الخوف الناتج عن مواجهة الروح وجهًا لوجه، والكراهية المتراكمة لسنين، كلها أفقدت سيان رشدها.
رغم تحذيرها له بالصمت، لم يُجدِ نفعًا.
ابنهما الصغير تم التهامه، وعشيقته ذُبحت أمام عينيه، فغرق في الرعب والغضب حتى فقد عقله تمامًا. و لم يتحمل الزوج كل هذا الحقد المتفجر، وأخذ يرتجف.
“مقززة! مقززة! أنتِ مقززةٌ تمامًا مثل أهلكِ! تجعلين الإنسان يفقد صوابه! تباً، اختفي من حياتي! أخرجي منها تمامًا وإلى الأبد!”
في ظلمةٍ حالكة، كانت عينا مين هي سون وقد تحولت إلى روح شريرة، تتلألآن بالبياض تمامًا كعيني زوجها المملوءتين بالجنون.
لم يتبقَ في المسدس سوى طلقة واحدة. و لو أنها فقط تستطيع أن افجر رأس الروح التي على هيئة قطة، لكان كل شيءٍ انتهى، لكن الزوج المشتعل بالغضب كان قريبًا جدًا من الجسد، فلم تستطع سيان إطلاق النار.
تحركا سيان بخطى واسعة لتغيير موقعها.
“ما الذي كان ظالمًا جدًا لدرجة أنكِ قتلتِ الطفل؟ هاه؟ كيف…..كيف تقتلين طفلًا بريئًا لا ذنب له؟!”
قبض الزوج على رأسه من شدة الاشمئزاز، ثم أشار بإصبعه في وجه زوجته من مسافةٍ قريبة.
“هل أنا من قتلكِ؟ أنتِ! أنتِ من قتلتِ نفسك! كل هذا بسببكِ، كل هذا خطؤكِ! لو أنكِ فقط استمعتِ إليّ و تطلقنا منذ البداية، لما حدث كل هذا!”
لا. من البداية، لو لم يخنها، لما حدث كل هذا. و لو لم يبع زوجته لرجلٍ غريب الهوية، لانتهى كل شيءٍ حينها.
لو أنه خلال السبعة أشهر الماضية، لم يقضِ أيامه في الضحك واللهو مع عشيقته، بل شعر بالذنب وندم قليلًا، لربما خفّت حدة الغضب.
لو أنه لم يهمل القطة المريضة الخاصة بزوجته واعتنى بها بإخلاص، لربما تلاشى الحقد.
زيييييييك….
كانت مين هي سون تبذل جهدًا مستميتًا لتقترب من زوجها مهما كلّف الأمر.
بينما كان جانب الإنسان من الوجه مخترقًا بين الحاجبين، يظهر منه الدماغ، أما جانب القطة فكان فكها السفلي محطّمًا.
ركبتاها قد طارتا فلم تعد تقوى على الوقوف، ويداها أيضًا اختفتا. ورغم ذلك، كانت مين هي سون تكافح بعناد، تلهث أنفاسها الأخيرة، محاولةً الإمساك بزوجها.
“لينكون.”
اتخذت سيان وضعية التصويب، وأعطت إشارةً برأسها. و فهم الكلب ذو الثلاثة أرجل الإشارة، ففك قبضته عن الروح الشريرة وتراجع فورًا.
ارتبك الزوج قليلًا من انسحاب الكلب المفاجئ، لكنه شعر بالراحة فور أن رأى سيان ترفع المسدس، فبصق كلماته بين أسنانه ببرود.
“كانت صحبتكِ قذرة، دعينا لا نلتقِ مجددًا أبداً.”
وجّهت سيان فوهة المسدس بدقةٍ نحو دماغ جانب القطة.
يُقال أن الأحباء يتشابهون، فعين القطة التي ظهرت من وراء فوهة المسدس كانت مفاجئة…..كانت تمامًا كعيني مين هي سون في حياتها، حين كانت تحني رأسها بابتسامةٍ في كاميرات المراقبة.
نظرة هادئة، مستديرة، مشبعة بالوحدة.
تك… تك… تك…
عقرب الثواني على ساعة الحائط دق خمس عشرة مرة. هذا يعني أن 15 ثانية قد مرّت.
وعندما لم تطلق سيان النار، التفت الزوج نحوها بنظرةٍ تتساءل عن سبب التردد.
‘لقد أخطأت.’
عضّت سيان على أسنانها بقوة.
لقد أخطأت…..رغم أنها كانت تعرف مسبقًا.
المشاعر كالسكاكين، كانت دائم الحذر منها، دائم الترقب، لكن هذه المرة وقعت في الفخ تمامًا.
ما كان يجب أن أنظر في عيني القطة في اللحظة الأخيرة…..
لا، بل قبل ذلك، ما كان يجب أن أمسح دمعات القطة الميتة من تحت عينيها.
ما كان يجب أن أقرأ مشاعر مين هي سون، ولا أن أسمح لنفسي أن أشعر بذلك الحزن الحاد والمتراكم كطبقات البصل.
حاولتُ أن أضغط بأصابعي بقسوة…..لكن….لا جدوى.
لم أستطع تحطيم هذا الرأس الصغير تمامًا. و لم أستطع سحب زناد قلبي.
زفرت سيان بعمق، تمرر يدها بخفة.
داخل رأسها، بدأ صوت عقرب الساعة…تك، تك، تك… يتضخم كالتحذير.
يجب أن تطلقي النار. بسرعة.
طلقة واحدة وتنتهي كلّ الأمور. كما كنتِ تفعلين دومًا، اكتمي مشاعركِ، وكوني عقلانيةً، و باردة.
فقط أطلقي على الروح، وسينتهي كل شيء.
زييييينغ، زييييييينغ-!
في تلك اللحظة، دوّى اهتزازٌ مفاجئ بصوت عالٍ. صوت غريب وغير متوقع مزّق توتر غرفة المعيشة.
فزع الزوج وأخذ ينظر حوله بارتباك. و كان ذلك صوت اهتزاز هاتف محمول في جيب بنطال سيان.
رسالة في هذا الوقت…..هل هي من الرئيسة؟
لا، بل كانت من تاي جوون.
كان هناك ضوءٌ صغير، ساطع، ومستطيل ينبعث من جهة أريكة غرفة المعيشة. ومن داخل ذلك الضوء، ظهرت أصابع تاي جوون و هو ينقر على لوحة مفاتيح الهاتف بخفة وأناقة.
تك-
و ما إن ضغط على زر الإرسال….
زيييينغ، زيييييييين-!
عاد هاتف سيان يهتز مجددًا.
في هذه اللحظة الحرجة، ومع أنه كان قريبًا بما يكفي ليتحدث، إلا أنه اختار إرسال رسالةً نصية.
لماذا يتكلف كل هذا؟
وكأن جواب ذلك التساؤل بدا واضحًا حين ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خافتة.
في الظلام، كان طرف فمه يكشف عن متعة قاسية. كان كشيطان، يترقّب قرارها.
هل ستتجاهل الرسالة التي أرسلها الآن؟ أم ستفتحها؟
حدقتا عينيه، الموجهتان نحوها، كانتا أكثر ظلمةً من العتمة نفسها.
نبض- نبض-…..نبض-
في لحظةٍ واحدة، نبض قلبها بشدة لقرارها، لكن سيان، ببطء…..أنزلت المسدس نحو الأسفل.
ثم مدت يدها اليسرى وأخرجت الهاتف من جيبها.
“ماذا؟”
همس الزوج مذهولًا، و صوته مبحوحٌ من الذهول. وفي اللحظة نفسها، ارتكزت مين هي سون بمرفقيها على الأرض، ثم اندفعت فجأةً نحو زوجها كما لو كانت تقفز للهجوم.
دفع الزوج زوجته بذراعين مرتجفتين، وهو يصرخ في ذعر هستيري.
“مـ-مهلًا، مهلًا! مـ-ما الذي تفعلينه؟!”
كانت سيان تراجع رسالة تاي جوون بصمت.
<~: ما رأيكِ في حساء التوفو مع المأكولات البحرية هذا الصباح؟
: أعرف مطعمًا جيدًا في تشونغمو-رو.>
لم تكن الرسالة عاجلة، ولا ذات مغزى. كانت رسالةً عديمة الجدوى تمامًا، لا حاجة لإرسالها الآن.
وخلال تلك اللحظات التي كانت تقرأ فيها تلك الكلمات السخيفة، كان صوت أنين الزوج يعلو وهو يتخبط بجنون، يقاتل بيديه وقدميه.
“أسرعي…..أنقذيني! أرجوكِ! آااااااه!”
لكن سيان لم تلقِ عليه حتى نظرة. و كتبت ردّها بوجه بارد كالجليد.
بحذر، حرفًا تلو الآخر.
“أنقذيـ….أرجوك….غغ….أاا….أك….كا.…”
وقعت في خطأ إملائي، فضغطت على زر الحذف،
ثم أعادت الكتابة من البداية.
<: حسنًا.>
إرسال-
رفعت سيان رأسها بوجهٍ خالٍ من التعبير، فرأت مين هي سون وقد غطّى الدم وجهها بالكامل بلونٍ أحمر قاتم.
في لحظةٍ قصيرة، كانت قد مزّقت عنق زوجها بأسنانها. أما الزوج…..فقد كانت حدقتاه شاحبتين، فارغتين، ولم يبقَ منه سوى أطرافه وشفتيه تنتفضان بشكلٍ لا إرادي.
رفعت سيان المسدس بثبات. وهذه المرة، دون تردد، دون حتى ثانية واحدة، سحبت الزناد.
بانغ-!
***
“لم أتمكن من حماية الزوج.”
أبلغت سيان رئيستها بانتهاء المهمة.
“و تم القبض على مين هي سون.”
•“أنا متأكدة أنكِ تصرفتِ حسب ظروف الميدان…..لكنه أمرٌ مؤسف. كان من الممكن استخدام الزوج كطُعمٍ لاستخراج الأفعى.”
عبّرت الرئيسة عن أسفها، لكنها سرعان ما أثنت على مجهودها.
•“لكن إن كان قد مات، فلا مفر. القبض على مين هي سون وحده مكسبٌ كبير. أحسنتِ.”
وعندما نظرت سيان من فوق كتفها، رأت روحَي الزوج والعشيقة، واقفين جنبًا إلى جنب خلف زجاج النافذة الأمامية المعتمة لغرفة المعيشة، يحدقان نحوها بثبات.
تابعت سيان تقريرها وهي تنظر إليهما.
“لم أتخلص من روح الزوج العالقة عمدًا. أعتقد أنه يمكننا استدعاء كيم يونغ هوان، صديق الغولف الذي وصله بالمستثمر، والتحقيق معه هنا.”
– “جيد. سأتولى الأمر من جهة أوتيس.”
بعد إنهاء المكالمة، توجهت سيان نحو السيارة.
وعلى صندوق السيارة، كان هناك صندوقٌ خشبي رفيع، بمقاس 25 سنتيمترًا عرضًا وطولًا.
داخل الصندوق، كان هناك زجاجةٌ شفافة تحتوي على الروح الأثيرية لمين هي سون، وجثة القط جون.
وحين كانت سيان على وشك إغلاق غطاء الصندوق، أخرج تاي جوون من جيب سترته وشاحًا حريريًا أخضر فاتح اللون.
“لنضع هذا أيضًا.”
“الوشاح؟”
سألت بدهشة، فناولها إياه كما لو كان هديةً أو مكافأة على “اختيارها”.
“هذا ما كانت أخت مين هي سون قد استعارته ولم تعده.”
آه…..صحيح. لقد قالت أنها أعارت وشاحًا أعجبها كثيرًا، ولم تتمكن من استرجاعه.
“كيف وجدتَه؟”
“لم أجده، بل جعلتها تحضره لي. في فجر اليوم الذي التقيتُ فيه بعائلة مين هي سون، من أختها.”
لم تسأله سيان كيف جعله في حوزته، بل فقط أخذت ذلك الوشاح الحريري الناعم، الأنيق، والمشرق الألوان،
ولفّت به الزجاجة بخفة.
كان لونه جميلًا حقاً.
نظرت إلى الزجاجة التي تحتوي على الروح، وإلى الوشاح الحريري الأخضر الفاتح، والقطة الميتة، للمرة الأخيرة.
لا بد أنها أصبحت محبوسةً الآن. فبعد أن ألحقت الأذى بثلاثة أشخاص بهذه الوحشية، ستظل مين هي سون عالقةً في هذا الصندوق الضيق لما يقارب مئة عام.
ومع ذلك، لم يكن الأمر يبدو سيئًا تمامًا.
لقد اختفى حقدها بالكامل، ولم تعد هناك سخرية أو تدخلاتٌ مزعجة من أهلها.
انتهى كل شيءٍ إلى الأبد بينها وبين الزوج الذي أنهك قلبها طوال 21 سنة.
من الآن فصاعدًا، سيكون عالمها بسيطًا: فقط هي، وقطها الحبيب جون.
“جون.”
“مياو.”
في كل مرة تفتح عينيها بتكاسل، ستجده إلى جانبها، وسيعانقان بعضهما البعض بحنان، وينامان معًا بسعادة.
كما لو كانا يأخذان قيلولةً طويلة، هادئة ومريحة…..في هذا المكان، حيث تقيم قِطتها المسنّة، والوشاح الذي أحبّته أكثر من أي شيء.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 31"