– لا بأس أن تكون وحيدًا.
لكن لا بأس أن يكون هناك من تقول له: “لا بأس أن أكون وحيدًا.”
– مقولة أونوريه دي بلزاك.
***
الساعة 12:30 بعد منتصف الليل.
هل أستقل سيارة أجرة؟
ترددت سيان قليلًا، لكن محطة الحافلات ظهرت أمام عينيها. فتوجهت إلى محطة الحافلات الخالية من الناس، وانتظرت الحافلة.
ولحسن الحظ، لم تنتظر طويلًا حتى توقفت إحدى الحافلات.
صعدت إلى الحافلة بعد أن ألقت نظرةً سريعة الى داخلها. و كان هناك عددٌ لا بأس به من الركاب، وكلهم كانوا يطأطئون رؤوسهم وكأن التعب قد أثقلهم، يحدقون في صدورهم.
هذه الحافلة…..فيها شيء غريب……
لكنها لم تستطع تحديد ما هو الغريب بالضبط.
بررررر-
انطلقت الحافلة التي كانت متوقفة، وجلست في مقعد قرب منتصفها.
‘لم أركب الحافلة منذ وقت طويل.’
رذاذ المطر كان ينهمر بخفة. و من خلف نافذة الحافلة التي تكسوها قطرات المطر، انساب مشهد الليل في المدينة.
رغم أنني فكّرت فور رؤيتي محطة الحافلات: “سأعود إلى البيت”…..إلا أنني حين بدأت أتأمل هذا المشهد الغريب، خطر ببالي فجأةً شعورٌ بالريبة.
إلى أين أنا ذاهبة الآن؟
آه، هل هو البيت الذي كنت أعيش فيه عندما كنت صغيرة؟
نعم، ذلك البيت. كنت في طريقي إلى البيت حيث أمي وأبي وأختي الصغيرة “لِيان”.
بمجرد أن فكرت بهذا، غمرني شعور بالسكينة الغريبة، واستقر قلبي بهدوء تام.
ززززز… ززززززز…-
فجأة، اهتز هاتفي المحمول.
وبما أن الحافلة كانت ساكنةً تمامًا، رفع جميع الركاب، الذين كانوا يبدون كأنهم نيام برؤوس منحنية، رؤوسهم في اللحظة ذاتها دفعةً واحدة.
أسرعت سيان بالنظر إلى المتصل. وكان تاي جوون، هو من اتصل.
عادةً كان يتواصل معها عبر الرسائل فقط…..فلماذا يتصل الآن فجأة؟
وهي تتساءل ما إذا كان قد حدث أمرٌ ما، وضعت الهاتف على أذنها، فخرج صوت جوون العميق فجأة.
• “آنسة سيان، انزلي فورًا من تلك الحافلة. بسرعة!”
وانتهت المكالمة عند هذا الحد.
تششش تششششش…-
صدر صوت تشويشٍ مزعج في أذنها، ثم انقطع الاتصال تمامًا.
لو كان شخصًا آخر، لربما تجاهلت هذا الاتصال الغريب ببرود، لكن بما أنه تاي جوون، فالوضع مختلف.
نهضت سيان من مقعدها فورًا.
والآن بعدما فكّرت بالأمر، كانت تشعر أن في هذه الحافلة شيئًا غريبًا منذ أن صعدت إليها…..
لم يكن هناك باب للنزول. و كان هناك باب أمامي للصعود، لكن الباب الذي يجب أن يكون في منتصف الحافلة للنزول لم يكن موجودًا على الإطلاق.
وكأن من يصعد لا يمكنه أبدًا النزول مجددًا.
ذهبت سيان مباشرةً إلى السائق، وطلبت منه بحزم،
“توقف من فضلك، سأغادر الآن.”
كييييك-
كان وجه السائق مغطى جزئيًا بقبعة القيادة، فأوقف الحافلة بصمت دون أن ينبس بكلمة. ثم فتح الباب الأمامي بصوت خافت.
نزلت سيان من الحافلة بسرعة ورشاقة. وعندما التفتت لتنظر إلى الحافلة التي بدأت بالتحرك مجددًا، رأت أن كل الركاب، الذين كانوا يطأطئون رؤوسهم، كانوا يرتدون أكفانًا بيضاء كالثلج.
“أين…..أنا؟”
نظرت حولها بدهشة وهي واقفة في مكانها.
كانت في قلب المدينة قبل قليل، فكيف وجدت نفسها الآن عند مدخل جبل مرتفع يطل على البحر البعيد؟
لم تكن هناك سيارةٌ تمر، ولا حتى مبنى واحد قريب، لذا كانت بحاجة للمساعدة للعودة.
وبينما كانت في حيرة، فتحت قائمة جهات الاتصال في هاتفها.
“من أعرفه أصلًا؟”
لم يكن هناك سوى اسمين فقط في قائمة الأسماء. و لم تنجح في الاتصال بالاسم الأول، الذي كان باهتًا ومشوّشًا، رغم أنها حاولت لمسه عدة مرات.
الشخص الوحيد الذي كان يمكنها طلب المساعدة منه هو تاي جوون، الاسم الثاني، ولا أحد سواه.
بدا وكأن اسمه يلمع على الشاشة، وكأنه يقول لها، “نادِني الآن! بسرعة!”
حدّقت سيان طويلًا في الاسم، ثم أعادت الهاتف إلى جيبها بهدوء.
كانت الساعة 1:10 بعد منتصف الليل. وما زال المطر البارد ينهمر برفق.
صعدت الجبل الخالي من الضوء، بخطواتٍ هادئة لا تعكس أي استعجال، وكأنها في نزهة.
من وقتٍ لآخر، كانت ترفع ذقنها نحو السماء المظلمة وتنظر للأعلى. وفي كل مرة، كان صوت المطر الناعم يرافقها، و تتساقط قطراته الصافية على وجهها كندفاتٍ ناعمة.
كان الجبل غريبًا للغاية.
يقال أن هناك فراغًا مطلقًا في الكون يُسمّى “الفراغ التام ”، وكان هذا الجبل أشبه ما يكون بذلك الشعور.
كلما صعدت أكثر، تلاشت هواجسها، وحتى القلق والحزن اختفيا تمامًا. بل بدأت تشعر بسكينة لا نهائية، حتى أنها فكّرت: “ربما الآن…..يمكنني أن أرتاح فعلًا.”
وأخيرًا، توقفت سيان عند منتصف الجبل. و كانت هناك قطعة أرض صغيرة مستوية قليلًا.
الهواء كان نقيًا، والمكان بدا مثاليًا تمامًا بالنسبة لها.
“هل أجعل هذا مكاني؟”
همست لنفسها بصوتٍ خافت. و في تلك اللحظة تمامًا، أمسك أحدهم بيدها.
ارتجفت ودفعتها تلقائيًا، لكنها كانت ممسكةً بها بشدة، فلم تستطع الإفلات.
و دون سابق إنذار، جذبها الشخص بقوة وخشونة.
“آه…..”
حاولت سيان أن تقاوم وتثبت قدميها، لكنها ما إن رأت وجهه حتى ارتجفت فجأة.
رغم أن ملامحه لم تكن واضحة، مجرد ظل أسود يهتز كأنه طيف، إلا أنها عرفته في لحظة.
كان تاي كوون. لقد تبعها.
قادها بصمت إلى أسفل الجبل، دون أن ينطق بكلمة،
و لم تعارض، بل تبعته بهدوء.
بينما كان الصعود يشبه حلمًا هادئًا يبعث على السكينة،
كان النزول أشبه بكابوس بارد، تسير فيه بين أشجار مظلمة تلفها الرياح والمطر الخفيف المتطاير من كل اتجاه، حتى شعرت بأن جسدها يرتجف من البرد.
طوال الطريق في النزول، لم يلتفت جوون إلى الوراء ولو لمرة واحدة، ولم يترك يدها إطلاقًا.
تلك اليد التي تمسكت بها بشدة. كانت قويةً ودافئة، ومنحتها طمأنينة كبيرة…..وسعادة غريبة، امتزجت ببعض الحزن.
ربما لأن الشعور كان…..كما لو أن العالم كله قد اختفى، ولم يبقَ فيه سوى هي وهو، يسيران معًا في ظلام لا نهاية له.
وعندما وصلا إلى أسفل الجبل، التفت جوون أخيرًا نحوها بنظرةٍ مائلة.
ثم ابتسم ابتسامةً خفيفة، و قال لها شيئًا.
***
رمشة…..ثم رمشة أخرى.
بعد أن رمشت بعينيها بضع مرات، أدركت سيان أنها كانت قد غفت على الكرسي، وها هي للتو تستيقظ.
“هممم…..همم.…”
اقترب منها لينكون وهو يئن بقلق، واندس في حضنها.
“أنا بخير، لينكون. يبدو أنني غفوت قليلًا. و قد استيقظت الآن.”
طمأنته بنبرةٍ هادئة، ثم قبّلت جبينه واحتضنته بحنان.
***
في الساعة السادسة صباحًا. بعد أن أنهت حمامًا ساخنًا، مشت سيان بين أكوام من أوراق A4، ونسخ من كتب قديمة، وجهاز الحاسوب المحمول، واللوحي، المنتشرة في أرجاء غرفة المعيشة.
اليوم بالفعل…..الثامن من أبريل.
“نحن لن نلازم بعضنا عامًا كاملًا أصلًا. لأنك ستموتين قبل ذلك يا آنسة لي سيان. في الثاني عشر من مايو.”
يوم الموت اقترب.
اليوم الذي سترحل فيه عن هذا العالم. ولم يتبقَ له سوى شهر وبضعة أيام.
ومع ذلك، أن تحلم بأنها تتجول في جبل الموت “بوكمانغسان”…..
لكن ما كان يربكها أكثر من اقتراب الموت نفسه…..هو تاي جوون.
لم يكن الرئيسة التي عرفتها طوال 21 سنة، ولا لينكون الذي تحبه وتثق به، بل هو ذلك جوون الذي لم يمضِ على معرفتهما سوى أربعة أشهر، ومع ذلك، هو من قادها بيده وأنقذها من جبل الموت وكأنه المنقذ الحقيقي.
وهمس لها همسةً خفيفة.
وبينما كانت ترفع خصلات شعرها، نظرت سيان إلى راحة يدها.
كان شعور اليد التي أمسك بها جوون في الحلم، ذلك الدفء وذلك الثبات، لا يزال وكأنه عالقًا فيها.
لقد قال شيئًا قبل أن تستيقظ من الحلم…..
لكنها لم تستطع سماعه، وكأن أذنيها كانتا محشوتين بالقطن.
“يا ترى…..ماذا قال؟”
لا…..مهلًا…..
كان ذلك مجرد حلم نسجه أعماق عقلها الباطن. مجرد تاي جوون من خيالها. هذا كل ما في الأمر.
“هل كنتُ…..أتمنى أن يقول شيئًا؟”
***
في محاولةٍ لتصفية ذهنها، قامت سيان بتفكيك مسدسها الفضي وتنظيفه بعناية.
ربما حلمت بذلك الحلم المضطرب…..لأن سلاحها قد تغير.
فالمسدس الجديد الذي حصلت عليه من مطوّر الأسلحة “SWD” في فريق “أوتيس”، ما زال يبدو غريبًا في يدها، وكأنه سلاحٌ مستعار، لا يناسبها تمامًا.
بعد أن أنهت تنظيفه بعناية، وضعته على الطاولة، ثم التقطت هاتفها المحمول.
تاي جوون. ذلك الاسم حرّك في قلبها اضطرابًا مختلفًا عن الذي شعرت به بالأمس.
ذلك الاضطراب الذي لم يكن يصل في السابق إلى أعماق قلبها، بدأ اليوم يضطرب ويهتز من قاع وجدانها بارتباك.
“هاه..…”
تنهدت سيان ببطء، ثم أرسلت له رسالةً بوجه أكثر برودًا من المعتاد،
<~: لنبدأ العمل.>
***
“هي، هي! هل نحن السبعة موجودون كلنا؟ ليتأكد أحدكم!”
“آه، آه. نعم، نحن سبعة.”
كان الجبل في الفجر مظلمًا كالحبر، والأرض زلقةٌ بسبب المطر الذي لم يتوقف منذ يومين.
وكان الجميع يثرثرون بصوت عالٍ، كأن آثار الكحول لا تزال في أجسادهم.
“المكان مرعبٌ جدًا! هل هناك أحدٌ غيرنا يتسلق جبلًا في هذا الظلام؟”
“الكثيرون يتسلقون فجراً! رأيت ثلاثة أشخاص قرب جسر الغيوم قبل قليل!”
“قال لنا أولئك الرجال ألا نغادر الطريق. قالوا أنه خطر.”
“آه، كفى! لم نبتعد كثيرًا عن الطريق على أي حال. سنعود لمسار التسلق مجددًا.”
عمّ الصخبٌ والجدال بصوتٍ مرتفع.
أما يي أون فكانت تتابع المشي بصمت، بوجهٍ مرهق، دون أن تنطق بكلمة.
كانت يي أون قد علقت مع زملائها من فريق دراسة الأسهم في الجامعة بعد أن فاتهم آخر قطار أثناء شربهم للكحول. وبينما كانوا يحاولون التخلص من تأثير الكحول، قرروا بشكلٍ عفوي تسلّق جبل قريب لمشاهدة شروق الشمس، ثم تناول الرامن في متجر قريب قبل أن يبدأوا…..
“آخ، أنا أستسلم. من يرغب في أن يكمّل، ليكمل لوحده.”
“كنتَ تتفاخر كثيراً، والآن فقط انتهت طاقتكَ؟”
بدأ الحماس يخفّ بين الجميع، وكان الجو يميل بالفعل نحو النزول بدلًا من الاستمرار في الصعود.
“بـارد، الجو بارد..…”
ارتجفت “B” وضمّت كتفيها من البرد، فخلعت يي أون سترة الريح التي ترتديها وقدّمتها له.
ترددت “B” قليلًا، لكنه أخذها في النهاية.
“الا بأس ان استعملتها؟”
“آه، لا بأس. شربت كتيراً و أشعر بحرارة. لترجعها لي لاحقًا.”
رغم أنها كانت تشعر بالبرد، إلا أنه لم يكن لا يُحتمل.
وأثناء ترددهم بين الاستمرار في الصعود أو النزول، أشار أحدهم بإصبعه نحو الأشجار.
“شخص! هناك شخصٌ ما! انظروا، هناك!”
مدّ الجميع أعناقهم ونظروا في الاتجاه الذي أشار إليه.
الظلام كان كثيفًا، فلم يكونوا يرون بوضوح…..لكن بين الأشجار الداكنة، وقف شخصٌ يتلألأ تحت ضوء القمر.
رجل؟ على الأغلب.
كان طويلًا بشكل غريب، قد يصل طوله إلى 230 سنتيمترًا. وقف منحنياً قليلاً، يحدّق بصمت في الأرض كما لو كان غارقًا في تفكيرٍ عميق.
تقدّم أول اثنين من المجموعة نحوه بخطواتٍ سريعة.
“عذرًا، لقد ضللنا الطريق…..من فضلكَ، إلى أي جهة يؤدي مسار التسلق؟”
“آآآآااااااه!”
صرخة فزعٍ مفاجئة شقت السكون، وسقط أول اثنين من المجموعة على الأرض وسط الأعشاب.
ثم تتابعت صرخاتٌ مذعورة تشق ظلام الليل،
“أآآه، أآآآه! مـ…..ميت! إنه ميت!”
لم يكن إنسانًا…..بل جثة.
جثة رجلٍ انتحر بشنق نفسه على الشجرة.
__________________
حلم سيان يروع بس يعني فيه امل جوون ينقذها صح؟😔
باقي شهر والفصول تو حتى ماوصلت النص يعني فيه امل
المهم القضيه الجديده مع ذولا بس مدري ليه اغلبهم اسماءهم حروف يعني مجهوله الا يي أون
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 46"