أشعة الشمس الصباحية الساطعة بعثرت لمعانها المتلألئ فوق سطح البحر الأزرق. بينما وقف كاهنٌ في منتصف العمر، مستديرًا عن ذلك اللمعان، ومدّ يده بحرارة للترحيب.
كان رجلًا ألمانيًّا طويل القامة، نحيل البنية، يملك نظراتٍ قوية لافتة.
“تشرفت بلقائكِ، العميلة لي سيان. لقد مرّ أربعة عشر عامًا منذ أن التقيتُ بعميل من أوتيس.”
حين صافحته سيان معبّرةً عن امتنانها،
“شكرًا لكَ على تخصيص وقتكَ رغم انشغالك.”
فردّ الكاهن بابتسامةٍ رحبة،
“لا داعي للشكر. ما دمتِ قد قدمتِ كل الطريق إلى بوان من أجل لقائي، فلو لوهلةٍ فقط، وجب أن أراكِ.”
“ماذا تحب أن تشرب؟”
“آه، لا داعي. فأنا لا أتناول شيئًا قبل طقوس طرد الأرواح.”
رفض الكاهن بلطف وهو يجلس على الكرسي.
في الطابق الثاني من مقهى التراس المطلّ على البحر، لم يكن هناك سوى سيان والكاهن في منتصف العمر.
كان الكاهن المقابل لها راهبًا مختصًا بطقوس طرد الأرواح ضمن الكنيسة الكاثوليكية، مثله مثل عملاء منظمة أوتيس، لا تُسرّب هويته ولا بياناته الرسمية إلى الخارج.
وفوق ذلك، فإن عدد من يمارسون المهام الميدانية من كلا الطرفين قليلٌ للغاية، مما يجعل اللقاء المباشر أمرًا بالغ الندرة.
دخلت سيان في صلب الموضوع مباشرة، وقدّمت للكاهن أوراقًا مطبوعةً كانت قد أحضرتها معها.
“هل سبق لك أن رأيت تصاميم مماثلةٍ كهذه بين أتباع الشياطين؟”
كان ذلك جزءًا من التصميمات التي التُقطت من كاميرا الحركة، مأخوذةٌ من أشكالٍ رسموها بدمائهم على أجسادهم أو من أجزاء دوائر سحرية نقشت على الأرض.
“هممم…..لا أدري. ثمة شبه ما بينه وبين دائرة استحضار شياطين سال ما…..لكن، لا أستطيع الجزم بأنه هو بعينه.”
“هذه الدائرة السحرية…..أهي أقدم من عهد سال ما، أم بعده؟”
“على الأرجح أقدم بكثير. مجرد إحساسٍ، لا أكثر.”
كذلك كان رأي جوون. قال أنها ربما تعود إلى العصر الحجري، حين كانت الليالي أشد ظلمة، والبشر بدائيين، والإيمان بالتّـوتمات سائدًا، والعنف يملأ الأرجاء.
“نعم، حالات التلبّس، المسّ، و طرد الأرواح…..لا تفرّق بين رجل أو امرأة، صغير أو كبير. يمكن للشيطان أن يتسلل إلى أي شخص. لكن أتباع الشيطان لا يقتلون قرابينهم إلا إن كانوا أطفالًا ذكورًا فقط.”
أكمل الكاهن كلامه بحزم،
“بل إن بعض المتعصبين منهم يعمدون إلى إنجاب طفل ذكر خصيصًا ليقدّموه كقربان.”
“آه…..”
فجأة، خطر ببالها شيء،
“أيفعلون ذلك لأنهم يريدون قتله كبديلٍ عن القربان؟”
“بالضبط، هذا هو التفسير.”
كانت الشكوک تدور حول ارتباطهم الأقوى بعبدة الشيطان…..لكن يبدو أن الأساس مختلف.
فالثعابين يهمّها قبل كل شيء “التوأم الجنيني”، بغضّ النظر عن جنس الطفل.
تحدث الكاهن وهو يناولها هاتفه المحمول بعد أن أداره ناحيتها،
“إليكِ الملف الذي طلبته.”
كان يعرض عليها عنوان سحابة تخزين وكلمة المرور الخاصة بها.
“سأغلق هذه السحابة بعد أسبوع. هل تكفيكِ هذه المدة؟”
“نعم، كافيةٌ تمامًا. شكرًا جزيلًا.”
فتحت سيان حاسوبها المحمول وأدخلت كلمة المرور لتدخل إلى الملفات، فابتسم الكاهن بودّ،
“إذا كان لديكِ وقتٌ بعد غدٍ في الصباح الباكر، يمكنني أن أخصص لكِ نصف ساعة. راجعي الملفات، وإذا راودكِ أي سؤال، اسأليني في حينها.”
***
خشخشة-
أخرجت سيان المسدس الفضي الثقيل وأخفته تحت الوسادة على سرير الفندق. ثم جلست على المكتب وبدأت بالعمل فورًا.
رغم أنها لم تنم تقريبًا منذ ثلاثة أيام، وزاد من إنهاكها قيادتها حتى بُوان، إلا أنها تابعت عملها وهي تحتسي قهوةً سوداء مركّزة، وعيناها مركّزتان على شاشة الحاسوب.
الكاهن الذي التقت به اليوم في المقهى هو طارد أرواح شريرة ذائع الصيت في هذا المجال، ومعروف بإلمامه العميق بالأديان القديمة، وقد أعارها الآن جزءًا هائلًا من أرشيفه الشخصي الغني بالمراجع.
لأن معظم المواد كان محظورٌ تسريبها خارجيًا، كانت تلك لفتةً شديدة الامتنان.
طقطق، طقطق-
في كل مرة كانت تضغط فيها على لوحة اللمس، كانت جميع التصاميم والرموز والدلالات تتلألأ ثم تختفي فوق حدقتي عينيها بلون التوباز.
بعد أن عملت بتركيز لفترة طويلة، وعند أخذها استراحة قصيرة بعد نحو أربع ساعات، أرسلت رسالةً إلى والد كيم يون وو، التي كانت ضحية الطقوس في كاميرا الأكشن.
<~: مرحبًا، معكَ استشارية علم النفس للمراهقين، لي سيان. هل فكرت في طلبي بشأن لقاء يتعلق بمشكلة يون وو؟>
كان والد كيم يون وو محاضرًا بنظام الساعات، وقد رد برسالة تحمل نبرة من التردد والصراع الداخلي.
<~: لا أدري…..من الصعب عليّ خلال النهار، وحتى بعد الظهر أيضًا…..>
كانت نبرته توحي بأنه لا يمانع اللقاء تمامًا، لكنه متردد وغير مستقر في قراره. وفي مثل هذه الحالة، إن تُرك له وقت للتفكير فقد تنخفض احتمالية الموافقة. لذا دفعت سيان الأمر بسلاسة.
<~: قلت أنكَ مشغولٌ هذه الأيام، أليس كذلك؟ من الأفضل إذًا أن أزورك في الجامعة للحظات. ما رأيكَ في الغد الساعة السابعة مساءً؟ لن يستغرق الأمر سوى عشر دقائق فقط.>
<~: عشر دقائق…..حسنًا، موافق. إذًا أراكِ الساعة السابعة.>
تم الأمر. و بالكاد تمكنت من انتزاع الموعد.
‘اليوم يجب أن أراجع وثائق الديانة القديمة طوال الليل، وغدًا مساءً عليّ الذهاب إلى سيول لمقابلة والد كيم يون وو. ثم سأضطر للعودة مجددًا إلى بوان فجر ما بعد الغد.>
كان جدولًا مزدحمًا للغاية، لكن لم يكن هناك مجالٌ للتردد.
في حادثة أونغجو، تركت سيان وجهها عمدًا كطُعم في كاميرا المراقبة أمام مكتب رئيس شركة UM. و بما أنها ستموت بعد شهر على أية حال، فقد قررت أن تحرك عش الأفاعي مرةً واحدة.
ومن الطبيعي أنهم الآن، في هذه اللحظة تحديدًا، يبحثون عنها بجنون، ويلاحقون أثر خاتم الرقم 08. لا، ربما هم يراقبون من مكان قريب أصلًا.
صحيح أن الأفاعي لا تعرف شيئًا عن أوتيس…..لكن لم يكن لينكون بجانبها الآن ليحذرها إن اقترب أحدهم بنية سيئة، لذا كان عليها أن تكون أكثر حذرًا.
لذلك كانت مؤخرًا تلتقي حتى مع جوون فقط في أماكن نائية وقليلة الحركة، وفي أوقات متأخرة من الليل، ولمدة قصيرة، وعند الضرورة فقط. إذ لا فائدة من أن تكتشف الأفاعي أنه كان الضحية من الطقوس القديمة.
“هفف.”
في الساعة الحادية عشرة ليلًا. أسندت سيان جسدها المتعب على ظهر كرسي الفندق.
و بسبب الإرهاق، بدأ طنين خافت يرن في أذنيها، ولم يبق سوى صوت أنفاسها المنخفضة يتردد بإيقاع منتظم.
هفف… هفف…
أنفاسٌ منهكة تمامًا. لكن حتى هذا النفس، بعد شهر، سيتوقف إلى الأبد.
فجأة راودها خاطرٌ ساخر، فمدّت يدها تتحسّس مؤخرة عنقها، كأنها تحاول التأكد من أن النبض ما يزال حيًّا، وأن حرارة جسدها لم تزل موجودة، ولو بشكل خافت.
الموت.
لقد رأت عددًا لا يُحصى من الأرواح حتى الآن، وكانت تعرف جيدًا شكل ما بعد الموت. ومع ذلك، فإن “موت الآخرين” لم يكن أبدًا مثل “موتها هي”.
في كل مرة كانت تستحضر فيها فكرة الموت، كانت تتخيل نفسها بوضوحٍ واقفةً وحدها بين الحشود في صورة ضبابية كشبح، لا تستطيع التحدث مع أحد، ولا لمس أحد، ولا تكون إلا وحيدةً إلى الأبد، في عزلة مطلقة.
وفي تلك اللحظات، كانت تنهض فجأة في وحدة عارمة، وتتوق لأن تحتضن شيئًا دافئًا. أيُّ كائنٍ حي، أي جسد يحمل حرارة، كانت ترغب في أن تعانقه بصمت، بقوة.
“ألهذا السبب أستمر في الحلم بذلك الرجل؟”
تمتمت سيان بصوت خافت.
لا تدري. ربما لأنها كانت تشعر أن ذلك الرجل يملك نفس الوحشة التي تسكنها. فـ تاي جوون أيضًا لا يثق بأحد، ويعيش وحيدًا، ويبدو كأنه سيموت تائهًا كطائر الوقواق، دون عش أو مأوى.
استحضرت سيان ببطء…..عيني تاي جوون، وتذكّرت فمه الذي غالبًا ما يكون مغلقًا ببرود لكنه أحيانًا يبتسم بخفة. ثم استرجعت يديه، ودفء تلك اليدين الصلبتين.
“لستِ أيّ أحد، بالنسبة لي، يا لي سيان.”
هزّت سيان رأسها لتطرد صوته من ذهنها، ثم ثبّتت نظرتها الجافة مجددًا على شاشة الحاسوب المحمول.
***
استدارت يي أون فجأةً إلى الخلف.
الساعة الحادية عشرة ليلًا. كام ممر المكتبة خالي تمامًا و ملأ مجال رؤيتها.
عادةً ما كانت تشعر بالطمأنينة عندما لا يكون هناك أحدٌ في هذا الوقت، لكن اليوم، شعرت بقلق غريب.
نظرت مجددًا إلى الأمام وتقدمت بخطى أسرع قليلًا.
اليوم، لم تكن في مزاج جيد طوال النهار. و لم يحدث شيء مزعج تحديدًا، لكنها لم تستطع التخلص من ذلك الإحساس بأن هناك من يطاردها. لا، في الواقع…..منذ اليوم الذي عثرت فيه على الجثة، وقلبها ينبض أسرع بقليل من المعتاد.
كانت يي أون تمشي بخفة وهي تنظر في هاتفها المحمول.
“ما هذا، ما زالت لم تقرأ رسالتي؟”
كان من المفترض أن تستعيد سترتها هذا الصباح، لكن “B” لم تأتِ إلى مكان الموعد. بل إنها تجاهلت رسائلها طوال اليوم.
من الواضح أنها شربت كثيرًا مع “C” و ثملت.
“حتى لو لم تكن قادرةً على الحضور، كان عليها على الأقل أن تخبرني.”
تمتمت وهي تتذمر، لكن شعورًا مزعجًا وغامضًا ظل يعبث بأعصابها.
>~: أنت أيضًا ضحكتِ، أليس كذلك.>
كانت هذه آخر رسالة أرسلتها “B” في تمام الساعة الثانية وثماني دقائق فجرًا.
“ضحكت؟ متى؟ على ماذا ضحكت بالضبط؟”
كانت حقًا كلماتٍ لا تُفهم، ولا تُفسَّر، وجاءت من العدم تمامًا.
وبينما كانت تشعر بالانزعاج، فتحت غرفة دردشة مجموعة دراسة الأسهم.
…..ما هذا؟
عادةً ما تكون غرفة الدردشة صاخبةً ومليئة بالرسائل، لكن الغريب أن آخر محادثة كانت قبل ساعتين.
هل حدث شيءٌ ما؟
وبينما كانت تتصفح الرسائل إلى الأعلى بدهشة، بدت المشاجرة التي دارت بينهم غريبةً تمامًا.
<~: يا، لماذا تلاحقني؟>
<~: عن أي شيءٍ تتحدث؟ لماذا ألاحقكَ أصلًا؟>
<~: يا له من أحمق، هناك دليلٌ واضح ومع ذلك تتظاهر بالبراءة؟>
ثم فجأة، تم رفع صورة التُقطت من خلال نافذة كدليل في غرفة الدردشة.
<~: حتى الليلة الماضية كنت تلاحقني بخفية، والآن أيضًا تتسلل حول منزلي!>
<~: أراقبكَ؟ أنا؟>
انفجر الطرف الآخر غضبًا من شدة شعوره بالظلم والضيق.
<~: يا إلهي، هذا جنون! أنا واقفٌ الآن عند تقاطع “غيل دونغ”! لا تجعلني أبدو كشخص مريب!>
<~: ماذا؟ “غيل دونغ”؟ تبًا، إذًا من هذا الذي ينظر إليّ من خلف النافذة الآن؟ شبح؟>
“شبح…..”
تمتمت يي أون بهذه الكلمة التي جذبت انتباهها فجأة، وفورًا شعرت بقشعريرة تسري في ذراعها كأن المطر البارد قد بلّل جسدها، وبرودةٌ مخيفة تغلغلت في عظامها.
“لماذا الجو باردٌ هكذا؟”
فركت يي أون ذراعيها ثم بدأت تعبث بسماعة البلوتوث.
•كا… كيييك…
‘هل تعطلت السماعة؟’
فجأة بدأ صوت ضوضاء خافت يتسلل إلى أعماق أذنها.
“لا، لا…..هذا ليس من السماعة.”
•كييي… كييييك…
هذا التشويش…..لم يكن من السماعة بالتأكيد…
‘خلفي.’
كان ذلك الصوت صادرًا من خلف ظهر يي أون الآن.
___________________
واااااااو بس لحظه حرام هي ماسوت شي حتى ماصورت خلها😭
سيان الحين تحس انها قريبه من جوون وبعدين تحبه؟ هههعهعهعهع
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 51"