلى قلبها.
و ربما بسبب دفء جسده، حتى عينيها الجافتين المؤلمتين بدأتا ترتاحان.
بعد دقيقة تقريبًا، أبعد جوون يده.
“هل ترين، خارج نافذة السائق؟”
“نعم، أراها.”
كانت هناك عجوزٌ صغيرة البنية واقفة، وقد ضمّت يديها معًا كأنها ترجو. وحين التقت عيناها بعيني سيان، بدأت دموع العجوز تتساقط بغزارة، وراحت تنحني بجزع مرارًا وتكرارًا وكأنها تتوسل النجدة.
لقد كانت روحًا حارسةً لشخص ما.
في حين أن الأرواح العادية تعيش لحوالي عامين، فإن الأرواح الحارسة يمكنها البقاء على قيد الحياة لأكثر من عشر سنواتٍ بسهولة.
و هذا النوع من الأرواح يُظهر تعلقًا قويًا بأحد أفراد العائلة، ويمنع عنه الحوادث الطفيفة أو يؤخرها.
تحدث جوون بفتور وهو يشرح،
“حفيدتها صعدت إلى الجبل مع أصدقائها، فالتصقت بها روحٌ شرير، ومات منهم حتى الآن خمسة، واليوم جاء دور الحفيدة.”
___________________
خمسه ومحد درا عنهم؟ يمه
المهم جوون يجنن🤏🏻
واستسلام سيان يحزن
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 53"