كان في صوت جوون حرارةٌ وقوة سحرية شديدة، جعلت الأمر يبدو كأنه أمر لا يمكن رفضه.
حينها، شعر أن نظرات سيان توترت، فعاد جوون على الفور إلى وجهه المعتاد وسخر،
“حسنًا، افعلي ما يحلو لكِ إن لم يعجبكِ هذا.”
وكان من الواضح أنه قال ذلك ليخفف من حدة التوتر.
فردّت سيان بنبرة جافة،
“لا، سأتعامل معها في الموقع رقم 17.”
الموقع 17 هو الأبعد عن مكتب الإدارة…..
عادةً ما تكون الحواجز الروحية بحجم غرفةٍ واحدة فقط، وحتى أقوى أصحاب القوى الروحية لا يمكنهم تغطية أكثر من مبنى صغير.
لكنّه الآن غطى كامل مساحة المخيم الشاسعة بحاجزٍ واحد.
يُقال إنه أقوى “عنق” في “أوتيس”…..
عيناه القادرتان على رؤية الأرواح بوضوح كما لو كانت حقيقية، وقوته في كسر حاجز سيان بكلمة واحدة فقط. والآن هذه القدرة التي أظهرها للتو. من الواضح أنه يمتلك قوى روحية تفوق التوقعات.
على أي حال، كلما كان بعيدًا عن عائلة المتوفى، كان الوضع أكثر راحةً لنا.
المكان الذي يتم فيه تطهير الأرواح الشريرة لا يُسمح للعائلة بدخوله. فإحساسهم بأنهم تسببوا في موت المتوفى مرة أخرى قد يؤدي إلى صدمةٍ نفسية.
استدارت سيان نحو مدير المخيم. وكان مدير المخيم صامتًا تمامًا منذ الليلة الماضية.
من الجيد لو بقي في مكانه حتى تنتهي العملية بهدوء…..لكن في بعض الأحيان، يظهر فجأةً ويعيق طرد الأرواح.
طَق
وما إن وضعت سيان الهاتف المحمول أمامه، حتى رفع مدير المخيم رأسه بوجهٍ شاحب ومنهك.
قالت له سيان بهدوء’
“إذا كان هناك شيءٍ أخير تود قوله لابنكَ، فقل لي. سأنقله إليه.”
***
خرجت سيان وحدها من مكتب الإدارة.
كان المخيم مظلمًا بشكلٍ مخيف لعدم وجود أي إضاءة. وصوت رياحٍ يناير الباردة، كان يعوي.
هووووو……
ورغم شدة الرياح، كان الهواء ثقيلًا وكأنه مغمورٌ تحت الماء. كان هذا من تأثير الحاجز.
المخيم بأكمله بدا وكأنه قد انتقل فجأةً إلى جبل ثلجي مرتفع: بارد، ساكن، ونقي.
بدأت تمشي بحذر، خطوةً بخطوة، وسط الظلام المخيف دون بصيص من الضوء.
أين يمكن أن تكون الروح الشريرة مختبئة؟
العناكب عادة ما تنزل من الأعلى…..
صييييك-
كما توقعت، سُمِع صوتٌ كأن أحدهم يخدش الزجاج بأظافره، ثم تلا ذلك صوت تنفّس الروح الشريرة عند قمة رأسها.
دقّ قلبها. فالخطر كان يهبط عموديًا بسرعة نصل السكين.
لكن لي سيان كانت محترفة. خبيرة لها 12 عامًا من الخبرة، تعاملت مع ما يقرب من 70 روحًا شريرة في سنةٍ واحدة فقط.
كانت متمرسة وباردة الأعصاب. و ما إن شعرت بوجود الروح الشريرة، حتى بادرت بالهجوم بسرعةٍ ودهاء.
بوم-!
ركلت رأس الروح الشريرة بدوران دقيق…..
“كياااااك!”
سقطت الروح الشريرة وهي تلوّح بأطرافها، ثم في لمح البصر، تشقلبت كالعنكبوت وبدأت تزحف على الأرض.
كان يمكنها القضاء عليها في هذه اللحظة، لكنها تذكرت أنها نصبت فخًا على المنصة رقم 17.
ولرغبتها في اختبار قوة جوون، بدأت تتحرك عمدًا لتقود الروح الشريرة نحو المنصة.
تشراااك، طق!
ركضت فوق المنصة رقم 11، فتبعتها الروح الشريرة فورًا، تقفز على الخشب وتصدر صوتًا مزعجًا وهي تندفع نحوها.
كان بإمكانها تفاديها بسهولة، لكنها تجنبتها بصعوبة وانتقلت إلى المنصة رقم 12.
كانت المنصات الخشبية موزعة على فناء المخيم بتباعد منتظم، وكل منصة واسعة بما يكفي لنصب خيمةٍ والاستمتاع بالتخييم العائلي.
تشرا، طق، طا طق!
في لحظات، أصبحت سيان على المنصة رقم 13. وكان عنقها الأبيض يغري الروح الشريرة كأنه مخدرٌ قاتل.
“كاااك! كاااك!”
عندما تجاوزت المنصة رقم 14، سمعت لهاث الروح الشريرة خلف رأسها مباشرة.
كانت الروح تضرب أسنانها الأمامية ببعضها البعض بقوة، محاولة التهام شعرها.
مدّت ساقيها بقفزة طويلة، ثم أخرجت مسدسها بوجه خالٍ من التعبير.
الرصاصات المحشوة كانت خمسًا فقط. و رغم أن المسدس يتسع لست رصاصات، فقد تركت حجرة واحدة فارغة عمدًا.
تجاوزت بسرعة المنصة رقم 15، ثم عبرت بخفة المنصة رقم 16. وأخيرًا….
ششششاااق.
انزلقت سيان جانبًا وكأنها تتمدد على الأرض، لتدفع الروح الشريرة إلى الأمام قبلها. وفي نفس اللحظة، اتخذت بسرعة وضعية إطلاق النار.
المنصة رقم 17. كانت الروح الشريرة تقف تمامًا فوقها.
بانغ-!
بسرعة وحسم. سحبت الزناد دون تردد. فانهارت الروح الشريرة العنيفة فجأة وكأن فأسًا ضربها، وانثنت ساقها اليسرى.
وحين اخترقت الرصاصة الخاصة جسد الروح الشريرة، بدأ الجزء المصاب بالتحلل إلى سوادٍ قاتم.
“كييييييييييك!”
كانت الروح الشريرة تصرخ بصوتٍ مقزز، وأطرافها تتدلى مترهلةً من ذراعيها وساقيها.
تمت المرحلة الأولى من الشلل التام. كانت العملية أسهل بكثيرٍ وأكثر سرعة مقارنةً بأي شريك آخر عملت معه من قبل.
دفعت “سيان” شعرها المبعثر إلى الخلف واقتربت من الروح الشريرة. وما إن وطأت المنصة رقم 17…..
قشعريرة-
تسللت رعشةٌ على طول عمودها الفقري، ووقف شعر جسدها كله.
لا عجب أن الروح لم تتحرك قيد أنملة، مما جعل التصويب عليها سهلًا كأنها هدفٌ ثابت. فهل هذا هو السبب الذي جعل الروح عاجزة تمامًا؟
إذا كان الفخ بهذه القوة، فقد يكون قادرًا على تقييد روح شريرة من رتبة “إيموغي” أيضًا…..
رغم شعورها بالاطمئنان، تسللت إليها مشاعر عدم ارتياح. ربما لأن تاي جوون لا يبدو تمامًا كحليفٍ يمكن الوثوق به.
هزّت سيان رأسها، ثم أخرجت هاتفها من الجيب الخلفي، ووضعته بهدوءٍ قرب رأس الروح الشريرة.
حان الوقت لتسمع الروح كلمات وداعٍ من ذويها.
•…..
ساد صمتٌ لعدة ثوانٍ، ثم انبعث صوت رجل مسن، مبحوح.
•ولدي هيوك…..
همس مدير المخيم باسم ابنه.
•ابني مين هيوك…..هيوك..…
عندما يُعرض على ذوي المتوفى إيصال رسائلهم إليه، فإنهم غالبًا ما يبدأون بسرد قصصِ من الماضي.
وكان مدير المخيم كغيره، تحدث عن ابنه عندما كان صغيرًا. قصصٌ مألوفة من الحياة اليومية لعائلة عادية، يمكن رؤيتها في أي مكان.
لكنها، رغم بساطتها، كانت شظايا من حياةٍ لا يمكن أن تكون إلا فريدةً من نوعها.
ذكرياتٌ خاصة، لا تخص أحدًا غير هذه العائلة.
ورغم أن صوته كان يرتجف أحيانًا، لم يسمح الأب لنفسه بالبكاء وهو يتحدث مع ابنه حتى النهاية.
وكلما شعر بأن الدموع على وشك الانفجار، كان يكرر اسم ابنه مرارًا وتكرارًا.
“هيوك، مين هيوك، طفلي، هيوك..…”
بلهجة فرح، ولهجة حزن، ولهجة شوق.
كان ينادي اسمًا لن يسمع منه ردًا بعد الآن، يكرره مرة تلو الأخرى.
في ندائه ترددت رهبة اللحظة التي احتضن فيها ابنه لأول مرة بعد ولادته، وفرحة تلك الأيام التي قضوها في التفكير في اسمٍ يناسبه، وسعادةٍ غامرة لحظة ناداه به لأول مرة.
– ابني…..حتى لو ذهبت، لا تخف.
ربّت مدير المخيم على ابنه المتوفى بكلماتٍ حنونة.
– كن مع أمكَ. و والدكَ…..سيلحق بكَ قريبًا. حسنًا؟ ولدي…..مين هيوك، وداعًا…..ارتَح الآن…..إلى اللقاء.
تقط تقط-
تلا ذلك صوت سقوط الدموع، و آخر كلمات وداع نطق بها الأب العجوز.
– إلى اللقاء…..شكرًا لأنكَ جئت إليّ. لقاؤكَ…..جعل هذا الأب سعيدًا حقًا.
لكن الروح الشريرة لم تُظهر أي ردة فعلٍ عاطفية، فقط بدأت تتلوى ببطء.
فقد أصبح الآن…..شبحاً لا إنساناً.
كانت لغة الانسان مختلفة و لم يعد بينها وبين الأشباح جسر. للم يصل إلى الابن حرفٌ واحد مما قاله والده.
وكذلك الحال مع كلمات المواساة التي تقدمها سيان للروح.
“نرجو للراحل الراحة، ولروحه المعذبة السلام والعزاء العميق.”
وضعت سيان فوهة المسدس على جبين الروح بهدوء، ثم…..
بانغ-!
انطلقت الرصاصة الفضية، وتناثرت بقايا دماغ الروح الباهت فوق المنصة رقم 17.
وفي اللحظة التالية، بدأت الروح تتلاشى، و تتحول إلى رماد أسود أو دخان، وتختفي تمامًا في لمح البصر.
***
بانغ! بانغ! بانغ! بانغ!
أربعة طلقاتٍ متتالية.
رغم أن المسدس لا يحتوي سوى على خمس رصاصات، إلا أنها أطلقتها دون تردد.
ابتسم جوون بخفة، معجبًا بصوت الرصاص القاطع، الخالي من أي ترددٍ أو رحمة.
لا شك أنها كانت قد قررت سلفًا كيف ستتعامل مع الروح. فهي امرأة عقلانية تمامًا.
بعد صوت الطلقات الأربع، خيّم صمتٌ طويل على المكان.
بانغ-!
ثم دوّى صوت طلقةٍ أخيرة مفاجئة.
انتهى الأمر إذًا.
مدير المخيم، الذي كان يرتجف في كل مرة يسمع فيها صوت الرصاص، اتسعت عيناه وتوقف عن التنفس للحظة.
طَق-
وأخيرًا، فُتح باب مكتب الإدارة، وعادت سيان لتقف أمامه.
لوّح المدير بيده بخفة وكأنه لا يريد أي شرح.
“هل رحل مرتاحًا؟”
سأل بشرود، وكأنه لا يعقل ما يقول.
فأجابت سيان بجفاف.
“نعم.”
كلمة واحدة قصيرة، لعلها بدت قاسيةً في أذن أبٍ انتظر الجواب بقلقٍ وعذاب. لكن يبدو أنها كانت كافيةً ليجد فيها عزاءً، فقد بدأت دموع الندم تتساقط من عينيه.
ثم راح يتمتم بندم، كما يفعل كل أهل الفقيد عادة.
“رأس السنة الماضي…..كانت أسعد لحظة في حياتي كلها، منذ ستة وستين عامًا. كان يبكي وهو يبتسم في آنٍ واحد. كنت مع زوجتي وابني، نحن الثلاثة تناولنا الحساء سويًا…..شعرت بسعادة حقيقية…..ربما لأنها كانت لحظةً لم نتبادل فيها سوى كلمات طيبة.”
“….…”
“لا أحد قال له متى سيتزوج، ولا أنكَ كبرت ويجب أن تدّخر المال، أو لماذا تشتري أشياء لا تناسب سنك…..لم نقل شيئًا من هذا القبيل. فقط…ططضحكنا.عندما نظرنا إلى بعض..…”
بكى المدير وهو يتكلم، لكنه كان يبدو سعيدًا جدًا.
“لكن تلك كانت السعادة الحقيقية.”
قطع كلامه فجأة، ثم همس في الظلام الفارغ.
“لو أنني فعلت ذلك عندما كان حيًا…..حتى لمرة واحدة.”
وبعد أن قال هذه الكلمات، امسك المدير برأسه وانهار في نوبة بكاءٍ مرير.
وقفت سيان تنظر إلى قمة رأسه الشاحبة دون أن تقول كلمة واحدة.
في العادة، لم تكن لتبقى لتستمع إلى بكاء الآخرين، لكن جوون أيضًا لم يغادر. و راقبها ببطء، من رأسها إلى قدميها، كما لو كان يتذوق وجودها ذاته.
وقفت سيان صامتة. و انتظرت حتى هدأ بكاء المدير، وبدأ يعود إلى هدوئه بصعوبة.
كانت هادئة، أنيقة، ووجهها بلا تعبير.
ظلت تراقب ألم الفقد لدى العائلة، بطريقةٍ خاصة بها، حتى النهاية.
___________________
دمعت مع الابو بس مستحيل اصيح مع جوون😭
الاب برجف خايف على ولده مع صوت الرصاص وجوون؟ مستانس عالصوت وعلى برودة سيان✨
الابو يبكي وسيان هاديه وهي تعاينه و جوون؟ يتأملها✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 17"