“يا إلهي، مقزز! ما هذا، تباً! إنها جثة!”
“هـ، هل هي فعلاً جثة؟”
“ألا ترون أنه معلقٌ من رقبته؟”
أُصيب من عثروا على الجثة في الجبل ليلاً بالفزع وأطلقوا صرخاتهم. بينما ابتعدت يي أون مسافةً وهي تضم كتفيها من القشعريرة.
لا عجب أنه بدا طويل القامة بشكل غريب…..فالرجل الذي مات مشنوقاً على غصن شجرة كان يتدلى في الظلام الدامس دون أن يتحرك قيد أنملة.
كلاك- كلاك-
رفع أحدهم هاتفه المحمول نحو الجثة وأخذ يلتقط بعض الصور.
“علينا إبلاغ الشرطة. أعتقد أن صورتين كدليل تكفي، أليس كذلك؟”
“انتظر، سأشاركك. سنقول أننا انحرفنا عن طريق التنزه ثم عثرنا على الجثة، أليس كذلك؟ أ، أجل، أبلغت الشرطة. قالوا لنا أن ننتظر هنا قليلاً.”
ثم اقترب أحدهم بخفة وصوّر الجثة من مسافةٍ أقرب. يبدو أنه ينوي رفعها على وسائل التواصل الاجتماعي.
عندها فقط اقتربت يي أون بخطواتٍ مترددة قليلة لتتفحص الجثة.
كان الرجل الميت يرتدي قميصاً أزرق بنقشة المربعات، وعلى الرغم من برودة الجو لم يكن يرتدي أي معطف خارجي.
حسناً…..على الأرجح كان ينوي الموت على أي حال، فلم يكن ليهتم بما حوله.
تقدمت يي أون بضع خطواتٍ إضافية بدافع الفضول.
في البداية كان المنظر مرعباً للغاية، لكن بعدما زال وقع الصدمة الأولى، لم تعد تشعر بالخوف بل اعتبرتها تجربةً غريبة فحسب. ربما لأنهم كانوا سبعة أشخاص، أو لأن تأثير الكحول ما زال فيهم.
لم يبدُ أن أحداً منهم كان خائفاً جداً. أو ربما ببساطة، لم تكن الأجواء مناسبةً لإظهار الخوف. خصوصاً أن الرجال بدؤوا يتفاخرون قليلاً كلٌ بطريقته.
“أوه، الرائحة…..هل رائحة الجثث تكون هكذا دائماً؟”
“تباً! أليست هذه رائحة صلصة الصويا ممزوجة بالعفن؟”
“واو، قررت الآن…..لن أقدم على الانتحار أبداً!”
“بما أن الرائحة قوية، فلا بد أنه مات منذ أيام.”
“أليس من حسن الحظ أننا اكتشفناه؟ وإلا لبقي معلقاً هنا طوال هذا الوقت، أليس كذلك؟”
عند كلام “B”، انفجر الجميع ضاحكين في الوقت نفسه،
“واهاهاها! معلّق؟!”
لم يكن ذلك أبداً سخريةً من الجثة. ولم يكن ليجرؤ أحد على السخرية من شخص انتحر.
كل ما في الأمر أنهم ضحكوا على الصيغة المتكلفة في عبارة “بقي معلقاً”، وكأنهم احترموه دون داعٍ.
ويبدو أن تلك الضحكة القصيرة خففت من التوتر، فعادت الحيوية إلى وجوههم التي كانت مرهقةً من تسلق الجبل ليلاً، وبدأوا يثرثرون بصخب كما لو أن الكحول قد تلاشى من أجسادهم تماماً.
“لماذا تراه انتحر؟”
“لأنه كان يريد الموت، طبعاً.”
“مهلاً، صورتي! أحدهم نشرها في موقع ما!”
“حقاً؟ يا إلهي، كيف نُشرت بهذه السرعة؟”
“مستحيل…..أنا من التقط تلك الصورة…..تباً! إذا كان سيأخذها، على الأقل ليطلب الإذن أولاً!”
“سترَ بنفسكَ، هذه الصورة ستظهر في الأخبار مئة بالمئة.”
“ألن يُجرى معنا مقابلةً باعتبارنا أول من عثر عليه؟”
كلاك كلاك-
فجأة، رفع ثلاثة أو أربعة أشخاص هواتفهم نحو الجثة وبدأوا بالتقاط الصور.
وفي كل مرة يومض فيها ضوء الفلاش وسط الظلام، كانت ملامح الرجل الميت المشنوق تضيء بضوءٍ باهت على وجهه الشاحب.
***
<~: #تسلّقنا في الفجر. #لقاء بالصدفة. #شخص انتحر. # هذا مؤسف.>
“واو، انظروا إلى التفاعل!”
الأشخاص الذين نشروا صور الجثة على وسائل التواصل الاجتماعي بدأوا يتلقون ردود فعلٍ غير معتادة.
التعليقات بدأت تتوالى بسرعة، والإعجابات كانت تزداد بوتيرة عالية.
كانت كل التعليقات مليئةً بالحزن والأسى، حيث أبدى الجميع تعاطفهم وتمنّوا الرحمة للميت.
“أجل، يجب أن نشارك مثل هذه الأمور. من الأفضل للميت أن يكون هناك من يحزن عليه، أليس كذلك؟”
ربما كان ذلك صحيحاً.
بعد أن ضغطت يي أون على زر الإعجاب في منشورات رفاقها الستة التي تحتوي على صور الجثة، وجهت كاميرتها متأخرةً لتضبط تركيزها على الجثة.
كان الجو مظلم. و في الهواتف التي تدعم التصوير الليلي، لم يكن هناك فرق تقريباً في جودة الصورة مقارنةً بالنهار.
لكن هاتف يي أون كان من الطراز القديم، حتى أنها لم تستطع التمييز بين الجثة والشجرة.
دق دق دق-
عندما همّت بتحريك إصبعها لالتقاط الصورة، نبض قلبها بسرعة لبضع ثوانٍ. ثم خطر في بالها شعورٌ غامض: “هل من الأفضل ألا ألتقطها؟”
في الواقع…..عندما التقط ابن خالها صورةً لوجه جدتها وهي نائمة على سرير المستشفى دون إذن، شعرت يي أون حينها بالغضب الشديد.
ابن خالها استهزأ برد فعلها ووصفها بالمبالغة في الحساسية، لكن…..
‘جدّتي كان لها لحظاتٌ كثيرة جميلة ومليئة بالحنان…..فلماذا التقط لها صورةً في أكثر حالاتها ضعفاً وذبولاً، دون إذنٍ منها، وبشكل خفيف كأنها مجرد “إثبات زيارة”؟’
ذلك ما كان مزعجاً للغاية.
وفي النهاية، لم تلتقط يي أون صورةً للجثة، بل أنزلت هاتفها.
“آه، مقزز. الرائحة فظيعة…..أشعر بالغثيان. هل يمكن أن يبقى بعضنا هنا حتى تصل الشرطة، بينما ينزل الباقون؟”
قالت “C” ذلك، التي كانت تقف بعيداً وحدها، وكأنها لم تعد تتحمل الوضع.
وبعد نقاش قصير، قرر أن يبقى أربعة ويغادر اثنان. وكان من المفاجئ أن “B”، التي ظلت طوال التسلق تشكو من البرد، اختارت البقاء بجانب الجثة.
فكّرت يي أون للحظة في استعادة المعطف منها، لكن…..لا. فقد كان شعورها بالبرد يزداد في ظهرها وكتفيها، وكأن البقاء هنا سيجعلها تصاب بنزلة برد شديدة.
“سأنزل أنا أيضاً.”
انضمت يي أون إلى من قرروا النزول، ليصبح عدد من يغادرون الجبل ثلاثة أشخاص.
***
بدت أجواء فريق النزول متوترةً وكأنهم مطاردون.
فبعد أن كانوا سبعةً يتحدثون ويضحكون تحت تأثير الكحول، تقلص عددهم فجأة إلى ثلاثة.
وكانت “C” التي لا تحتمل حتى مشاهدة أفلام الرعب أو الحرب، تسير بخطى متسارعة كأنها تريد الابتعاد عن الجثة بأسرع ما يمكن.
خشش، خشش، خشش-
شق الثلاثة طريقهم عائدين وسط الأعشاب الرطبة دون أن يتبادلوا أي كلمة. و وسط صمت مشوب بالتوتر، كان ضوء الهاتف المحمول يهتز هنا وهناك بلا استقرار.
يا له من شعورٍ مخيف…..
بدأت يي أون تفكر أنها ربما كان من الأفضل لو بقيت هناك. فنظرت خلفها بخفة.
هم؟ هل قرر أحدهم النزول أيضاً؟
كان هناك جزءٌ غريب السواد بين الأشجار المظلمة، أكثر عتمةً من محيطه.
هيئة واقفة هناك، تنظر في اتجاههم…..ملامحها توحي بأنه رجل.
من يكون؟ لابد أنه أحد الرجال الذين صعدوا الجبل معهم…..
فكرت أنها ستنتظره لينضم إليهم، لكنها لاحظت أن الظل المظلم لم يتحرك أبداً، و بقي واقفاً هناك بهدوء تام.
ترددت يي أون قليلاً، ثم وجهت ضوء هاتفها باتجاه ذلك الشخص.
ببطء…ببطء…
بدأ الضوء من بطنه، ثم صعد إلى الأعلى….إلى صدره….ثم إلى وجهه….
و فجأة…..ارتجفت.
بلعت يي أون ريقها الجاف بصعوبة، وأوقفت ضوء الهاتف عند ذقن الرجل.
كان الرجل يبتسم بخفة، لكن ابتسامته كانت تحمل إحساساً مخيفاً ووحشياً. وما أثار الذعر أكثر من أي شيء…..أن ملابسه كانت…..نفس القميص الأزرق المربّع الذي كان يرتديه ذلك الميت.
دق… دق…-
شعرت بنبضات قلبها تتسارع بقوة، وحين التفتت بسرعة، وجدت رفاقها قد ابتعدوا عنها كثيراً.
داهمها الخوف فجأة، فأسرعت للحاق بهم.
وبينما كانت يي أون تسرع خلفهم بصوت خطواتٍ مرتفع في الأعشاب، زاد الاثنان في الأمام من سرعتهم فجأة.
وهكذا، بدأ الثلاثة يهبطون الجبل في ظلمة الليل وكأنهم يفرون ركضاً.
“كيييييااااااا!”
ثم صرخت “C” في المقدمة صرخة هلعٍ شديدة.
“شـ، شبح! إنه شبح!”
راحت يي أون تدير رأسها في كل الاتجاهات وهي تسأل،
“أين؟ أين؟”
لكن فجأة اجتاح جسدها كله شعوراً مثل من سُكب عليه ماء مثلج.
كان حقاً شبحاً، شبحاً حقيقياً. أو ربما…..قابض أرواح.
بين الأشجار الداكنة، وقف شكلٌ طويل القامة في وضعية مستقيمة تماماً، ينظر إليهم مباشرة. وفور أن رأته، شعرت القشعريرة تزحف حتى رأسها.
كان هناك شخصان واقفان جنباً إلى جنب دون أن يرف لهما جفن…..رجل وامرأة. و كلاهما كان مغطى بالسواد من الرأس حتى القدمين، ما عدا وجهَيهما العائمَين في الهواء، أبيضان بلا أي تعبير…..كأنهما قناعان جامدان.
الأمر الأكثر رعباً من كل شيء…..أن طول الرجل كان يقارب المترين، بشكلٍ مخيف وغير طبيعي.
لم يكن إنساناً…..لا يمكن أن يكون إنساناً أبداً.
“آه! أآه، أآه!”
أصيبت يي أون بذعرٍ شديد، وبدأت ساقاها ترتجفان وتترنحان وهي تفرّ مهرولة دون أن تلتقط أنفاسها.
***
“يبدو أن أولئك الأطفال خافوا من الآنسة لي سيان لدرجة أنهم هربوا وهم ينتحبون.”
قال جوون ذلك وهو يضحك ضحكةً مكتومة ثم أضاف بنبرةٍ مازحة.
فردت سيان بصوتٍ بارد خالٍ من المشاعر،
“أليس من الممكن أنهم ارتعبوا منكَ، السيد تاي جوون؟”
“مستحيل. في الواقع، حتى أنا أرتجف حين تحدّقين فيّ بتلك النظرة الثاقبة، لذا أفهم تماماً لماذا هربوا وهم يبكون.”
“….…”
“هاه، ها أنتِ تحدقين بي مجدداً. لكن أتعلمين؟ حين تنظرين إليّ بتلك النظرات الحادة، أشعر أن قلبي ينبض بقوة…..دوك دوك دوك.”
تجاهل سيان مزاحه ومضت بخطواتها داخل الظلام الدامس، دون أن تشغّل ضوء الهاتف حتى لا تلفت نظر المتنزهين الآخرين قدر الإمكان.
وعندما اقترب جوون منها أكثر، سارت هي على بعد ثلاث أو أربع خطواتٍ للأمام، محاولةً إبقاء مسافة بينهما على غير عادتها.
ثم تحدثت سيان اولاً،
“الكاميرا الصغيرة التي عثرنا عليها في مخيم الغابة الزرقاء، التي سجلّت فيديو التضحية البشرية…..أخيراً، تم التعرف على هوية المرأة التي قُتلت في الطقس كتضحية.”
“الآن فقط؟ بالنسبة للرئيسة، يبدو أنها كانت أبطأ جداً هذه المرة في إنهاء الأمور..…”
صحيحٌ أن تحديد الهوية تأخر قليلاً. لكن المشكلة أن مدة ظهور وجه المرأة في الفيديو كانت قصيرةً جداً، ولم يكن وجهها حتى من الأمام.
والأسوأ أن أغلب الصور التي تُنشر على وسائل التواصل تكون معدّلة، لذلك استغرق الأمر وقتاً طويلاً لمطابقة ‘الشخص الظاهر في الفيديو’ مع ‘الشخص الحقيقي’ في الواقع.
“اسمها كيم يون وو. عمرها 20 سنة، تقيم في يونغسان – سيول. اختفت بعد شجار مع والدها وغادرت المنزل. والداها مطلقان منذ ثلاث سنوات، وسجل الإقامة مُثبت باسم والدها. ومن خلال ملف ولادتها في المستشفى، تم التأكد أيضاً أنها توأم في الرحم.”
“و هذا يعني أن هناك شخصٌ وفّر لكيم يون وو الهاربة مكاناً لتنام فيه، وما علينا الآن إلا أن نجد ذلك الشخص.”
كالعادة، تاي جوون كان سريع البديهة.
تابعت سيان حديثها وهي تتسلق صخرةً مبتلة بماء المطر،
“كيم يون وو التي تحدثنا عنها، تبيّن أنها مرتبطةٌ بحاوية جبل سونغجو بطريقة غير متوقعة..…”
“آها، هل من الممكن أن مالك الحاوية في جبل سونغجو كان هو من أطعمها وأعطاها مأوى؟”
“بالضبط.”
وهذا ما حدث فعلاً.
“المالك الحقيقي لحاوية جبل سونغجو هو رجلٌ يبلغ من العمر 37 سنة، يدير حانةً في أبغوجونغ، واسمه مين كي شيك.”
“مين كي شيك..…”
“قبل اختفاء كيم يون وو بوقتٍ قصير، تبادلت أربع محادثات مع هذا الشخص عبر الدردشة.”
ابتسم جوون بسخرية باردة وهو يستمع للقصة وقال بنبرةٍ تهكمية.
“يا للمفارقة. لم يكن مجرد رجل لطيف، بل كان
ثعباناً لطيفاً.”
_____________________
كل ذا الجماله وصاروا سيان وجوون اشباح؟😭😭😭😭
كله من طول جوون
المهم ذا المره كأنها قضيتين داخله ببعض واضح شبح المشنوق يلحق الطلاب وسيان وجوون يحققون في ذا الجبل عصفورين بحجر
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 47"