كل الاستعدادات للطقس قد اكتملت. و أخيرًا، أصبح بإمكانهم إخراج الأطفال الأربعة الذين قُتلوا ظلمًا من تلك الجرّة الخانقة.
لكن الأهم هو ما سيحدث من الآن فصاعدًا.
ذهبت سيان إلى خلف الستار، وقبضت على يدها الباردة كالجليد ثم بسطتها من جديد. نبض-
نبض-
صوت نبض قلبها تردّد في رأسها. فالآن عليها أن تجعل أولئك الأطفال يخرجون واحدًا تلو الآخر من الجرّة بأنفسهم، وتقنعهم بأن يرحلوا عن هذا العالم بملء إرادتهم.
إذا خرج الأطفال دفعةً واحدة، فسيكون الأمر كارثيًا. بل، إن بدأ واحدٌ منهم في الهيجان والجنون، فهناك احتمالٌ كبير أن يحذو الآخرون حذوه ويصبحوا عنيفين أيضًا.
وإن حدث ذلك، فلن يكون أمامها خيارٌ سوى تدمير الأرواح ذاتها…..لكنها لم تكن تريد أن تفعل ذلك بهؤلاء الأطفال البائسين.
هؤلاء الأطفال، منذ اليوم الذي اختُطفوا فيه، قضوا عشرات السنين يتوقون للقاء آبائهم بقلوبٍ متلهفة، لكنهم في النهاية سيرحلون عن هذا العالم اليوم دون أن يروا وجوه آبائهم ولو لمرة واحدة.
والآباء الذين كانوا ينتظرون عودة أطفالهم بكل الشوق طوال هذه السنين، ليسوا بأفضل حال.
إذا لم يُفنى وجود الأرواح، فقد يستطيعون ولو في الأحلام أن يتلاقوا ولو لحظات، وكان كل ما ترجوه سيان هو أن تمنحهم عزاءً صغيرًا حتى لو كان بهذا الشكل.
لذا كان عليها أن تجعلهم يرحلون عن هذا العالم بأكبر قدر ممكن من الراحة…..دون أن يشعروا بأي ألمٍ بعد الآن.
كان عليها أن تناديهم واحدًا تلو الآخر، بحذرٍ وترتيب.
انزلقت قطرة عرقٍ طويلة على عنقها. بينما كان جوون قد اتخذ موقعه خلف أول جرّة فخارية بالفعل، ينتظر إشارتها.
ثم سرت قشعريرةٌ في جسدها. فمن الآن فصاعدًا، نجاح أو فشل هذا الطقس يعتمد كليًا عليها.
“فوووه….”
استنشقت نفسًا عميقًا وببطء.
في المعارك مع الأرواح، الغلبة كانت دومًا لمن يملك العزيمة. قوة الكلمة، و قوة النطق، كانت الأهم.
أهم شيء أن الصياد لا يزتجف. فلكي يتواصل مع العالم الروحي، لا بد أن يستخدم لغةً صلبة، حازمة، مفعمة بالإيمان، مشحونةً بالرغبة الصادقة والنية الطاهرة.
نطقت سيان بأول كلماتها بصوتٍ واضح،
“يا أطفال، ألستم جائعين؟”
صوتها دوّى بلطفٍ وقوة وسط الظلمة الكثيفة كأعماق البحر.
“هل آلمتكم أذرعكم وأرجلكم من كثرة الانكماش؟ هل شعرتم بالبرد؟ بالحر؟ كم بكيتُم يا تُرى؟”
طقطقة… طقطقة…
غطاء الجرّة الثقيلة بدأ يهتز بحركة مريبة. كانت إشارةً على أن أطفال “أونغجو” يشعرون بعدم الارتياح ويتحسّسون من وجود هؤلاء الغرباء.
لكن سيان لم تأبه، واستمرت تناديهم بصوتٍ ثابت لا يتزعزع.
“يا أطفال…..هيا لنذهب في نزهة.”
تمامًا كما تفعل المعلمة.
“الطقس في الخارج مشمس، والزهور بدأت تتفتح. إنه شهر مارس.”
تخيلت بوضوح زهور البرقوق وهي تتفتح بكثافة. وكذلك الأزهار الصفراء والوردية: الفورسيتيا، والأزاليا، وزهور الكانولا، وزهر شجرة الكورنوس*. *آخر الفصل
فالأرواح تتأثر كثيرًا بعواطف البشر، لذا حاولت أن تستحضر في ذهنها صورةً قوية لحقلٍ تغمره أزهار الربيع.
كان جوون يراقبها، ثم بهدوء رفع غطاء أول جرّة فخارية، ووضعه بحذر على الأرض.
و دون أي تردد، نادت سيان على الروح،
“كي سوك…..هل أنتِ هناك؟”
تحركت الجرّة بصوتٍ خافت وكأنها تجيبها.
“شيم كي سوك، هيا اخرجي. لم يعد هناك داعٍ لبقائكِ هنا…..هيا لنذهب، لنعد إلى المنزل. هناك في البيت، تنتظركِ أختكِ هوا سوك لنلعب معًا.”
هل ستستجيب الروح؟
كان قلبها يخفق بقوة، و ينبض بعنف.
وبعد ثوانٍ مرت ببطء وجفافٍ في الحلق، ظهرت بهدوء يدٌ صغيرة من فوهة الجرّة.
أما بقية الأطفال…..فلا يزالون هادئين. و الأسوأ لم يحدث، لم يخرجوا دفعةً واحدة وهم في حالة هيجان.
تابعت سيان مناداة الطفلة بلطف وثبات.
“كي سوك، هل تذكرين حقل الكراث خلف البيت؟ كنا نلعب هناك أحيانًا ونحن نقطف زهور الكراث…..في ذلك البيت، أمك وأبوك ينتظرانكِ بشوقٍ لا يُحتمل.”
عندها، ظهرت ببطء قمة رأس سوداء مترددة، ثم خرجت الطفلة النحيلة ذات الشعر المتشابك من داخل الجرّة ببطءٍ شديد.
كانت طفلةً صغيرة جدًا ترتدي تنورةً خضراء فاتحة.
نظرت إلى سيان بعينين متقدتين، ثم انزلقت من الجرّة تزحف بهدوء.
كان مشهدًا يقشعر له البدن، لكن سيان نادتها بلطف، وبحزمٍ في آنٍ واحد،
“واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، قفزة، ثم نعود. سنذهب للعب في البيت. مع أختكِ، وأمكِ، وأبيكِ. نلعب حتى تغرب الشمس، ثم ننام بسلام في حضن الأم الدافئ.”
زحزززز… زحزززز…
‘إنها تقترب.’
وسط ضوء الشمعة المتمايل، زحفت الطفلة اليابسة كغصنٍ محترق على الأرض، كانت تسحب جسدها بصعوبة باستخدام أصابعها المتباعدة كخطّافات.
“شيم كي سوك…..هيا…..هيا تعالي بسرعة.”
هؤلاء الأطفال الصغار الذين اختفوا على الطريق…..أرواحهم كانت صغيرة لدرجة لا تملأ كفّ اليد.
نادتها سيان بلطف وإصرار،
“هيا لنركض في طريقٍ ممتلئ بأزهار الربيع، ونعود…..سنعود إلى البيت، أليس كذلك؟”
***
أطفالٌ اختفوا إلى الأبد.
خرجوا من البيت للعب قليلًا فقط، لكنهم لم يتمكنوا من العودة إلى البيت الذي طال شوقهم إليه، لوقتٍ طويل جدًا.
تذكرت سيان التوسلات الحارّة للأمهات اللواتي كنّ يبحثن عن أطفالهن.
<: “أمكِ ستبذل جهدها اليوم أيضًا.>
<: “إذا انتظرت، سيأتي يوم وتعودين إلى حضني، أليس كذلك؟”>
<: “يكفيني أن أراكِ قبل أن أموت…..لكنني أشتاق إليكِ كثيرًا، فلو أمكن، عودي بسرعة.”>
“تعالي، تعالي.”
تابعت سيان مناداة الطفلة وكأنها تغني لها.
“هيا لنذهب…..لقد حان وقت العودة إلى المنزل.”
زحزززز… زحزززز…
واصلت كي سوك الزحف نحوها، تسحب الجزء السفلي من جسدها وهي تستجيب للنداء.
بجسدها الهزيل، و شعرها المنفوش، و الشريط البالي، والثياب القديمة التي ماتت بها…..
كانت هيئة عظامها وحدها مرعبة وكئيبة إلى حدٍ لا يوصف…..ومع ذلك، لم يكن في صوت سيان وهي تناديها سوى لطفٍ صادقٍ خالٍ من أي تظاهر.
“ببطء…..استمري هكذا.”
وأخيرًا، مرّت كي سوك فوق كرات الزجاج الصغيرة الموضوعة كقرابين وهي تصدر صوت خشخشة خافت، ثم مدت ذراعها اليمنى النحيلة داخل الستارة الممزقة.
كانت ستارةً كتب عليها اسم كي سوك، وقد قطعها جوون مسبقًا.
‘بقي القليل فقط.’
سسسس…..
مع تصاعد هالةٍ قاتمة، دخل وجه كي سوك الشاحب داخل الستارة، ثم تبعه جسدها الصغير وساقاها، وهي تُسحب ببطء نحو العالم الذي يقع خلف الستارة،
بصوت: زييييك… زييييك…
وأخيرًا، اختفى آخر ما تبقى منها، قدماها الصغيرتان اللتان تلاشتا دفعةً واحدة.
‘تمّ الأمر.’
تنفّست سيان الصعداء أخيرًا.
كي سوك كانت أول طفلةٍ من أطفال “أونغجو”، وكانت الأكبر بين الأربعة.
إن انصاعت كي سوك بسلاسة، فهناك احتمالٌ كبير أن تتبعها بقيّة الأرواح بسهولة.
كانت بدايةً مبشّرة جدًا، ما يدل على أن الطقس يسير على ما يرام…..لكن لا مجال للتباطؤ، فعليها أن تفتح الجرّة الثانية الآن.
وهذه المرة، كانت الطفلة التي تُعرف بعنادها وحدّة طبعها…..هيون سون.
“هيون-“
كادت تنطق باسم هيون سون، لكنها فجأة توقفت، وكادت ترفع صوتها عن غير قصد.
‘ما الذي يحدث…..؟ منذ متى؟ متى وقف هناك؟’
بارك جين وو كان واقفًا خلف الجرّة الثانية. و كانت سيان منشغلةً تمامًا بالطفلة الأولى من أطفال “أونغجو”، لدرجة أنها لم تنتبه مطلقًا لتحركات بارك جين وو.
فاض الغضب فيها للحظة، لكنها تماسكت وكتمت مشاعرها ببرود.
لا يمكن أن تلتقط الأرواح الثلاثة المتبقية أي اضطراب في مشاعرها. لا يجوز رفع الصوت، ولا يُسمح للكبار بإظهار أي شجار أمام الأطفال…..وإلا فكل شيء سينهار.
لكن كبح الغضب لم يكن بالأمر السهل.
جوون لا بد أنه رأى بارك جين وو يتحرك…..فلماذا لم يمنعه؟
حين نظرت إلى وجه جوون، الذي كان يبتسم ابتسامةً باهتة، تأكدت بأنه تعمّد ترك بارك جين وون يفعل ما يشاء.
كان وجه بارك جين وو مبللًا بالدموع، وقد أمسك غطاء الجرّة بيدين مرتجفتين، وكأنه يرجو أن يُكفّر ولو قليلًا عن الجريمة التي ارتكبها بيتُه في حق هؤلاء الأطفال.
رمقته سيان بنظرة حادة، ثم حرّكت بصرها سريعًا نحو جثة هوا سوك خلفه، قبل أن تعود بعينيها ببطءٍ إلى الجرّة الفخارية.
في النهاية…..ربما من الأفضل أن يساعد بارك جين وو في الأمر.
أشارت إليه برأسها إشارةً خفيفة كي يرفع الغطاء. فالطقس بدأ يأخذ مجراه بسلاسة، ولم يكن الوقت مناسبًا لجدالٍ عقيم.
سَسَررر…
مرّر بارك جين وو يده على الغطاء بحنان وشفقة، وفي تلك الحركة القصيرة كانت مشاعره الجارفة من الندم والمحبّة واضحةً بجلاء.
ثم، بحذر شديد واحترام، تمامًا كما فعل جوون من قبل، رفع الغطاء بهدوء ووضعه على الأرض.
وفي تلك الأثناء، سقطت دموع بارك جين وو الحارّة على سطح الجرّة…..بدأت دموعه تتساقط بلا توقف داخل الجرّة، قطرةً بعد قطرة، بوقعٍ خافت وثابت.
ويبدو أن تلك الدموع المؤلمة، المليئة بالأسى والذنب، قد منحت شيئًا من الطمأنينة، إذ خرجت هيون سون، التي كانت تُعرف بطبعها الحاد، من الجرّة بهدوء، وعبرت بوابة الطقس الروحي دون مقاومة.
‘جيد.’
انتهت المرحلة الثانية…..والآن الدور على الثالثة، كيم أوك.
كانت طفلةً ذات طبعٍ رقيق على نحو خاص، تحب بذور السمسم، ولها ثلاث أخواتٍ أكبر منها، وشقيقان أصغر منها.
امتلاك معلوماتٍ دقيقة عن الروح كان بمثابة السلاح الأقوى في طقوس الطرد. فالأشباح، مثل خيوط متشابكة بشدة، قد تكون عنيدة بشكل مخيف، لكن إذا استطعت فكّ خيطٍ واحد، يُمكنك بسرعة فكّ العقدة بأكملها.
شمّت كيم أوك بسرور طبقًا دافئًا من بذور السمسم الطازجة التي وُضع لها كقربان، ثم اختفت خلف الستارة المخصصة لها بابتسامة.
انتهت أيضًا ثالث طفلة من أطفال “أونغجو”. و لم يتبقَ الآن سوى الأخيرة، لي جيا. الطفلة الرابعة.
كانت جيا قد اختفت قبل 12 عامًا، لذا كانت المعلومات عنها أوفر وأوضح، لأنها الحالة الأحدث.
لذا، لم تكن سيان قلقةً بشأنها كثيرًا، خاصة أن القربان الذي تم تحضيره كان عصا سحرية، وهي نفس اللعبة التي كانت قد ترجّت أهلها أن يشتروها لها قبل اختفائها.
نظرت سيان إلى بارك جين وو بعينيها مشيرةً إليه.
كان عليه فقط أن يرفع الغطاء ويضعه على الأرض كما فعل مع الجرّتين السابقتين.
درررغ-
و فور تلقّيه الإشارة، رفع بارك جين وو غطاء الجرّة بكلتا يديه. ومن دون تردد، بدأت سيان بمناداة الطفلة.
“جي آه، لي جي آه. لقد انتظرتِ طويلًا، أليس كذلك؟ هل أنتِ جاهزة؟”
وكأنها ترد، ارتفعت يدٌ رقيقة بالفعل على حافة فتحة الجرّة.
بعد أن شاهدت الأطفال الثلاثة السابقين يخرجون بسلام، كانت الطفلة تريد أيضًا أن تخرج بسرعة.
حسنًا، إذا سارت الأمور هكذا فقط….
انفجارٌ مدوٍ-!
فجأة، أسقط بارك جين وو غطاء الجرّة، وتحطم الجزء العلوي من الجرّة الأخيرة بضجة عالية.
___________________
مؤسس النكبه اقولكم وراه شي
Dana
المهم ذي الزهور:
زهرة البرقوق:
زهرة الفورسيتيا:
زهرة الأزاليا:
زهرة الكانولا:
زهرة الكورنوس:
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 42"