خلال الأيام القليلة الماضية، كانت حبة البرتقالة التي اكتسبت رائحة جسد جوون موضوعَةً في جيب سترته.
ركض لينكون على الفور متتبعًا رائحة جوون. و انطلق كالسهم نحو الكنيسة التي أُغلِقت منذ عشرين عامًا.
“هل كانت تلك الكنيسة؟”
“افتح عيني! بسرعة!”
عندما طلبت ذلك بلهفة، عانقها جوون من الخلف بعنف.
“آه!”
وبينما كان الجزء العلوي من جسدها مُقيدًا بقوة، رُفعت عقبيها في الهواء بسبب فارق الطول بينهما.
اقترب جوون من أذنها وهمس وهو على نفس الوضعية،
“شاهدي كل شيء في هذا العالم بعيني~”
وانتشر نفسه على عنقها، فشعرت بالقشعريرة تسري في جسدها.
ثم تركها بعد أن قال ذلك. و ركضت سيان مباشرةً نحو الكنيسة.
إلباس الشبح حذاءً كان أمرًا بالغ الخطورة. فبمجرد أن يُلبَس الحذاء، تنشأ قوة تقييد، فيصبح ذلك الشبح مقيدًا بالبشر.
وبالعامية، كانوا يقولون “لبّسه”.
ركضت وهي تلوّح بمعطفها وفتحت باب الكنيسة بقوة.
دوّي-!
التفت مينوو بفزع نحوها.
كان يقف بجانب الطفل رجلٌ في الثلاثينات من عمره، ذو ملامح وديعة.
كان واقفًا بشكلٍ غير متوازن، وكأنه يعاني من مشكلةٍ في ساقيه، وقد ارتدى بالفعل الحذاء الرياضي الذي أحضره له الطفل.
كانت يده اليسرى تمسك برقبة الطفل النحيلة، أما يده اليمنى…..فكانت تمسك بسكين مطبخ.
الوقت المتبقي كان بالكاد…..40 ثانية.
تقلصت تلك الأربعون ثانية بسرعة.
“ابتعد عن الطفل حالًا!”
تقدمت سيان بخطى واسعة وهي تسحب مسدسها.
رغم أنه كان شبحًا بسيطًا من الأرواح العالقة، كان عليها أن تفصل بينه وبين الطفل فورًا.
عندما رأى الرجل الثلاثيني المسدس، ارتبك ورفع يديه بتردد.
“سـ، سأسلّم نفسي!”
كان كيانًا روحانيًا لا يدرك أنه ميت. ربما مات أثناء نومه، أو أغمي عليه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.
وهذا الكيان الخطر لا يزال واقفًا بجانب الطفل، ممسكًا بسكين مطبخٍ ملطخة بدماء جافة.
الوقت المتبقي الآن بالكاد…..20 ثانية.
كانت حياة الطفل تُحتسب بقلق.
مرّ ظلٌ أسود بسرعة البرق، ثم وثب جوون فوق مقعد طويل وكأنه يطير، ليصل في لحظة إلى جانب مينوو.
“لينكون!”
وفي اللحظة نفسها تقريبًا التي نادت فيها سيان باسم الكلب، كان جوون قد حمل مينوو دون مقدمات.
“أوااه!”
حاول الطفل المذعور أن يتهرب ويقاوم، لكن جوون غطّى عينيه براحة يده.
“غرررر!”
وفي اللحظة نفسها، اندفع لينكون كالعاصفة نحو الكيان الروحي كاشفًا عن أنيابه الحادة.
عندما يهاجم كلبٌ غاضب، سواء أكان الهدف إنسانًا أم شبحًا، فسيهرب من شدة الرعب.
كان من الطبيعي أن يُتوقع من هذا الكيان أن يبتعد عن الطفل أيضًا…..لكن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا.
“كلب..…”
تمتم الرجل بشفتيه الهائمتين، ثم انحنى بجذعه إلى الأمام. ومد يده التي تمسك بالسكين إلى الأمام مباشرة،
وكأنه كان يحاول أن يعانق الكلب.
ووفّ!
قفز لينكون كالبرق بينهما وغرز أنيابه في عنق الكيان الروحي دون رحمة.
“آه…..أأه!”
سقط السكين من يد الرجل وهو يُصدر صوت ارتطام معدني، ثم تهاوى ببطء وجلس على الأرض.
“كـ، كـرغ…..آه…..”
وبينما كان يختنق ويتألم ودمه يتسرب من عنقه، ابتسم ابتسامةً غير متوقعة قبل أن يختفي تمامًا.
كانت ابتسامةً صافية وناعمة على نحوٍ غريب.
“أرأيت؟ حتى أنتم تستطيعون الركض…..ألم أقل ذلك؟”
حرك الرجل شفتيه وهمس مجددًا، ثم ابتسم بخفةٍ مرة أخرى، وبعدها مال بجسده الذي كان على وشك السقوط إلى الخلف، وانحنى بقوة نحو الأمام ليعانق لينكون بشدة.
“أنا أيضًا…..سأعود إلى المنزل الآن.…”
فششش…..
“سأركض لأتناول كعكة الأرز التي أعدّتها أمي..…”
تمتم ذلك الكيان الروحي الأدنى بكلماتٍ صغيرة وكأنه راضٍ، ثم تلاشى فجأةً كالدخان، مثل الرماد، واختفى تمامًا.
“أخي!”
عندما أزال جوون يده، بدأ مينوو يبحث بعناد عن الرجل.
لكن في المكان الذي كان فيه الكيان، لم يتبقَّ سوى كلبٍ أبيض كالثلج.
حدّق لينكون في الطفل لبرهة، ثم اختفى بهدوء كالسحر.
“الكلب الأبيض..…”
قال مينوو ذلك، الذي بدا مشوشًا، ثم التفت إلى سيان وجوون.
“أخي؟ هل أنت أخي؟ هل كان هو الكلب؟”
لا يُعرف السبب، لكن يبدو أن عقل مينوو الطفولي فسر هذا المشهد غير الواقعي على أنه “الرجل الذي كانت ساقه مصابة، هو في الحقيقة كلبٌ غريب بثلاثة أرجل”.
أنزل جوون الطفل وأجابه.
“من يدري، لا أعلم. أنا لم أرَ شيئًا.”
فرد مينوو بقلق ودهشة وحزن،
“إذًا أنا الوحيد الذي رأى…..أنا رأيت. إنه هو بالتأكيد. كان كلبًا بثلاثة أرجل……أخي كانت ساقه تؤلمه، وكان يتحدث عن الكلاب.”
“حقًا؟”
“كان أخًا طيبًا.”
لو بكى لكان من السهل تهدئته، لكن مينوو أبقى رأسه منخفضًا وهمهم وهو لا يزال يدافع عن الشبح.
“لم يكن أخًا سيئًا…..حتى أنه علّمني الدراسة. واستمع لكل ما قلته…..و…..مسح على رأسي حتى لا أبكي..…”
“…….”
“كان أخًا طيبًا…..طيبًا بحق.”
اقتربت سيان بخطواتٍ ثابتة ثم جلست ببطء على ركبتيها أمام مينوو. و وضعت أمامه الحذاء الرياضي الأزرق الذي كان يحمله كهدية.
“جرّبه.”
“هم؟”
“هيا.”
تردد مينوو قليلًا وهو يراقب تعابيرهما، ثم وضع قدمه الصغيرة بتردد داخل الحذاء الكبير الخاص بالبالغين.
ربّتت سيا بلطف على ذقنه.
“احتفظ بحذاء الأخ الطيب هذا جيدًا، وعندما تكبر…..ارتده.”
“أنا…..أرتديه؟”
“نعم. لا تنسَ ذلك الأخ حتى تُصبح بالغًا.”
ظل مينوو يحدّق بهدوءٍ إلى الحذاء، ثم أخيرًا أومأ برأسه ببطء.
***
كان مينوو ممسكًا بقلم تعليمٍ أسود بإحكام، ولم يكن يرغب في تركه.
ذلك القلم الذي التقطه من أرض الكنيسة بإصرار، حتى عندما وبّخته جدته، تمسَّك به بعناد.
قال إن “أخ الكنيسة” هو من كتب له كلمة “أمي” بهذا القلم، وأنه قد وعده وعدًا صادقًا أن يكتب تلك الكلمة ويُريها لأمه بنفسه.
“أمكَ الآن في طريقها إلى هنا. لقد ارتعبت بشدة عندما علمت أنها كادت أن تفقدكَ، لذه هي قادمةٌ مسرعة.”
عندما خرجت الجدة من الغرفة بعد مكالمةٍ هاتفية ووبّخته مجددًا، اتسعت عينا مينوو بدهشة.
“أمي…..قادمة؟”
“نعم! رغم أنها قالت أنها مشغولةٌ جدًا حتى أنها لن تتمكن من الحضور في رأس السنة، إلا أنها الآن قد ركبت السيارة بالفعل.”
“أمي…..قادمة الآن؟ أمي قادمة لرؤية مينوو؟”
“قلت لكَ نعم، أيها الشقي! هذه المرة ستتلقى توبيخًا كبيرًا من والدتكَ!”
وما إن قالت الجدة ذلك بلهجة شديدة، حتى انهار مينوو، الذي كان صابرًا ومتماسكًا طوال الوقت، وانفجر في بكاء شديد.
“أووووآآآآه!”
كان بكاؤه عاليًا لدرجة أدهش جميع من حوله.
ويبدو أن جدته، التي لم تره يبكي بهذا الشكل من قبل، ارتبكت في البداية وهي تحاول تهدئته، ثم سارعت في النهاية لتوصيله بوالدته عبر الهاتف.
* “يا إلهي، مينوو! صغيري، مينوو! والدتكَ ليست غاضبة منكَ حقًا. انظر، كنتُ فقط قلقةً عليكَ.”
“أمّيييييي..…”
وما إن سمع صوت والدته، حتى عاد للبكاء من جديد.
لكن دموعه لم تكن دموع خوف، بل كانت دموع ارتياح وسعادة تفجّرت فجأة.
“أمممي…..أمي، تعالي بسرعة لرؤية مينوو. أنا أشتاق إليكِ…..نعم، نعم…..أتعلمين، الآن أستطيع أن أكتب كلمة ‘أمي’.”
***
بعد أن أبلغوا الشرطة بالعثور على جثةٍ في الكنيسة المهدّمة، وتعاونوا في التحقيقات المختلفة، لم يتمكّنا من مغادرة منطقة كانغوون حتى فترة ما بعد الظهر.
فقررا أن يتناولا الطعام أولًا ثم ينطلقا.
عندما دخلا مطعمًا في وسط البلدة وجلسا، كانت نشرة الأخبار تُبثّ في تلك اللحظة.
كانت الأخبار تتحدث عن العثور على جثة الجاني في قضية قتل صاحب مزرعة الكلاب في منطقة جُنجسون بكانغوون.
وقد توفي الجاني نتيجة إصابته بالكزاز، وكان خلف منصة الكنيسة عندما عُثر عليه ميتًا.
كما تم العثور على أداة الجريمة، وهي سكين مطبخ مغطى بالدماء، بالإضافة إلى مبلغ 470,000 وون نقدًا داخل حقيبة سوداء.
طلب جوون فجأة دون استئذان،
“حساء كعكة الأرز لشخصين من فضلك.”
ثم فقط بعد أن طلب، التفت إليها ليسألها،
“لا بأس، أليس كذلك؟”
“هل يمكنكَ أن تسألني قبل أن تطلب في المرة القادمة؟”
“إن كنتِ تريدين أن تحكمي 300 زوج، فعليك أن تأكلي جيدًا. يا لها من محظوظة، السيدة لي سيان، ملكة الحريم العكسي!”
كان يشير إلى قصة خطوط اليد التي تحدثوا عنها سابقًا مع مينوو.
في العادة، كانت سيان ستتجاهل مثل هذا المزاح السخيف ببرود، لكنها هذه المرة ردّت عليه باختصار،
“بالتأكيد أنا أفضل من السيد تاي جوون الذي لديه عشرة آلاف طفل.”
“إذا أنجبتُ عشرة آلاف طفل، فهذا يعني أن قدراتي الجسدية ليست سيئة، أليس كذلك؟”
“ربما تشبه الأسماك في التكاثر.”
“تلقيحٌ خارجي؟ فقط أنثر البذور في الهواء فيبدأ الحمل؟”
راح الاثنان يتبادلان المزاح القصير بنبرةٍ فيها نقرات خفيفة وكأنهما يسخران من بعضهما البعض.
كانت هذه أول مرة يتبادلان حديثًا عفويًا كهذا، لكنه لم يكن غريبًا أو محرجًا، بل بدا مريحًا على غير المتوقع.
في تلك الأثناء، وُضع حساء كعكة الأرز على الطاولة أمامهما. فأمسكت سيان الملعقة وبدأت الأكل بصمت.
في المطعم الضيق الخالي من الزبائن، لم يُسمع سوى صوت أخبار التلفاز يعلو في الخلفية.
“لقد تربيتُ حتى سن السابعة على يد جدي من جهة أمي.”
قال جوون ذلك فجأة.
“كان أستاذًا، رجلًا مثقفًا للغاية، لكن طهيه كان دائمًا كارثيًا.”
كان من غير المتوقع أن يشاركها قصةً شخصية كهذه، لكن سيان لم تُظهر أي اندهاش.
“ربما لأنه لم يطبخ من قبل.”
ردّت بهدوء، فعبس جوون قليلًا بين حاجبيه.
“بل كان دافعه للبحث العلمي أقوى من أن يهتم بالطبخ.”
“آه.”
“كان يضيف أشياء غريبة إلى الطعام في كل مرة…..لا أعرف كيف أصفها، لكنها كانت سيئة المذاق بدرجة يصعب شرحها.”
رفع جوون ملعقة من الحساء وأكمل حديثه.
“طعام هذا المطعم يشبه تمامًا طعام طفولتي، بنفس ذلك المذاق.”
فضحكت سيان دون أن تشعر. فقد كانت تفكر أصلًا أنه ليس لذيذًا.
ومع ذلك، كان هذا أول طبق حساء كعكة أرز تأكله منذ 21 عامًا. طعامٌ تقليدي يُعدّ عادة في رأس السنة.
وربما بسبب حديثه، تراءى لها حساء الأرز الأبيض الذي قدمته لها والدتها ذات يوم من رأس السنة القمرية عندما كانت في السادسة من عمرها، في وعاء أطفال صغير.
“سيان في وعاء أزرق بروسّي، ولِيان الصغيرة في وعاء أزرق سيرولي! هيا، لنأكل!”
كانت والدتها تحب اللون الأزرق، فكل الأطباق كانت بدرجاته المختلفة.
وتلك التصاميم الصغيرة المطبوعة على الوعاء الأزرق الزاهي…..لسببٍ ما، خطرت ببالها الآن بشكل واضح ومدهش.
واصلت سيان تناول الحساء ببطء. وكانت كل لقمة منه وكأنها تتذوق ذكرى من الماضي.
نكهة الحنين التي لم تعد تستطيع تذوقها مجددًا.
تبادل تاي جوون ولي سيان بعض الكلمات القصيرة خلال الطعام. كانت أحاديث عابرة، غير ذات مغزى، لا تحمل مضمونًا حقيقيًا.
ومع ذلك، كانا كطائرَي وقواق يتوقفان قليلًا ليستريحا في عشٍ ليس لهما، من دون أن يضعا فيه بيضًا، يأكلان حساءً بلا طعم، متذكرَين دفء الأمان الذي فُقد قديمًا.
وأتما ذلك الحساء حتى آخره.
في الخارج، كان شهر يناير يوشك على نهايته. وسرعان ما ستبدأ زهور الربيع البيضاء، مثل شرائح كعك الأرز، في التفتح واحدةً تلو الأخرى فوق الأرض المتجمدة.
___________________
الفصل حلو🫂💕
مينوو انقذوه وشاف امه اخيراً وجوون قال قصه عن ماضيه وسيان ضحكت معه! عجايب 😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 19"